“المرأة الفلسطينية: المقاومة والتغيرات الاجتماعية” هو عنوان الكتاب المرجع للناشطة الرائدة جيهان الحلو، وعنوانه الفرعي “شهادات حية للمرأة الفلسطينية في لبنان 1965 – 1980”. الكتاب يشكل إضافة نوعية للمكتبة الفلسطينية في مجاليْن معاً هما: المرأة والمقاومة. وجاء صدور الكتاب متأخراً جداً، حيث صدر في 2009 بدعم من اليونسكو مما يدل على إهمال القيادة السياسية توثيق التجربة النسائية أو النسوية، وقد أشارت الناشطة في كتابها إلى ما شابه ذلك، فطوال تجربة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية لم يتم الاهتمام بالشكل المطلوب بقضايا المرأة والفكر النسوي. وبالتالي لم يستطع الاتحاد أن يفرض قضاياه على القيادة السياسية التي لم تكن الجاني الوحيد، بل أيضاً كان لتباين الآراء داخل الاتحاد نفسه ونقص التمويل الدور الكبير في عدم وجود ولو مجلة نسوية واحدة نوعية تستمر بشكل دوري. وتواصل هذا النهج في عهد السلطة أيضاً حيث لم يفرز واقع السلطة سوى بعض دوريات رغم جهدها الكبير لم تستطع أن تغطي واقع المرأة بأكمله، وكان التمويل عبر مؤسسات غير حكومية بدعم أجنبي طبعاً.
عادة ما يتحجج قادة الفصائل بأن قضية الاحتلال أهم من قضية المرأة، ويتناسون أن ثمة ثالوث للتحرير. فعلى الشعوب الناضجة أن تحرر مجتمعاتها من الاحتلال أو الاستعمار، ومواطنيها من الدكتاتورية ونساءها من الذكورية. وقد كانت قضية المرأة تمثل معضلة لمنظمة التحرير، لأنها ليست دولة لها قانون أحوال شخصية، وبالتالي كان يتّبع الفلسطينيون البلاد التي يعيشون فيها ولا حق لهم بالتدخل في قوانينها، خاصة في لبنان التي عانى فيها الفلسطينيون الكثير من التضييق. ومن المؤسف أن تدخل القيادة السياسية في قضايا المرأة الاجتماعية كان أحياناً تدخلاً سلبياً لعدم إغضاب الشارع. وهذا ليس مستغرباً، فقيادة المنظمة السياسية كانت ذكورية بامتياز.
كانت الحوارات في الكتاب مع كوادر القيادات في أطر نسائية حزبية تابعة لمنظمة التحرير، وكنا نتمنى كقراء أن نسمع أصواتاً أخرى من القاعدة النسائية الشعبية في المخيمات، ومن مؤسسات أو تجمعات غير تابعة للمنظمة إن وجدت. وكانت أغلب الحوارات مع نساء، مع حضور للرجال أيضاً مما ربما أخل بهندسة الكتاب. ربما كان الأفضل أن يكون نسائياً بصوت المرأة وليس نسوياً يتناول قضيتها فقط. خاصة أن شهادات الرجال لم تشكل إضافة نوعية للكتاب وحتى إن تجاهل القارئ ذلك فإنها جعلته يتساءل لماذا هؤلاء بالذات؟
وبعد استرجاع عشرين سنة من الذاكرة الفلسطينية للمرأة في لبنان عبر حوالي خمسمائة صفحة من القطع الكبير، نصل للأسف لنتيجة مفادها أن التجربة الفلسطينية في مجال المرأة - وصولاً لزمننا الحالي، وعبر مرحلة السلطة الفلسطينية المستمرة على الأقل بالضفة- لم تكن عملية تراكمية حيث لم يتم الاستفادة من التجارب السابقة، وكانت غالباً المرأة الفلسطينية تبدأ من البداية، وهذا ما لاحظناه ونلاحظه في تجربة المؤسسات النسوية غير الحكومية من حولنا. فعلى سبيل المثال كانت الكوادر النسوية تسافر للصين وفيتنام وغيرها لكن دون استفادة من تجربة المرأة في تلك الأقطار ومحاولة تطبيقها فلسطينياً. وأهم مؤشر على انقطاع الذاكرة النسوية الفلسطينية هو ندرة الأدبيات في هذا المجال، سواء قبل النكبة أو بعد نشأة المنظمة رغم وجود إطار نسوي أو نسائي. ونستنتج من هذا الكتاب أن محاولات التغيير في القاعدة الشعبية كانت غالباً محبطة، وأيضا للأسف لم تستمر، وكان من الأولى على القيادة السياسية وإطارها النسوي أن تركز على الجانب الشعبي لا النخبوي. وقد تداركت هذا نوعاً ما فيما بعد المؤسسات غير الحكومية. إننا بحاجة لمثل هذا الكتاب ليوثق التجربة النسوية والنسائية في كل مخيماتنا الفلسطينية في غزة والضفة والشتات في الأردن وسوريا وغيرها، وليغطي أيضاً أزمنة أخرى.انه يضم شهادات حية عن أزمنة ميتة.