** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
زهور جهنّم… الثلاثاء 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 بقلم: أم الزّين بن شيخة   I_icon_mini_portalالرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 زهور جهنّم… الثلاثاء 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 بقلم: أم الزّين بن شيخة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
هشام مزيان
المشرف العام
المشرف العام
هشام مزيان


التوقيع : زهور جهنّم… الثلاثاء 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 بقلم: أم الزّين بن شيخة   Democracy

عدد الرسائل : 1762

الموقع : في قلب كل الاحبة
تعاليق : للعقل منهج واحد هو التعايش
تاريخ التسجيل : 09/02/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 25

زهور جهنّم… الثلاثاء 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 بقلم: أم الزّين بن شيخة   Empty
03112013
مُساهمةزهور جهنّم… الثلاثاء 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 بقلم: أم الزّين بن شيخة


زهور جهنّم… الثلاثاء 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 بقلم: أم الزّين بن شيخة   Arton11533-42bda





 



جلست على باب جهنّم تُغنّي آخر أغانيها قبل أن تُدفع نحو الصّراط المستقيم… لكنّها تعلم جيّدا أنّها لم تكن تملك أيّ شيء مستقيم… كانت تفضّل دوما الهندسة الحمقاء والخطوط المنحرفة… قالت :



من غلّق الأبواب في وجه السّنابل؟



من حوّل زهوري إلى قنابل؟



هرّبوا الحلم بعيدا…



صرت غماما وسحابة



صرت كئيبة مثل الكآبة



كابوس وسجن جديد…"



قاطعها متهكما :



"ها أنت يا أقحوانة تدفعين بنا رأسا إلى الجحيم… ماذا فعلت غير زرع الصّحاري في كلّ ركن من أركان روحك… وماذا فعلت بحروفك الحزينة غير توريطها في نهر العدم؟ ألا تخجلي من إرادة الهلاك التي تنثريها وبالا على الجميع؟ ها أنت تبتلعين الجميع بين أحشائك وتدهسينهم بلا رحمة… أيّ روح غريبة أنت يا أقحوانة؟ وماذا فعلت بأبنائك غير الزجّ بهم في سراديب كوابيسك القديمة؟ أنت كابوس أم كارثة؟ لماذا أسقطت كلّ شخوص الرّكح في قاع الهاوية؟ ماذا تبقى لك غير الخراب تبذرينه على كلّ العابرين والصّاعدين في تفاصيل أوهامك؟



تدوّي قهقهات مريعة في الأثير… ويأتي صوتها يتهادى في كبرياء وصلف… صلدة كانت “كجلمود صخر” كأن لم تخترقها الحكاية… وكأن لم تعبر كلّ هذا الداموس الطويل ..صاحت قائلة :



“من أنت أيّها المتعجرف المتغطرس الجحود النّاكر للجميل… ألم أجدك تائها فآويتك داخل سقفي ودسستك بين جرحي وحرفي؟ وما الذي ساقك إليّ في عمق هذه المهاوي؟ وأيّ نوع من الكائنات سمحت لك بأن تعكّر علينا صفو الكلمات الرّاقصة والأحداث الآتية؟ من جاء يعطّل فجري هذا اليوم؟”



“أنا شيطانك يا أُقحوانة. ضقت ذرعا بحياة التسكّع بين الأشباح والأرواح المذنبة… وجئتك اليوم أطلب استقالتي من منصبي… سوف أتّخذ لنفسي حياة أخرى… أريد الرّحيل إلى جسد جديد… أريد أن أزرع حدائق جميلة وأن أرقص حذو الزهور البريئة… كفاني سياسة وسخافة… لم أعد أتحمّل حماقات هذه المدينة التي تحملينها على ظهري كأنّي بغل قديم”



تقترب أقحوانة… وتهمس له : “هدّئ من روعك أيّها الكائن المريع… كفاك تذمّرا… سوف أخترع لك وجهة أخرى…”



