** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

  اضاءة في كتاب سوسيولوجية الأعيان.. آليات إنتاج الوجاهة السياسية إبراهيم بلوح

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سبينوزا
فريق العمـــــل *****
سبينوزا


عدد الرسائل : 1432

الموقع : العقل ولاشئ غير العقل
تعاليق : لاشئ يفوق ما يلوكه العقل ، اذ بالعقل نرقى عن غرائزنا ونؤسس لانسانيتنا ..

من اقوالي
تاريخ التسجيل : 18/10/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 5

 اضاءة في كتاب سوسيولوجية الأعيان.. آليات إنتاج الوجاهة السياسية إبراهيم بلوح Empty
28072015
مُساهمة اضاءة في كتاب سوسيولوجية الأعيان.. آليات إنتاج الوجاهة السياسية إبراهيم بلوح

 اضاءة في كتاب سوسيولوجية الأعيان.. آليات إنتاج الوجاهة السياسية إبراهيم بلوح 27(2)

للكاتب والباحث في علم الاجتماع د. عبد الرحيم العطري
تقديم
في البدء، ننطلق لقراءة منجز ما بدافع/ دوافع موضوعية وذاتية. يكون لها الأثر في جعلنا ننتصر لهذا العمل أو ذاك. ولعل ما حملنا على قراءة كتاب ” سوسيولوجية الأعيان..” دوافع موضوعية وذاتية في نفس الآن. فبالنسبة للدوافع الذاتية، فلأن المتن العيني أو الظاهرة العينية la notabilitéآليات إنتاجها وإعادة إنتاجها، أين ومتى وكيف؟ ولأية غايات ومرام..؟ كل هذه الأسئلة الشقية لها ارتباط وثيق بمجال دراستنا وبحثنا، وتخصص ننشده ويتعلق الأمر بعلم الاجتماع القروي. إنه مجال القرية وكل ما يدور في فلكه من تنظيمات وبنى تعد أهم استحكاماته. فضلا عن أن صاحب الدراسة الجديرة بالاهتمام يعد أحد الأساتذة الذين أقحمونا في مدرسة القلق الفكري، حيث كان له الفضل ولا يزال في جعلنا نقتحم الجدران المغلقة ونحاول مجاوزة الكاست المعرفي لننطلق بالعقل السوسيولوجي صوب رحلة البحث والقراءة.

أما بالنسبة للدوافع الموضوعية فتتجلى في كون الظاهرة العينية لاتزال قوية الحضور، عبر لعب أدوار مختلفة تضمن للعين في كل مرحلة وفاءه للطرف المسيطر ميدانيا مقابل حيازته الدائمة لرساميل القوة والتميز. إنه الغنم الذي ما زال العين يجتره إلى الآن. وجاهة اجتماعية تنتقل عبر الأجيال في إشارة قوية إلى إنتاج وإعادة إنتاج المعايير الاجتماعية. وغني عن البيان أن الحاجة إلى الاشتغال على العينية مغربيا تبررها أسئلة كثيرة، وواقع هذه الأخيرة “العينية” الذي يشهد بارتفاع الطلب على الأعيان سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ودينيا وثقافيا. ومنه فمقاربتها أكاديميا وعلميا ليست إلا استجابة لكل هذا الطلب.

فمن خلال عنوان المنجز يبدو للوهلة الأولى أننا نتوقع منه أسلوبا جميلا في الصياغة، ومتنا يحمل بين ثناياه كما معرفيا وازنا ومادة فكرية غنية. خصوصا أمام العدد الكبير للمصادر والمراجع والإحالات المرجعية المعتمدة، والتي تظهر عدم تحيز الكاتب لمراجع معينة لقدمها أو انتمائها. و فور تصفح أولي لقائمة المحتويات يتأكد أن المنجز يتطرق لموضوع واحد ” الأعيان” بجزئياته وقضاياه التي تجذبك لمعانقة ما بين دفتي الكتاب. والذي يمكن تصنيفه من الحجم المتوسط. صادر عن دار نشر ” دفاتر العلوم الإنسانية، الرباط/ القاهرة” تحت سلسلة: أبحاث ودراسات، رقم 2. تحتل صفحاته 164 صفحة. وتدور إشكاليته الأساسية حول الديناميات المرتبطة بتجذير الوجاهة، والعوامل التي تحدد شروط استمرارها وتحولها، فضلا عن محاولة الكشف عن الآليات التي تمكنها من الاستمرار في الزمان والمجال – الرحامنة تحديدا- . ومضمون الكتاب متصل بأعمال سابقة للباحث.



أما الكاتب فهو عبد الرحيم العطري قاص وكاتب صحفي. باحث في علم الاجتماع. مقيم بالمغرب. أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقنيطرة، وحاليا بكلية ظهر المهراز بفاس. عضو المجلس الإداري للجمعية المغربية لعلم الاجتماع. عضو اتحاد كتاب المغرب. عضو منظمة كتاب بلا حدود. عضو اتحاد كتاب الإنترنيت العرب . كاتب رأي بأسبوعية الشروق المغربية. عضو هيئة تحرير مجلة وجهة نظر. عضو هيئة تحرير مجلة فكر. صدر للمؤلف عدة إصدارات مائزة منها:

دفاعا عن السوسيولوجيا، دار بابل، الرباط، 2000
سوسيولوجيا الشباب المغربي، دار طوب بريس، الرباط، 2004
المؤسسة العقابية بالمغرب، دار الكتاب، بيروت، 2005
صناعة النخبة بالمغرب، منشورات دفاتر وجهة نظر، الرباط، 2006
الحركات الاحتجاجية بالمغرب، منشورات دفاتر وجهة نظر، الرباط، 2008
تحولات المغرب القروي، دفاتر الحرف والسؤال، سلا، 2009
الرحامنة: القبيلة بين الزاوية والمخزن، دفاتر العلوم الإنسانية، 2012
الليل العاري، مجموعة قصصية، دفاتر الحرف والسؤال، سلا 2006
القارة السابعة، دار عرابي للنشر، القاهرة، 2008
بالإضافة إلى العشرات من الإسهامات والمقالات بالصحف والجرائد ومواقع الإنترنيت. فضلا عن المساهمة في تأطير وتسيير العديد من المنتديات واللقاءات الفكرية الإذاعية والتلفزية داخل المغرب وخارجه.

يستهل الكاتب في صفحات منجزه الأولى بإهداء إلى أستاذه العزيز الدكتور إدريس بنسعيد معبرا له عن عميق شكره وامتنانه. تليها صفحة المحتويات التي ضمت سبعة فصول، حيث ضم الفصل الأول المعنون بسوسيولوجيا النخبة وأنثربولوحيا الوجاهة ممكنات الترقي الاجتماعي مبحثين اثنين تتطرقا لسوسيولوجيا النخبة وأنثربولوجيا الوجاهة. بينما حمل الفصل الثاني عنوان النخبة المحلية وانبناءات العينية. توزع هو الآخر على مبحثين تحدث فيهما الكاتب عن الزعامات المحلية وأهل الحل والعقد. أما الفصل الثالث فقد أفرد فيه قراءة للوجاهة السياسية عبر مجموعة من الأعلام الوازنة من قبيل محمد جسوس وبول باسكون وجون واتربوري.. وآخرون. في الفصل الرابع حاول الكاتب إبراز أوجه التشابه والاختلاف بين العينية والنبالة. وقد تطرق في الفصل الخامس عن ممكنات الانتقال من القايدية إلى العينية مستدعيا المنهج الدياكروني في مقاربته هذه. في حين بين في فصله السادس والذي ينفتح على ثلاثة مباحث شروط إنتاج العينية ومسارات هيمنتها وخضوعها. أما الفصل السابع والأخير فقد ضم مبحثين قارب فيهما علاقة العين بالسياسي بين ثنائية التقليد والعصرنة.

إضاءة

بعد قراءتنا المتواضعة والمتكررة تبين، وأمام عدم وجود عمل متخصص في نخبة الأعيان، أن الدكتور عبد الرحيم العطري بمنجزه الأثير هذا، والذي يعد استمرارا لأعمال سابقة ذات صلة بنفس الموضوع، قد بدأ بالفعل في وضع اللبنة الأولى في طريق إنجاز عمل متكامل ومتخصص يهم الظاهرة العينية والنخب الوجائهية بالمغرب. إنه بمحاولته هاته يدعو للعودة للتاريخ، كمنهج علمي بالغ الأهمية، والانفتاح على كل النظريات والمقاربات والتصورات والأعمال بعيدا عن الإقصاءات والحدود الذهنية المتوهمة. إنه الخطاب المعرفي الذي يكتسب قوته وشرعيته بتنويع وتجويد زوايا النظر.

