نابغة فريق العمـــــل *****
التوقيع :
عدد الرسائل : 1497
الموقع : المنسق و رئيس قسم الفكر والفلسفة تعاليق : نبئتَ زرعة َ ، والسفاهة ُ كاسمها = ، يُهْدي إليّ غَرائِبَ الأشْعارِ
فحلفتُ ، يا زرعَ بن عمروٍ ، أنني = مِمَا يَشُقّ، على العدوّ، ضِرارِي
تاريخ التسجيل : 05/11/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2
| | الروائي اللبناني إلياس خوري في "كأنها نائمة" | |
يذكر البحّاثة المجري : مرسيا إلياد ، المتخصص في الميثولوجيا وتاريخ الأديان ، في كتابه " مظاهر الأسطورة " : أن النوم والموت ، في الميثولوجيا الإغريقية : " هبنوس " و " ثناتوس " ، أخوان شقيقان . وعند اليهود ، أيضاً ، يشبّه الموت بالنوم ، على الأقل ابتداءً من زمن ما بعد السبي . النوم في القبر ، أو في شيؤول ، أو في المكانين معاً . والمسيحيون ، بدورهم ، أخذوا بهذا التشبيه بين الموت والنوم وأحكموا صياغته : " في سلام ارقد ، ارقد في نوم هادئ ، في سلام نم ، في سلام الرب ارقد " . وهذه من أكثر الصيغ شيوعاً في الأدب الجنائزي . وقبل الدخول إلى نصّ روايته الجديدة " كأنها نائمة " ، يوقّع إلياس خوري النص ببيت لأبي العلاء المعري : " الموت نوم طويل لاهبوب له *** والنوم موت قصير بعثُه أمم " . وهو البيتُ المَدخلُ مُضافاً ، تحتاً منه ، هذا الاقتباس من لوقا : " لم تمت الصبية ولكنها نائمة " . وقد أتُِي بكلّ هذا بوصفهِ تناصّاً لا مناص من إحيائه لأسئلة الموت والنوم ، وبوصفه جرسًا لإيقاظ الفرق الصادق بين وقائع المنامات المنقسمة على وَصفَين : النبوءات و الأوهام . ونذكر أنّ هناك ، أيضًا ، في اللزميات / الجزء الأول صفحة 59 ، بيتـًا من الأبيات المتشابهة والمتماثة في المعنى ، ذاته ، لدى المعري ، وهو : " ونومي موت قريب النشور *** وموتي نوم طويل الكرى " . الصدقُ ، أيضاً ، نجده ، هنا ، في قلب بلاغة العرب الذين اطمأنّوا غداة انتقال وانتهاء المعنى وطمأنينته ، من قلب الشاعر - لا بطنه - في قلب القارئ ؛ عندما زرعوا المعاني في الألفاظ ، جنباً إلى جنبٍ ، حتى استمدت حياتها من اختلاف الألفاظ المنسجم في معنى ينصّص نفسَه بالوصف والطباق ، كما في بيت المعري الأول ، والذي نقرأه ، بعين البلاغة ، بوصفه مَدخلاً شعرياً ، لهذه الرواية الشعرية والتاريخية المليئة بالطباق بين الصفات العديدة والطباق بين الأسماء وأفعال أصحابها . والرواية تهتم بجماليات الشعر العربي بقدر ما تقرن الشعر بالموت . فقراءة لأبعاد وأغراض الرواية تبدأ من قراءة بيت المعري الذي يتطلب تعريف التشبيه .. هو لغةً : التمثيل . واصطلاحاً هو : إلحاق أمر بأمرٍ في صفةٍ مشتركة بينهما بأداة ملفوظة أو ملحوظة لغرض يقصده المتكلم ، أو قد تختفي أو تنعدم الأداة ؛ فهناك العديد من أنواع التشبيه أرقاها المؤكد المجمل ، والبليغ الذي تحذف أداته ووجه الشبه ؛ ولعل سر هذا أن حذف الأداة فيه دعوى لاتحاد بين طرفي التشبيه : الموت والنوم . وأما الطباق بنوعيه ، الإيجابي :( طويل x قصير ) ، والسلبي : (بعثه أمم X لا هبوب له ) ؛ فيضيء المعنى ويحييه . وإن لكلّ ابن آدم ، وان طالت سلامته ، نصيبًا من الطباق بضديه الإيجابي والسلبي , على أية حال . وإن لي ، الآن ، نصيبًا إيجابيّا ، على أكثر تقدير ، ذلك لأنّ الرواية رفيعة وطويلة , وهذه القراءة ، التي أشرع بتقديمها ، متواضعة وقصيرة ! الموت ، البياض ، الشعر :إذن ، تأتي " كأنها نائمة " كتحدٍّ ، أو عشق إضافيّ ، للشعر والشعراء ، كونها رِوايةً شعرية بذاتها ، وتحبّ الشعر لذاته . ومن طريق ذلك هي فلسفةُ تَحدّ ، أيضاً ، وقبول ، في آن معاً ، لأسئلة الموت والنوم ، بواسع مدلولاتهما . ميليا ، شخصية الرواية المحورية ، التي تدور كلّ أحداث الرواية في نومها ، ينطبق عليها هذا البيت ، في رأس الصفحة الـ44، من لزوميات المعري - الجزء الأول : " كَرِيَتْ فسرَّت بالكرى وحياتُها *** أكرَت فجرّ نوائبًا إكراؤُها " . هي " كانت تعرف أن العدوَّ الأكبرَ للشعر هو الموت . ليس صحيحاً أن الشعرَ يستطيع أن يتغلب على الموت .. وظيفة الشعر أن يجعلنا نتقبل الموت ونتآلف معه ، بحيث نعتقد أنَّه غَلَبَ وانتصرَ عليه ، بينما هو في الحقيقة ابن الموت وصوته السري " . ( ص205) . انطلاقاً من هنا ، سنعرف أن الروايةَ تمسكُ بوجود نزعة جنائزية ؛ تمثلها سيادة الألوان ، لاسيما البياض والشعر . مع مطالبة العين بالنزول لأدنى طبقات البياض والتأمل في خلفيات شغف الرواية بالشعر والشعراء كـ : المعري ، الأعشى ، بشار بن برد .. فأسماؤهم صفات كنائية تتّحد أو تشترك في الإشارة إلى مصير العماء ، وإن كان الأعشى يتمتّع بالصفة التى اطمأنت اسمًا له . وفي ضوء وحشة الموت في جوّ أبي العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان الضرير ، رهين المحبسين ، مضافًا لهما محبس الموت ؛ فإننا نجد دوام الودّ والألفة يربط الروائي وميليا بالشاعر الضرير المبصر . حضور الألوان وانتشارها ، على نحو مكثف ، كما لو أن ميليا تحاكي المعري الذي تحدى وأعجز المبصرين باستخدامه الواسع للألوان وخلقه للصور الحسية . ومعه شعراء عمي وخلاقون . أيضاً ، يتلاعب إلياس خوري باللغة العربية ، في ضوء تلاعب المعري وتفلسفه وتوطينه المعاني والدلالات في الحروف والألفاظ . فلنتأمل هذا الشاهد : " كانت ميليا كالمذهولة التي تستنزف أنينها كل حروف العلة ، التي اقتنعت ميليا بأنها حروف الأوجاع التي تصل كلمات اللغة العربية بعضها بالبعض الآخر جاعلة من العلة مصدر القدرة على تكييف