قاطعها في لهفة :“وإلى أين ستذهبين؟ لقد جبت بنا البحر والبرّ… والأعماق والسطوح… والثورات والانهزامات. وعبرت بلاد الغول والمغول وقابلت شهريار والمارد الأسود… وفتحت قرطاج ثانية ودمّرت الماضي والآتي… لقد ألّبت اليسار على اليمين وأضحكت اليمين على اليمين… ونكّلت بكلّ الصّدفات… لقد قدّمت أبنائك قرابين لركح أنهار بالجميع… ماذا تبقى لك غير الجحيم؟”



ردّت عليه في تهكّم : “هو ذاك أيّها الشّيطان الجميل… أنا أطلب الجحيم… أيّتها الرّوح الواهنة العجفاء لا تستعجل على النّهاية… ليس هناك يوم أخير… ثمّة دوما حياة وحكاية… أجساد جديدة وبلاد جميلة تنتظرنا في مقطع كل رواية… مدن وحدائق داخل كل روح تطفح بالرغبة وبالعذاب وبالبأس والضراوة والوحشية… لست مفترسا بما يكفي… لست شرسا بما يكفي… لست شيطانا بما يكفي… تريّث قليلا… سوف تنضج تدريجيا على يديّ… سوف أجعلك كائنا رخاميّا… أيّها الرّخوي المخنّث الملبّد بالسماوات القديمة.”



أجاب في غضب : “أنت تعيّريني الآن يا أقحوانة وأنا من صاحبك وآنسك وغذّى وحدتك بالعشق والشبق والكوابيس والنّزق… أيّتها الرّخوية البشريّة الثديية… لم يبق لديك بما تعديني… أطلقيني بعيدا…إنّ جسدك يحتضر… فبأيّ جسد سأحيا بعدك؟”



قاطعته قائلة : “مازال لديّ بعدُ حرائقي أهديك إيّاها قليلا قليلا كلّما نجحنا في الدّخول معا إلى الجحيم… ليس لي جسد أقدمه قربانا لموتة حمقاء… أنا كائن ناري لا يموت محتضرا على فراش كسول… أنا أحترق كل يوم بمقدار الحرائق في بلدي… كن قنوعا بقدرك معي… والاّ ورّطتك في أجساد فارغة لا مكان فيها لغير الغازات السامّة”



هدأت نفسه… ولانت و تذكّر عطورها ولياليها وحركاتها النّاريّة وحكاياها العسلية… كانت تلاطفه أحيانا وتضحكه أخرى… وعلى الرّغم من أنّ لحظات عذابها وغضبها وكآبتها وشؤمها أكثر من لحظات عشقها ولطفها وحبّها… قرّر أن يغفر لها وأن يحبّ قدره معها… فهو لا يحب النّفوس الوديعة والمطيعة والخائفة والواهنة والضعيفة…



اقتربت منه في تؤدة… جذبته إلى صدرها تستعيده إلى الدّاخل في حركة غامضة لا تُتقنها غير النّساء… حملته بين أحشائها واتّجهت به نحو منزلها الواقف في آخر الجحيم… بيت من قصدير ونار تضطرم في فنائه… تراقصت ألسنة اللهيب فرحا بقدومهما…



“توهّجي أيّتها النّار المباركة… توهّجي وانتعشي… اليوم حفل بهيج… إنّه عرس زمرّدة جارية النّهر الأرجواني على خزعبل أحد أسياد زبانية جهنّم…”



انتعش الشّيطان شلولم… وهمس إلى نفسه “ثمّة الكثير من العمل ينتظرنا هذه الليلة”… لقد كان يعلم أنّه المخوّل الوحيد الذي سيحضر هذا العرس كاملا وبكل لحظاته بل… من دونه لن يقع هذا الأمر… وأيّ عرس هو وأيّة عروس… تلك الجارية الهيفاء ذات الحسن والبهاء… كيف ارتضت ذاك المارد القبيح زوجا لها؟ آه لو كنت قد سجدت للآلهة منذ بداية الخلق لسمحوا لي بجسد لحمي ولكنت قادرا على تزوّجها بدلا عن زبانية جهنّم…