فلم يتوقف الباحث عند مجموعة من طروحات الباحثين الأجانب، واتربوري، لوفو،مونتاني، باسكون.. اشتشهادا بها أو تدعيما لطرحه من خلالها، بل عمل على انتقاد بعضها..إما لسطحية بعض نتائجها أو لعدم انتصارها للميدان. ألم يخبرنا لويس سانتوس أن السوسيولوجيا توجد داخل المجتمع الذي يقدم الأسئلة والإجابات والتفاصيل. وهو ما انهجس به باحثنا. نزول للميدان عبر مساءلة ومحاورة المبحوثين ساكنة وأعيان. فمن خلالهم استقى إفادات شفهية دقيقة أضفت على المنجز طابع الصدقية، وكأنما جالسنا أعيان الرحامنة من خلال ثنايا السطور. وفي الانتصار للميدان وعلاقاته الاجتماعية وديناميته يكمن المعنى المبحوث عنه.

إنه مجال الرحامنة الذي يقدم الأسئلة والإجابات في نفس الآن. مجال يكشف عن الفهم السياسي العميق لفئة عريضة من الأعيان وأتباعهم. ما يتيح إمكانية فهم عطب التنمية السياسية مغربيا. ولعل ذلك ما يعبد الطريق نحو المعرفة السوسيولوجية الحقة ويزكي الطرح العطري، ويسكت في نفس الآن كثيرا من الأصوات التي تتهم الباحث بأسلوبه في الكتابة. إنه باحث أسهم بشكل كبير في إيصال السوسيولوجيا إلى العموم.

في الختام أوصي القراء، والقراء المتخصصين، بل والإنسان المغربي عموما بالإطلاع على الكتاب. حيث أن هذا الأخير يعمل على قراءة تضاريس مكون أساس بالتنظيم القبلي. ومن منا لا يجر خلفه إرث البادية الثقيل. فالكلنا قرويون.. توصيف اجتماعي عميق من شأنه دفعنا إلى المتح من المتن العطري، عله يجيب عن أسئلة حارقة وعميقة تحتل حيزا ليس باليسير بخلد كل واحد فينا، إن لم نقل أنها تشكل ضميرنا الجمعي. 

دامت لكم متعة القراءة.



التقديم:

يفتتح الكاتب القول بالتساؤل حول الطلب المحموم على الأعيان. مستفسرا عن سر فعالية ونفوذ الأعيان داخل مجال اشتغالهم وانوجادهم، ومنقبا في نفس الآن عن مجموعة العوامل والآليات المتفاعلة فيما بينها والمنتجة لوجاهتهم الاجتماعية والسياسية على السواء. والتي مازال العين يجترها، فهي غنم ورأسمال مادي ورمزي يمتدان بين الماضي والحاضر. ومنه فالأعيان ماتزال الحاجة ماسة إليهم، لأن الصراع الدائر اليوم بين مفردات السلطة والمال والقيم لا يخلو من انخراط الأعيان فيه، بشكل يؤمن لهم باستمرار تبوأ المكانة الاجتماعية التي يتغيونها.

الفصل الأول: سوسيولوجيا النخبة وأنثربولوحيا الوجاهة ممكنات الترقي الاجتماعي

استهل الكاتب فصله هذا باستحالة الحديث عن انعدام التراتب الاجتماعي في أي مجتمع كيف ما كان. والذي يتأسس على ثنائية التملك من عدمه، وتدبير الحكم وصناعته من الانقياد والخضوع له.

المبحث الأول: سوسيولوجيا النخبة: محاولة في التأطير

إن الحديث عن التراتب الاجتماعي يفترض قبلا التساؤل عن ملامح ومكونات هذا الأخير في النسق المجتمعي المغربي. ومن أين يمتح مقوماته وأسس استمراريته بشكل ينتج ويعيد إنتاج العينية ببوادي المغرب. لذلك سيخصص الكاتب هذا المبحث للتنقيب في المتن السوسيولوجي، وبما تتيحه انفتاحات الأنتربولوجيا من ممكنات، على مفاهيم “النخبة” و”الوجاهة” و”التراتب الاجتماعي”.

- أولا: مفهوم النخبة:

تطرق الكاتب للمفهوم من الناحية اللغوية والاصطلاحية. وانتقل بين مجموعة من المراجع ابتداء من ابن منظور ومرورا ببوتومور وموريس جوفيرجيه وانتهاء بريمون آرون ورايت ميلز. حيث أشار إلى أن المفهوم لم يعرف النور إلا مع هذا الأخير الذي انخرط في مساءلة النخبة وما تحيل عليه. وخلص إلى أن تداخل المفهوم بين السياسة والسوسيولوجيا بين الإيديولوجي و السياسي أسهم في تأخر تشريحه موضوعيا من قبل المهتمين والمختصين. صفوة القول ينتهي الباحث إلى أن النخبة تدل على الأقليات الاستراتيجية التي تتحكم في تدبير وسائل الإنتاج والإكراه.

- ثانيا : نظريات النخبة:

استدعى الباحث لمقاربة هذا العنوان منظرين كان لهم الفضل في مساءلة مفهوم النخبة وهم:

أ‌- فيلفريدو باريتو (1848-1923): الذي أكد على وجود تمايزات اجتماعية وسياسية بين أفراد المجتمع الواحد .

ب‌- غيتانو موسكا (1858-1941): ويعد حسب الكاتب أول من أقام تمييزا منهجيا بين النخبة والجماهير، حيث تبرز في كل مجتمع فئة منظمة حاكمة قادرة على تسيير فئة غير منظمة محكومة.

ت‌- رايت ميلز (1916-1962): حدد ميلز النخبة في زمرة رؤساء الشركات والقادة السياسيين والعسكريين القادرة على التأثير في بناء وتوجيه القرار السياسي بما تمتلكه من وسائل القوة.

ث‌- توم بوتومور (1920-1992): من خلال تفكيك هذا الأخير لمفاهيم المنظرين الرواد للنخبة خلص إلى توزيع النخب على شكل هرمي تعتلي قمته النخبة السياسية وتحتل قاعدته النخبة الاجتماعية. و بين القمة والقاعدة ثمة صراع وتنافس دائم ومستمر.

ج‌- أورس ياجي (1935- ): تميز ياجي بكونه درس المفهوم من خلال ثلاثة مقتربات: مقترب يستند إلى السلطة في القراءة والتفسير، فكل المجتمعات في صراع دائم بغية تأمين السلط الرمزية والمادية. وآخر أخلاقي قيمي تركز على مزايا وصفات النخبة التي تمكنها من ممارسة الحكم. وثالث قائم على أسس وظيفية تشير إلى المهام والوظائف التي تشغلها النخبة وتمكنها من الانوجاد ضمن الحقل العام الذي توجد فيه النخبة.

المبحث الثاني: أنثربولوجيا الوجاهة: استراتيجيات الحرق والبناء

يؤكد الكاتب في مطلع هذا المبحث على أن موضوع النخبة لم يكن البتة انشغالا سوسيولوجيا خالصا، وإنما متح الموضوع أيضا من الحقل الأنثربولوجي الذي قارب كيف تنتج الوجاهة. واستهل استراتيجيات الحرق بمارسيل موس الذي استند في مقاربته لآليات إنتاج الوجاهة على دراسة قام بها على بعض قبائل الهنود الحمر. حيث أن نظام الهبة لدى هذه القبائل يشكل حقلا للتنافس والصراع من أجل تعزيز التراتبات الاجتماعية؛ فمن يهب أكثر هو من يفوز أخيرا. وعلى قدر استطاعة الفرد إحراق ممتلكاته المادية النفيسة، يحصن وجاهته ويعلن تفوقه على المنافسين الذين يظلون أتباع أو موالين. ليتساءل الكاتب عن مدى انطباق “استراتيجية الحرق” هاته على العينية المغربية.