المعاني واختصارها .. إن الحركات تشبه مجاذيف القوارب ، وإنها تقود إلى ثلاثة أصوات : الألف والواو والياء ، التي تختزل أوجاع الإنسان : آ / أو / أي ، وتشكل مفاصل الكلمات ، وتسمح لها بتسمية الأشياء " .. " اكتشفت أن الأم ، حين تكون غائبة ، ضرورة لغوية . تصرخ يا أمي لا لأنك تفكّر بالمرأة التي أنجبتك ، بل لأن شفتيك في حاجة إلى الألف التي تضم الميم وتنحني على الياء " (ص289) . هذا التلاعب هو أثر أصله في هذا البيت للمعري : " أعياك خلّ ، ولولا قدرة سلفت ** لم يكن الجمع بين الخاء واللام " . أو قوله : " فلست لهم وإن قربوا أليفا ** كما لم تأتلف ذال وظاء "وتعالوا إلى تَوسعَةِ عيوننا كقراء حتى بلوغ صفتي الجحوظ الخشوع ؛ بما هما من لوازم الموت والمفاجأة والدهشة والقراءة . الأخيرة ، بوصفها إحياء أو استنهاضًا لتناصّ الرواية مع نصوص روائية أخرى ، مثلا : التناص بين " المتشائل " في رواية إميل حبيبي وبين " الأعشى " في هذه الرواية . فسعيد أبو النحس المتشائل ، شخصية رواية حبيبي الرئيسية ، ينتمي إلى أسرة عريقة في فلسطين ، يرجع أصلها – كما يقول سعيد – إلى مَسبيّة حلبية أصلها من قبرص ، من سبايا " تيمور لنك " سباها جده الأكبر أبجر بن أبجر ؛ ويُفسّر سعيد لماذا " المتشائل " ؟ بقوله : إنه إدغام كلمتي المتشائم بالمتفائل ، فشيمة هذه العائلة بين بين ، فلا هي بالمتفائلة ولا هي بالمتشائمة . أما منصور ، في روايتنا ، والذي ينتمي لأسرة عريقة في فلسطين من حوران ؛ فيروي أبيات الأعشى الغزلية في سياق رحيل يخص أو يمهد للدخول في السياق الجنائزي . والغزليات التي يسوقها الراوي هي تورية ، تفارق عبرها الأبيات الغزل داخلة في رمزية الموت الذي هو في الحقيقة أبو الشعر . والأخير ابنه وصوته السري . منصور يطرب لموسيقى الكلام ، ويمزج بين الغزل والخمريات وبين المدح والرثاء ، يعيش الآن لحظات الفرح مع ميليا ( المتنبئة أو العارفة )، ولكنه لا يعرف أو لا يسمع صوت الموت السري وهو يروي لها عن البياض والشعر . لقد " أراد أن ينشد القصيدة ولكنه لم يتذكّر سوى مطلعها : " ودع هريرة إن الركب مرتحل وهل تطيق وداعًا يا أيها الرجل " . معقّبًا بالحكي : " بتعرفي كيف بيكمل الأعشى القصيدة ، والله كأنه عم يحكي عنك يا ميليا . "عني أنا " ؟ " تقريبًا ، بدي ياك تحسي بالشعر كأنه مكتوب عنك ، اسمعي : " غراء فرعاء مصقول عوارضها تمشي الهوينى كما يمشي الوجي الوجل " . وراح يتغزل شارحاً لها : " انت الوجي الوجل يا ميليا ، أبيض وخايف ، لا مش خايف ، كأنه خايف . البياض والرقبة الطويلة هادي مش تشابه ، هادي صفات ، أما المشي الخايف فتشبيه . بيضا وكأنها خايفة ، يعني مش خايفة ". " شو الفرق بين كأنها وبين الخايفة " ؟ سألت ميليا . " الفرق هو الشعر ، هو التشبيه ، يعني شيء بيخليك تفكر بشيء تاني ، وإلى آخره " . " ما فهمت ، قالت ، " وبعدين شو الفرق بين الوصف والتشبيه " ، سألت : " أبيض بعرف ، يعني لونه أبيض ، هيدا اسم ، مش هيك " ؟ " لا يا ميليا يا حبيبتي ، هادا مش اسم ، هادا أفعل التفضيل ، بتعرفي والله أنا ما بعرفش ليش بس أقرأ الشعر بحس حالي عم طير ، الواحد بطير على المعنى ، يعني طرب ، كيف بدك ياني أكتب شعر " ؟ " سالتْ ميليا : " الشاعر شو كان اسمه " ؟ " الأعشى" ، جاوبها ، منصور : " كان نص أعمى منشان هيك سموه الأعشى " . علامة التناص ، إذًا ، هي تشابه الطريقة بين منصور وسعيد ، فعندما سالت ميليا عن اسم الأعشى ، أجابها منصور شارحًا ، بدوره ، الحالة والصفة التي عليها الشاعر . وقد تم اتحاد الاسم في الصفة . أيضا ، سعيد أجاب ، بدوره ، مفسّرا : لماذا اسم " المتشائل "؟ بأنه إدغام صفتين متناقضتين : ( متشائم ، متفائل ) في كلمة جديدة ، تكون اسما وصفة للعائلة . تساءلت ميليا باستغراب : " أعمى وشايف جمال المرا " ؟ أجابها منصور : " شاف بقلبه مش بعيونه ، وكان ملبّك قدام المرا ، متل ما أنا ملبّك معك " .. " قالت هريرة لما جئت زائرها ... ويلي عليك وويلي منك يا رجل " . لم تسأله ميليا لماذا لا يكتب الشعر ، لأنها كانت خائفة ، ولم يكن خوفها تشبيها بل صفة " ( ص129) " رأت ميليا نفسها بيضاء في المنام ، ولم تفهم من أين جاءها هذا البياض " (15) . حيث نمسك بإلياس خوري كما لو كان شاعراً ، يحرص على تعميق المعنى باستبدال السواد الذي أساله المعري فكرًا وشعرًا على المشاكل والأسئلة الوجودية والواقع المُواجه ؛ ببياض احتفاليّ . ( لعله ناقد حفّار في الطبقات الوجودية والتاريخية والدينية ، وساخر ) . بياض أكثر اتساعاً وسيولة ورقصاً وثباتاً وانفراشاً ولبوساً وحمولةً ؛ بياض احتفاليّ وموسمي يَحلو لنا أن نُجسّده بعروس المعري ، لأن الروائي اكتفى وحسب ، بتجسيد بياضه بالعروس : ميليا ، التي أحبها منصور الفلسطيني ، وقرّر ألا يغادرَ بيروت للناصرة دونها ، فقط لأجل هذه الصفة . وأما عند الشاعر الضرير - كما نحن نتذكر - العروسُ والصفةُ معكوستان في هذه الصورة الحسية الرائعة : ليلتي هذه عروس من الزنج ... عليها قلائد من جمان " ! وهذا البيت يذكرنا بأن الرواية مُقسّمة ، إجرائياً ، إلى ثلاث ليالٍ . وقد روى منصور منذ الليلة الأولى و ما يزيد عن ثلثي الليلة الثانية ، ما روى من أشعار الغزل ؛ لأن شهر العسل الذي كان قد أمضاه في فندق " مسابكي " بشتورة ، كان ، حقّا ، مناسبة ومقامًا ينده مثل هذه الأشعار : "لاعبت بالخاتـم إنسانة *** كمثل بدر في الدجى الناجم وكلما حاولت أخذي به *** من البان المترف الناعم ألقته في فيها فقلت انظروا *** قد أخفت الخاتمَ في الخاتم " . لكن منصور الذي أعدّ أبياتاً كثيرة من الشعر العربي كي ينشدها وهو يشرب الشمبانيا في غرفة الفندق ، قبل أن يضمّ هذه المرأة الحليبية إلى ذراعيه لم يجد ، أولاً ، سوى هذين البيتين : " وجبال لبنان وكـيف بقطعها *** وهو الشتاء وصيفهن شتاءُ لبس الثلوج بها عليّ مسالكي *** فـكأنها بـِبياضِها سوداءُ " إذ يمكن تجسيد منطق الرواية بالمرآة وجهها عتمة كاملة . و، بدوره ، وجهُها الآخر هو اليقظة أو العين المبصرة . وكما لو أن خامة أو مادة المرآة المحسوسة هي ثيمة الرواية القادمة من العماء إلى المشاهدة . من الموت إلى الحياة ، يشاهد فيها طلاب السلام ، ما لا يلزم . ذلك أن ثيمة الرواية الرئيسية تتمثل بشخصيتها المحورية وتدعى : ميليا ، التي تعيش على إيقاع مناماتها وتربطها أو تراها حقيقة بحياتها . إذن ، هي نبوءات ، حتماً ، تؤدي ، فوراً أو لاحقُا ، إلى وقائع لا منجاة من وقوع سيّئها . خارج الرواية ، نحن نَعرف ، عمومًا ، أن المنامات تتغذى على وقائع ومشاهدات في الحياة على اختلاف ألوانها وأضدادها . ولكن داخل الرواية ورؤيتها الفنية يكون الحدث في الواقع صورة مُعاد التقاطها من أصلها في المنام ، وهذا يملي علينا ضرورة عكس اليقين ورؤية الموت محل الحياة ، باعتباره احتلالا لها . النوم ، في الرواية ، هو ليس الخلاص المنادى كما درجت أدبيات أخرى أن تناديه .. " مثلما جرى كاتب سوناتات أسقمه الحب على مخاطبة النوم الذي يأبي الإلمام بجفني العاشق السيئ الحظ ، يقول سيدني : " تعال أيها النوم ، أواه أيها النوم ، يا عقدة السلام المميزة يا غاسل الأذهان ، يا بلسم الهم يا ثرثرة الفقير ، يا مطلق سراح السجين يا قاضيًا لا مباليا يفصل بين العالي والسافل " . كما أن مجموع الوقائع والتجارب التي تحياها ميليا ، تالياً ، في اليقظة ؛ ليست رموزًا فضفاضة تسمح بتناولها بإفراط على نحو فرويدي . لكنها فتحت أبوابها على الدين كقصص وحكايات منتشرة عبر حركة أصحابها ومصائرهم في التاريخ والمكان . وخلال ذلك هي تقوم بتعرية المجتمع الديني المصاب بالهرطقات والدعارة المتسترة خلف أجراس الكنيسة . وتنبش في تاريخ الأديان الذي رسّخت قصصه حوادث القتل وإسالة الدماء . ولكي تزيد من حدة الرعب والرهبة من الجليل ؛ تتكئ الرواية على التفسير الشعبوي للأحلام : فرؤية تساقط الأسنان والشعر في المنام تُفسّر بالتعب والموت الذي يحياه أو يقترب منه أحد الأفراد ؛ فضلا عن الانزعاج من رؤية السمك المقلي ، في فنادق طبرية ، لاسيما " سمك المشط " ، الذي سيمثل صورة الضحية والموت بمقارنته مع سمك البحيرة الحي الذي باركه المسيح عندما مشى على الماء . فمن الرمز الديني الحي إلى غرائز الحياة السياسية . بحيث لا حياة مباركة أو قفزات في هواء البحيرة التي زارها المتنبي في 328هـ، ووصف فيها الأسد ومدح أبا الحسين بدر بن عمار بن إسماعيل الأسدي قائد الجيش في طبرية الذي كان يهوى مبارزة الاسود ، الذي ضرب الأسد بسوطه فارداه قتيلا . وسوف نتعرف على مكانة طبرية ، من الصراع ، في جانب مهم من أحداث الرواية التي تسمح بقراءتها في ضوء التاريخ المشبع بالديني المأجور كوسيلة لبناء العُقَد والخلفيات والوقائع السياسية . حيث تشكل ظلال التاريخ الديني وظلال التاريخ السياسي على بعضها طبقة واحدة ، ولا يمكن عزلهما عن بعضهما البعض . وعلى الرغم من الوجود الوهمي لهذه الطبقة ، إلا أنها تضع الرواية في العمق الفني وهي تفتح عيونها على مكان الظلال والشركاء والدخلاء ؛ لتتجلى ظلال التحولات على الطبقة الواحدة ، عبر التداخلات السردية المعقدة ، وعبر النمو السريع للشخصيات والبدائل والأدوار المتشابهة التي ستسكن وتباشر الأدوار وتُسلّمها لبعضها البعض .. تقطع و تُوصل وتقيم . إذ تتناول الرواية الوقائع والأحداث في بلاد الشام في العهد العثماني وفي ظل الانتداب الفرنسي – البريطاني ، وقبل إعلان الولادة الفعلية لواقع اسمه دولة " إسرائيل " . ميليا البنت الوحيدة لزوجين أرثوذكسيين هما : يوسف ، الابن الوحيد لسليم شاهين ، وورث عنه مهنة النجارة ، وسعدى ربة البيت التي أصيبت بالمرض الغامض واستجابت لكل هرطقات الراهبة ميلانة في دير الملاك ميخائيل . للزوجين ، إضافة للبنت ، أربعةُ أولاد ، هم : سليم ، نقولا ، عبد الله ، موسي . وعائلة شكري حوراني المسيحية الفلسطينية الأرثوذكسية في يافا ومكونة من الأم نجيبة ، ومنصور ، وأمين . أما الأب فقبل موته يورّثهم محل الخردوات الذي استعمله أمين وأمه في تصليح البنادق الانجليزية لمحاربة الانجليز والهجرة اليهودية . هناك تخطيط روائي يجعل الأسماء مَدْرجَا لثيمات ومنطلقات النص الروائي . سنرى كيف أن أسماء العائلة ، وأسماء أخرى في الرواية ، هي صور وظلال عائلية لمفاهيم وقرابات وقرارات ومخاوف وتحولات سياسية جارحة وعميقة ، جرت على بلاد الشام .ولادة ميليا :ولادة ميليا الصعبة ، في 2 تموز 1923، استدعت لجوء الداية ندرة سلوم إلى يوسف ، بعد أن شعرت بخطورة حالة سعدى . وضعت يدها الملوثة على فمه ، لكي لا تعطيه مجالا للنقاش وإضاعة الوقت ، وأمرته بإحضار الحكيم كريم تقفور حالا ، لأن الحالة جد مستعصية . أطاع وذهب شاعراً بالأذى على فمه من يد الداية الملوثة بإفرازات المخاض . على باب الحكيم دق يوسف طويلا دون مجيب ، وقد أصيب لحظتها بالإرهاق ، فجلس على درج بيت الحكيم . لكنه ، في الحال ، تذكر أن زوجته تموت ، فاتجه فورًا للبديل : الراهبة ميلانة السمينة التي ترتدي السواد ، وظلها يسقط على المكان والأشياء . لم يحبها في حياته ، في شيطانة استعملت الهرطقات والشعوذات لمنع عملية التواصل الجنسي بينه وبين زوجته التي قال لها يوسف " إن الراهبة ليست امرأة ، بل رجل متنكر في شكل امرأة ، وقال إنه يكرهها ، فحجمها ليس متناسبا مع قداستها . القديسون والقديسات ، قال ، يمتازون في العادة بالنحول ، الجسد يذوب من أجل أن تتلألأ الروح . أما المرأة ، فإن جسدها الضخم يقتل روحها النحيلة ، جاعلا منها أشبه برجل يمتلك صوت امرأة . (ص53) . الراهبة ميلانة تمثل هرطقة المسيحية . لأجل ذلك رفضت ميليا ، التي أظهرت الرواية ارتباطها فالمرأة الزرقاء ، " رغبة جدتها ملكة شلهوب بأن تسمي الصبي الذي في بطنها ميخائيل ، على اسم دير الراهبة ميلانة ، ستسميه عيسى " (ص153) . أيضا ، الداية ندرة التي آذت يوسف ، بغير قصد ، هي في مشهد الولادة على صراع مع الراهبة . لأن الحكيم ، الذي طلبت حضوره وغاب ، يمثل العلم . والراهبة تمثل الهرطقة . ولكن تحضر الراهبة ، لأن يوسف الذي لم يعثر علي الحكيم في بيته ، توجّه لسبب يجهله للدير ؛ على الرغم من أنه يكن الكره للراهبة . وحتى لو حضر الحكيم ذاته سيغيب دوره . حادثة انكسار ساق ميليا وهي صغيرة ، أظهرت أن " الطبيب الذي حضر ، في التو ، لم يفعل شيئا ، اكتفى بتقبيل يد الراهبة التي قالت له إن كل شيء على ما يرام " (ص300) . وبين ميليا وأمها ، التي أصبحت كالخاتم تضعه الراهبة في إصبعها ، صراع . فهي مصابة بالمرض الغامض ، وتقيم ساعاتها الطوال في دير ميخائيل مع ميلانة . لهذا السبب كبرت ميليا ، منذ طفولتها ، وأخذت دور الأم ، وملأت فراغ المطبخ وأصبح ماهرة في الطبخ ، وقارئة لا يفارق الكتاب يدها . بينما الأم أقبلت ، بعد عطالتها ، على الأكل بشراهة . فكانت تحمل معها إلى الدير من ما تطبخه بنتها ، وتأكل منه الراهبة ، تغرق في الجاط ، ترسم إشارة الصليب ، وترندح تراتيل بيزنطية مرصعة بكلمات من السيدة العذراء " ( ص138) ، و تقول " هيدا مش طبيخ يا سعدى هيدا تجربة ، ما بقى تجيبي من أكلات بنتك ، شو هالنكهة كأنه الواحد ، يا ربي تنجينا " (ص137) . فاللذة التي تشعر بها الراهبة ، بتأويلها المكبوت بالاتهام ، هي لذة الخطية . لكن ميليا الصبية أثبتت أن لها تجربة مبكرة مع الأمومة وتجربة ماهرة في المطبخ ، وليست عاهرة متسترة خلف أجراس الكنيسة . وبقدر ما هي على صراع مع أمها الخاضعة لهرطقات الراهبة ، بقدر ما هي بديل كفؤ يعوض عطالة أمها التي انصرفت عن دورها الاجتماعي والدنيوي . وحيث أنها بديل كفؤ يملأ فراغ الدور الدنيوي ، تمتلك وعيا ناقدا لما تقوم به الراهبة ميلانة التي دأبت على أن تعالج أمها بطريقتها . حين يحضر الحكيم كريم تقفور لا تستجيب سعدى له . ترفض أخذ الدواء ، وتستجيب للراهبة ، وتشفى . هذا يؤكد أن المرض الغامض هو نفسي أو وهمي أكثر منه عضوي ، حيث تصدّق الراهبة والواهمة ، أن الخزعبلات و لحوسة الأيقونات والرندحة بتراتيل بيزنطية مرصعة بكلمات عن السيدة العذراء هي العلاج الأمثل . كانت طلبت الراهبة من ميليا ، أثناء مباشرتها العلاج ، أن تخرج من الغرفة ، لأن الشيطان يتمثل فيها . في حين كان أبو ميليا ، الذي مات في سن الخامسة والأربعين ، يسمي ميلانة الشيطانة . إذا ، لغاية الآن ، الأب وابنته ، واحد في الموقف من المسيحية القبيحة . ولكن سوف تشبه ميليا أمها عندما تتزوج الفلسطيني منصور حوراني وتعيش في الناصرة . هناك سوف يظهر لها الراهب اللبناني طانيوس الذي طردنه الراهبات من الكنيسة ، فأتى إلى الناصرة . وهو الآن يلازم ميليا المأخوذة بمدينة العذراء ، حيث يقوم بدور الراهبة ميلانة . وهنا يصدق حدس يوسف الذي قال لزوجته أن الراهبة ميلانة رجل متنكر في جسد امرأة . بعد انتهاء عملية الولادة وخروج الطفل للعالم ، يظهر الصراع على الاسم . الراهبة ميلانة اختارت أو قررت إطلاق اسم " ميليا " على الوليد ، ورضيت به سعدى . أما يوسف فقد علق معارضا " شو هالاسم ميليا .. لا أنا بدي اسميها هيلانة " . و بين الشيطانة ميلانة والقديسة " هيلانة " جناس ناقص ، وطباق . أراد يوسف لطفلته أن تكون سمية القديسة هيلانة أم الإمبراطور الروماني قسطنطين الذي اعتنق المسيحية . فكان الفضل لهيلانة في ولادة أوّل اميراطورية مسيحية في العالم ، عاصمتها القسطنطينية التي سقطت على يد العثمانيين عام 1453 م . اليد التي قتلت الإمبراطور البيزنطي على أسورها مدافعا عنها . بعد الانتهاء من الولادة وفرض الاسم على يوسف وبراءة الطفلة ، تنتقل الرواية من ميليا الاسم إلى ميليا الصورة. فـ " بعد ذلك اليوم بأربعة وعشرين عاما ، سوف تقف سعدى مشدوهة أمام الصورة التي علقها موسى على الحائط في الليوان ، في المكان نفسه الذي رفعت فيه الراهبة جسد ميليا المغسول بالماء والملح وزيت الزيتون . وسوف تقول الأم لابنها أنها رأت الصورة نفسها يوم مولد ابنتها ، وسوف ينظر إليها موسى بعينين حائرتين مقفلا حاجبيه كي يسكتها .. الصورة التي علقها موسى على الحائط في الغرفة التي تعرف باسم الليوان ، حيث بقيت في مكانها ، ولم تسقط عن الحائط إلا عندما قرر موسى هدم البيت العتيق من أجل أن يبني على أنقاضه بناية جديدة ، البيت الذي يشبه منزلين متلاصقين ، بحديقة كبيرة ، ستحمله ميليا معها في يقظتها ونومها حين ترحل إلى بلاد الجليل . والصفحات الممتدة من 42 إلى 58 من الرواية تتحدث بتركيز عن الاسم والصورة والبيت ، والتقسيم أو التوزيع الجغرافي العائلي . أصبح تعليق الصور على الحيطان تذكيرًا بالمصير الجليل ، وليس تعبيراً عن الحب الذي نمنحه لذوينا . ميليا لم تعرف ماذا جرى لصور عرسها ، بعد أن غادرت بيروت مع منصور إلى الناصرة . ومنصور لم يسأل عن الصور . لقد وضع في البيت مرايا عدة .. قال إنه يريد للبيت أن يمتلئ بصورة واحدة (حية) يراها في الصباح أمام المرآة كي يبرهن لها أن لا شيء يشعل جمال المرأة مثل الحب . استبدال منصور الصور بالمرايا ، ترك حيطان البيت عارية إلا من المرايا ، قال لأمه التي عاتبته مرة لأنه لا يضع صورة المرحوم والده في الصالون ، مثلما يفعل جميع الناس ، إنه يكره الصور . " الصورة بتجمد الإنسان ، وبتسويه زي الميت ، أنا بحب أحتفظ بصورة الوالد زي ما هي في ذاكرتي " .. فالإنسان لا يموت ، نحن نميته حين نعلق صورته على الحائط ، وأن والده يعيش في ذاكرته ، ولا يريد أن يقتله .(ص294) . صورة ميليا التي علقها موسى على الجدار الأبيض في الليوان ، سوف تبقى في مكانها ، في البيت الذي ورثه موسى عن أمه . . لقد ترك الصورة كأنها صارت جزءا من الحائط . الصورة المطبوعة على ورقة كبيرة بيضاء ، والموضوعة في إطار خشبي أسود ، تظهر ملامح ميليا بشعرها الطويل وعينيها اللوزيتين العسليتين ، وأنفها الصغير ، وشفتاها المكتنزتين ، وعنقها الطويل ، وخديها الضامرين ، وحاجباها الرفيعين المقفلين . صورة نصفية صنعها المصور شريف فاخوري ، الذي أدخل رأسه في علبة خشبية مغطاة بقماشة سوداء ، وأوقف مليا أمام الحائط الأبيض ساعتين كاملتين ، كي يختار لها الوضعية الأجمل . وبدت في الصورة كأنها تنبثق من الحائط . إمراة بيضاء وملامح سوداء ، والتماعة ضوء تخرج من العينين " (ص42) لحظة مخاض وولادة سعدى لميليا الاسم والصورة ، هي بمثابة الخلفية و النبوءة الرئيستين معا ، من خلفيات ونبوءات الرواية المخيفة . صورة ميليا التي " ولدت يوم الاثنين 2/ تموز 1923 ، على سرير أبيض ، وضع إلى جانب الحائط الأبيض الذي علق عليه موسى صورة شقيقته " (ص44) . هي الصورة التي كرهتها ميليا ، لأنها نبوءة الموت متجسّدا في إجراء شقيقها عندما قصد منه التدليل على حبه لها في الحياة . وسبب تعليقه الصورة ، لأن شقيقته ستترك بيت بيروت لأجل للعيش مع زوجها منصور في فلسطين . ولكن من الحب ما قتل ! وقد أكثرت ميليا من صراخها : " ليش قتلتها يا موسى " كلازمة . وعندما نبحث حول عام ولادتها ، نجد أن في العام نفسه حدثين مرتبطين ، أشد الارتباط ، الأول : استقلال الجمهورية التركية ، في 29 اكتوبر من نفس ولادة ميليا . والثاني : قيام الانتداب الفرنسي البريطاني بترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين وسوريا . وكان سبق الولادة انتهاء عهد الحكم التركي ، وبداية عهد الانتداب الفرنسي البريطاني . في الثالثة من بعد ظهر السبت 12 كانون الثاني 1946، كان الزواج ، بعد أن عاشت العروس نشوة استقلال لبنان في 22 تشرين ثاني 1943 . العرس قبل النكبة ، ولكنه قبيل عرس جلاء آخر جندي فرنسي من لبنان في 31 كانون أول 1946 . لقد " صار نوم ميليا منذ لحظة موافقتها على الزواج يشبه السقوط في حفرة عميقة معتمة " (ص42) . ولأجل الحفرة ذاتها لم يتمكن منصور من عمل العرس في بلاده التي ذهبت إليها العروس لأول مرة تحديداً إلى يافا من أجل المشاركة في مأتم شقيق زوجها أمين ، هناك رأت البلاد التي تسمى فلسطين . فكان استشهاد أمين على يد الانجليز ، ولادةً لفلسطين في وعي ميليا . في بيروت لم تكن ترى البلاد ، رغم أنها عاشت نشوة الاستقلال عن الانتداب الفرنسي ، ولكنها لم تكن تبالي . لم تسمع بفصيل الأول وحكاية مملكته التي أسسها في دمشق وامتدت إلى بيروت إلا من زوجها منصور في فندق " مسابكي " . هناك أوقفها تحت صورة رجل زاحل النظرات ، قيل انه ملك البلاد السورية . ويمكن رصد صراع الفصول بين زمن ولادتها في ذروة الصيف حيث " شمس بيروت الرصاصية تقرع الشوارع بحبال من نار " ، وبين زمن زواجها في كانون أول ، عندما لم يتمكن منصور من عمل العرس في بلاده ، ولم تتمكن أسرته من المجيء لبيروت . خلفية العرس تشبه خلفية المأتم . ولكن الاختلاف - الذي هو في طبيعة الوصف لا في الغرض من الوصف - أن خلفية المأتم سوداء ، تحيل على زواج حسيبة أم يوسف من والده سليم شاهين في الليل .. حيث .. أصرت العروس (حسيبة) على مطلب واحد ؛ أن تتزوج سليم في الليل . وكان لها ما طلبت . خرجت من منزلها متدثرة بفستانها الأسود الطويل ، محاطة بوالدها وشقيقاتها الثلاثة وأزواجهن . وكان الليل يغطي موكب العرس الجنائزي . وعلى باب الكنيسة كان سليم في انتظارها لابسا عباءة حريرية مقصبة وطربوشا أحمر . وكان وحده ، مثلما طلبت العروس " (ص195) . أما خلفية عرس حفبدتها ميليا ، فأخذت تتجلي في الطبيعة : " بياض الثلج الذي كان يهطل والضباب في الطريق " التي سارت فوقها السيارة الأمريكية التي قادها سائق لا اسم له ، في الرواية ، فسمّي بمهنته ، ووصفته ميليا بالأصلع وعيناه مبرقتان . وصل الاثنان ، بعد مشقة الطقس ، إلى فندق " مسابكي " بشتورة ، والذي ارتاده الملوك والرؤساء والشعراء والفنانون . إذ أصر منصور على قضاء شهر العسل هناك . في بهو الفندق وقف منصور إلى جانب عروسه ، وكانت الصور . أرادها تقف تحت صورة تجمع الشيخ بشارة الخوري رئيس جمهورية الاستقلال في لبنان ، وجميل مردم بيك رئيس الحكومة السورية ، شرح لها كيف يلخّص هذا الحائط المليء بالصور تاريخ سورية ولبنان وفلسطين " (ص328) في غرفة الفندق الخاصة بهما ، أصاب منصور من أصابه من أثر أوصاف الطبيعة أو أحداث الطقس من ثلوج وعواصف وبرد شديد ، فلم يستطع أن يباشر قدرته ، في ليلة الفندق الأولى ، إذ عطلت الطبيعة طبيعته . والحمد لله ، فلم يصب بالهبل الذي يصيب الرجال في ليلة الدخلة ! أما السائق ، مجهول الاسم ، فقد سمع يتهامس مع إحدى الخادمتين وتحملان اسما واحدا : وديعة . ولكن الرواية لم تتحدث عن مشهد السائق في الغرفة ، وعما إذا عاش بطولته مع الخادمة . واكتفت بالاهتمام بوضع منصور الصحي ، وخوف ميليا عليه من الموت . حكايات عائلة سليم لوهلة أولى ، عند النظر في إطلاق ما ليس دارجًا أن تطلقه العائلات المسيحية على أبنائها ، كـ اسم عبد الله ، ذي الميزة الإسلامية . سنجد أن هذه الملاحظة ، التي قد تكون خارج محلها ، مرتبطة ارتباطا يكاد يكون متينًا ؛ بوعينا المتسائل في ضوء ما نعرفه عن المسيحية التي تقول بأبوة الله لابنه المسيح . ولكن قد تتلاشى الوهلة حين معايشتنا لأسرة أرثوذكسية تقطن هنا ، ولها دور في التاريخ العربي ، والسياسي ، والثقافي ، وتسمي ابنها عبد الله . وكذلك ، أن يجعل الروائي الشابين نقولا ذا الاسم المسيحي الصرف ، وعبد الله ذا الميزة الإسلامية - اللذين ورثا عن يوسف دكان النجارة ، وحولاه لصناعة التوابيت ، ولولا أن الله فتحها بوجه نقولا ( تحديدا ) وصار يعمل توابيت ؛ لكانت أسرة يوسف ماتت من الجوع - أن يجعل الشابين " يرويان عن زيارة قاما بها إلى منزل ساحر آشوري يدعى الدكتور شيحا ، جاء من العراق ويدعو الناس إلى دين جديد يمزج فيه الإسلام بالمسيحية "(ص131) فهذا ليس عفوا . كما وأنه ليس من قبيل الصدفة ، في شيء ، أن تطلق الرواية على قسيس الطائفة الأرثوذكسية في طبرية اسم عبد الله صايغ ؛ الذي عرف بتعصبه للعرب ، وتصديه للقسيس يعقوب جاموس البروتستانتي المتصهين الذي دخل طبرية هو وابنته سوزان وأكلا سمك الشمط المقلي . لذلك ، فإننا نرى الأسماء ، في ذلك ، سياسة روائية تتوزع على مسارات تأخذ شكل المنامات والحكايات العائلية . قد ينم اختيار الدارج وذي الصبغة العربية الدينية التوحيدية عن أفكار التآخي ، التمازج ، الترابط بين المسيحي والمسلم وارتباطهما بالله والوطن . بيد أننا سنكتشف إلتزام الياس خوري بتفكيك ارتباط المسيحي بالدين ، ويعمّق انتماءه الوطني . سيتجلي ذلك في شخصية منصور الفلسطيني العلماني الذي يضجر من قصص المسيح والحكايات الدينية المنسوجة عن الأرض المقدسة . إذن ، لسياسة تفكيكية ناقدة وجرئية وساخرة ، يجعل الروائي عائلة شاهين على المذهب الأرثوذكسي ، أي الإيمان القويم والسلوك الأخلاقي المعتدل والسليم . أراد ذلك ليدحض أن يكون أفرادها على الإيمان القويم والالتزام الصحيح . وحدها الهرطقات والخطايا ما تصف وتشير إلى من ينظر للكنيسة كمرجعية . لكن الصراعات طاقتها السياسية أعلى من الدينية ، وإن كانت الرواية تقصد الدين ، والمسيحية تحديدا بكل مذاهبها ، للتعرية وتوسيع وتشعيب الصراعات والانشقاقات . وهناك أمر مسكوت عنه ، فتتبع مسار حكاية الجد سليم المسيحي الأرثوذكسي ، والتأمل في صورته التي احتلت مشهدا كبيرا في الرواية ؛ يجعلنا ، وانطلاقاً من قصة مرضه الذي تذكره الرواية ، نقرأ اسمَه وصورته الإسلامية العثمانية التي احتلت مشهدا كبيرا في المنطقة . تحرير المشهد من اسم وصورة سليم الجد المريض ؛ ما هو إلا توريث الاسم والصورة للحفيد الخطاء الأناني . حيث يحافظ الخط الدرامي على القول بطريقة فنية أن : مخطئًا يورث أخطاءه لمخطئ قادم . شواهد ذلك نجدها ، يقينا ، في تركّز أخطاء العائلة في مثنّى سليم . فسليم الجد أصابه مرض وأثر في قدراته على الإنجاب ، دون أن يؤثر على انتصاب رمزيته التي طبعها أواخر عهده بخيانة زوجته حسيبة ، مع عاهرة مصرية تسكن بيروت وتدعى مريم . وتقول الحكاية أنه بعد ولادة يوسف ، أصيب سليم الكبير بمرض " الأبو كعيب " الذي يصيب الأطفال محدثًا لهم تورم في غدد اللعاب ، وأما حين يصاب البالغون ، فإن المسألة تتخذ وجها آخر . إذ يصبح الخطر هو إصابة الرجل بالحجز عن الإنجاب . فإذا سقّط " الأبو كعيب " على الخصيتين ، فمعناها العوض بسلامتكم . وهذا ما حصل لسليم . عانى الرجل طويلا من هذا المرض اللعين وجاء الطبيب العربي أكثر من مرة . ووصف له أعشابًا مرة كان عليه أن يغليها ويشرب ماءها . وعندما شفي تماما ، قال له الطبيب إن العوض على الله ، وإنه لن يستطيع بعد اليوم إنجاب الأولاد ، وعليه أن يكتفي بابنه الوحيد الذي أعطاه إياه الله . وهنا اتخذت الأمور منعطفا جديدا ، ولم يعد سليم قادرا على القيام بواجباته الزوجية . فجأة ارتخى كل شيء فيه ، وفكر في الانتحار . ذهب إلى الطبيب الذي أكد له أن المرض يقطع البذرة لكنه لا يؤثر على الانتصاب " (ص197) . حيث تتمثل الآن رمزية الانتصاب في الجمهورية التركية . وقد تطلعت العائلة ، بعد انقطاع البذرة ، إلى السلامة والمستقبل المطمئن ، وأرادت دفن حكايته وخلع صورته التي احتلت المشهد كله ، وما كادت تدفن وتخلع . لأن أخطاء سليم الحفيد ، الذي راح يعالج خطأ القدر بخطأ جديد ، تمت للأنانية وللفقر والذي أعيا سلامة العائلة . وتمت للأهواء المذهبية و التحيزات السياسية . فبسبب الفقر يسافر سليم إلى مدينة حلب السورية ، ومعه صديقه نجيب خطيب أخته ميليا . هناك يتم زواجهما : الأول من أنجيل ، والثاني من أوديت . البنتان من عائلة غنية في حلب . ولأجل أن يتخلص من البنتين دفعة واحدة ، أصر الوالد على تزويج البنت الكبيرة كشرط لزواج أنجيل الصغيرة ، ولم يجد سليم طريقة للغنى أسرع من سرقة نجيب من ميليا ، فقد دعى صديقه إلى وجبة الثراء السريعة ، قدم له فكرة الزواج من أوديت ، فامتثل نجيب للفكرة . وتثبت السنون أن سليم لم يعثر على الخلاص و السلامة ؛ لا في الفكرة ، و لا في الطريقة ، ولا في نجيب الذي اختفى وتحول اسمه رمزا للخيانة في منام ويقظة ميليا التي كانت رأته ذات منام " يجلس مع فتاة أخرى في حديقة منزلها . تقف بعيدًا وتراقب كيف يمدّ الرجل يده إلى شعر الفتاة السمراء ، ثم ينحني ويطبع قبلة على عنقها ، قبل أن يختفيا تحت شجرة التين الكبيرة . فترفض أن تجلس معه أو أن تكلمه حين يأتي لزيارتهم في اليوم التالي . ولا تعود الأمور إلى سابق عهدها ، إلا حين يمحو منام جديد منامها السابق " . بعد عشرة أعوام جاء سليم ، من حلب ، مريضًا بالفشل ، يشكو من عدم الراحة ، يعترف بخطئه ويعري أمه أمام إخوته ، حين يخبرهم بأنها باركت خطوته وتواطأت معه ، لا تستطيع أن تدافع عن نفسها يشتم عبد الله أمه وأخاه سليم لأنه حطم حياة شقيقته من أجل لا شيء . تبكي الأم وتبدأ عوارض المرض. يركض عبد الله كي يستدعي الطبيب بينما يدخل موسى غرفته ويغلق على نفسه الباب ويقرر ألا يتكلم مع أمه بعد اليوم . ولكن هذا النوع من القرارات العائلية سرعان ما سوف يتلاشى . لكن نقولا الذى شعر بأن السبب وراء مجيء سليم هو المطالبة بورثته من الدكان ؛ يرفض بشدة عودته للعمل معه ومع عبد لله في محل التوابيت ، فيعود إلى حلب . سليم الكبير كان أول من دق جرس كنيسة مار جرجس ببيروت ، لكن سليم الصغير ، وريث المذهب والاسم ، اعتنق المذهب الكاثوليكي ، ودخل في سلك الرهبان الجزويت ، ودرس الحقوق في جامعتهم وأصيب ، بالتالي ، بلوثة الهبل والهرطقة ، أو بلغة الراهبة ميلانة : تخلي عن الإيمان القويم ، من أجل أن يلحق الفرنساوية ! وهنا يحبن طرح السؤال السياسي ، لا المذهبي : هل كان أمر سليم الصغير إشارة لاحتلال فرنسا أملاك الجد سليم " الرجل المريض " ؟ وهل كان الزواج كاثوليكيا بين البيروتيين والحلبيتين ؟ أما ميليا وأبوها ، ستجمعهما صورة الضحية . يوسف ضحية أبيه سليم الذي عشق عاهرة مصرية سمّت نفسها مريم لم يستطع أن يتأكد يومًا من حقيقة اسمها ، يبدو أنها من السلالة السرية التي خلفتها حملة إبراهيم باشا في الساحل الشامي . وهنا يقع السؤال الذي احتار يوسف في الجواب عليه . من هي هذه المرأة ، وكيف دخلت في حياة العائلة ؟ وقد كلفه السؤال عينه اليمنى. وذلك الشعور الذي رافقه طوال حياته ، وانتقل إلى أولاده ، بأن الأب يستطيع أن يقتل أبيه . وعندما انكشف المستور ، قال سليم لحسيبة إنه اعتقده لصا يتسلل إلى البيت العتيق ، فرماه بحجر ، ولم يخطر في باله أن يكون أبنه الوحيد من يتلصص عليه . أصاب الحجر عين الصبي التي صارت نصف مغمضة ، ودخل سليم إلى بيت عشيقته المصرية مليئًا بالزهو " . (ص198) . لكن حسيبة كانت تعرف أنه كاذب ، وما حصل ليوسف هو بسبب القحبة المصرية مريم التي لم تكن عشيقة سليم ، كانت عشيقة رجل آخر هو الخواجة سرجيوس أفتيموس الذي لم يكن متزوجًا ، ولكنه كان أحد أوائل اللبنانيين الذين خلعوا العباءة والطربوش ولبسوا الثياب الإفرنجية . . أعزب مزمن ، درس هندسة العمارة في باريس ، وكان من جيل المهندسين اللبنانيين الذين أدخلوا نظام الأعمدة الطلياني على البيوت البيروتية الفسيحة ، التي بنتها طبقة تجار الحرير . أما لماذا يقيم رجل عازب علاقة سرية يحرص بشدة على عدم انكشافها ، فهذا أحد أسرار العائلات البيروتية الغنية التي أسست لانقراضها عبر العزوبية ، وصنعت تقليدًا اجتماعيا قائما على حياة مزدوجة ظاهرها التدين والمثابرة على الصلوات في الكنيسة ، وباطنها علاقات داعرة مع محظيات سريات ينتمين إلى واحدة من سلالتين : السلالة المصرية التي تأسست مع غزوة إبراهيم باشا ، وهي سلالة حديثة مقارنة بالسلالة اليونانية التي يقال إنها تأسست مع لإسكندر المقدوني ، والتي جسدتها السيدة ماريكا اسبيريدون " ( ص199) ، تلك الداعرة " عشيقة المطران ، إنها نسخة جديدة من القديسة مريم المصرية التي بدأت حياتها كعاهرة ثم تابت على يد القديس أنطونيوس الكبير . أما ماريكا فلم تتب ، تأتي إلى الكنيسة صباح الأحد وبرفقتها ثلاث نساء يونانيات ، يحضرن القداس ويتناولن ، ثم يعدن إلى شارع الخطأ الذي أطلق عليه اسم المتنبي ، حيث يتابعن عملهن .. تزوره الكنائس التي يصلي فيها المطران أيام الآحاد ، كمتدينة ، تلاحق المطران وتدفع تبرعات للكنيسة . وكانت اشترت أضخم ثريا ببيروت ، وأهدتها لكنبسة مار جرجس " ( ص256) بعد أربعين سنة سيتعرف اسكندر شاهين ، بطريق الصدفة ، على ماريكا . واسكندر هذا هو الابن البكر لموسى شاهين ، الذي أصيب بلوثة الأدب . سوف يشتغل في الجورنال الذي أسسه سعيد الصباغة مع آخرين ، وكان يدعى " الأحرار " والفكرة من تأسيس هذه الجريدة كانت إنشاء وسيلة لنشر أفكار الحركة الماسونية التي كانت ناشطة في سورية ولبنان ، وتدعو إلى الأفكار العلمانية وتسخر من رجال الدين . يكتب اسكندر كل كلام سيدة الكار ماريكا وتفاصيل العلاقات الجنسية مع الرجال ، لاسيما المطران و سعيد الصباغة ، ويقدمه له بعد تغيير اسمه ، لأجل نشره ، يأخذ الخواجة سعيد المقال ويضعه في الجارور ، ويقول للصحافي الشاب إنه يقدر المجهود الكبير الذي بذله في كتابة مقاله الشيق ، لكنه لن يستطيع نشره ، لان في ذلك إساءة لذكرى المطران بما يحمله هذا من احتمالات الفتنة الطائفية في بلد كلبنان .. وحين يطلب الصحافي الشاب المقال لا يحصل عليه . وهكذ ا لم يبق من حكاية ماريكا في الذاكرة سوى اسمها الذي يثير الرغبة والذكريات .. " (ص262) . أما حسيبة، فسيدافع زوجها سليم عن نفسه بفضح حكاية غرامية مدفونة وحيّة في قلبها . قالت سعدى أنها سمعت والدة زوجها ، في أول أيام خرفها ، تتكلم الفرنسية مع رجل وهمي اسمه فردينان ، ذلك الضابط الفرنسي الذي كان يربطه بها علاقة غرامية .. وعدها بالزواج ثم اختفى ، مثلما يفعل كل الجنود " (ص194) . ولعل هذه إشارة تجسّد علاقة الحب والتنصل ، الظهور والاختفاء ، حسب السياسة ، بين فرنسا ولبنان . أيضا ، ميليا ضحية شقيقها سليم الذي انشق عن الأرثوذكسية إلى الكاثوليكية ، وقتلها في قلبها عندما سرق منها خطيبها نجيب وسافرا معا إلى حلب ، حيث تزوجا من أختين متشابهتين من مدينة حلب السورية . ولعل في هذا التزاوج الإجابة على سؤالنا السابق : هل كان الزواج بين اللبنانيين والسوريتين كاثوليكيا ؟ في الواقع لم يتم الزواج بين حسيبة والضابط الفرنسي الذي اختفى . وكان هذا الاختفاء من دواعي نشوة ميليا باستقلال بلبنان . لا ، لم تكن فرحة كاملة ، لأنها حلمت حقيقتها وحقيقة جدتها حسيبة معًا في منام واحد "عندما رأت نجيب يلبس ثياب جندي فرنسي ، ويركض بين الأشجار ، كأنه يهرب منها . امتلأت الأرض بالموت ، ونجيب اختفى . أرادت أن تصرخ لنجيب كي يأتي لإنقاذها ، لكن صوتها اختنق في حنجرتها ونجيب اختفى " (ص133) . ميليا التي ترى صورا تختار من بينها ما تشاء ، وتقوم بتركيب العناصر على ذوقها ، في اليقظة رأت أن نجيب المحامي يصير وديع الفران ، ووديع يصير كاهن كنيسة الملاك ميخائيل .. وسوف يبقى اسم نجيب لديها يشير إلى الخيانة ، وأما فردينان في قلب جدتها حسيبة فهو اسم الحبّ المدفون حيّا في صدرها . كان حبّا وبقي ، ولم يكن قصة . بعد عام ظهر منصور في حياة ميليا . وقبل أعوام بعيدة كان سليم بديلا ، لا بل محتلا لجسد حسيبة . كان منصور الذي قدم من الناصرة إلى بيروت لأسباب تجارية ، عاشقا لميليا وبديلا لنجيب . كل ما حدث مع منصور في زيارته لبيروت بمثابة إرهاصات النكبة . فكانت ميليا منجاة وعوضًا عن ابنه عمته الأرملة التي تقيم في الناصرة ، سميحة التي وافق على الزواج منها ولكنها أحبت شابا من آل سعيد واعتنقت المذهب البروتستانتي لأجله . الخلاف الذي أفضى بمنصور للانتقال من يافا إلى الناصرة ، كان خلافا على طريقة العمل المسلّح الذي كانا يقومان به ضد الانجليز والعصابات الصهيونية . منصور أراد السرية في العمل العسكري ، لكن أمين الذي سيمثل عرب الداخل ، كان ثرثاراً ويفتقر إلى الحس الأمني . على هذا الأساس نشأ الخلاف بين الأخوين . الذي فهمه الجميع بأنه خلاف على إدارة محل الحديد ، انحازت أمهما نجيبة لأمين ، فاختار منصور الإقامة في الناصرة ، ومن هناك سيبدأ حياته من جديد ، ويفتح محلا للأقمشة ، ويسافر إلى بيروت لجلب الأقمشة الإفرنجية . عندما وصوله بيروت يقوم يزيارة بيت صديقه من آل رحال . ومن حديقة بيت الخواجة رحال ، يرى ميليا في حديقتها فتاة بيضاء حليبية . يحبها من أول نظرة ، ويتعلق بها ، ويقرر عدم مغادرة بيروت بدونها . ولكنه يتزوجها في 2/ كانون أول 1946 ، في بيروت ، ولا يحضر أحد من أسرته ، بسبب الأحداث الجارية في فلسطين . ولا يحضر سليم العرس . يقضي شهر العسل في فندق " مسابكي " بشتورة . وبعد فترة ينتقل للعيش في مدينة الناصرة التي ستوقظ في ميليا الإحساس بالمسيحية بوصفها المرأة الزرقاء . ولكن منصور أصرّ على ميليا أن تنبش حكايتي سليم الجد والأخ المدفونتين ، و قد أرادت العائلة طمرهما في عتمة النسيان . عند الورقة رقم 47 من الليلة الثانية ، من ليالي الرواية ، توقّف منصور عن أشعار الغزل والحب الحسي الذي اعتاد أن يرويه لعروسه البيضاء ، وقد شهد الوجه الثاني من ورقة الليلة الثانية رقم 48 الفاصلة والحاسمة ؛ انتقال وتحوّل منصور الصوتي من أشعار الغزل للهتاف بأشعارٍ ، موضوعها العدوُّ الأكبر . سيان الموت وإسرائيل . " من أين أتى منصور بهذه اللغة الجديدة ؟ ، وقف في المطبخ ، وحدثها عن الشاعر الفارس عبد الرحيم محمود ، ودار بينه وبينها مساجلة شعرية تخللتها وأعقبتها مناقشة ، ولم ترحب ميليا بكلمات : مهاوي الردى ، ممات يغيظ العدى ، الرحيل ، السيف ، الفتك ، تضريب الأعناق ، الهبوات السود ، العسكر البكر . وتتحدى ميليا زوجها الذي كان طلب منها الانتقال معه للعيش في يافا ، وكان سر تحوله هو استشهاد أخيه أمين : " جِبلي شاعر متل المتنبي ، ساعتها بروح معك محلّ ما بدك ، ساعتها بكون طعم الحرب من طعم الشعر وبكون طعم الشعر من طعم الحب ، بس هيدى ، تبع يلي بده يحمل روحه ... " أخو الشهيد أمين الذين قتله الانجليز ، لأنه كان يساهم في أعمال المقاومة عبر وضعه محل الخردوات الذي ورثه عن أبيه شكري حوراني في خدمة المقاومين ، قال : " هيدا شاعر عظيم ، ما اكتفى بالكتابة ، حمل السلاح وراح على الحرب ومات ، وسمى ابنه الطيب حتى تصير الناس تنده له أبو الطيب " ( ويخذل الطيّبُ ، أو على الأرجح ، يتاجر بشرف أبيه ! ) . ومُجدّدا ميليا لمنصور : " الشهيد على راسي ، بس شاعر هالبلاد بعد ما خلق ، ولمن رح يجي وقته رح تعرفوا انتم الفلسطينيين ان هالبلاد ما بتصنع إلا بالشعر ، هالبلاد مش أرض ، هيدي كلام معجون بالقصص ، من وقت ما مشي المسيح على الأرض صار التراب مصنوع من أحرف وكلمات " في البدء كانت الكلمة ، والكلمة كان عند الله ، وكان الكلمة الله ، يعنى هو الكلمة ، والشعر هو أعلى درجات الكلام ، وبكرا يا حبيبي بعد شي خمسين سنة لمن بيولد بهالأرض شاعر عظيم ساعتها بتصيروا تعرفوا ان الحرب ما رح ترب | |
|