free men فريق العمـــــل *****
التوقيع :
عدد الرسائل : 1500
الموقع : center d enfer تاريخ التسجيل : 26/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 6
| | محمّد وأتباعه: «مسلمون» أم «مؤمنون»؟ قراءة في كتاب فرِد دونِر Fred M. Donner «مُحمّد والمؤمنون، في أصول الإسلام» الاربعاء 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 بقلم: حمود حمود | |
لنيغدو من الحصافة المعرفيّة والنقديّة في شيء، الادعاء أنّ محمداً قد دعىفي يوم من الأيام إلى شيء أسمه «الإسلام» كما نعرفه اليوم، فضلاً عنالادعاء أنه قد أسّس «دوغما عقيديّة وشعائريّة» مُميّزة عن غيرها منالموحدين، قد أمر الأمة التي تكونت حديثاً في مكة ومن ثم في يثرب،لإتباعها. أولئك الأفراد الذين سيشكلون ما تعارف عليه التراثيون بـ«صحابة» محمد، لم يكونوا سوى «مؤمنين»، وليسوا بـ «مسلمين». إنهم «مؤمنون»بالدرجة الأولى، و«مهاجرون» بالمعنى الدينيّ للكلمة بالدرجة الثانية. لايحملون هوية سياسيّة ولا قوميّة عروبيّة كما يزعم الكثيرون، إنّهم دينيونمؤمنون، وليسوا بمسلمين. هويتهم هي هويّة دينيّة إيمانيّة، مميزة، ليس التميز عن حركاتالموحدين، إنّهم يحملون استقلالاً عن عقائد الشرك. وبهذا، لا يمكن بأيحال، القول أنّ هويّة أتباع محمد هي هوية إسلامية. الإسلام كثيولوجيامنضبطة، كطقوس مُنظّمة تُمارس… أي كنظام يمارسُه مسلمو اليوم، لم يبدأ فيالتشكل إلا في الثلث الأخير من القرن السابع الميلادي/ الأول الهجري. منهذه المرحلة تقريباً فصاعداً سيبدأ أتباع محمد «يميزون» إيمانهم عن غيرهممن أتباع الأديان الأخرى (المسيحيّة واليهوديّة على وجه التحديد)، بـ«إعادة» موضعة ما ظنوه هم، الأمورَ الأصلية التي دعى إليها محمد، أي:«الإسلام»، هذه الكلمة التي بإمكاننا التعرّف عليها من خلال الجزء الثانيمن الشهادة المشهورة: «محمد رسول الله». إلا أنّ الدرس التاريخيّ النقديوالنقوش (على العملات وغيرها) سيقول غير ذلك. إنّ محمداً وأتباعَهالأوائل، أي الذين عايشوه، لم يعرفوا إلا الجزء الأول من الشهادة: «لا إلهإلا الله». أما الجزء الثاني، فهو من الإضافات التي ألحقت لاحقاً، ولايمكن بأي حال القول أن محمداً وأتباعه «المؤمنين القرآنيين» الأوائل قدعرفوا في يوم ما: «محمد رسول الله». إنّ التركيز اللاحق في تاريخ أتباعمحمد على مكانة محمد كـ «نبي» أو «رسول» من جهة، والرفض القوي لعقيدةالتثليث المسيحية والتميّز عنهم من جهة أخرى، هذان عاملان، من بين عواملَعِدّة، قد ساعدا في بلورة ما تعارف عليه بـ «الإسلام».تلك هي بعض من الأفكار الرئيسية، وغيرها كما سيأتي، قد أكّد عليهاالبروفيسور، المستشرق، فرد دونر Fred M. Donner ( 1) (ولا أعلم إذا كانيفضل هو كلمة مستشرق، الالتباسية) في مقالته الطويلة: «من المؤمنين إلىالمسلمين: الهوية الذاتية الاعتقادية في المجتمع الإسلامي الباكر(2)»،فعاد لاحقاً ليتوسع في المقالة أكثر في كتابه الذي صدر حديثاً عن هارفارد،تحت عنوان: «محمد والمؤمنون، في أصول الإسلام Muhammad And The Believers,At The Origins Of Islam(3)».خلافاً لما وصف به دونر مرةً الدراساتِالقرآنيّةَ كحقل للبحوث الأكاديمية، فتحوّلت إلى حالة من الفوضىDisarray(4)، فضلاً عن الدوغما التراثيّة، وخلافاً لمونتغمري واتوأطروحاته التي تأثرت في أواسط القرن العشرين بالعلوم الاجتماعيّة حينماأكد أنّ حركة محمد تأثرت بفعل عوامل اجتماعيّة واقتصاديّة، وخلافاً حتى لـإرنست رينان الذي يستهل له المؤلف هذه الجملة «أنّ الحركة الإسلاميّة نهضتبدون إيمان ديني»، يأتي هذا الكتاب معتمداً بشكل أساسي على مصدر القرآنوما يقدمه من معلومات (ص56)، ليقدّم رؤية مناقضة لكل ذلك، بأن أتباع محمّدكـ «حركة»، ما كانت إلا حركة دينيّة، انطلقت بثوابت إيمانيّة طلباً لـ«الخلاص» الدينيّ «Salvation»، ومن ثم «هاجرت» (الهجرة بالمعنىالدينيّ،وهذه الكلمة يقترب معناها مما تقدّمه السريانيّة والإغريقيّة) فيأصقاع شبه الجزيرة العربيّة وخارجها، على وجه التحديد سوريا، والعراق بلادالرافدين، ليؤسّسوا «مملكة الله على الأرض» ( ص 85) من خلال ما اعتقدواأنه الإيمان الصحيح وسلوك التقوى الذي نادى به محمد، ليس بوصفه نبي ولارسول، بل بوصفه قائداً للجماعة الإيمانيّة و«حَكَمَاً Arbiter».هذه الحركة الدينيّة ليست حركة تتميّز عن غيرها من الأديان، كحركةمستقلة بعقائدها وإيمانها؛ إنها بالأحرى حركة «توحيدية»، تتميز هي بذاتهاعن كل ما يخالف توحيديتهم وإيمانهم الإيسكاتولوجيّ عن المشركين والوثنيينبهوية دينية عقائدية، كان محمد قد افتتحها في مكة، ومن ثم هاجر إلى يثربليكمل ما اعتقد أنه مبشر بتلك الهوية؛ إنها حركة تضم «كل» من يشاركها منالمسيحيين واليهود، وغيرهم من الموحدين ما اعتقدوا به: الرب الواحد، اليومالآخر…الخ. وهكذا لتتحول هذه الحركة إلى «حركة أتقياء عسكرية» ( ص 85)،التي عبرت عن ذلك من خلال الحروب مع الشعوب الأخرى، لتحقيق هدف واحد، وهونشر الإيمان الصحيح ضد «الكفار الوثنيين» (ليس المسيحيين ولا اليهود)وتأسيس تلك المملكة، معتقدين بنفس الوقت القربَ الحتميَّ لحدوث ما وعدوتوّعد به الرب أي اليوم الآخر. ما كان يحرك هذه الحركة كدافع لهم، هو هذهالأفكار الدينية بنحو أساس.محمد والمؤمنون:أياًّ تكن الطريقة التي تلقى بهاعرب محمد رسالته، سواء بوصفه نبياً بالمعنى الحرْفيّ أم لا؛ ما يهمّالتأكيد عليه أنّ أفكاراً مثل النبوة والتوحيد والإيمان باليوم الآخر هيأفكارٌ كانت منتشرةً في أرجاء جزيرة العرب في الوقت الذي بدأ فيه محمدبنشر رسالته؛ حتى أنّ كتب التراث قد ساقت كثيراً من الأسماء للتدليل علىذلك سواء أكانوا أنبياء من الرجال أم من النّساء (كـ النّبيّة سجاح). وهذاما يساعد في الواقع على فهم الطريقة التي تلقى بها الناس دعوة محمد (ص31).وفضلاً عن هذا، ثمة نقطة غالباً ما يتمّ تجاهلها من قبل الكثيرين، وهي أنهإذا كانت أفكار النبوة والأفكار الإيسكاتولوجية الأخروية قد تمأسست فيالشرق الأقصى، فإنّ فكرة النبوة حينما تطلق على نبي، فهذا لا يعنيبالضرورة أنّ هذا النبي يتلقى معارفَ ما ورائية أو له اتصالات بقوى علوية(انظر: From Believers to Muslims, pp. 35-36). وفوق ذلك، إنّ انتشاراليهود والمسيحيين مع أفكارهم اليهو-مسحية، أيضاً قد سهّل إضافة إلى ذلك،على الناس قبول محمد. وربما حتى اليهود الذين كان العرب يعيشون بينظهرانيهم قد ظنوا في بداية الأمر أنّ محمداً هو «المخلص»؛ وكان القرآننفسه قد دعاه في كثر من الآيات (القسم المكيّ خاصة) بأنه ليس هو إلا نذيرأو مبشّر..الخ. ومهما يكن، يبقى من الأكيد أنّ أتباع محمد الأوائلالمؤمنين، كما تشير كثير من المصادر غير القرآنية المحدودة، أن انشغالهمالأساسيّ ليس ما يخص مكانته هو كنبيّ أو رسول، بقدر ما كانوا يهتمونبمضمون الرسالة التي كان يُبشّر بها (From Believers to Muslims, p. 38).بالطبع، لا ينفي المؤلف ورود كلمة «إسلام» أو «مسلمين» في القرآن، إلاأنها إشارات قليلة (75 مرة تقريباً) مقارنة بآلاف المرات التي أُشير فيهاإلى «جماعة المؤمنين» (ص57). أمّا ما تقوله الرؤية التراثية الإسلاميةوالرؤى العلمية الحديثة، حينما يصفون المؤمنين الأوائل بـ «المسلمين»،وحركتهم بـ «الإسلام»، فهو «مضلل» (ص57) حينما يُطبّق هذا على الجماعةالتي أشار إليها القرآن. وهكذا، سيغدو أيضاً من التضليل القول أن كلمتي«إسلام» و«إيمان» هما مترادفتان (انظر مثلاً الآية: «قَالَتِ الأعرابآَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّايَدْخُلِ الإيمان فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُلا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا» [الحجرات 49: 14]). إنهما بعكسذلك. ما أسسه محمد هو مجتمع أو جماعة المؤمنين The Community Of Believersأو The Believer’s Movement ، التي آمنت بواحديّة الرب واليوم الآخر،ورسله والكتاب والملائكة. إنها فوق ذلك، حركة «مهاجرة»؛ الهجرة لا تعنيفقط الانتقال من أرض إلى أرض، إنها هجرة دينية لجماعة آمنت بالرّب كإلهواحد، قاتلت في سبيله لنشر دينه. وقد أشير للكلمة في نصوص غير إسلاميةعديدة: في السريانية: mhaggraye في الإغريقية: agarenoi (ص 118).الكثير من الأدلة يسوقها دونر للتدليل على أنّ جماعة مؤمني محمد لميكونوا جماعة «مستقلة» و «مُميّزة» عن غيرها من الجماعات التوحيدية التيكانت منتشرة في جزيرة العرب، ومنها أصحاب الديانات التي تحمل فكراًيهودياً ومسيحياً. هكذا، سيغدو المسيحيون (واليهود؟) جزءاً لا يتجزأ منحركة محمد المؤمنة، أو ربما: Multi- Confessional Inclusiveness. وبالتاليفإنّ انضمامهم ليس لأنهم مسيحيون أو يهود، بل لأنهم «أتقياء» منخرطين فيالتقوى Righteousness (ص69- 70) نقرأ في القرآن: «وَإِنَّ مِنْ أَهْلِالْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَاأُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ» [آلعمران3: 199]، وفي نفس السورة أيضاً: «لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِالْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَاللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِالْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِوَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ وَمَايَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ» [113 حتى 116](5) وفوق هذا،هناك أيضاً الأدلة، وإن كانت محدودة، من النقوش التي تدعم وجهة نظر المؤلفهذه، مثل النقوش السريانية (انظر: From Believers To Muslims, pp. 48- 52).ومع هذا، هناك الوثيقة المثيرة التي لم ينته الجدل حولها وهي ما عرفباسم «دستور المدينة»، وقد ناقشها المؤلف مطولاً سواء في مقالته المشارإليها آنفاً أو كتابه، منتصراً بذلك لصحة موثوقيتها التاريخية بخطوطهاالعريضة وإن كان له بعض المآخذ عليها، بحيث ربما تمّ فيها بعض الإضافات منالمسلمين اللاحقين (ربما إضافة نعوت النبوة والرسولية إلى محمد). لكن علىالعموم من حيث الخطوط العريضة، فالوثيقة صحيحة. وقد اشتملت صراحة في بعضبنودها أيضاً على إشمال اليهود في مجتمع محمد؛ وهو ما يذهب إليه المؤلفبقوة.لكن بنفس الوقت لم يستطع الكتاب الذي بين أيدينا على أن يسدّ بعضالثغرات بالشكل الكافي التي تثيرها كتب التراث وبخاصة بشأن طرد اليهود من«مدينتهم» يثرب (بني النضير، بني قينقاع)، والمذابح التي قامت بحق قبيلةبني قريظة. المسألة هنا لا تتعلق فقط بالارتهان لما تقوله كتب التراث فقط(تمتد كتب التراث في الرواية لتقول أنّ عمر بن الخطاب، أمير المؤمنين(6)الثاني، قد أجلى حتى اليهود كلهم من خيبر، وقال قولته المشهورة: «دينان لايجتمعان في بلاد العرب»، رغم افتراض المؤلف أن العديد من اليهودوالمسيحيين قد تركوا بعد ذلك (الحروب) في جزيرة العرب كـ موحدين، يتعبدونبحسب دينهم (ص101))، بل بشأن هؤلاء الذين ذبحوا وطردوا، هل شاركوا في دعوةمحمد الإيمانية أم لا؟ المؤلف كما في الكتاب، سيقول أنّ اليهود قد أُشملوافي دستور المدينة. لكن أليس هناك روايات أخرى تدلل على أن قبائل اليهود لميُضمّنوا بالاسم (بني قينقاع، النضير، قريظة) في هذا الدستور؟ وبالتاليماذا بشأن مشاركة هؤلاء في حركة محمد التوحيدية؟ هل يعقل على فرض أنهمكانوا جزءاً من حركة محمد، أن يعاملهم محمد بهذه القسوة؟لقد طرد محمد قبيلتين بأكملهما من وطنهم الأم، يثرب، وذبح الثالثة عنبكرة أبيها. من جهة أخرى إذا كان هذا المجتمع اليهودي قد شكل جزءاً منمجتمع محمد، فإنه لا يمكننا الهرب من القول أنّ الدوافع السياسيةوالاقتصادية قد تغلبت على الجوانب الدينية. هل استبعدوا من المجتمعالمحمدي لأنهم كانوا خارج نطاق التوحيد «الكتابي»؟ (لا ننسى في هذا السياقأنّ المؤلف يلجأ إلى التوفيق بين كثير من المتناقضات المتواجدة في القرآنبخصوص آيات متسامحة مع المسيحيين بحيث تظهر مشاركتهم مع جماعة محمد، وآياتتهاجمهم بقسوة بالغة. وهذا المطب في التوفيق بين هذه التناقضات، هو فيالواقع تأويليّ أكثر من كونه تاريخي حقيقي؛ وقد وقع فيه المسلمون أيضاًوما زالوا). كان مونتغمري وات قد ركز على أنّ محمداً كان يتمنى اعترافاًمنهم بنبوته، وأن يعترفوا بـ الأصل الإلهي لكلامه القرآني، إلا أنّ محمداًفشل في إقناع اليهود بنبوّته، وكانوا يشكلون بالنسبة له مصدر قلق سياسيوديني؛ لكن دونر لا يميل إلى هذا. مهما يكن هناك حلقات أو ثغرات في هذهالمرحلة من حياة محمد، لا نستطيع إلى الآن التوصل إلى حلّها بالنحوالمطلوب. إنني أُثير هذا الإشكاليات في حال فعلاً إذا ارتهنا إلى الروايةالتراثية بتواجد اليهود في يثرب ومن ثم صراعهم مع محمد، ولا ننسى أنالقرآن نفسه قد أشار إلى عمليات طرد اليهود من يثرب.وحتى ربما هناك إشكاليات كثيرة تخص هؤلاء المؤمنين في اندماجهم فيسياقات اجتماعيّة مختلفة أثناء حروب المؤمنين خارج بلاد العرب الأصلية.المؤلف يعطي تلك الحروب بعداً دينياً إلى حدّ ما مبالغ فيه، رغم أنه لاينكر عوامل ماديّة أخرى (كالغنائم وغيرها) كانت وراء تلك الفتوح. لكن مايريد المؤلف أن يقوله أنّ تلك الحروب هي حروب دينية، الهدف الأساسيّ منهاهي لنشر رسالة الرب على الأرض. لا بل يذهب إلى حد التأكيد أنّ المصدرالرئيسي لطاقة المؤمنين وديناميتهم هو اعتقادهم بنهاية هذا العالم. في هذاالسياق، هناك مسألة في غاية الأهمية، وهي عدم توضيحه بنحو كافٍ بينمسيحيين خضعوا للمؤمنين (سواء شاركوا معهم إلى جانبهم في الحروب أم لا)مثل بعض القبائل، كـ «قبيلة كلب»، وبين مسيحيين كانوا يُحسبون ليس بمقوماتالمؤمنين الدينية، بل أعداء سياسيين لحركة المؤمنين، أقصد بشكل خاص شعوبمسيحية بأكملها من بيزنطة، رغم أنّ هذه الشعوب تحمل فكراً إسكاتولوجياًدينياً يتقاطع مع ما يحمله هؤلاء «المهاجرون» الدّينيون من بلاد العرب.هذا من جهة، من جهة أخرى ماذا بشأن الاندماج الاجتماعيّ والدينيّ مع هذهالشعوب والأراضي، وبالتالي التأثر الدينيّ بهم، وتأثير هذا علىالإيديولوجيا الدينية التي يحملها المؤمنون في جعبتهم؟ بنحو محدد، ماذابشأن التأثير الهلينستي في هذه السياقات على مؤمنيّ محمد؟ ربما هذه النقطةلم توضح بنحو كاف أيضاً.ما يقوله الكتاب، أنه فعلاً لقد بنى المؤمنون إلى جانب الحواضرالموجودة «أمصاراً» (جمع مِصْر)؛ وقد تُرجِمت هذه الكلمة بنحو صحيح جزئياًإلى «Garrison Towns»، التي بنيت بنحو أساس للجنود (كما هو الحال مدن بنيتفي بلاد الرافدين، بصرى، والكوفة، وفي مصر فسطاط القاهرة القديمة)، ومن ثمتوّسعت مع سكن عوائل الجنود…الخ، يقول المؤلف بنحو حرفيّ: «بنيت هذهالمستوطنات الجديدة أساساً بنحو منعزل عن المدن أو الحواضر الموجودة،وكانت تعبيراً على همّ المؤمنين للتقوى والعيش الديني، هذا الهمّ الذيقادهم ليعزلوا أنفسهم عن كل ما كان يحيط بهم من المجتمعات، التي كانتبالرغم من أنها مجتمعات مُوّحدة، إلا أنها لم تكن متشددة في سلوكها أوتعبدها الديني، لأنْ تُعتَبر مجتمعات مؤمنة حقيقية» (ص137). لكن في الواقعما هي معايير تلك المجتمعات خارج البلاد العربية من الناحية الدينية حتىبإمكاننا أن نحسبهم مؤمنين حقيقيين أم لا؟ وحتى يعتزل عنهم هؤلاء المؤمنونببناء مستوطنات منعزلة عنهم؟ هذه النقطة بالرغم من أنها مهمة إلا أنها لمتوضح بالنحو المطلوب بما يخص إشكالية اندماج المؤمنين المهاجرين مع غيرهم،وليس هذا فقط، بل ما هو مدى تأثر هؤلاء المؤمنين العرب (وربما غير العربمعهم) بتلك الثقافات والديانات، الذي سوف يؤثر حكماً على تعاليم محمدنفسها التي يحملها هؤلاء «المهاجرون»؟لا ينسى المؤلف أن يعالج إشكالية حروب الردّة والحرب الأهلية الأولىوالثانية التي قامت بين المؤمنين أنفسهم (الجمل وصفين) وما تركت هذهالحروب من آثار على الحركة الدينية المولودة حديثاً، سواء بما يخص من هوالذي يحمل الأهلية لقيادة المؤمنين (وبخاصة الحرب الأهلية الأولى)، أوسواء بما يخص الوحشية من المؤمنين التي لمسناها أثناء تلك الحروب، من قتلجماعي، الأعداد الكبيرة من الضحايا…وهذا يمنحنا في الواقع صورة عن مدىخشونة أولئك العرب والعصر الذي عاشوا فيه، أو سواء ما يخص أيضاًالانقسامات التي تركتها هذه الحروب على وحدة الجماعة المؤمنة، تحديداً فيالثانية، وما نتج عنها بدء تشكل الطائفة الشيعية. لكن يبقى المؤلف يعطيالطابع الديني الإيديولوجي أولية على كل ما عداها من عوامل سياسيةواقتصادية. وهذا برأيي أمر مبالغ فيه. لكن الشيء اللافت مرة أخرى، ماذابشأن مشاركة المسيحيين في هذه الحروب التي قامت بين المؤمنين؟ على العمومربما نجدهم في الحرب الأهلية الثانية قد انخرطوا فيها، كما أشار إلى هذادونر (ص 192).من الإيمان إلى الإسلام:ليس من المبالغة القول معدونر، أنّ الإسلام قد بدأ بالتشكّل نتيجة الأحداث الدولية بعد الحروبالأهلية التي خاضها المؤمنون ضد بعضهم البعض، مع بداية تبلور«الإمبراطورية الأموية». ولا ننسى بالطبع أنّ جيلاً من المؤمنين قد انقضتحياته، وأخذ المجتمع المؤمن يتوسع أكثر نتيجة الغزو والحروب لأراضيغيرهم، مع عدم هدوء الصراعات السياسية وبخاصة بشأن من هو الأهل ليحمل لقب«أمير المؤمنين»، هذا فضلاً عن الثقافات المختلفة التي واجهها المؤمنونالأوائل…كل هذه العوامل ستترك أثراً بالغاً في إعادة صوغ ما ظنّه المؤمنونأنه الدين الحق الذي بشّر به محمد. هل غريباً أن نجد أمير المؤمنين عبدالملك (الذي سيسمى «خليفة الله»! وهو الأول الذي أطلق عليه هذا اللقب،بخلاف ما تزعمه كتب التراث) الذي بنى قبة الصخرة في أورشليم القدس، يحاولأن يصيغ مرة أخرى ما ظنه أنه التعاليم الأصلية لمحمد؟ لقد كان في الواقعلهذا البناء، وهو شاهد تاريخي، أثراً بالغ الأهمية، سواء بناه لمطامحشخصية ليحول أنظار المؤمنين عن الكعبة (مكة كانت مسيطراً عليها من قبل«منافسه» عبد الله بن الزبير)، أم لاعتقاد في بداية حدوث أو وقوع حدثاليوم الآخر. لكن ما يهمّ أنّ هذا البناء كان من بين معالم أخرى شاهداًقوياً على بداية تشكّل الإسلام. وسيبدأ من الآن، من خلال ما يظهر من النقوش على قبة الصخرة، التأكيدعلى دور محمد كـ «نبي». الإسلام الآن كدين، نظام، عقائد، صلوات، طقوسمنظمة….كما نعهده اليوم سيحمل طابعاً وهوية ستبتعد تدريجياً عما أسسه محمدمع مؤمنيه، وهو ما سوف يؤثر على بداية رسم «الحدود» بين الإسلام والمسيحيةوغيره من الأديان التوحيدية، ويأخذ الإسلام مع فترة عبد الملك فصاعداًشكلاً مستقلاً ومميزاً عن غيره من الأديان التوحيدية. من الآن فصاعداًستبدأ التحولات تأخذ مكانها في تاريخ جماعة المؤمنين بما يخص تحديداًالتحولات في تحديداتهم الدينية: من الإيمان إلى الإسلام، من المؤمنينالقرآنيين، إلى المسلمين. لأول مرة، سيبدأ هؤلاء المؤمنون بكتابة «محمدرسول الله» (= الإسلام). وقد ظهرت هذه الجملة لأول مرة في النقوش علىالعملات في 66هـ/ 685م، و 67هـ/ 686 و 687م (ص205)، وغالباً كان هذالدوافع سياسية بين الأمويين الذين أرادوا التأكيد على مكانة ودور محمد،وبين منافسهم عبد الله بن الزبير. لكن حقيقة، كل الإجراءات الرسمية التياتُّخذت أيام الأمويين في إعادة موضعة كثير الأمور الدينية، مثل بناء قبةالصخرة، والتأكيد على دور الشهادة بجزأيها، وتثبيت مشروعية القرآن، والبدءبالتهجم على عقائد التثليث المسيحية (يخصص دونر قسماً لنقاش إشكاليةالتثليث. انظر ص212 وما بعدها)…الخ، كل هذه الإجراءات، لا يمكن بأيّ حالأن تؤكّد لنا أنها قد أخذت طريقها إلى الإيمان الشعبي في هذه المرحلةالزمنية؛ وكما يؤكد دونر، أنه لا نستطيع القول أنّ التحول من الإيمان إلىالإسلام قد اكتمل في هذه الفترة، لأنه: «ما زلنا نجد دلائل تقارب فيالتعاون بين المسيحيين (وربما اليهود) مع المسلمين لسنوات عدة بعد ذلك» (ص221 وما بعدها؛ انظر أيضاً بعض الأمثلة). إلا أن التاريخ بعد هذا الزمنبتحولاته الكبرى ستكون له الكلمة الفصل، وبخاصة في إعادة، وتكرير الإعادةفي صوغ ما يعرفه مسلمو اليوم: الإسلام.حقيقة، عند المؤلف الأدلةالتاريخيّة الكثيرة وحتى التأويليّة، لكي يدلل على صحة فرضياته التي مازالت غائبة عن عرب ومسلمي اليوم. لقد قرأ قراءة نقدية وجميلة ومهمة حتىالنقوش التي تدلل على ذلك، ومنها ما كتب على قبة الصخرة في أورشليم.ربما ليس بوسعنا أن نقرأ كلَّ شيء فيما ورد في الكتاب، لكن بإمكانيالقول بدون مبالغة، أنّ هذا الكتاب يمثل ثورة تاريخية، يمنحنا صورة كيفانتقل أتباع محمد «من الإيمان إلى الإسلام»، رغم أنه هناك بعض الثغرات بينهنا وهناك، وبغض النظر عن اختلافنا في بعض المواقع مع العديد من الرؤى،لأنها ما زالت إشكالية، وترتبط بشأن أصالة القرآن ونسبته في صوغه (في عصرمحمد؟ أم بعد محمد؟ أم حتى قبل محمد؟) والتعديل الكثير الذي طرأعليه….الخ، فضلاً عن أمور جدالية أخرى مثل مسألة علاقة محمد مع يهوديثرب…الخ. مهما يكن، ليس بوسعنا في هذا السياق تناول كل أفكار الكتاب،وبخاصة أنه مليء بالأفكار الجديدة، وربما كل واحدة تحتاج إلى وقوف مطولعندها. إلا أنه كتاب مهمّ جداً وبخاصة أنّ مؤلفه، متألق جداً في الدرسالتاريخي، للشرق الأدنى وثقافاته. | |
|