وفي سياق الحديث عن التفوق الاجتماعي يستعرض الكاتب أيضا وجهة نظر موريس غودلييه في دراسته “الرجال العظام” قصد فهم أنثربولوجيا التميز الاجتماعي. هذا الأخير الذي يتأسس لديه على مفهوم الهيمنة، إذ أنه نتاج لعناصر مادية ونظام معقد من الرموز والطقوس لدى قبائل الباروياس بغينيا الجديدة. ينتقل الباحث بعد ذلك مع لويس دومون والتراتبات الطقوسية. حيث يعتقد، حسب دراسة له على منطقة “التاميل”، بأن النمط القرابي السائد وآليات القرابة والمصاهرة فضلا عن نظام الهدايا الطقوسية هي التي تعمل على إبراز الأسس التراتبية. وهي بدورها تدير تدبير وإنتاج العلاقات الاجتماعية داخل نسق الطبقات المغلقة “الكاست”. لينتهي الباحث من استعراض أوجه الوجاهة من خلال ديل إيكلمان وإشهار الوجاهة. فمن المعلوم إيكلمان كان اشتغاله بالمغرب على الإسلام وعلى مختلف الطقوس والمعتقدات وأشكال التدين. إلا أن دراساته أفردت مساحات لسلطة الوجاهة، والتي يعتقد أنها كامنة في كل مجتمع. يصنف أفراده ضمن طبقة معينة، الأمر الذي يحدد سلفا تصورات ومواقف وسلوكات كل طرف من الآخر. وقد استشهد الكاتب على ذلك من خلال دراسة لإيكلمان حول علاقة المعرفة بالسلطة في شخص القاضي الحاج المنصوري بالمغرب. مبينا كيف أنتج وجاهته وأعاد إنتاجها في شخوص ذويه. بالاعتماد وتسخيرا للأحداث العامة التي عرفها المغرب آنئذ. فالنفوذ الوجائهي ليس عملا فرديا منفصلا عن المجتمع، بل إنه يصطبغ بكل حركات وسكنات الفاعلين في المجتمع داخليا وخارجيا.

وفي متم هذا الفصل يخلص الباحث إلى أن البعد الرمزي يظل قويا في تفسير الوجاهة والسلطة والهيمنة. وإذا ما أريد لهذه الوجاهة أن تستمر وتحصن فلا بد لها أن تسيج بممارسات طقوسية تعمل على تأمينها من خلال صيغ الإنفاق والإستعراء والحرق؛ حرق للخيرات الرمزية والمادية. كل هذه العمليات تدور في فلك النظام الاجتماعي العام؛ الذي لا يسهل تفكيكه لأنه نظام معقد متعدد الزوايا والمستويات. مشيرا في الأخير إلى أنه لم يستعرض كل النظريات والاتجاهات التي عنت بالنخبة والوجاهة. ولكن الأمر لا يغدو أن يكون بداية لطرح الاستشكال.

الفصل الثاني: النخبة المحلية وانبناءات العينية: مصادر الوجاهة والنفوذ

كما يعبر عن ذلك عنوان الفصل. سيقترح علينا الكاتب الولوج إلى عالم النخب المحلية وممكنات الانبناء العيني وفق ترتيب كرونولوجي يمتح من متون متفرقة ابتداء من المتن الكولونيالي وانتهاء بمتن ما بعد الاستقلال وباشتغال وانشغال بالقبيلة والزاوية والمخزن.

المبحث الأول: الزعامات المحلية: آليات التجذير والاعتراف

أكد الكاتب في بداية هذا المبحث تعذر وقوفه على عمل متخصص في نخبة الأعيان. غير أن السوسيولوجيا الكولونيالية اهتمت بمختلف مكونات هذه النخبة من نخب دينية ومخزنية واقتصادية. معرفا الزعامات المحلية بأنها قيادات ورئاسات ذات طابع محلي متجذرة ضمن مجالها الترابي ويمتد تأثيرها ويتنوع بين سلط علمية ودينية وتجارية. ومؤكدا على أن شروط انبثاق الزعامات المحلية تتمثل في الشرط المجالي وشرط طبيعة السلطة المركزية وبنيات المجتمع المحلي. فالثابت في علاقة المخزن بالزعامات المحلية، والذي يجد عسرا في بسط سيطرته خاصة على مستوى الهوامش والمناطق القريبة من المدن المخزنية، هو رغبة الشيوخ/ الأمغار في الحصول على اعتراف من لدن المخزن بنفوذهم متمظهر أساسا في ظهائر التوقير والاحترام حتى تعقد الالتزامات والولاءات. نفس هذه التعاقدات بين المركز والهامش سيعتمد عليها الاستعمار، لتستمر آليات التجذير والاعتراف بالزعامات المحلية. ويستدل على ذلك من خلال روبير مونطاني الذي أبرز أن شروط إنتاج الوجاهة الاجتماعية لا تتحدد فقط بما يحوزه الزعيم من خيرات رمزية ومادية، ولكن بما يناله أيضا من اعترافات داخلية وخارجية. ومنه فالأمغار مثلا يلوح كزعيم للقبيلة، لكنه يعد أيضا قائدا مخزنيا. وتتقوى العلاقة قايد/ مخزن مقابل خفوت للعلاقة أمغار/ قبيلة بسبب الدينامية الداخلية المتمثلة في الصراعات والحروب من جهة أو سلوك المخزن اتجاه القبائل من جهة أخرى. لتصطبغ العلاقة بالسياسة العمودية الممارسة للتعسف.

واستدعاء للدرس الانقسامي دائما في فهم ودراسة الزعامات يستشهد الباحث بأعمال إرنيست كلنير، والتي تعتمد النسب شرطا مؤسسا لبنية القبلية. فقد لاحظ كلنير أن بداخل مجتمع القبيلة استقرار اجتماعي على الرغم من غياب هيئات تنفرد بالسلطة. فالضامن لهذا الاستقرار حسب كلنير هو التعارض القائم بين مختلف جماعات ومستويات النسق القبلي. وهنا يطرح الكاتب تساؤلا حول ما إذا كانت الأسس الرمزية والمادية المولدة للوجاهة تنتهي بانتهاء العمر الانتدابي للزعامات المحلية؟ وفي مستوى آخر يدرج استنتاج كلنير الذي يخبرنا بأن ثمة زعامات محلية أخرى تتمثل في الصلحاء ودورهم التحكيمي البالغ الأهمية بين ثنائية السلطة والعلم أو السيف والعمامة. وهنا تبرز حاجة الزعيم الأمغار/ القايد إلى النفوذ الروحي المتمثل أساسا في شخص “المرابط” والذي يستمده من خلال مفهومي البركة والشرف.

في متم هذا المبحث ينتقل بنا الكاتب انطلاقا من مؤلف كل من مصطفى الشابي ” النخبة المخزنية في مغرب القرن 19″ وعبد الرحمان بن زيدان ” إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس” إلى الحديث عن النخبة المحلية، مكوناتها، صفاتها ووظائفها ثم مواقعها في النسق المجتمعي. حيث تظل النخب المحلية جامعة لسلطات ثلاث يتداخل فيها السياسي والديني والمالي. ومع حماني أقفلي سينفتح الباحث على نخب جديدة أفرزتها التحولات المجتمعية. هذه النخب المعبر عنها بخطاطة بالصفحة 43 تتنوع مكوناتها بين نخبة دينية وثقافية واقتصادية وسياسية وإدارية. تنوع سيبرز بنوع من التفصيل بالصفحة 45 استنادا على طبيعة المجال الرحامني. وفي هذا المضمار يشير إلى أن ثمة صعوبة بالغة في ضبط مكونات النخبة المحلية. ويستشهد بذلك على مكون العين الذي يمكنه أن ينتمي إلى سجلات مختلفة اقتصادية ومخزنية وسياسية وتقنية. 

المبحث الثاني: أهل الحل والعقد: بناء العينية

سيستدعي الكاتب في مطلع هذا المبحث فقرات من مؤلف عبد الرحمان بن زيدان تظهر الحضور المهم لفصيل أهل الحل والعقد في إضفاء الشرعية على بيعة السلاطين المتعاقبين على حكم المغرب وكل شؤون وأمور الدولة. إذ لا تستقيم هذه الأحداث إلا بإشهادهم، فهم الكبراء الذين يملكون آليات التأثير في صناعة القرار محليا ومركزيا. إن هذا الفصيل قد يحيل على سجل رؤساء الجند وزعماء القبائل ورؤوس العشائر والأعيان. كما قد يشير إلى سجل أهل العلم والفتيا والاجتهاد من حملة الشريعة الإسلامية، وهو ما يسمه الباحث بأهل السيف والعلم. ثنائية تنتصر إلى أحد أطرافها السلطة المركزية حسب حاجتها. مؤكدا إلى أن فصيل الأعيان غالبا ما يكون منتميا لكلا السجلين، الأمر الذي أورثهم اعترافا بمنزلتهم في تدبير المحلي والجهوي. مستدلا على ذلك باستحضار بعض من الظهائر السلطانية التي تستهل رسائلها بتحية أعيان الرحامنة.

