أقصد بالكلاسيكية الجديدة تلك
المجازات ( لا الصور والرموز ) التي زخرت بها قصائد التراث .ومنحها
الشعراء زخما وتطورا مع بعض التغيير في نصوصهم الجديدة . ومن هنا أسميها (
الكلاسيكية الجديدة ) وهذا الانطباع يطبق على مجمل الشعر المغاربي . و فيه
(محمد بنيس ) . في (أوقات محجوزة ) تتوضح فكرة (نوارة ) أثناء قراءتنا
الأولى لها. وكأنها لا تريد إجهاد القارئ لها, ولأنها كذلك تأتي قصيدتها
غنائية . غنائية ترنم الشاعرة. لا لتكون مترنمة للقارئ, لأن الكلاسيكية
تحدها, والمجاز الممتلئ يمنعها . فتبقى أسيرة الشكل . لا المعنى , كما
دونت الشاعرة , ووزعت الكلمات القليلة على البياض الكثير , فقد تجاوزت
نوارة كتابة القصيدة الشعار,أو قصيدة ذات البعد الواحد , كما عانت –
وتعاني- بعض القصائد العربية , لكن في (أوقات محجوزة للبرد) صدى لتك
القصيدة الغائبة , إنه صدى خفيف حاضر , تضع نوارة حدا صارما له , لئلا
يتمادى , ويحتل مجمل ديوانها , فيتحايل صدى الشعار ليختبئ بين بعض القصائد ,
لكن الشاعرة تعطيه بعدا رمزيا حزينا غالبا , و مفرحا أحيانا , الحزن الذي
يلازم قصيدتها , بشكل مثقل في المجموعة الأولى , و بأشد في هذه الثانية .
و الشاعرة تعلم قبل غيرها : لا الحزن ولا الفرح يعطيانها المكانة التي
تستحق , هذه القصيدة المباشرة لم تجذره نوارة . و حواراتها تقول ذلك
. وما يمكن أن أقوله عن تجربتي عموما هي أنها تجربة طموح وآخذة في
التجريب وفي البحث عما يميزها وما يجعلها تتفرد بذاتها، كذات شاعرة..)
(ورغم الهموم الأنثوية، ذات الصبغة الكلاسيكية،
التي تنشغل الشاعرة ببلورتها في طريقها نحو رسم شخصيتها الشعرية الخاصة
،إلا إنها تنجح في إحاطة تلك "الكلاسيكية" الأنثوية المعتادة بصيغة خاصة
تصير
معها القصيدة بوصلة لاكتشاف الذات) (سعدية مفرح في مقدمة المجموعة )
التجريب والتجربة تتعمق لتقول : كيف أنها دأبت و تعبت على قصيدتها حتى
استطاعت إيصال فكرتها إلينا . إنها فكرة معرفية أكثر منها شعرية أو رمزية.
فالبحث عن الصورة الرمزية يتعب المتابع للمجموعة , هذه الرمزية التي لا
تأتي إلا متآكلة أو متشظية . هل هي صورة انتشارية . نعم . في مجمل (أوقات
محجوزة) تلد الصورة الواحدة صورا شتى , لا ينتهي القارئ من فهم معنى
الأولى حتى تصدمه الشاعرة بالثانية فالثالثة , فيبقى القارئ محتدا و باحثا
عن المجازات التي تعيده إلى ما قرأ سابقا ولاحقا , و يتوحد مع القصائد
ليصبح كائنا من لحم و دم مجازي , كما القارئ لبدايات محمود درويش
السياسي . فبعد كل قراءة منتهية تفضي إلى القراءة الثانية التي تجهد القارئ
لتجعله قارئا غير نهائي لنوارة , من هنا فرادتها . ولأني أتابع ما
تكتبه. أقول ذلك : الكثير من الشعراء هم شعراء فقط . والبعض القليل
شعراء و مفكرون . أضم ( نوارة لحرش ) إلى الإبداع الثاني . أي أنني أقرأ
شعرا و معرفة في نفس الآن . ألا يدل ذلك أن ثمة أصوانا تتداخل في نصوص
نوارة , لأن التعبير الشعري ليس واحدا , بل متعددا , أقصد أن صوتا قديما
يلف بعض نصوص (أوقات ) . إلى جانب أن نوارة تجتهد بدأب لئلا توصل قصيدتها
إلى المتابع العادي , بل تستعجل لجلب مجاز مغرق في الغموض , يغرق القارئ و
يشتته و يتوهه. إن (نوارة ) تعرف قبل غيرها الفرقَ بين الكلاسيكية الجديدة
والقديمة. الكلاسيكية التي أقصدها . رموز الشعر العربي متمسكون بها , وإن
أبوا التسمية أو دافعوا عنها . : محمود درويش و أدونيس و سعدي يو سف . و
الواجبُ الأدبي و النقدي يفرض نفسه لأقولَ لها : إن الكلاسيكية الجديدة عند
نوارة تعني أن الشاعرة تتمسك بقواعد الشعر الصارمة , وأعني هنا (الانسجامَ
) في قصائد ( أوقات محجوزة للبرد ) إلى جانب (التنسيق )الدقيق في التعبير ,
و (نبل المواضيع ) التي تطرها المجموعةُ المذكورة , والانتقاء الصارم
(للجانب العاطفي ) في الحياة . وليس أخيرا أن نوارة تتمسك (بالعظمة و
الجمال و الجلال ) , ومن هنا أهمية المجموعة التي احتفى نقاد كثيرون بها, و
أخص الناقدة ( سعدية مفرح ) التي كتبت المقدمة. و أخيرا المجموعة فرضت
نفسها علي لأكتبَ عنها بالشكل المدون , لا لأقللَ من شأن المجموعة , بل
على العكس , لأحتفي كما احتفى كثيرون غيري بها , و أظن أن نوارة لا تمانع
, ولا تصادر رأيي في مجموعتها .
الأربعاء يوليو 14, 2010 12:54 pm من طرف روزا