سمع صوتها الغاضب من بعيد : “أين أنت أيّها الشيطان الماكر؟ التحق بي إلى حديقة المنزل… ثمّة حفر عميقة في بيتنا يا شلولم”



التصق بها هلوعا : “عن أيّة حُفر تتكلّمين يا أقحوانة… إنّي لا أرى غير الزّهور والأعشاب الجميلة”



أجابته : “نعم ههنا حُفر تنتثر في كل مكان… وليس لأنّك لا تراها هي لا توجد… عليك أن تعدّل عيونك على التحديق بالمهاوي والمغاور… هذه الحُفر تهدّد الزهور الصغيرة التي لا تحسن العيش إلاّ بين أنامل الثرى القريبة من أيادينا…”



قاطعها على عجلة من أمره : “أسرعي يا أقحوانة لقد سئمت ألاعيبك وعشقك للنبش في الأعماق… أرني هذه الحُفر حتّى أتمكّن من ردمها… إنّي مدعوّ إلى أعراس أخرى… فكل انفعالات أهل الجحيم تنتظرني… أنت تضيعي عليّ سوقا كاملة في آداب المعاشرة والنّكاح والختان… فقد انتعشت تجارة الزّواج بأشكاله هذه الأيام من زواج الساعة إلى زواج المسيار إلى الزّواج النهاري إلى الزّواج العرفي… الخ… كلها استثمارات في مكنة النسل البشري التي لا تستقيم من دوني”



صاحت به وقد فرغ صبرها على ترهّاته وفتاويه الزّائفة ونهمه على اللّحم البشري : “تمهّل أيّها المتلهّف على النهايات… أيّها المستعجل على الاستقرار بين أحشاء الظلام غير آبه بما سيحدث لعُشّاق النّور بعدك… كلّ الطامعين في الغنيمة وكلّ الجائعين على القيامة لن يحصدوا غير أوهامهم وانفعالاتهم القديمة… احذر من التهوّر يا شلولم… قد يسقط بنا المستقبل ثانية في الذاكرة القديمة… وقد نجرّ الجحيم إلى مستقبل مضى منذ زمن في غفلة منّا…”



سأل في استغراب : “عن أيّ مستقبل تتحدّثين؟ أم نسيت أنّي لست من الآدميين… وأنّ الشّياطين لا يهمّهم إلى أين يسير بهم القدر… إنّ الزّمان كذبة البشريين لاحتساب الساعات التي تفصلهم كلّ يوم عن حتفهم… وعن أيّ حُفر تبحثين؟ ليس في حديقتنا غير السطوح المزركشة بالأقحوان وشقائق النعمان والياسمين… ألا ترين أنّنا في عرس جميل وأنّ الموائد مبسوطة من أجلنا يملئها التفّاح والعنب واللحم السمين…”



ردّت في سخرية : بلى… إنّما هو حفل خليع… وأحشاء عطنة وبقايا بشرية مخجلة… ولحوم مخزية جلبوها غصبا عنها… أغلق عليّ باب الجحيم… قبل أن يصدّق أهلي بهذه الغنيمة الكاذبة… سيصلون حتما بعد حين متكالبين على الغنيمة… أبعد عن طريقهم هذه السراديب القاتلة"



تقدّم من قلبها أكثر وبدأ يدبّ في عروقها العميقة… محاولا أن يفهم ما تريده هذه المرأة الشّيطانية المحترفة… كيف تفوز عليّ في المكر والخداع والترعيب؟ كيف تنجح جيّدا في لعبة الخفاء والغموض؟ من أين لها كل هذه المهارة في سكن المغاور الدفينة للبشر وأنا الذي خلت نفسي أقدر من أيّ إنسيّ وجنيّ على الاندساس في متاهات الشرّ الكوني؟