بعد ذلك سينتقل إلى الحديث عن فصيل الأعيان، وسيسيج هذا المصطلح بمجموعة من التعاريف: المعجمية “ابن منظورر” وما يكشفه السجل العربي من دلالات المصطلح فضلا عن التوصيف المغربي. ومنه فالعين لا ينحصر في انتماء مهني معين بل إنه تحيل على نمط عيش خاص ونموذج فعل وتفاعل مؤسس. ومن ثمة فهو شخص يتوفر على قاعدة سوسيواقتصادية، ويتحكم في مجال جغرافي ما، وتكون له القدرة أيضا على بناء شبكة علاقات نافذة. إنه الثلاثي الذي يرسم و يحدد ملامح العين على حد تعبير ريمي لوفو. وبين ثنايا الحديث سيكشف الباحث عما يميز العين التقليدي عن مثيله العصري، ولو أن محاولة رسم الحدود صعبة المنال لتداخل السجلات وتشابك الانتماءات . لذلك سيعمد في مناولته هاته الاستناد على محددات الانتماء أولا ثم المستوى الثقافي ثانيا و العلاقة بالأرض والمجتمع المحلي ثالثا وأخيرا.

وفي حديثه عن حيثيات الاعتراف والمأسسة بالعينية، استحضر المتن التاريخي مع اللحظة التي دعا فيها مولاي عبد العزيز إلى تكوين مجلس للأعيان بسبب الخطر الأجنبي أو بسبب تدهور الأحوال الاجتماعية والسياسية المحلية، الأمر الذي سيتيح لهم فرصة الارتقاء فوق سلطة القياد المخزنيين أحيانا. وهو ما يؤكد أن فئة الأعيان متجذرة النفوذ والوجاهة إذ أنها تلعب في كل مرحلة دورا حاسما يمكنها من تحصين رساميلها الرمزية والمادية. وما الاستعانة بهم إبان حكم السلاطين المغاربة ثم فيما بعد خلال الفترة الاستعمارية مرورا ببناء الدولة فجر الاستقلال وأخيرا استنجاد السياسي بهم اليوم والانتصار إليهم إلا دليل قاطع على الطلب المحموم على هذه الفئة النافذة داخل المجتمع المحلي.

ويستطرد الباحث في رسم أساسيات بناء العينية فيحصرها في امتلاك الأرض أو ما أسماه ب” الاجتثاث القروي” والذي سيتجذر أكثر بصدور قانون التحفيظ العقاري 1913، حيث سيكون الأعيان أول المستفيدين مما سيعمل على توسيع الملكية التي اعتبرها بول باسكون القاعدة الجديدة التي تضمن السلطة والنفوذ والثراء. ودائما بدعم مخزني مباشر متمثل في الإقطاعات والإعفاءات واحتكارات الامتياز، أو عن طريق زبناء العين الذين يسارعون لإغداقه بالهدايا في إطار علاقة الخدمة والقرب. 

الفصل الثالث: قراءة الوجاهة السياسية: تحيين العينية

في إطار تنقيب الباحث عن الدراسات السابقة التي تعنى بفئة الأعيان خلص إلى شحها ونذرتها، إلا من بعض الأعمال اليتيمة على حد تعبيره. ليتوجه رأسا خارج النتاج الجامعي صوب أعمال عدها مؤسسة لسوسيولوجيا النخب المحلية. مستهلا توجهه هذا بجون واتر بوري في تحليله لشروط وآليات موت وإحياء الأعيان أو النخب السياسية بالمغرب. إذ يعتبرها مجموعة من الشرائح الاجتماعية من ذات العائلة الواحدة، بل إنها أشبه ما يكون باتحادية قبائل تتحكم فيها تارة إوالية الانصهار وتارة أخرى إوالية الانشطار. منطلقا في أطروحته هاته من التفسير الانقسامي ومستدعيا لواقع السيبة، ليبرز التحالفات المتقلبة على الدوام بين النخب والسلطان. تحالفات متقلبة لكنها تنتصر للاستمرارية كسلوك عام ولا تمارس القطيعة البتة. وفي شأن أعيان البوادي، ذو الصلة بموضوع الباحث، فقد أسماهم واتربوري بالأرستقراطية الفلاحية التي دعمتها الإدارة الفرنسية موقنة أنها يجب أن تسود معها لا ضدها. وبجلاء الاستعمار أعادت النخب المحلية نفسها داخل سجلات سياسية ووطنية جديدة.

لينتقل بعد ذلك مع ريمي لوفو وعنوان أطروحته الموسوم بالطلب على الأعيان. والتي من خلالها ادعى هذا الأخير أن الملكية بالمغرب دعمت النخب المحلية مقابل ضبط واحتواء هذه الأخيرة للبوادي. وهو ما يدلل على فوز الزعامات التقليدية في انتخابات 1963 التشريعية. الأمر الذي سهل الانتقال من القايدية المخزنية إلى العينية الانتخابية. ويتساءل الباحث عن طرح لوفو هذا ومدى صلابته اليوم؟ خصوصا أمام التحولات المجتمعية وبروز فاعلين جدد بالمدن. وهو ما يشير إليه الكاتب الإبراهيمي في تراجع أدوار النخب المحلية في مقابل جهاز إداري صار يعمل على تجذير مكانة الدولة في البوادي كما في المدن.

وبحثا عن معنى التراتبات الاجتماعية سيدعونا الكاتب لمعانقة المتن الباسكوني في عنوانه ” النمط القايدي” من خلال اشتغاله على حوز مراكش ذو الصلة مجاليا بمجال الرحامنة. حيث يخبرنا بول باسكون بأن الزعامات المحلية هي نتاج لجملة من العوامل الداخلية والخارجية. فنظرا للاستقلال النسبي الذي تعرفه القبائل عن السلطة المركزية الأمر الذي يجعل وضع القبيلة مهددا دائما بانبثاق سلطة ما، هو ما يدفع الزعيم أمغارا كان أو قائدا إلى سحب الاعتراف بوجاهته ونفوذه من السلطة المركزية في شكل ظهائر توقير واحترام.

وبدخول الاستعمار سيعمل على إضعاف السلطة المركزية وتقوية النظام القايدي من خلال تقنين هذا النظام وتأطيره بقانون أساسي يمكنه أكثر من الانصهار في دواليب الحماية. ومنه نخلص إلى أن النمط القايدي هو نتاج لعدة عوامل منها القبيلة والمخزن والاستعمار. فهل هذه العناصر الثلاثة هي المسؤولة وحدها عن إنتاج الزعامات المحلية أم أن ثمة عناصر أخرى يتساءل الباحث؟

وفي متن الحديث عن التراتبات المستمرة للزعامات، يقترح علينا الكاتب علما من أعلام السوسيولوجيا المغربية. محمد جسوس الذي يعتبر تاريخ المغرب، في كثير من الأحيان، مجملا في زمن القيادات الاجتماعية التقليدية الكبرى. حيث الصراع والتنافس يعدان السمة الأساس لفلك الزعامات المحلية والجهوية. وقد قسم هذه الأخيرة إلى خمسة أصناف ضمنها خطاطته المقتطفة من كتابه الأثير ” طروحات حول المسألة الاجتماعية” وتضم: – قيادات مخزنية. – قيادات استبدادية. – قيادات النخب والأعيان. – القيادات الدينية. – القيادات الثقافية. و ما يميز هذه الزعامات مغربيا هو تشتت ولاءاتها وارتباطاتها بل وتضاربها أحيانا. إذ أن ما يكسبها صفة الاستمرار وإعادة الإنتاج هو الانتصار إليها، من خلال اللحظة الاستعمارية قبلا و فجر الاستقلال بعدا. حيث الخيط الناظم لهذه الزعامات هو التراتبات والعلاقات التوسطية والزبونية، والتي بدورها تنتج تمايزات اجتماعية بين من يملك ومن لا يملك. فهل هندسة جسوس للزعامات اليوم ما تزال تنحصر في النظام الجماعي والمخزني والاستبدادي والديني فقط أم هناك وارد جديد يتساءل الكاتب؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

اضاءة في كتاب سوسيولوجية الأعيان.. آليات إنتاج الوجاهة السياسية إبراهيم بلوح :: تعاليق

 في متم هذا الفصل استدعى الباحث الكاتب حماني أقفلي الذي يعتبر دراسة النخب المحلية لا تخلو من أهمية. متحدثا عما أسماه ب”السلطان المحلي” ومبرزا شروط إنتاجه. شأنه في ذلك شأن المقاربات السابقة التي تجمل إنتاج النخب بين عامل المخزن والاستعمار ودولة\ مخزن الاستقلال. غير أن أقفلي يؤكد في مستوى آخر أن ثمة نخب جديدة انضافت إلى سابقاتها ويتعلق الأمر بالأعيان الجدد والأطر والتقنيين ورجال الأعمال والمثقفين والمناضلين الحزبيين. وتتوزع هذه النخب على نخب اقتصادية وسياسية وإدارية وثقافية ودينية. نخب تربط بينها علاقات وتفاعلات تعمل على توظيف المال والعلاقات الزبونية وانتهاج سياسة وحرب الاستنزاف أيضا. وذلك من أجل تعزيز مؤديات السلطان.

