الأخلاق والأزمة الإنسانية
5 يوليو 2014فكر وفلسفةسلمان الحبيب أرقى ما يجب أن يصل الإنسان إليه هو تحقيق الأخلاق النبيلة واحترام الإنسانية وحب الآخرين مهما اختلفت أفكارهم وإيديولوجياتهم حيث يكون الإنسان أخاً للإنسان وبهذا تجمع الإنسانية كل بني البشر دون أن يكون لسلطة دخيلة أثر في إفساد تلك الروح الإنسانية والأخلاق النبيلة .
لقد تأثر الإنسان بأفكار اجتماعية معينة وبتنشئة المجتمع والأسرة ولكننّا نجد أفكاراً دينية دخيلة على هذا الإنسان كان لها الأثر الأكبر في إيجاد التعصّب والعنف والإرهاب والطائفية وقد يبرّر البعض لهذا بمسألة التطبيق وخطأ المفاهيم إلا أنّ الواقع الذي نعيشه هو سفك للدماء باسم الدين وقتل وتشريد ونبذ وغير ذلك مما يرتكب باسم الأديان التي هي فائضة عند المجتمعات الدينية على اختلافها والتي وجدنا في زيادتها تراجعاً أخلاقياً ويتماشى ذلك مع رؤية (برتراند راسل ) أنه كلما زاد التدين زادت معه الوحشية والعنف .
إنّ الدافع الحقيقي للأخلاق الإنسانية يبدأ من سلطة العقل كما يراها كانت في مذهبه العقلي حيث يرجع الأخلاق إلى الواجب العقلي الذي يمثل قانوناً للذات الإنسانية دون سلطة خارجية ودون شرط أو قيد أو تأثر بالمشاعر المتغيرة ودون أن تخضع للاستثناءات .
وبهذا فإن العقل عند (كانت) ومن خلال الإرادة الإنسانية الحرّة ، يستطيع أن يدرك الخير والشر دون إملاءات خارجية أو تلقينات تغيّر البناء الأخلاقي الذي يتساوى فيه كل الناس .
ومع أن مذهب الواجب العقلي للفيلسوف (كانت ) صارم ومتشدّد حين يستبعد العاطفة أو المؤثرات الخارجية أو الاستثناءات التي قد تكون إنسانية وأخلاقية إلا أنه أكّد على حقيقة مهمة وهي أن يكون العقل مصدراً لفعل الخير وهو المرجعية التي يدرك الإنسان من خلالها الصواب والخطأ في تعامله الإنساني ولا أريد هنا أن أخوض في المعركة الجدلية المتعلّقة بالعقل والدين في إدراك الحسن والقبح حيث انتصر بعضهم للعقل كالمعتزلة وانتصر البعض الآخر للشرع كالأشاعرة وهنالك من جمع بين العقل والدين في إدراك الأفعال الحسنة أو القبيحة ومن أدخل الأمور الشرعية على العقل وضع في حسابه الأمور العبادية وهذا ليس محلّ نقاشنا لأنّ ما يعنينا في حديثنا هذا ،البعد الأخلاقي والإنساني، ويدرك ذلك بالعقل بعيداً عن الإيديولوجيات والثقافات والتنشئة الاجتماعية فكلنا يدرك بعقله بشاعة القتل والسرقة والظلم والاستبداد والعنصرية والخيانة والتشريد والإذلال وغير ذلك ، وكلنا يدرك بعقله – أيضاً – القيم الإنسانية النبيلة كالتسامح والحب والتعاون والصدق والرحمة ومساعدة الآخرين والعطف على المساكين والضعفاء وغير ذلك .
إنّ الإنسان بفطرته يدرك الخير والشر وبهذا فإن جميع الناس يشتركون في إدراك القيم الإنسانية النبيلة بعقولهم فتأتي سلطات خارجية بلباس ديني لتفسد تلك القيم وتشوه إنسانية الإنسان وكرامته .
تلك السلطات المشوّهة دخيلة على العقل وهي أشبه بما يسمى عملية ( غسيل الدماغ) التي تحاول إفساد الفطرة الإنسانية وتقويض (الواجب العقلي ) عند (كانت) وهذا ما فطن إليه الحلاج حين قال : ( ديني لنفسي ودين الناس للناسِ ) لأنّه لا يريد أن يجعل من دينه معول هدم لمن يخالفه وهذا ما يتفق عليه فيه محيي الدين ابن عربي في بيته الشهير :
أدين بدينِ الحبّ أنّى توجهتْ
ركائبهُ ،فالحبُّ ديني وإيماني
هكذا يكون الإنسان إنساناً حين يدرك القيم الإنسانية بعقله ويقوم بتطبيقها في حياته دون أن يصدّق سلطةً تنسف تلك القيم وتدّعي الصواب وتلزم الآخرين بتقديسها وهي ليستْ سوى فكر دخيل ينكرها العقل ويتبرأ منها التاريخ لما تسببه من إفساد لحياة البشر.
وكل متدين يسعى لإرضاء ربه الذي يؤمن برحمته وحبه وعدالته فإنه لا يمكن أن يقنع نفسه بأن ربه يريد منه كل ما هو غير إنساني ويتنافى مع أبجديات الأخلاق .
ويمكننا بعد كل هذا القول بأن أخلاقنا تنبع من واجبنا العقلي ولكي نكون أحراراً يجب ألا ننهزم لسلطة تدّعي الصلاح وتلبس لباس القداسة فنشوّه بذلك فطرتنا الإنسانية ونفسد علاقتنا مع كل من يختلف معنا وندعو لمحاربته وقد ندفع أنفسنا لما هو أبعد من ذلك إن لم نبدأ بصوت العقل الذي يحكم بالعدل ولا يُخسر الميزان.