أحسّت بدبيبه السريّ وسريانه البطيء بين دمائها… لقد نجحت في استيعابه يا أقحوانة… هكذا تكوني قد ابتلعت كلّ شيء في أحشائك… ألا تذكري ما فعلت بأبنائك؟ لقد مسختيهم أطيافا من الكائنات من أسماك إلى أشباح إلى شهداء إلى شهرزاد وشهريار… هل مازلت تذكرين زعفران وياسمين؟ أين زجّ بهما قلمك اللعين؟ وهل تجرّبين في أطفالك الحقيقيين؟ ألا تخجلين؟



أرادت الخروج من هذه الدائرة المربّعة… هندسة حمقاء سجنتها بين شيطان كسول وأحلام صارت إلى كابوس وثورة شعب تاهت في منحدرات الداموس… شعرت بالذّنب تجاه ابنها زعفران والطفلة ياسمين التي وُلدت فجأة من غصن يتيم سقط شهيدا في حديقة بعيدة… وقرّرت أن تنقذهما من شهرزاد التي مسختهما لحما للحكايا وغلّقت دفّتي الكتاب وألقت به في أحد سراديب جهنّم… خوفا على حكاياتها من الحرق من طرف ملوك العرب…



فاجأها بطلب غريب : “ما رأيك يا أقحوانة أن نعقد عقدا بيننا؟ أنا أردم لك كل مهاوي جهنّم وأجعل الأرض تستوي بين أياديك… وأعيد للزهور الأمن والطمأنينة… وأنت تحرّريني من جسدك الذي صار هرما غير قادر عن إيواء الشّياطين وعن إتيان المجون؟”



ردّت عليه بصوت خافت كمن يفشي سرّا خطيرا : “اسمع يا شلولم… سوف أأتمنك على سرّ يبقى بيننا طيلة مماتنا في هذا الجحيم… إنّي خائفة على هذي المدينة… إنّها قرطاج العظيمة… بيت عليّسة التي أخفت في أعماقها كل الجلود وكل أسرار الخلود وكل ثروات روما القديمة… قرطاج هي بيتنا وهي جهنّم التي لا تراها العيون الكسولة… زرعوها ألغاما وحفروا حدائقها في كل مكان بحثا عن الذهب والزبرجد والياقوت… لم يجدوا غير أطماعهم… لكنّهم تركوا لنا الحفر في كل مكان… اكتم هذا السرّ… ولا تجعل أحدا يقرأ هذه الرواية… سنكون أضحوكة أطفالنا القادمين… هيّا أسرع نظّف معي أركان الحديقة من الألغام الخفية… وإيّاك أن ينفجر عليك لغم منها… احذر من السقوط… حدّق جيّدا بكل ما أوتيت من عيون… يكاد السرداب يبتلعك قبل أن تخطو خطوتك الأولى”…



وقبل أن يبدأ عملية تنظيف الحديقة… لاح له من بعيد مشعوذ يجلس على صخرة من مرمر منقوش بحروف رومانية… ونار في عنفوانها تراقص اللهيب وتنذر بحريق آخر… كان يجلس القرفصاء مرتعشا من صقيع أوهامه… وها هو يتمتم بلا انقطاع ويلقي بالجمرات رجما للأرواح الساكنة في ضباب الجحيم… وفجأة لاح له طيف امرأة من نار عارية تماما تمدّ بأيديها نحوه أن أنقذني من نيراني وخلّص جسدي من فظاعة هذا العري… كانت أشبه بملاك خرجت للتوّ من الغمام…



أصابه الهلع الشديد… أزبد وأرعد وصاح ساخطا : " إليّ يا زبانية جهنّم بثوب يستر عورتها وبعصا حديد لجلدها… هيّا احجبوا عنّي ذنوبها واجلدوها مائة جلدة… لقد ضقت ذرعا بأجساد الحوريات الملقاة على قارعة هذا الطريق…