صفوة القول خلص الباحث إلى أن الزعامات المحلية تظل حالة مغربية لها من الخصائص وشروط الإنتاج ما يميزها عن مثيلاتها بدول أخرى. إنها نتاج خالص لعناصر مركبة تتوزع بين القبيلة والمخزن والاستعمار. فضلا عن دور الزوايا والحركات الدينية كما البعد الشرفاوي. دون أن ينسى الباحث استحضار البعد الاقتصادي في تدعيم وتعزيز الوجاهة والنفوذ.

الفصل الرابع: العينية والنبالة التشابه والاختلاف

اعتبر الباحث أن الدخول في غمار مساءلة أوجه التشابه والاختلاف بين العين المغربي والنبيل الأوربي له مشروعيته المنهجية كما أنه لا يروم إعادة إنتاج ما سبق من مناقشات في الموضوع، ولكن الهدف هو التقاط كثير من التفاصيل والبحث عن شواهد تسمح بمزيد من الفهم والتفسير. إنها مقاربة لمساءلة آليات الوجاهة من مقترب “الآخر” عوضا من ” النحن”.

أولا وفي سياق جينيالوجيا النبالة يعتبر الكاتب أن مفهوم النبالة، كمرتبة اجتماعية تعرضت للعديد من التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية والقيمية، صار معه تحديد المصطلح ونمذجته أمرا يطرح العديد من الإشكالات. فظاهرة النبالة قديمة قدم الإنسان، فدوما هناك تراتب، لكنها مرتبطة أساسا بالمجتمع الإقطاعي. وقد تختلف مسمياتها والموارد التي تؤسس لها، والتي تتوزع بين الدم والثروة والسلطة والإرث الاجتماعي والسياسي وحتى الديني.

ثانيا يطلعنا الباحث من خلال عنوان ” الدماء الزرقاء ” على ارتكاز النبالة أساسا على عنصر الدم. فقد يحوز المرء على نفوذ مادي أو عسكري وقد يمتلك قاعدة اقتصادية ما، لكن تبقى نبالة الدم شرطا أساسيا للانضواء ضمن لائحة النبلاء. إنها طبقة يعتلي قمتها في المتن الأوربي الملك أو الملكة، تليهما ألقاب من قبيل الأمير والدوق والكونت والبارون والفارس. ذلك ما يخبرنا به بيير بورديو. وعلى كل راغب في أحد هذه الألقاب أن يقدم من الهدايا والخدمات إلى الملك أو الملكة ما يميزه عن منافسيه. فمن ينفق أكثر يحوز دائما ألقاب النبالة. لكن اليوم باتت النبالة تتعرض لمجموعة من التحولات بسبب اختلال نظام الترقي الاجتماعي. 

وبحثا عن جذور انبناء الإقطاع يخبرنا الكاتب أن الإقطاع نظام اجتماعي عرفته أوربا خلال القرون الوسطى. ويستند على مجموعة من الطقوس والممارسات، ما يجعله نمط إنتاج اجتماعي يتأسس على منشأ اقتصادي ومقصد سياسي، وتحكمه التبادلات والالتزامات بين السيد والتابع، ولا يتعلق الأمر فقط بامتلاك أو استغلال للإنسان والمجال. وبعد عرضه لجينيالوجيا النبالة كمرتبة اجتماعية داخل التنظيم الاجتماعي المتشكل أساسا من مهيمن ومهيمن عليه، ينتقل الباحث إلى استعراض أوجه التشابه والاختلاف بين كل من العينية والنبالة، وإمكانية انبناء الإقطاع من انتفائه.

فبحثا عن سؤال الإقطاع وجد الباحثون ضالتهم في تتبع نموذج العينية أو القايدية caidalisme المغربية، وربطوا بينها وبين الفيودالية الأوروبية، مرتكزين في ذلك على نمط العيش وممارسات التسلط والإكراه الضريبي. في حين أكد آخرون على أنه بالرغم من أوجه التشابه بين العينية المغربية والنبالة الأوروبية إلا أن الاختلاف قائم، فهذه الأخيرة متضمنة لجملة من القيم والقوانين تغيب في مثيلتها المغربية. ويستطرد الباحث مبينا أوجه الاختلاف من خلال أمثلة ووقائع تاريخية بين السجل المغربي والأوروبي. فثمة تقارب واختلاف.

الفصل الخامس: من القايدية إلى العينية: الصياغات الممكنة

في مستهل هذا الفصل طرح الكاتب سؤالا جوهريا يتعلق بمدى صحة استحالة القايدية إلى العينية. وهل يجوز لنا قلب العنوان ليصير من العينية إلى القايدية؟ وللخروج من المسار الدياكروني المختلف لا بد لنا أن ننتصر للسياق كونه المانح للمعنى. ولذلك فنحن مدعوون للكشف عن آليات تجذير القايدية التي كانت في البدء سلطة تمنح لزعيم محلي يسمى الأمغار. هذا الأخير بحيازته لثقة المخزن صار قائدا مرتكزا على أسس قبلية ومخزنية. الأمر الذي أسهم في تكريس الحضور القائدي استنادا إلى التجذر الاجتماعي أحيانا وإلى العنف والتسلط أحيانا أخرى. وبحلول الاستعمار عمل على تحويل القائد المخزني إلى قائد يخدم السياسة الكولونيالية تخوله حيازة وامتلاك الأرض ليصبح قائدا عقاريا بامتياز، بتدبير مجالي وتنظيم إداري عصري. 

ولعل هذا التنظيم الإداري الجديد للقايدية المنفرض كولونياليا قبلا ومن لدن مخزن الاستقلال بعدا هو ما سيعمل على تحوير القايدية من منطق مخزني إلى آخر إداري. الأمر الذي ينبئ بأفول القايدية وبروز العينية الجديدة. فمن المعلوم أن بوادي المغرب ظلت تراقب من طرف القياد، وبعصرنة هذه المراقبة من خلال مهام إدارية جديدة أنيطت بأطر جديدة تمثلت في أعيان جدد ليسوا سوى سليلي قياد الأمس برساميل معنوية متجددة وبحيازة دائما للأرض والثروة والعلاقات، تحولت الوجاهة المخزنية إلى وجاهة سياسية وفق قواعد إدارية جديدة وتكسيرا لكل السلط التقليدية القبلية السابقة. وكمثال على ذلك يضرب لنا الباحث ما أفرزته انتخابات 1960 و 1963 من نتائج فضلا عن انتخابات 1977، حيث أن الكثلة الناخبة القروية ظلت الأكثر حضورا في العمل السياسي. واقع زاد من الطلب على الأعيان سياسيا من لدن السلطة المركزية، وهو في نفس الآن ما جعل منهم نخبة تخطب ودها الأحزاب السياسية أيضا. إنها زعامات سياسية محلية تمثل المجتمع القبلي التقليدي لكن داخل مؤسسات عصرية.

ليطرح الكاتب في متم هذا الفصل ازدواجية ما خلص إليه الباحثون، فلا عملية “إسقاط النماذج” تفي بمقاربة وتحديد مفهوم العينية، ولا الإفراط في إبراز خصوصيتها مغربيا يقودنا صوب تفكيك عناصرها. ومن ثمة فكل مجتمع ينتج نفسه وفقا لشروط سجله التاريخي. ومنه فالحالة المغربية لها من التمظهرات ومسارات الإنبناء والسيادة ما يميزها عن غيرها.

الفصل السادس : العينية والزبونية : مسارات الهيمنة والخضوع

أبدى الباحث في بداية هذا الفصل قوة ارتباط العينية بالرصيد العلائقي الذي يمتلكه العين. فليست الثروة دائما، ولا الرساميل المادية هي التي تؤسس للوجاهة الاجتماعية. ولا يكتمل الحديث عن تجذير وانبناء العينية دون استحضار الزبناء الذين يدورون في فلك العين، والذين يمنحونه هذا الاعتراف. فبقدر ما امتلك العين شبكة علاقات تتجاوز المحيط إلى المركز اعترف له بعينيته من لدن أفراد محيطه.

المبحث الأول: العلاقات الزبونية : شروط الإنتاج

بعد استعراضه لمفهوم الزبونية وما تحيل عليه من توصيفات مختلفة وملتبسة في نفس الآن لانوجادها بمختلف السجلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.. أكد الكاتب أن الحديث عن الزبونية يفترض علاقة تربط بين قطبين يختلفان في حيازة رساميل المكانة والسلطة أحدهما السيد والقطب الآخر هو التابع. بحيث يكون كل طرف في حاجة إلى الآخر، وفق تعاقدات رمزية ومادية تحدد الواجبات والحقوق وهو ما يعطي لهذه العلاقة معنى ومبنى في النظام الاجتماعي.

ولمزيد من الفهم يدعو الباحث القارئ لمحاورة سجلات معرفية مختلفة قاربت العلاقة ” الزبونية ” من مداخل متعددة استهلها أولا بخطاطة الشيخ والمريد، والتي تطلعنا بدورها على النسق الثقافي للسلطة في المجتمعات العربية الحديثة مع السوسيولوجي عبد الله حمودي. خطاطة تسيج كثيرا من علاقات الهيمنة والخضوع أثناء الممارسات الاجتماعية. صحيح أن حمودي اشتغل على خطاطته هذه من داخل المتن الأصلي المرتبط بالزاوية وحقل الولاية ومراتبها، لكن ذات الخطاطة تلقي بظلالها واستحكاماتها على النسق السياسي العام. مستندا في ذلك على الشواهد التاريخية والرموز والطقوس الثقافية في إظهار أساسيات انبناء العلاقات الزبونية. علاقات تنبني وتأسس على منافع سوسيواقتصادية، وتعمل في نفس الآن على ترسيم التفاوت وترسيخه.

ليعرج بعد ذلك على محمد الناجي في مؤلفه “العبد والرعية” ومقولتي السيادة والإخضاع. إذ يعتبر هذا الأخير أنه من الضروري العودة لزمن العبودية لفهم آليات انبناء السلطة والخضوع في المجتمع العربي. فالاسترقاق وحمولته يكشفان لا محالة عن طبيعة العلاقات بين الأسياد والعبيد، وما تتأسس عليه من ثنائية القوة والوجاهة من جهة والخدمة والحماية من جهة أخرى. فلا معنى إذن لوجاهة ونفوذ سيد من دون عبد يترجم غنم سيده المادي والرمزي.

إن خطاطة محمد الناجي هاته كسابقتها تسعفان كثيرا في قراءة تكون وانبناء النسق السلطوي في كثير من السجلات العلائقية المجتمعية. إنهما تبرزان أساسيات الهيمنة والتبعية في ارتباطهما بالعلاقات الزبونية الموسومة قبلا وبعدا بالتراتب والحيازة المتفاوتة للرساميل الرمزية والمادية. فمن خلال السجلين السابقين يخلص الباحث إلى تحديد استراتيجيات الفعل الزبوني والمتمثلة في:

أ‌- القرب: كمرتكز أساس في فهم العلاقات الزبونية. لأن الزبون أو المريد أو التابع ينفرض عليه التقرب من سيده سواء كان عينا أو سيدا أو شيخا..

ب‌- الخدمة: كمرتكز تفرضه بنود التعاقدات التي تربط الزبون بالسيد. فإذا كان السيد يقدم الحماية لتابعه فإن ذلك يستتبع من قبل هذا الأخير إظهار الولاء والتعلق حيث يتحكم في نظام العلاقة هاته الحقل الرمزي أكثر منه الفعل المباشر.

ت‌- القربانية: وهي تجسيد للخدمة وتتمظهر بشكل جلي في ثنائية الشيخ والمريد، حيث أن هذا الأخير ملزم بأن يهب نفسه كلية ويضعها تحت تصرف شيخه حتى يضمن له هذا الأخير الدنو من مركز السلطة ويؤمن له الحماية بالمقابل.

ث‌- الحذر: شرط رابع في العلاقات الزبونية، إذ يتوجب العمل به لضمان استمرار الحماية والاستفادة في ظل فلك محموم بالصراع وملتهب بالتنافس حول القرب من مركز السلطة. فكل زبون إذن مدعو للانتصار إلى هذا الشرط.

ج‌- الهبة: والتي تظل ممارسة تعبر عن خضوع الزبون وامتثاله لسيده. فمهما كثر أو قل مقدار ما يقدمه التابع أو الزبون، فلهذه الهبة دلالة رمزية قوية تروم تأمين الحماية لهذا الأخير. إنها شكل من أشكال التقرب لمراكز السلطة. شأنها في ذلك شأن كل استراتيجيات الفعل الزبوني السابقة، سواء اجتمعت في علاقة سيد/ تابع أو تفرقت تظل تؤسس للعلاقات الزبونية بيم من يملكون ومن لا يملكون في المجتمع التقليدي كما في المجتمع العصري. فلكل شاكلته ومحتوى علاقاته. 

المبحث الثاني: التبادلات والالتزامات : الولاء مقابل الانتماء

إن إثراء الوجاهة وتدعيمها من قبل الأعيان التقليديين أو العصريين يستلزم دوما استقطاب الزبناء والأتباع، حيث تتعدد مصادر هذا الاستقطاب حسب محمد جسوس بين مصدر النسب، الشرف، الثروة، الأدوار السلطوية.. استقطاب من شأنه أن يدخل المسودين في سلسلة من الالتزامات والتبادلات حتى تؤمن لهم الحماية أو الخدمة التي يتغيونها. ومن ثمة فالزبونية محض تبادل اجتماعي يتأسس على المنفعة المشتركة.

ومن خلال محور الباحث الأول هذا يكشف لنا عن أنواع الزبناء وتراتبية مظاهرهم بالمجال الرحامني. إذ أن الدراسة الميدانية التي قام بها أبانت عن أن الزبناء يتوزعون على دوائر. وكلما تعددت هذه الأخيرة وتشعبت أيقن العين بامتداد وجاهته الاجتماعية من خلالها. وتتوزع هذه المظاهر بين: أ- الزبناء المقربون جدا من العين، قرابة عائلية أو قرابة عمل أو سخرة. هؤلاء يصيرون بدورهم وسطاء للأغيار لدى العين، أو ما يصطلح عليه ب ” منو للحاج”. الزبناء العاديون: تربطهم علاقات تبادل والتزام بالعين من دون أن تتأسس على القرب. الذي يمكنه أن يدرك من لدن هؤلاء من خلال الحراك الاجتماعي الذي نجده أيضا في نظام الزبونية، حيث العبارة ” الناس ديال الحاج” تدخلهم في المظهر السابق. ج- الزبناء الموسميون: توصيف هذه الفئة يحدد ولاءها المرتبط للعين بمناسبات محددة (الانتخابات كمثال) مناسبة من شأنها تبادل المصالح بين كل من العين والزبون. د- الزبناء غير المحليين: والذين يسهمون في تسويق فعالية العين بالرغم من عدم انتمائهم لمجاله الترابي وذلك لتوسط علاقاته ومجال نفوذه. 

ليخلص الكاتب أن العين مدعو دائما لتحويل القوة إلى حق والطاعة إلى واجب. الأمر الذي ينتج في الأخير مشروعية وإجماع الزبناء على وجاهة العين الاجتماعية. إجماع من دون إكراه أو عنف كونهم يعتبرون أنفسهم “ديال الحاج“. وبالمقابل تصير علاقة العين بهم علاقة أبوية تجد معناها في مقولة ” هادوك ديالي، اجبابي وولادي وخوتي“. 

وفي سياق الحديث عن الالتزامات والتبادلات التي تجمع العين بزبنائه أفرد الباحث مختلف تدخلات وتوسطات العين ابتداء من حصول الزبون على شهادة الاحتياج، أو وظيفة ما، تخفيف حكم قضائي، موعد للاستشفاء أو توفير سرير لنفسس السبب.. إلى غير تلك من الخدمات التي تبرز قدرة العين على اختراق كل الأجهزة وكل المؤسسات العمومية. أليس الأمر يتعلق ب” فكاك الوحايل”. إنه شخص تتأسس عينيته بشكل أساسي على حجم علاقاته مع الزبناء.

وعن طبيعة العلاقة التي تربط هؤلاء بالسيد أو الراعي أو العين، فتتمظهر في الانتماء إلى سجل هذا الأخير أو مجاله وهو ما اصطلح عليه الباحث ب “التحواز”. بمعنى أنهم في حوزته وفي ملكه. لذلك يمنحهم حق العيش في أملاكه الأرضية مقابل مساندة وولاء من ينحازون إليه “الحوازة”. انحياز يتخلى بموجبه الزبون طوعا عن استقلاليته، ليعلن “اللجوء الاجتماعي” إلى “حوز” العين ضمانا لمتطلبات العيش من شغل وتطبيب وقضاء.. متطلبات تنتصر للوساطة كمفتاح سحري يستعمله العين لحل كل مشاكل الزبناء واحتياجاتهم السوسيواقتصادية. كما وبمقدوره أيضا حلحلة المشاكل الداخلية للزبناء وفق منطق التحكيم الذي يهرع إليه الزبناء المتنازعون كلما اشتعل فتيل الخلاف والنزاع بينهم. عينية تتدعم مرة أخرى كلما استطاع العين لم شتات الجماعة المتنازعة، وإطفاء الغضب بفضل استثماره لآليات العار والمزاوكة والطعام..

ومنه ينتهي الباحث إلى أن الأساس المركزي الذي يحكم العلاقة عين/ زبون هو أساس تبادلي يقوم على المنفعة. فالعين يظل اليد المانحة لكل الهبات والعطايا الرمزية والمادية مقابل أن تأخذ في المستقبل وفق مناسبات تفرض دعم وولاء الزبناء. أخذ وعطاء لا يخضع لترسيمات دقيقة بقدرما يدخل عبر آلية تعاقد رمزي موضح لمساحات الاستفادة المتبادلة.

المبحث الثالث: مسالك إعادة الانتاج : القدرة على فك الرموز

بعد إجلاء الباحث لكل تمظهرات العلاقة الزبونية وأسس انبنائها، لا بد أن نتساءل عن كيفية نجاح الأعيان في الإبقاء على هذه العلاقات؟ بل وتوسيع قاعدتها في ظل منافسة محمومة من لدن أعيان آخرين. ويدرج الباحث ضمن هذا المبحث أول مقترب ينتصر إليه العين في إعادة إنتاج وجاهته الاجتماعية وهو احترام التقاليد، إذ أن هذا الأخير مدعو باستمرار إلى احترام القيم الجماعية لمجال أتباعه حتى يحوز التوصيف الاجتماعي “كبير القبيلة”. إنه مدعو لممارسة أفعال اجتماعية من قبيل التحية والتبريك وتقديم العزاء. أفعال لها دلالاتها القوية بمجال القبيلة. فكلما حرص عليها العين وسم ب “مول الصواب” وأكسبه ذلك مزيدا من الأتباع والزبائن.

وكمقترب ثان يقترح علينا الباحث تقديم الخدمات كفعل يمارسه العين لصالح أتباعه الذين تتعدد احتياجاتهم السوسيواقتصادية. صحيح أن العين لا تندرج ضمن قاموسه التداولي لاءات الرفض، لكنه يقدم الخدمة بالأساس إلى الأتباع الذين تربطه بهم علاقات دموية ومصالحية. غير أن الكاتب لا يحصر خدمة العين في اتجاه أتباعه فقط ممن لا يملكون رساميل القوة والتميز، بل تتمتد خدماته لتشمل مكونات أخرى تملك من النفوذ والسلطة ما يثري وجاهة العين الاجتماعية بانتمائهم لشبكة علاقات هذا الأخير، إنهم رجال السلطة، مقدمين، شيوخ، قياد، فضلا عن رجال السلطة الخارجين عن مجال القبيلة. وهو ما يبرزه من خلال مقترب ثالث وسم ب اتجاهات الزبونية. والنتيجة ولاءات متعددة الهويات والانتماءات الاجتماعية. 

وحتى يستمر العين في إعادة إنتاج وجاهته الاجتماعية لابد أن يستمر التمثل الإيجابي، كمسلك رابع لإعادة إنتاج الوجاهة، لأتباعه له، باعتباره “مول الدار الكبيرة” وغيرها من المصطلحات الشعبية التي تطلق على العين، وتعيد إنتاج التراتب الاجتماعي وتبريره. اعتراف وتمثل إيجابي سائر في الزمان والمكان بسيران الفعل العيني على الواقع المتأسس على الخدمة والمستقطب والموسع في نفس الآن لدائرة الزبونية. وباستمرار هذا الأخير يستحيل تصورا يرتكز على مكتسبات معرفية وينبني على وقائع وأشخاص، بالشكل الذي يجعله مستضمرا سيكوسوسيولوجيا. وهو ما يعيد إنتاج نفس التمثلات من لدن الأفراد والجماعات في نظرتهم لكبيرهم وسيدهم.

ويختم الكاتب هذا المبحث بمسلك خامس “استثمار العنف“ يشكل نقيضا للمقتربات السلمية السابقة. حيث أن مسارات النخب السياسية بالمغرب تنبئنا بوقائع انتصر فيها للعنف بغية إبراز السلطة والنفوذ والوجاهة. وقد أدرج بعضا منها من خلال الشواهد الشفهية والمرجعية بالهوامش. ليخلص إلى نتيجة مفادها أن إعادة إنتاج الأعيان مغربيا، على اختلاف العناصر المنتجة للظاهرة العينية، سببه طبيعة النظام الذي يقرب المخلص ويشخصن السلطة ويناهض ثقافة المؤسسات لينتصر إلى توازنات هشة تبرز على مستوى الصراعات السياسية على حد تعبير جون واتربوري. إنه المنطق الباتريمونيالي الذي يحيلنا عليه محمد جسوس، والذي يعمل على توسيع دائرة العلاقات الزبونية كضرورة مجتمعية. 

الفصل السابع والأخير : العين والسياسي : جدل التقليد والعصرنة

آثر الباحث الاشتغال ضمن هذا الفصل على عنصر آخر من عناصر إنتاج الوجاهة الاجتماعية. إنه المقترب “السياسي” وتوظيفاته المتعددة المرامي والأهداف. حيث ينطرح سؤال علاقة العين بالسياسي؟ ما حدود الاتصال والانفصال بينهما؟ وهل صار العين بالفعل رديفا للسياسي؟ وإذا ما تم ذلك، كيف يتمثل العين الفعل السياسي؟ وهل استطاع بالفعل الانخراط في السياسة وفق مقتضياتها الحداثية أم أن الانتصار للتقليد يظل السمة التي تطغى على الممارسات العينية؟

المبحث الأول: إدراكات السياسة: حدود المعنى والمبنى

أولا: جدل التقليد والعصرنة

كما سبقت الإشارة، إن العين في إطار تقديمه للخدمات لصالح أتباعه وزبنائه، فهو يعي جيدا قيمة هذا الفعل الإحساني، الذي ينتظر موسم قطافه ليجني الثمار. ولعل دخول العين إلى حقل “السياسي”، على اختلاف نوع الولوج مشاركة كان أو منافسة أو دعما لطرف معين، يعتبر المناسبة الحقيقية لاختبار فعله الإحساني السابق؛ بمعنى ضرورة دعم أتباعه وزبنائه، الذين يتحولون إلى مواطنين من خلال حقل السياسة، للفاعل السياسي “العين”.

إنه مجال البادية الذي يحاول النظام السياسي المغربي مأسسته عصريا، لكنه يظل وفيا للتقليدي الجاذب في طريقة التدبير؛ وهو ما يصطلح عليه الكاتب ب” التوليف“ Montage. ومن ثمة يجد العين/ السياسي في الممارسة السياسية ميدانا لإبراز واختبار وجاهته الاجتماعية ليس إلا، بمنأى عن أي حمولة إيديولوجية. ولعل تغيير هذا الأخير لانتمائه الحزبي عشية كل مناسبة انتخابية دليل قوي على الفراغ المذهبي أو الهوياتي أو الإيديولوجي الذي يملأ تمثلاته. وهو ما دلل عليه الباحث من خلال شهادات شفوية ميدانية حية تجلو للقارئ ثنائية التقليد والعصرنة.

