[صورة للفنانة اللبنانية فاطمة الحج]-1-
أريدك الليلة معي
نيران الحروب تضيء على كل شيء
ولا وجه أشاهده على جدارن تهدمت
سوى وجه الخديعة.
أريدك معي..
الموت يحاصرني
و ذراعيّ قصيرتان جداً
لا تطالان عنقه لتهددانه بأغنية أو قصيدة
وحيدة أنا...
أبحث عن جثتي في العنواين العريضة
في الأخبار
في الشاشات الحمراء المضرجة بدمي
في تلعثم المذيعة وهي تتلو اسمي على قائمة القتلى
فلا أجدني.
تعال...
أشعر بأن الرصاصة تسكن حنجرتي
و أن رأسي المثقل بالحجارة عاجز عن اختراع
أية فكرة بإمكانها اقناعي بأنني ما زلت على قيد الحياة.
تعال قليلاً...
بزنبقة بيضاء
بإبريق ضوء
برداء من الموج.
الصحراء تكاد تبتلعني
تعال..
أريد أن أسند رأسي على حلم أبدي
يطفىء النيران بابتسامتك.
-2-
أعرف أن السكر المنثور فوق وجه الموت
لا يغير طعم الفقد
و لا الصباحات التي تفيض بالدمع
تحجب لون الشمس
و لا انزياحي عن قارات الصمت الجنوبية لبعض الوقت
يغير ما في نفس الوقت.
وأنت تعرف أن دمعي لك
وصلواتي المشدوهة الملامح لك
إلهي الصلصالي الرهبة
الذي من بين أصابعي يتساءل فيَّ عليك لك
عباءتي التي تركتها في حوزة الليل ذات جنوح لك
الخيط الذي أطرز به قصائدي لك
قلبي الذي تحت وصاية الوردة لك
قطرة الدم التي التصقت في شفاهي
يوم شقها الكلام لك
وبوصلة صمتي
وذلك الحبل السري
الذي يشنقني على أشجار إخوتي لك
والبئر التي تحتضنني
مع يوسف والذئب البريء
حجم لغتي على تخوم كل انتظار
الأساطير التي تعبر من ثقوب اسمي لك.
النور الذي سرقته خلسة من نار بروميثيوس
ابتسامة سيزيف التي تطوق محاولاتي
تمتمة الشيطان على مأدبتي
تلاوات خصر عشتار
قراءاتي النقدية في أنوثة القصيدة لك.
كمشة القمح في كف تموز...
شقائق أدونيس
وامتدادي منذ الكلمة البدء إلى حدود القبيلة
ومنذ ولادة البرق إلى رومانسية الطلقة
ولك ما تعرف وأعرف
بداية هذه القصيدة و آخر عناقيد عتبي: أيها الوطن كن لي!
-3-
الضوء شديد الوقاحة في الغرفة
لا حيل لي في النهوض نحو المفتاح
لكن أحصنة الحزن تتسابق تحت جلدي
بينما أعدو لاهثة في فيلمٍ عن حرب
كنت أنا بطلته التي وقفت خارج التلفاز
لتتفرج على حجارة الأسئلة كيف تقفز
من أفواه البنادق و الدبابات :
لماذا يموت الجنود يا أبي؟
لماذا يموت الأطفال
والنساء و الزغاريد
ولقمة الفرح المغمسة بالدمع؟
لكن أبي بعيد
والاتصالات مقطوعة إلى السماء
منذ آخر ربيع.
أُشغل نفسي بشيء آخر
بصنع سلالم كاذبة مثلاً
ولا أدري إن كنت أصنعها لأصعد إلى الله
أم لأنزل من سريري
فأطفىء وقاحة الضوء بكبسة زر واحدة.
أتذكّر أن لا حيل لي ولا قوة
ولا أريد أن أنهض من هذا الخندق الذي امتلأ
بأفاعٍ بدلت جلدها بعلمٍ وطنيّ
أعرف، أعرف...
أعرف أنها ستلدغني
وأني سأذهب لأحضر جثتي
كي أعد لها عزاءً يليق بها
وأن رجلاً ما
أخاف أن أُفصح عن هويته
سيوقفني
وسيطالبني بوثيقة تُثبت
أن الجثة هي جثتي
لا جثة أحد آخر غيري
وأعرف أني سأفشل في ذلك
وأني سأعود أدراجي خائبة بلا جسدي
بعد أن أنتقي منه جرحاً أو اثنين
ثقباً أو ثلاثة
وبعض النُدب
أعرضها على المارّة في رصيف ما
علّ يداً يسرى مبتورة في نفس الحرب
تتكفل بالموضوع فتكفنني بذات العلم الوطنيّ
وتمددني على ذات السرير
لأكمل الفيلم الطويل
تحت ضوء شديد الوقاحة
كذلك المنبعث من نيران الحرب.
وقبل أن تطفىء التلفاز
أهمسُ من جرح ما زال يفتح فمه جوعاً:
لماذا يموت الجنود؟
لماذا يموت الأطفال
والنساء
وكسرة الخبز اليابسة؟
تصفعني من عالي الألم:
لأننا نحتاج الكثير من بريق دمع
يتلألأ على الأوسمة المعلقة
على صدر أفضل مخرج
وأفضل منتج
وأفضل ممثل
في هذا الفيلم الذي تشاهدين تحت
ضوء شديد الصراحة ولا حول لك
ولا قوة كي تنامي
بكبسة زر واحدة.
-4-