وما إن صمت المشعوذ حتّى تقدّم منه أحد الزبانية… كان ماردا أسودا في قامة السماء… أشعث أغبر مكفهرّ مزبد معربد… وكان يحمل الكارثة في أخاديد وجه مثقل بالخطايا وبدموع السبايا ودعوات الرعايا… ألقى على جسدها النحيف المتوهّج بلهيب النار الموقدة نقابا جاهليا أسودا حالكا بلا فجر… لملمها في حركة متوترة كمن يلملم كيس قُمامة… ارتعدت فرائصها خوفا ورعبا… وانهمرت الدموع من عينيها طوفانا… ألحّت عليه بإطلاق سراحها مقابل كأسا من خمرة معتّقة من عنب الجنّة المجاورة لجحيم المشعوذ… استسلم لدلالها ولسحرها… رقّ قلبه على الرّغم من أنّ جنس المردة لا يملكون في العادة أيّ ميل للنساء… ففكّ عُقالها… قفزت من بين قبضته الفظيعة وتسلّقت في حركة رشيقة خاطفة شجرة التفاح الواقفة منذ دهر في قلب جهنّم… وراحت تنشد قصيدا بعنوان “زهور جهنّم”……….



وما إن أكملت إنشادها بصوتها الملائكي العذب وبلثغة جميلة في حلقها… حتّى جرت الأنهار من بين أقدامها ماء عذبا سلسبيلا… ارتمت تسبح كسمكة عمرها ألف عام… أغرته بعرائها الفظيع… لم يتمالك نفسه… باغتها وأمسك بها بقبضته اليُسرى كمن يقبض على عصفور ضعيف… وصاح بها : “هاتي ما وعدت به أيتها الأنثى الماكرة… ما كان لك أن تعبثي بشهوة مارد من جهنّم”



ولمّا رأى شيطان أقحوانة ما رأى اغتاظ وأحسّ بكرامته في الميزان جمّع ما لديه من جسم هشّ واتّجه نحو المارد وخاطبه في غضب : “اتركها يا خزعبل… أيّها المارد اللعين… ما هكذا تُعامل حسنوات الجحيم… دع لي هذا الجسد الجميل… فأنا أدرى بشهواته وانحرافاته ونزواته… أنا الشيطان الجميل الذي وحده يتقن جيّدا سكنى الإناث من البشر… أبعدوا شعوذاتكم وذنوبكم الكئيبة عن هذه الأجساد الجهنّمية… أعيدوا إلى جهنّم براءتها… أعيدوا إلى شجرة التفاح طفولتها الأولى”



وقبل أن يردّ المارد خزعبل على الشيطان شلولم، تدخّلت أقحوانة وقد سأمت من حماقات هذا الشّيطان… جذبته بقوة إلى داخلها… دهسته جيّدا بين أحشائها وقالت : “تبّا لك أيّها الشيطان الماجن… هذه القصّة ليست قصّتك… وليس لك الحقّ في الدخول فيها… عُد إلى قدرك ودع الآخرين يتدبّرون معاركهم بحرية… ما هكذا ينبغي عليك أن تقيم في الجحيم… أنت لست كائنا بما يكفي حتّى تشرّع لحياة المارد والملائكة… ولا دخل لك في إناث البشر… أنت مدعوّ هنا من أجل حكاية أخرى… أنت كائن ناقص يا شلولم… فالتصق بأعضائي وأطع ما تأمرك به… وإلاّ شطبتك من بيت زهور جهنّم…”



قاطعها في توتّر رجّ جسمها الهشّ وهزّ كيانها برمته : “بلى… إنّ زمن الوصاية على الجحيم قد انتهى… لا حق لك بأن تستولي على مصير هذه المدينة من نار لوحدك… ألم تسمعي أنّ كل الطغاة قد احترقوا بنار جهنّم؟”



أجابته : “دعنا من هذا الكلام العقيم.. وهيّا ننظّف أركان بيتنا جيّدا قبل أن يجيء أبنائي فيسقطون في الحفر والقمامة التي تتناثر في كل ركن من أركان هذا المنزل العريق…”