ثانيا: المفهوم “الانتخابوي“

من خلال ارتكان الباحث لتقنيتي الدراسة “المقابلة أو الاستمارة” خلص إلى أن العين أو غيره من المبحوثين يعتقدون أن العمل السياسي ليس إلا فعلا انتخابيا من أجل بلوغ مصالح مادية ورمزية. ولعل نسبة 2,05 بالمائة، والتي عبرت عن نسبة المبحوثين الذين لا يرون في العمل السياسي إسهاما في التنمية، لخير دليل على التمثل السلبي لهؤلاء عن السياسة. وما يميز تمثلهم هذا للفعل السياسي، بالرغم من كونه ممارسة حداثية، هو حضور عنصر المصلحة والقبيلة في تدبيره. إذ ينتصر للنسب الشريف والبعد التقليدي مما يثبت مرة أخرى خطاطة العلاقات التقليدية من داخل المؤسسات العصرية.

المبحث الثاني : الحملات الانتخابية: اختبار وتدوير الوجاهة

تنبهت الدولة في وقف مبكر إلى وجاهة الأعيان وإمكانية تصريفها في الحقل السياسي لإرساء وتقعيد الممارسة الانتخابية. وهو ما تم الالتجاء إليه خلال اتنخابات 2007. مما يؤكد قدرة العين على تدوير وجاهته. يسعفه في ذلك، بالإضافة إلى رساميل الثروة والجاه دعم الدولة المتواصل وتمثل أهالي القرية التي ينتصر لأحقية الأعيان في تمثيلهم. وبعد ذلك يدرج الباحث مجموعة من الإحصاءات والتصاريح التي تعكس تمثل ساكنة الرحامنة كمنتخبين لممثليهم. إذ أن كل أداء سياسي تسيطر عليه الشخصانية وتخفت فيه الطروحات الإيديولوجية، وبحضور الممارسة الاحتفالية وتأطير البعد الديني أيضا.

واستجلاء لآليات اشتغال الحملات الانتخابية استهل الباحث هذه الآليات ب: أولا- القرابة مكون بنيوي: تتأسس الحملة الانتخابية للعين، حسب الكاتب، على المقترب القرابي بالدرجة الأولى، فبمجرد ترشح العين في جماعته الأصلية يلقب نفسه في تخاطبه مع زبنائه ب “ولد الفخدة” “ولد عمكم” “ولد قبيلتكم” عبارات من شأنها تيسير الوصول إلى النجاح، وهو ما عبر عنه أحد الأعيان في تصريح للباحث. مؤكدا أن تزكية القبيلة للعين أولى في نظر هذا الأخير من تزكية الحزب.

ثانيا- العار أو اللجوء الانتخابي: إن دخول غمار اللعبة السياسية يقتضي أخذ تزكية الحزب، والتي تفرض على الممتع بها ترديد أدبيات الحزب ومقولاته خلال حملاته الانتخابية. وفي ما يتعلق بالعين فإن الأمر لا ينضبط لهذه القاعدة، بل يلجأ إلى استثمار آلية العار لشرعنة اتفاقياته مع زبنائه، وإضفاء طابع القدسية عليها من خلال الدم الذي يرسخ علاقات الالتزام والولاء.

ثالثا: الإطعام والإلزام “الملحة”

مقترب يشرعن من خلاله العين التعاقدات والالتزامات التي تربط زبنائه به. فالإطعام شرط أساس يقدم عليه العين لاستعراض وجاهته كصاحب “الدار الكبيرة”، وذلك ليسويغ علاقات التبعية والولاء، إثر حملاته الانتخابية. إن الأمر أشبه ما يكون ب “مبارزة إطعامية” يدخل ضمنها الأعيان لإظهار من يطعم أكثر. ويلتجأ خلال هذا الطقس “الولائمي” إلى المقدس بتلاوة الفاتحة فور انتهاء الإطعام والدعاء لصاحبه. وبذلك تأخذ الحملة الانتخابية مسار تيسير النجاح لهذا الأخير.

رابعا: “العهد” وسلطة المقدس

فضلا عن مقترب “العار” كآلية لاشتعال الفعل السياسي في السجل العيني، يقترح علينا الباحث مقترب العهد كوسيلة أكثر إلزامية من سابقتها. حيث يعمد العين إلى جعل زبنائه يغلظون الأيمان باستحضار المصحف الشريف والقسم عليه، أو في ضريح معين، أو بحضور شيخ زاوية، أو شريف من آل البيت. إنها تجليات المقدس التي تفرض التزاما أخلاقيا يصعب التحلل والتحرر منها.

خامسا: “الوعد” وشرعية الانتظارات

من المعلوم أن العين، وقبل أن يستقطب أصوات زبنائه، يكون قد أوعز إليهم بوعد ما. هذا الأخير الذي يصير بمثابة موثق يلزم العين بوفائه. ويتخذ مستويين: الأول عام وعلني يهم المشاريع المستجلبة للدوار غدا من قبل العين. والثاني خاص وسري يعني وعودا قطعها العين لبعض مقربيه. إنها آلية أخرى حينما يفي بها العين تصير مؤشرا للاعتراف بوجاهته.

سادسا: المال ولعبة البيع والشراء

كما سبقت الإشارة، وفي إطار علاقة الزبون/ العين أو المنتخب/ المرشح، فإن هذه العلاقة تتأسس على القبيلة كمعطى أساس في إبراز الولاء والتبعية. لكن وبالإضافة إلى معطى القبلية في تدبير الحملات الانتخابية، ينضاف ما أسماه الباحث ب ” تنقيد الممارسة الانتخابية”. فمن له القدرة على البذل أو الحرق يكون الأوفر حظا. ومنه يصير الفعل الانتخابي في تمثل المنتخبين مؤدى عنه ولا علاقة له بفعل المواطنة أو المشاركة في صنع القرار المحلي. تمثل تؤكده شهادات دامغة أجراها الباحث مع بعض الباحثين.

سابعا: الشعارات المركبة

يحيل العنوان على تعدد شعارات العين فور كل موعد اقتراع، إذ تتوزع عبر: 1. البعد القرابي الذي يلزم الزبناء بالتصويت على ابن قبيلتهم. 2. البعد الديني الذي يرتكز على توظيف واستعمال عدد من الآيات القرآنية. 3. مرتكز ثالث يكمن في قرب أو بعد العين من المخزن أو “موالين الرباط”. 4. إظهار آلية المبارزة الانتخابية والقدرة على الدخول في غمار التنافس. مرتكزات أربعة استشفها الباحث من خلال خطاب أحد المرشحين، آليات ومرتكزات بعد مدخلا مهما لقراءة انبناءات الفعل السياسي.

ختاما

يختتم الباحث منجزه بتعدد السجلات المعرفية التي يمكن أن يمتح منها فهمنا للظاهرة العينية ومنطق وجاهتها. ليخلص إلى أن ثمة تصورين، أحدهما ينتصر للشرط التاريخي المؤسس لأسطورة “الدماء الزرقاء”. والتصور الثاني يكمن في الشرط الفردي وقدرة الفرد على التميز. ولعل الشرط الأول هو المهيمن في بوادينا المغربية، مما يؤشر على أن الوجاهة مغربيا تتأسس بشكل كبير على الإرث التاريخي والتجذر الاجتماعي.

إن العينية إذن إرث متعدد وبناء مستمر. ولذلك فالطلب الاجتماعي على الأعيان يظل قائما على الرغم من تعدد السجلات وتغير قواعد اللعب. بيد أن ما توصل إليه الباحث استنادا على معطى مجالي محدد لا يسمح بانجراره – على حد تعبيره- وراء نزعة تعميمية تسم خلاصاته بالتعميم والإطلاق، وتدعي تقديم إجابات قاطعة عن الظاهرة العينية وآلياتها ومآلاتها في مجتمع في محك التحول. إن الأمر لا يعدو أن يكون محاولة في طريق فهم جوانب ما من انشغال العينية في البوادي المغربية.
 

اضاءة في كتاب سوسيولوجية الأعيان.. آليات إنتاج الوجاهة السياسية إبراهيم بلوح

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» سوسيولوجيا الأعيان آليات إنتاج الوجاهة السياسية
» قراءة في كتاب: "الإسلاميون بين الثورة والدولة: إشكالية إنتاج النموذج وبناء الخطاب" عبد الغني ع
» قراءة في كتاب: "الإسلاميون بين الثورة والدولة: إشكالية إنتاج النموذج وبناء الخطاب" عبد الغني عماد
» البنيات السياسية لمغرب الحماية: قراءة في كتاب عبد الله بلمليح
» قراءة في كتاب دين الفطرة لجون جاك روسو الأربعاء 13 أيار (مايو) 2015 تقييم المقال : 1 2 3 4 5 بقلم: إبراهيم أيت إزي

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: