[rtl]
ترجمة محمد العرابي [/rtl]
[rtl]«وحدها "شُعبةٌ ملعونة" كانت من نصيب؟، من حظي؟، في حياة إنسانية، بالمعنى الأكثر امتلاء (...) "الشُّعبةُ الملعونة"، هي تلك الخاصة باللعب، وبالمصادفة، وبالخطر. إنها أيضاً تلك الخاصة بالسيادة»[/rtl]
[rtl]
جورج باتاي، الأدب والشر، ص 25.[/rtl]
[rtl]
1- العقل والإلهي[/rtl]
[rtl]
توجد مسألة الشرّ في قلب أعمال جورج باتاي. وقد نجد أثر هذه المسألة مبثوثاً في أعمال روائية، مثلما في[/rtl]
|
Olivier de Sagazan Peinture |
[rtl]
دراسات للكاتب. ومن المفيد أن نضيف في هذا المعنى أنه فضلاً عن مجموع المقالات الموسومة بـ "الأدب والشر" فقد عالج جورج باتايإشكالية الشر في سلسلة من المحاضرات والمقالات، نذكر أهمها: "الشرُّ في الأفلاطونية وفي السادية"(1)، "ساد والأخلاق"(2)، "نقاش حول الخطيئة"(3)، "المقدس في القرن العشرين"(4)، "أخلاقميلِّر"(5)، وأخيراً "في العلاقة بين الإلهي والشر"(6).[/rtl]
[rtl] في أصل التعارض خير / شر يوجد، حسب باتاي، التعارض مادة / نفس، حتى لو «لم نصرح عامة بأن المادة هي الشر وأن النفس هي الخير»(7). لكن من الصحيح بالمقابل أن «الديانات الكبرى تتفق على إعطاء المادة معنى الشرّ والنفس معنى الخير »(8). هذا التعارض الذي يعتبره البعض ساذجاً يتحكم فيه مفهوم أفلاطون الذي عرضه في مؤلفه عن الأخلاق، والذي يفيد ما يلي: «إن الخير ليس هو النفْس، ولا هو الفكرة، ولا العقل، إنه سلطة العقل؛ وعليه، فسيكون الشرّ هو العقل الخاضع للمادة، وهو إذا تعلق الأمر بالأخلاق، العقلُ الخاضع للأهواء. وبذلك نشهد بداية الشرّ مع رجحان كفة الأهواء على العقل»(9).[/rtl]
[rtl] وفي مقابل هذا المبدأ الأفلاطوني الذي بموجبه يكمن الشرّ «في تحكم الأهواء في العقل»(10)، تضع الأخلاق السادية [نسبة إلى ساد] المبدأ الشرطيَّ المتمثلَ في أن الشرَّ يكمن «في تحكم العقل في الأهواء»(11). وعلى هذا الأساس يُدين كاتب "الفلسفة في صالون السيّدات". ويعتبر هذا العمل «عموماً تمجيداً للقتل»(12)، ولقسوة عقوبة الإعدام بدعوى «استحالة أن يتمكن القانون من الحصول على نفس الامتياز [الذي للأهواء]، لأن القانون، البارد من ذاته، لا يستطيع أن يكون مشرعاً على الأهواء التي يمكنها أن تبرر للإنسان الفعل الوحشي للقتل»(13).[/rtl]
[rtl] التعارض غير القابل للاختزال لهذين المبدأين هو أصل المأزق الّذي يواجهه الإنسان بدون هوادة والمتمثل في ما يلي: «إن السيادة، أي الكلمة الأخيرة، تنتمي إلى العقل –الذي يمكِّن من تصور الزمن الآتي–أو تنتمي إلى الأهواء– التي ليس لها من أفق آخر سوى اللحظة الراهنة»(14).[/rtl]
[rtl] في الرؤية الدينية، «الخير هو الله (...) والأخلاق هي حُكمه»، أمّا في الرؤية المناقضة، فإن الأخلاق تتحكم فيها "القيمة العقلية للفعل" وحدها. لكن إذا أدرك الموتُ الله، فإن الأخلاق ستجد نفسها حتماً قد جرّدت من مبرر وجودها، و«القواعد الأخلاقية التي نخضع لها» تفقد معناها. حينها لا يتبقى لنا إلا أن نقبل بالمبدأ العقلي القبلي، بأن الإنسان مرغم على «اصطناع الخير غايته حالة من الأشياء المستحبة» لاسيما وأن «كل الناس متفقون على حقيقة أن هذه الحالة تستحق أن يُسعى وراءها»(15). فقط علينا أن نقبل فضلاً عن ذلك بأن هذه الفرضية، التي تجعل «البحث عن توافق لاحق ومشترك» و«البحث عن اللذة الراهنة والخاصة» يدخلان في تنافس بينهما، لن تكون مضمونة من طرف الجميع. وسيكون هناك دائماً شخص «لا تتوفر فيه فضيلة الصبر»(16)، ولن يتم إدانته، وليس مقبولا أن يتم معاقبته على خلفية موقفه.[/rtl]
[rtl] هاهنا يكمن الدليل على «أن الخير لا يمكن أن يكون حافزاً للتصرف وفقاً للعقل، لأن العقل ليس له من شيء في ذاته يمكنه أن يتجاوز الموافقة»(17)، ولا أن يستدعي "العقل الإلهي". وعليه فإن كان الله مات، فقد دفع هذا إلى افتراض أن موته راجع «إلى كونه كائناً من عقل»(18). بكلمات أدق: موت الله راجع بشكل رئيسي إلى كون «سيادته أعلنت عن التحكم في الأهواء بواسطة العقل. وجعلها اللحظة خاضعةً وتابعةً للمستقبل. فيما العقل في ذاته كان هو الهوى الأصيل، والمستقبل، واللحظة الحقيقية»(19). فضلاً عن ذلك فإن مفهوم الله المرتكز على المبدأ القائل بأن «العقل إلهي، وبأن «الجوهر الإلهي عقلاني»(20) يصبح للأسباب التي سبقت، غير مقبول بالكامل.[/rtl]
[rtl] معنى ذلك أن الحجة الإلهية لا يمكن أن تدرك نفسها بطريقة أخرى إلاّ باعتبارها كياناً عقلياً. الفرضية القائمة حول إله لا يعتبر تجسيداً للعقل هي أكثر عبثية من القول بأنه «نتيجة خارقة للجهل الإنساني»(21). إنّ هذا الجهل الأساسي هو الّذي يمنع من التعرف، «في غمرة الليل، على الكتلة الصامتة، المتهدِّدة، وغير المفهومة»(22)، أي بعبارة أخرى ما يسميه باتاي في مكان آخر "الشّعبةُ الملعونة". وعليه، فإن الإله الذي كان في الأصل يتطابق مع "أخلاق العقاب"، يعطى معنى لغير المفهوم بمطابقته مع المنع. فقط غير المفهوم يبقى شاملاً، تماماً ككلب مسعور يضع صاحبه «طوقاً حول رقبته»(23).[/rtl]
[rtl] إذا كان علينا إذن أن نقبل بأن الإله ليس «شيئاً بدون الأخلاق»، فيتوجب علينا أن نقبل أيضاً «أن الحديث عن أخلاق بدون عقاب قائم على توافق الهوى غير المبرر مع العقل، ليس حديثاً عن الأخلاق، ولكن عن حساب»(24). والخلاصة التي تنتج عن كل ما سبق تتمثّل في ما يلي: «إن الأخلاق لا تبدأ إلا إذا تم تغيير وجه العقل نفسه، على شاكلة غضب من ألوهية، ومن هوى غير مبررَين لكنهما خاضعان مع ذلك لقوانينه»(25).[/rtl]
[rtl] في هذه الحالة، سيغدو ممكناً القبول بأن «احتدام الأهواء سيكون هو الخير، الذي لا يمكن أبداً أن يكون تابعاً لبرودة القوانين النفعية، وبأن القوانين قد وضعت لتخدم الإنسان»(26). بالاستناد إلى هذه الأطروحة، يقدم باتاي الحجة التالية: «منذ اللحظة التي لا يعود فيها العقل إلهياً، لا يعود هناك ثمة إله»(27)، ومنذ اللحظة التي لا يعود هناك ثمة إله، يصبح كل شيء ممكناً.[/rtl]
[rtl] في محاضرة تعالج نفس المسألة [أخلاق أفلاطونية وأخلاق سادية]، يدقق باتاي بهذا الخصوص: «إذا نجحنا في فك الارتباط بين الأخلاق والإلهي، وبالضبط لو نجحنا في فك ارتباط العقل مع الإلهي، فإن التوافق العميق يكون قد رسا، ويكون الغضب الأخلاقي قد تم التخلص منه بشكل حاسم». النتيجة الحتمية لهذه «الوضعية المفتوحة بشكل كامل، والجديدة بشكل كامل» هي أن الناس سيفقدون المعنى والغاية اللّذين من أجلهما يتصرفون. «لا نعود نعرف حقيقة الأمر، يضيف باتاي، حينما نقول بأن شيئاً ما هو خير ما دمنا لا نعرف على أي أساس نعد الخير خيراً»(28).[/rtl]
[rtl] بحسب باتاي، هذا الالتباس يعود إلى «القسمة الأساسية والأصلية لمبدأين»(29) هما: النفس والمادة. وتفسيره: «ما دامت هذه القسمة قائمة فستكون دائماً هناك، مهما قلنا، أفضلية للنفس على المادة، وستحظى النفس بكل الأفضلية القابلة للإدراك، بما في ذلك الإلهي من جهة والعقل من جهة أخرى»(30). يتعلق الأمر من وجهة نظره، بقسمة ثنائية بمقتضاها «يجب أن ينظر إلى الإلهي كاختزال لمفهوم المقدس»(31). والمشكلة تكمن في أن هذا المفهوم الأخير لا يمكن أن ينظر إليه كشيء يمكن اختزاله في العقل»(32). هذا الانزلاق من مفهوم إلى آخر [من المقدس إلى العقل] سيكون من نتائجه وضعهما كليهما معاً، ضمن "العالم المتعالي" هذا فيما من الواضح أن «المقدس هو تحديداً نقيض المتعالي(33)، و [أنه] بشكل أكثر تحديداً محايثة(34)»[/rtl]