يردّ عليها شلولم وقد تصالحا وصارا في جسم واحد : “أنا الآن قد أدركت أنّ ههنا أخاديد ومنحدرات وتعاريج… وأنّ في كل ركن من هذا الجحيم أوحال ومستنقعات وأدغال ومتاهات… لكن ماذا بوسعي فعله يا زهرتي القديمة… يا قدري العجوز… ليس في مستطاعي أن أسوّي الأرض مهادا وأن ألئم الجراح وأن أزيّن الواجهة… فالخراب أكثر من طاقتي… والهوّة أعمق من مهاوي الشياطين… كيف السبيل إلى إصلاح حال هذا الجحيم؟ لست بالشيطان المناسب لجراحك يا أقحوانة… ابحثي لك عن روح خيرة تغسل أركان روحك وتطهّر مدينتك من الجثث النتنة ومن القمامة…”



قاطعته في حزن : “أتراك قد تخليت عنّي يا شيطاني الجميل… أنت تخون حبّ قديم عمُره من عمر الزهور… لا يليق بشيطان مثلك أن تجرح الأقحوان وأنت ما أنت في معرفة سراديب الإناث ونزواتهم…”



أجاب في حسرة : “بلى… إنّي أراك قد أصلحت من ذوقك كثيرا بما لا يليق بمعاشرة الشياطين… لقد صرت تبحثين عن الواحات والحدائق… وتطبعت بطباع البشر الغيورين على أوطانهم وأبنائهم… إنّ محبتك لمدينتك تفسد عليّ وجودي داخلك… نحن الشياطين ليس لنا وطن… بل لنا أجساد نسكنها وقلوب نفسدها ومدن نخربها… هيّا معي نزرع العدم… وإن رفضت فلا تستحقي بعدها معاشرة الشيطان شلولم…”



قاطعت خطابه قائلة : “اخرس أيّها الشيطان التافه… لست قادر على الولوج إلى الأعماق… سوف أسحب منك لقب الشيطنة وأرفع أمرك إلى سيّدك الشيطان الكبير”



انتصب شلولم واقفا بقامة خيالية… وذلك للمرّة الأولى التي سكن فيها جسدها… ضحك ملء أفواهه السبعة، انتصب شخصا متماسك الأعضاء بعيون حمراء… أحولا ككلّ أزمان الجحيم…أعرجا ككلّ الآلهة الوثنية السارقة للنار… ذا لحية طويلة تُخضّبها الحنّاء الجاهلية… وفم موشّاة بالشعوذات… وقال :



“بلى… أيّتها الحمقاء… لم يعد أيّ شيطان يخاف الشيطان الأكبر… كم تجاوزتك أحداث الجحيم يا أقحوانة. لقد أفرطت في حبّ الوطن. ما كان عليك أن تتمسّكي بالذود على قمامات المدينة… اعلمي يا سيّدة الحلم أن لا سيّد لنا بعد اليوم… ولا أحد في مستطاعه أن يخيف الشياطين الصغيرة… ههنا جحيم الأحرار… بشياطينه وملائكته وحورياته… بأهل اليمين وأهل اليسار… بعاهراتنا ومنقباتنا… كل مواخير جهنّم صالحة للعرس… وكل معابدها صالحة للرقص… لا أحد من الشياطين يقبل اليوم بالسّجود بين أيادي البشر”…



تظاهرت بالشرود الذهني… وتاه هو في عمق الجحيم يزرع الشرّ في كل مكان… ويؤجج نيران جهنّم…



 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

زهور جهنّم… الثلاثاء 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 بقلم: أم الزّين بن شيخة :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

زهور جهنّم… الثلاثاء 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 بقلم: أم الزّين بن شيخة

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» شهادات حية عن أزمنة ميتة الثلاثاء 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 بقلم: علي أبو خطاب
» تجنيس النسيان بين الأب والابن الثلاثاء 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 بقلم: إبراهيم محمود
» أسْرار الخيوط.. دونيّة المهنة الجمعة 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 بقلم: نصير عواد
» أيّام السبت 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 بقلم: رضوان آد
» الأقلوق كأساس لنمط الكينونة الزائفة الاثنين 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 بقلم: عبد العزيز بومسهولي ش

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: