هل الأخلاق ضد المادة ؟
هل الأخلاق ضد المادة ؟
هنا في هذا المقال أريد أن أطرح أحد النصوص التي يدعيها بعض المدلسين وينشرون تدليسهم بين العقول الغافلة ... يقول مدعي الأخلاق اللاهوت :
(داخل العالم الإلحادي لا يوجد معنى مادي للشر أو الظلم فالشر أو الظلم هو وضع الشيء في غير محله ومحل الحداث في عالم اللحاد هو نفس المحل الذي تحدده القوانين الفيزيائية وبما أنه لا توجد ذرة تخالف تلك القوانين.. إذاً كل حدث في الكون المادي قد وُضع في محله المادي ولذلك المفترض الاَّ يوجد في المجتمع الإلحادي ولا في الكون المادي ظلم أو شر .
دماغُ الانسانِ بما فيه من نشاطٍ عصبيّ لا يخطئُ ماديا بل يتبعُ كلَّ القوانينِ الفيزيائيةِ الصحيحةِ ولا يتمردْ على سُننها وإذا قلنا بوجود الشر أو الظلم فهذا دليلٌ قاطعٌ على أن المسئولَ عن الخطأ وأيضاً المرجع الذي به حكمنا على خطئه ليس تفاعلتٍ ولا قوانينَ مادية وهنا سنعود إلى ميتافيزيقيا الخلق، فإن ادعى الملحدُ أن ما يحتكمُ إليه الإنسانُ من قيمٍ وخلق .
"ما هي إلا قوانينٌ وضعيةٌ نتجت عن حالتٍ نفسيةٍ وعاداتٍ وتقاليد"
نجيبُه: لكنك لا تؤمنُ أنها حالةً نفسيةً للروح بل هي حالةٌ ماديةٌ لا يمكنُها أن تُخَطِّئ حالةً ماديةً أخرى, فحتى تناطحُ الذراتِ هو تصرفٌ لا خطأ فيه ما دام موافقًا للقوانين الفيزيائيةِ الصحيحة .
(السلوك المادي السليم للذرة في الدماغ) + (السلوك المادي السليم للذرة في الدماغ) + .....
= سلوك مادي سليم في الدماغ .
فمن أين أتت إذاًا تلك المعاني الخاطئة التي يُمثلها ذلك السلوك المادي السليم ؟)
الرد :
بالطبع كما نرى فإن المدلسين يربطون الأخلاق بالمادة قصد إتباث خطأ الفكر العلماني الإنساني الطبيعي , وكما يلاحظ كل عاقل أن النص مليئ بالأخطاء المنطقية الفلسفية والمعرفية الإبستمولوجية والعلمية الفيزيائية , لنبدأ بتفنيد هذا التدليس :
في البداية على كل قارئ أن يعلم جيدا أن حركة كل مادة في الكون هي حركة طبيعية .. وهنا عندما أقول طبيعية لا أقصد أنها صحيحة , ولا أقصد أيضا أنها خاطئة , بل إنها طبيعية .
أرجو من كل قارئ أن يحفظ هذه البداية جيدا , لكن إن كانت حركة المادة طبيعية كيف ظهر مفهوم الخطأ ؟ كيف ظهر مفهوم الصح ؟
إن الإشكال الذي يجب طرحه ليس هو : كيف يمكن للحركة الطبيعية المتجسد في الإنسان أن تكون خاطئة , بل الإشكال هو :
ما الشيئ الذي جعلك تعتقد بأن الخطأ هو فعلا خطأ والصح هو فعلا ً صح ؟
من الذي سمى الخطأ خطأ والصح صح ؟
عندما يقوم الإنسان بإرتكاب فعل فيزيائي طبيعي مثلا هو القتل بالسكين , فهنا هذه الحركة هي حركة خاطئة بالنسبة للذي يعتبرها كدلك .. وصحيحة بالنسبة للذي يراها كدلك .
إن كل حركة موجودة في الطبيعة هي حركة صحيحة لكن بالنسبة لنفسها , وخاطئة بالنسبة للذي يراها خاطئة .. قبل أن ينفجر البركان .. في قلب الإنفجار يقع تفاعل كميائي , وأن هذا ما أدى إلى الإنفجار ..
عندما نرى الشخص الأول قد صفع الشخص التاني .. فيزيائيا هذه الحركة طبيعية , لكنها صحيحة بالنسبة للدي سماها ورأها صحيحة وأيضا خاطئة بالنسبة للذي يراها خاطئة .
لكن الحقيقة هي أنها حركة طبيعية , أما الإشكال الدي يبقى هل هذه الحركة صحيحة أم خاطئة فيعود للدي يراها صحيحة .
لكن إن لم يقتنع المسلم هذا الأمر فسنطرح عليه السؤال التالي :
في علم الإدراك يؤكد الأطباء أن الطفل الذي يولد يكون طبيعيا , لكن كلنا نعلم أن الرضيع يستطيع أن يكذب على أمه ويتظاهر بالبكاء والصراغ بأنه فيه الجوع , مع العلم أن الحقيقة تؤكد أنه ليس جائع بل فقط يريد أن يلعب مع أمه .
ترى هل الإله خلق الرضيع على فطرة الكذب ؟؟
هنا تبدأ المعضلة التي ليس لها حل عند المسلمين وعند الدي سمى الصح صح ... والخطأ خطأ ..
ففي عالم الدين اللاهوتي ينظر إلى الطبيعة إلى أنها مليئة بالأخطاء ..
فكيف ستتصرف أخي المسلم عندما يحدث زلزال في الأرض ؟
هل ستنظر إليه من الناحية الطبيعية والتفاعلات الكيميائية أم ستنظر إلى الأمر على أن الإنسان إرتكب خطأ وأن نشوء الزلزال صادر بإرادة الله ؟
!!! لكنك تؤمن بأن الله هو الخير والصح وليس هو الخطأ والشر
إذن هنا سيظطر المؤمن قائلا ً أن الحركات هي طبيعية في داتها .. وما رأيك بتلك المساجد التي تنهار بسبب الزلازل ؟
هل الأمر له علاقة بالإله أم أن الأمر فقط حركات فيزيائية وتفاعلات كميائية .
في العالم الطبيعي لايوجد معنى للشر وللخير أيضا , إن كل ما هو خير أو شر يجب أن ننسبه للذي سماه خير وشر .
وإذا قلت أن الله خير فعليك أيضا أن تقول أن الله شر ... لأنك تعتبر أن الطبيعة والتوابث الفيزيائية هي حركات صحيحة وليست خاطئة , وبالتالي فإن انهيار المساجد بسبب الزلازل هي أيضا حركات صحيحة فيزيائيا كما تراها أنت .
وإذا إنهار المسجد بسبب الزلزال فإن هذه الحركة صحيحة فيزيائيا .. لكنها خاطئة في نظر المسلم أم أنك أخي المسلم تحاول القول أن الله خاطئ لأنه حطم مسجده ؟
ألاَّ تؤمن بأن التوابث الفيزيائية لذى الكون صحيحة ومنظمة ؟ ألا تؤمن بأن الكون هو مرصود من عند إلهك حارصا على الطبيعة لكي لا تقوم بأفعال خاطئة ؟
إذن النتيجة هي :
الخطأ هو خطأ بالنسبة للذي سمى الخطأ خطأ , وأن الصح هو صح بالنسبة للذي سمى الصح صح .
أما عن موقف الإلحاد من المادة فهي طبيعية بالنسبة لذاتها , وصحيحة وخاطئة بالنسبة للدي يلقبها ويعتبرها صحيحة أو خاطئة ... هذه هي المعضلة المخيفة التي وقع فيها المسلم .