16 مايو 2013 بقلم
هشـام الهداجـي قسم:
الفلسفة والعلوم الإنسانية تحميل الملف حجم الخط
-18
+ للنشر:مقدمة:تتوخى هذه المحاولة البحث في المرجعية الفكرية والتاريخية لمسألة الحداثة، من خلال تقديم قراءة تسعى إلى مقاربة مسألة الحداثة في الفكر الغربي الحديث، عبر تحليل مجموعة ملامح وسمات فكرية وتاريخية، وذلك بالوقوف عند نماذج ومحطات فلسفية كانت أهم من نظر وفكر في مسألة الحداثة في الفكر الأوربي الحديث... سيتم ذلك من خلال مبحثين رئيسيين: المبحث الأول يحمل عنوان: تحديدات مفاهيمية، والمبحث الثاني تحت عنوان: الحداثة مشروع تاريخي.
همنا في المبحث الأول، هما إبستمولوجيا مفاهيميا بالتحديد، حيث نود التساؤل عن ماهية الحداثة وطبيعتها، ثم نروم في مقام ثان بتمييزها عن لفظ آخر يقاسمها الاشتقاق اللغوي والفكري وهو التحديث، في محاولة للفصل الإجرائي بين ماهو فلسفي فكري ،وماهو سوسيولوجي تاريخي. ثم سعينا إلى بسط افتراض مؤداه أننا بصدد حداثات ممكنة بالجمع وليس حداثة بالمفرد تاريخياً وجغرافياً.
بينما كان الهم الثاني، هو رصد أهم لحظات وملامح تشكل مسألة الحداثة من خلال التطرق لسؤال التنوير باعتباره عتبة الحداثة مع كل علم من هؤلاء الإعلام: (شارل بودلير، رينيه ديكارت، إيمانويل كانط، وفريدريك هيجل).
المبحث الأول: تحديدات مفاهيمية:
الأكيد أن أي عمل علمي، أو يسعى لأن يكون كذلك، لابد وأن يبدأ بتحديد ومساءلة الأرضية التي يشتغل عليها، ومنها المفاهيم والمصطلحات قيد البحث. وبما أننا هنا بصدد دراسة مسألة الحداثة، فمن البداهة أن نبادر بالسؤال الإشكالي التالي: ماذا يعني مفهوم الحداثة وما علاقته بمفهوم التحديث وهل الأمر يتعلق بحداثة أم بحداثات؟
(1). في معنى الحداثة:بالعودة إلى مرجع أساسي في تناول هذا الموضوع الشائك، نجد المفكرالفرنسي (جان بودريار/1929_2007) يستهل حديثه عن الحداثة Modernitéla، باعتبارها "ليست لا مفهوماً سوسيولوجياً، ولا مفهوماً سياسياً أو حتى مفهوماً تاريخياً، إنها نمط حضاري خاص يتعارض دوماً مع نمط التقليد"[1]. حيث إنها تقوم في وجه التعدد الثقافي والرمزي في المجتمعات "التقليدية" كشكل متجانس يجتاح العالم انطلاقاً من الغرب الحضاري، الشيء الذي يضفي عليها هالة من الأسطر لدرجة يتماها في مظاهرها ماهو واقعي بماهو أسطوري.
ومع ذلك،يظل لها مدلولاً ملتبساً يشيرمن جهة إلى تطور تاريخي، ومن جهة ثانية إلى تغير في الذهنية، أنها معطى متشابك يمتزج فيه الواقعي بالأسطوري، واقع يتميز في كل المجالات: "دولة حديثة، تقنية حديثة، موسيقى ورسم وعادات وأفكار حديثة، على هيأة مقولة عامة وضرورة ثقافية"[2].
إن الحداثة بما أنها نشأت عن كثير من التحولات العميقة في التنظيم الاقتصادي والاجتماعي والديني والثقافي، فهي تتحقق على مستوى العادات وطرائق العيش وأنماط الحياة اليومية، إلى درجة أنها تتحول إلى صورة كاريكاتورية في جانبها التحديثي، إنها متغيرة في أشكالها وسيرورتها من حيث الزمان والمكان، وبالتالي فهي غير ثابتة ولا قابلة للتصور إلا كمنظومة من القيم، بل كأسطورة. وبهذا المعنى يتعين كتابتها بحروف بارزة تماماً مثل التقليد للتعبير عن ماهيتها.
مفهوم الحداثة وماهيتها:وبما أنها "ليست مفهوماً تحليلياً، فإنه ليست هناك قوانين للحداثة، بل فقط معالم للحداثة، ليست هناك أيضاً نظرية للحداثة، بل منطق وإيديولوجيا للحداثة"[3]. حيث أنها منظومة قيمية مقننة للتغير تتعارض مع المنظومة القيمية المقننة للتقليد، لكنها مع ذلك تتبدى في بعض الأحيان حذرة من كل تغير جذري قد يحدث طفرة واحدة.
إن ماهية الحداثة مرتبطة بأزمة تاريخية وبأزمة الإنسان الحديث، وبالتالي فإنها لا تعدو أن تكون إلا تجل معين لهذه الأزمة، إذ أنها لا تقوم بتحليل هذه الأزمة، بل تعبر عنها بطريقة غامضة، بهروب مستمر إلى الأمام. فهي تلعب "دور فكرة القوة ودور إيديولوجيا سائدة متسامية بتناقضات التاريخ كمفاعيل للحضارة، إنها تجعل من الأزمة قيمة وأخلاق متناقضة"[4]. وهكذا يصح لنا أن نستنتج مع منظري الحداثة، أنها فكرة تتعرف فيها الحضارة على نفسها، وتلعب في ألآن ذاته دور تنظيم ثقافي، وهي بذلك تلتحق خلسة بالتقليد.
وإذا كان (بودريار) يعتبر أن الحداثة ليست نظرية بقدر ما تنطوي على منطق وإيديولوجيا يميزانها عن التصورات التقليدية للعالم، فإنه يرى أن منطق الحداثة هذا يتشكل من ثلاثة أبعاد هي:
1. البعد التقني ــ العلمي، حيث تطور الوجود الإنساني بشكل غير مسبوق نوعا وكماً وكيفاً، وبشكل تدريجي للعلوم والتقنيات وللنمو العقلاني والمنهجي لوسائل الإنتاج ولأساليب تسييرها وتنظيمها، حتى صارت معه " كأنها عصر الإنتاجية"[5].
2. المفهوم السياسي للحداثة، حيث تجسدت الدولة كفكرة مجردة جامعة وتحددت "في صيغة الدستور، ومن خلال الوضع الاعتباري للفرد، وتحت عنوان الملكية الخاصة"[6]، وذلك ما شكل البنية السياسية للحداثة. إن هذه الوضعية تعلن عن تجاوز لكل الأنظمة السابقة، إذ كانت الحياة السياسية تتحدد في شكل تراتبية تؤطرها وتتحكم فيها العلاقات الشخصية والأطر الاجتماعية والمعرفية التقليدية.
3. المفهوم السيكولوجي، ذلك أنه في مواجهة الرؤية الموحدة للعالم ذات المضامين السحرية الدينية والرمزية للمجتمع التقليدي، يقف "العصر الحديث موسوماً ببزوغ الفرد بوصفه كائناً يحوز وعياً مستقلاً، بنفسيته ونزوعاته الشخصية ومصلحته الخاصة"[7]، مؤسساً بذلك لرؤية جديدة للذات وللعالم.
(2). حداثة أم تحديث؟بعدما حاولنا في مرحلة أولى تتبع مفهوم الحداثة من حيث تحديداته الفكرية والابستمولوجية، يدور حديثنا هنا عن التمييز بين الحداثة والتحديث وذلك باستحضار أهم التحليلات والكتابات في مجال السوسيولوجيا والفكر السياسي الحديث، حتى يتسنى لنا توضيح ما المقصود من كلا المفهومين بقدر الإمكان. يرى الباحثان السوسيولوجيان ريمون بودون وفرانسوا بوريكو في "المعجم النقدي للسوسيولوجيا" أن كلمة التحديث Modernisationla تستعمل لدى المؤرخين وعلماء الاجتماع، ويقصد بها "مجموعة التغيرات المعقدة جداً والمؤثرة في جميع المجتمعات الإنسانية، وإن بطريقة متفاوتة وبناء على آليات انتشار جد متنوعة، اعتباراً من القرن السادس عشر وانطلاقاً من أوربا الغربية"[8].
تعابير التحديث:فإذا نظرنا إلى التحديث في بلدان أوربا الغربية حيث نشأ وعرف تحولات كثيرة وعميقة، يمكن القول أنه "مسار تعبئة وتمايز وعلمنة"[9].
-
التعبير الأول (التعبئة):من الواضح أن التعبير الأول قد اقتبس عن عالم الاجتماع التشيكي Karl Deutsch (1912-1992) الذي تحدث عن عدد معين من الدلائل التي تسمح بتقييم السهولة والسرعة التي يتم بها تنقل الأموال والأشخاص والمعلومات داخل المجتمع نفسه، إذ أن حركية الأموال مرتبطة بظهور الأسواق وبتوسع المبادلات وطرق تدبيرها والاستفادة منها. هناك دليل آخر على أهمية التعبئة الاجتماعية يتجلى في عدد وسرعة المعلومات التي تروج في محيط معين: عدد الكتب والصحف والرسائل والمطبوعات والإرسال الإذاعي والتلفزي، الشيء الذي يكون له بالغ الأثر على المجتمع. حيث إن مسار التحديث يتم في شكل تنقلات للأفراد والجماعات وتحولات في الوظائف والمؤهلات، مما يكون له نتائج على سلوك الأفراد في محيطهم العائلي ومن ثم على جميع مجالات النشاط المرتبطة بها.
- التعبير الثاني (التمايز):إن التعبير الثاني المقترح لتوصيف عملية التحديث هو "التمايز"، غير أن هذا المصطلح "ليس واضحاً تماماً، ولكنه يمتاز بإقامة علاقة بين ظاهرة التحديث وظاهرة تقسيم العمل"[10]. إذ يرى الباحثان أنه من غير المعقول القول أن المجتمع الأوروبي في القرن الخامس عشر لم يعرف أي نوع من تقسيم للعمل، قد يكون العكس هو الصحيح، حيث أن هذه المجتمعات بقدر ما كانت شديدة التراتبية، بقدر ما كانت الوظائف، وبصورة أعم، الأوضاع متخصصة بشكل يبدو أكثر صرامة مما عليه الأمر في المجتمعات المعاصرة "المتخلفة" منها و"المتقدمة".
إن ما يميز المجتمعات الحديثة ليس مقدار تمايزها عن المجتمعات التقليدية، وإنما لأنها متمايزة بشكل آخر. إذ أن منظومات مثل البيروقراطية والسمة الطاغية للصناعة والتقنية هي حديثة، بمعنى أنها تطمح لتمييز الأفراد، على الأقل نظرياً، وفقاً للمساهمة التي يقدمونها في مهمة ذات قيمة اجتماعية، بدل تمييزهم انطلاقاً من أصولهم وانتسابهم العائلي والمحلي.
- التعبير الثالث (العلمنة):يبقى التعبير الثالث هو "العلمنة"، والمقصود بها هنا "ليس حضور أو غياب أي إيمان (أو لا إيمان) بالتحديد، وإنما المقصود هو الفصل المؤسساتي بين الكنيسة (وكذلك الدولة) من جهة، وبين مؤسسات التعليم والبحث العلمي"[11]. غير أن الملاحظ هنا أن هذه مسألة لا تخص تنظيم العلاقة بين الكنيسة والدولة فحسب، وإنما كذلك تنظيم العلاقة بين المعرفة الوضعية وبين المعرفة الدينية ممثلة في الكنيسة.
وهكذا، فإن البحث في مسألة الحداثة والتحديث، في تقديرنا، لا يعدو أن يكون بحثاً على مستويين غير منفصلين تمام الانفصال: مستوى فكري تصوري، ومستوى سوسيولوجي تاريخي. حيث ينظر للحداثة في المستوى الأول على أنها رؤية للوجود الإنساني وبنية فكرية جامعة لكافة مستويات الحياة : اقتصاد، سياسة، اجتماع، فن، ثقافة.. بينما ينظر للتحديث في المستوى الثاني من منظور تاريخي ودينامي متغير يعكس الممكنات التاريخية والثقافية المتاحة للناس كافة.
(3). حداثة بالمفرد أم حداثات بالجمع؟بعدما خلصنا في المحورين السابقين إلى التمييز بين الحداثة والتحديث، نحاول في هذا المحور الوقوف عند فرضية ندعي أن لها ما يكفي من الصلاحية التحليلية مفادها أن الحداثة تعني "الواحد" الذي يحوي "المتعدد والمختلف"، وسنبين ذلك من خلال مستويين: مستوى أفقي (جغرافي) ومستوى عمودي (تاريخي وموضوعي)، وهذا مجرد تقسيم إجرائي لتوضيح أولي للموضوع.
1- على المستوى الأفقي (الجغرافي): من الممكن أن نصف تشكل الحداثة في أوربا، باعتبارها رحمها وحاضنتها الأولى، أنه جاء نتيجة لسلسة من التحولات والقطائع الفنية والفلسفية والعلمية والنفسية والسياسية المتواصلة مدعمة بعضها البعض، ويشكل كل منها شرطاً لوجود الأخرى، مع العلم أن "نبتة الحداثة الأولى نبتت في إيطاليا زمن (عصر النهضة) حيث ازدهرت الفنون والعلوم والآداب"[12].
وإذا صح أن إيطاليا هي مشتل الحداثة، فإن هذه الأخيرة بحكم طبيعتها الانتشارية، قد سرت بشكل تدريجي إلى باقي الدول الأوربية: ألمانيا، فرنسا، إنجلترا، وفيما بعد الولايات المتحدة الأمريكية ثم اليابان ثم روسيا، فالعالم العربي والإسلامي عن طريق الاستعمار والبعثات العلمية والاحتكاك بالآخر، مع استحضار مستويات وأزمنة انخراط هذه الجغرافيات المختلفة والمتمايزة في الحداثة بهذه الدرجة أو تلك سلباً أو إيجاباً.
وعلى الصعيد الثقافي والمؤسساتي فإن الحداثة في أوربا الغربية تميزت منذ بداية انتشار أفكارها الأساسية بدرجة عالية التنوع في أشكالها المؤسساتية وأبنيتها الخطابية والمفاهيمية وأنماط وجودها الاجتماعي، وتكون بذلك قد أفرزت مرجعيات أصبحت بمثابة الدليل الموجه والأفق التاريخي المشترك على المستوى العالمي.
2-على المستوى العمودي (التاريخي والموضوعي): يمكننا الزعمأن فكرة الحداثات المتعددة تفترض أن أفضل الطرق لفهم مسألة الحداثة، هي أن نراها كسيرورة عمليات دائمة التكون والتكوين لتصورات ورؤى وبرامج ثقافية وأنماط وجود متعددة، وعمليات إعادة تكوين لأشكال إيديولوجية ومؤسسية مختلفة، يقوم بها فاعلون فكريون وسياسيون واجتماعيون. لذلك لعله من الصواب على هذا المستوى التوقف عند تشكيلة "حداثات" تندرج وتكون مفهوم الحداثة بشكل عام، هذه نماذج منها دون تفصيل.
أ- الحداثة الفكرية: نمثل لها بأربعة عناصر لا مندوحة عنها وهي: المعرفة، الإنسان، العالم والتاريخ. فيما يخص المعرفة تجسدت الحداثة في المرور من الفكر التأملي والأنطولوجي إلى الفكر التقني والاستهلاكي. وفيما يتعلق بالإنسان، تقوم الحداثة على الانتقال من الجواهر الروحية القبلية إلى الدوافع الأولية والنفسية. كما تعني بخصوص فهم العالم الانتقال من الأشكال الجوهرية والماهيات إلى المفاهيم والعلاقات الميكانيكية الرياضية والفيزيائية. فيم يحدث تحول في فهم التاريخ من الرؤية المبشرة والغائية إلى النزعة التاريخانية والوقائعية.
ب- الحداثة التقنية: متجسدة في توسط التقنية والآلات والأدوات الاصطناعية في بناء العلاقات الجديدة بين الإنسان والطبيعة، علماً أن هذه العلاقة لها تاريخ موغل في القدم، مما حدى ببعض الباحثين إلى الحديث عن ثلاث موجات للحضارة: "الموجة الزراعية، الموجة الصناعية، ثم الموجة الثالثة الصناعية والتقنية"[13].
ج- الحداثة السياسية: هنا يتم التركيز على التنظيم المؤسساتي للسلطة وشكل الدولة والإطار القانوني الذي يحكم العلاقة بين الفرد والدولة، واعتبار أن الشعب هو مصدر السلطة، مما يقتضي التمييز بين المجالين السياسي والديني، أي نزع القداسة عن الأول باعتباره مجالاً للنسبي وللصراع حول السلطة والثروة، وترتيب العلاقة مع الثاني باعتباره نزوعاً نحو المطلق والمثال.
د- الحداثة الاقتصادية: ويقصد منها الانتقال إلى الاقتصاد الموسع القائم على منطق الربح والخسارة والاستثمار، أي اقتصاد السوق، عوض الاقتصاد التبادلي المنغلق والمحدود، ولعل ما يميز هذه الحداثة هو العقلنة (Rationalisationla ) الاقتصادية بما تعنيه من ضبط وإدارة وتقنين لشبكة علاقات الدولة والمجتمع. لعل أحد أهم النتائج التي تترتب على فرضية "تعدد الحداثات" هو أن الحداثة والغرب الحضاري "لم يعودا متماثلين، وأن النماذج الغربية للحداثة ليست هي الحداثات الأصلية وحدها"[14]، رغم أنها تتمتع بأسبقية تاريخية وتستمر بوصفها نقطة مرجعية أساسية بالنسبة لباقي التجارب الحضارية.
لكن يبقى الأهم أنه على الدول والمجتمعات التي ترزح تحت ويلات "التقليد" وتعيش حالة الفوات التاريخي بتعبير (ياسين الحافظ) أن تعي جيداً أن الممكنات التاريخية للوجود والفعل في عالمنا المعاصر، تبقى مفتوحة في شكل حداثة لعلها لازالت كائنة بالقوة، لكن مبدأ الأمل يبقى شارعاً أمامها أبواب التحقق بالفعل، متى تملكت أسباب واليات النهوض وانتظمت في تراثها وفق إستراتيجية نقدية للذات وللآخر.
المبحث الثاني : الحداثة مشروع تاريخي
(1). في التنوير والحداثة:يمكن القول بأن العالم الحديث نشأ من مواجهة واسعة وطويلة، مع عالم القرون الوسطى ضدا على ما عرف بالنزعة "السكولائية" La Scolastique)) في الحقل الثقافي والديني في أوروبا الحديثة، وضدا على تحالف الإقطاع والكنيسة على الصعيد السياسي، الشيء الذي ولد ممكنات تاريخية كبرى برزت لاحقاً. إن السكولائية ليست مجرد نزعة مذهبية، بل إنها موقف ورؤية غائية تتوخى الحط من قيمة الفرد والوجود، بل من كل ما هو بشري وطبيعي. هذا الصراع ولد ما عرف بالنزعة الإنسانية L’Humanisme كدعوة لبدء جديد وثورة ثقافية شاملة تجسدت في ما عرف بـ "صراع القدماء والمحدثون".
لذلك سنحاول هنا الوقوف عند أربعة أعلام فلسفية وأدبية يجمع مؤرخو الفكر والفلسفة على أنهم أهم من أثر في عهد الأنوار والحداثة: بودلير، ديكارت، كانط، وهيجل.
- بودلير والوعي الجمالي بالحداثة:نجد النص المؤسس لمعنى الحداثة أولاً كلفظ جمالي عند الشاعر والناقد الفني الفرنسي Charles Baudelaire(1821_1867م) المنشور أول مرة سنة 1863م قائلاً: "هذا الإنسان يجري ويبحث فعما يبحث؟ الأكيد أن لهذا الإنسان الأعزل الذي حبته الطبيعة بموهبة الخيال الخلاق [...] هدفه أكثر سموا من هدف أي جوال قح، هدف أكثر شمولية، هدف آخر غير اللذة الزائلة التي تمنحها اللحظة. إنه يبحث عن هذا الشيء الذي سوف يكون في وسعنا أن نطلق عليه اسم الحداثة، والسبب أنه ما من كلمة أخرى أفضل من هذه للتعبير عن هذه الفكرة"[15].
في نظر (بودلير) التبست التجربة الجمالية بالتجربة التاريخية للحداثة. ففي التجربة الأساسية للحداثة الجمالية، تتخذ مسألة التأسيس الذاتي تشكلاً حاداً، وذلك في الحدود التي يختزل فيها أفق التجربة الزمنية في مبدأ الذاتية المنزاحة عن مركزها، والتي تبتعد عن مواصفات الحياة اليومية. إن الحداثة عند بودلير، هي "العابر والمنفلت والعرضي، إنها نصف الفن أما النصف الآخر فهو الخالد والثابت"[16].
هكذا، وفي قراءة معاصرة لبودلير وتجربته، يرى الفيلسوف الألماني المعاصر (يورغن هابرماس) أن الحداثة في هذا السياق تحيل إلى "راهنية تستنفذ قواها، وتفقد امتداد زمن انتقالي، زمن راهن يمتد إلى عقود كثيرة، زمن تأسس في قلب الأزمنة الحديثة"[17]. حيث لا يمكن لهذه الراهنية أن تعي ذاتها من خلال التعارض مع عصر متجاوز ومرفوض، أو مع أي شكل آخر من أشكال الماضي، كما لا يمكنها أن تتكون إلا بصفتها تقاطعاً بين الزمن والخلود.
يتجلى بوضوح هذا الوعي الجمالي الأولي بالحداثة، إبان زمن بودلير وقبله بقليل، إذ نشأ إحساس خاص بضرورة أن تتأسس الحداثة على وسائلها الخاصة، فعملية الانفصال عن نموذج الفن القديم بدأت في مستهل القرن الثامن عشر، من خلال ما عرف بالصراع أو النزاع بين القدماء والمحدثين.
إلى ذلك، يرى هابرماس أنه رغم أن "الاسم Modernitas (والزوج المتعارض: Moderni/antiqui) لم يستعمل بمعنى كرونولوجي إلا بدء من العصر القديم المتأخر، فإن النعت "حديث" Moderne لم يحمل صفة الاسم إلا مؤخراً جداً في اللغات الأوروبية للأزمنة الحديثة"[18] أي منذ منتصف القرن التاسع عشر.
إبان هذا الصراع La querelle)) الذي شهدته أوربا ابتداء من القرن السابع عشر بين القدماء والمحدثين، ثار المحدثون ضد القدماء في محاولة للتغيير وإحداث ثورة ثقافية على جميع الأصعدة. ففي فرنسا مثلا "تميز أول نشاط فكري "للحداثيين" الفرنسيين عن النموذج الإيطالي بعدة سمات منها: النظام، الوضوح، السلاسة، الواقعية، الشيء الذي يختص به نمط الكتابات المنشورة من طرف المساندين لـ الكاهن /الدوق De Richelieu 1585_1642)( "[19]؛ هذا الأخير يعتبر رجل دولة ودين فرنسي ووزير أول للملك لويس الثامن عشر.
إن الزوج الدلالي المتعارض: "قديم-حديث" يستبطن نظاماً من القيم، إذ يمكن القول أن كلمة "حديث الظافرة ذات القيمة الإيجابية هي ما تأسس عليه آخر القطائع الذهنية والفكرية لعصر النهضة، رغم أنها ظلت منذ زمن بعيد تعني كل ما كان زمنه قصيراً جداً وكل ما هو عارض contingent، مقابل ثبات القديم"[20]. وهكذا يكون عصر النهضة قد عكس الوضع السائد آنذاك. تبقى الإشارة إلى وجه آخر، وليس أخير، لهذا الصراع بين القدماء والمحدثون والذي عكسه القرن السابع عشر، وجه "ذو طابع سياسي، إذ صارت العلاقة بين السلطة والمجتمع أكثر تحسناً عما كانت عليه بالأمس"[21]. فأصبح من نتائج الصراع ذيوع مجموعة من الأفكار والمعاني الجديدة من قبيل: التقدم والمعاصرة، حيث صار معنى "أن تكون حديثاً يفيد أن تحيا في عصرك وأن تشارك في تطوير شامل للمعارف"[22].
- ديكارت واليقين العقلي:يعد الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت (1596_1650م) أول من سعى إلى تأسيس رؤية جديدة للعالم والأشياءـ انطلاقاً من معايير عقلية مجردة واعتماداً على التجربة، رؤية تقطع مع ما كان سائداً وقتئذ من هيمنة للخرافة والفكر الميتافيزيقي، مما سيغير الإنسان الأوربي من كائن لاهوتي إلى كائن عقلاني.
أبدع ديكارت منهاجه المعروف بالشك المنهجي بناء على عدة قواعد عقلية، تتوخى الوصول للمعرفة الموضوعية واليقين العقلي، إنه يرمي إلى "قيادة أفعال العقل لكي تصل إلى اكتشاف الموضوعات، وإلى التقدم المتوالي في هذا الاكتشاف"[23]. الأمر يتعلق لدى ديكارت بأسبقية العقل وقواعده وعمله في الحياة على أي شيء آخر، "فالعقل السليم أعدل الأشياء قسمة بين الناس"[24]، إذن فالعقل هو المعيار الوحيد للحقيقة وهو المرجع في الفهم. لذلك كانت القاعدة الأولى من قواعده في المنهج بالصيغة التالية: لا أقبل من أحكامي إلا ما ظهر لي في وضوح وتميز أنه لا يمكن الشك فيه. ماذا يمكن أن نقرأ في هذه القاعدة؟
لعل ديكارت هو أول من زرع في الوعي الأوربي الحديث قول: لا وحث على التساؤل، حيث أنه من المعروف أن القرون الوسطى الأوروبية كانت لا تعترف سوى بـ: نعم، أي الخضوع لكل أنواع السلطة: الإقطاع، الكنيسة، القيم الاجتماعية...، وهكذا أتى ديكارت ليعلن الرفض والعصيان لهذه الثقافة والبدء في زرع بذور تغييرها.
مشروع ديكارت مشروع علمي وفلسفي أساساً، جاء "ليجعلنا سادة على الطبيعة ومسخرين لها"[25]، إنه نواة منطق الحداثة من حيث إحكام السيطرة على الطبيعة وتحويلها لفائدة الإنسان بواسطة العلم الرياضي والتقني. غير أنه تبقى الإشارة أن ديكارت لم يجازف بالبحث في السياسة ! إذ ترك جانباً المجتمع ذاته بمؤسساته الأخلاقية والسياسية والدينية ولم يخضعها للشك المنهجي، وهو ما يعني أن مبدأ الصراع ضد الطبيعة، كما انبثق في الوعي الأوربي، لم يمس بداية المجتمع والدولة.
- كانط وسؤال التنوير:انطلقت عقلانية "التنوير" مع الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط (1724- 1804) ليس باعتبارها تيار فكري واسع يؤمن بالعقل كمبدأ معرفي وأخلاقي فحسب، بل كمذهب فلسفي وكحركة ثقافية جعلت من العقل والعقلانية قضية حيوية، تناضل من أجل توطيده في كل المجالات الطبيعية والإنسانية والدينية.
يرى (هابرماس) في تأويله لكانط أنه من خلال تحليل أسس المعرفة "يتكفل نقد العقل الخالص بانتقاد الاستعمال السيئ لملكة المعرفة لدينا لأنها صيغت على مقياس الظواهر. فيعوض كانط المفهوم الجوهري للعقل الموروث عن التقليد الميتافيزيقي، بمفهوم للعقل تفتتت عناصره، فصارت وحدته وحدة صورية"[26].
كما يفصل ملكات العقل العملي وملكات الحكم، واضعاً كل ملكة من الملكات على أسس خاصة بها "وفي الحدود التي يؤسس فيها العقل النقدي إمكانية المعرفة النظرية والقدرة على التمييز الأخلاقي والتقييم الجمالي"[27].
ورغم أن (هابرماس) يرى أن كانط قد عبر عن العالم الحديث من خلال مشروعه الفكري، إلى درجة أن أبرز سمات ذلك العالم تنعكس على فلسفته كما لو كانت مرآة، غير أنه يستدرك أن كانط "لم يدرك الحداثة كما هي"[28]. الشيء الذي يدفعنا إلى الاستنتاج أنه ليس من اليسير تقديم موقف حاسم لمسألة علاقة كانط بالحداثة، ومدى وعيه بها إبان العمل على بلورة مشروعه الفلسفي العقلاني .
هذا من جهة الأساس المعرفي النظري في المشروع النقدي التنويري لكانط، ومن جهة أخرى، اهتم كانط بالتأسيس للحداثة السياسية وتوجهاتها الكبرى كما تمت قراءتها وإعادة صياغتها داخل ميتافيزيقا الحق، وبطرح سؤاله الحاسم: ما التنوير؟.
يقصد كانط بالتنويرAufklarung)): "خروج الإنسان من القصور الذي يرجع إليه هو ذاته. ويعني بالقصور هو عدم قدرة المرء على استخدام فهمه دون قيادة الغير"[29]. فليس من العبث إذا أن يكون شعار التنوير هو: "تجرأ على استخدام فهمك الخاص"! وتجدر الإشارة أنه تحرياً للدقة ينبغي ترجمة كلمة Aufktarung)) بلفظ "التنوير" وليس "الأنوار" مثلاً، وذلك ليس فقط لأنه يوافق اللفظ الألماني من حيث الصيغة، بل لأنه علاوة على ذلك، يشير إلى أن الأمر لا يتعلق بحالة أو وضعية تسود فيها "الأنوار"، بل بعملية أو سيرورة يتم في إطارها نشر العلم والمعرفة المستندة إلى العقل، والتحرر من الأحكام المسبقة والمعتقدات المستندة إلى مختلف أشكال السلطة غير تلك التي تمتح شرعيتها من العقل ومبادئه .
إن الكسل والجبن هما السبب الذي يجعل طائفة كبيرة من الناس يظلون برغبة منهم "قاصرين طوال حياتهم، حتى بعد أن تكون الطبيعة قد حررتهم من كل قيادة خارجية"[30]. معنى ذلك أن غاية التنوير هي: "الوصول بالإنسان إلى أن يصبح غاية لذاته، الوصول إلى حالة يستطيع فيها الإنسان أن يقود نفسه بنفسه بوصفه ذاتاً فردية قائمة بذاتها"[31]. بواسطة هذه الدعوة إلى إعمال العقل بجرأة، يكون كانط قد ساهم في نقد الأوضاع السياسية في بلده بروسيا إبان حكم الملك فريدريك الثاني (1740-1786 م)، بحيث لا يحق له "مراقبة أو منع الكتابات التي يعمل رعاياه من خلالها على توضيح تصوراتهم"[32]، بل إن على الملك على العكس من ذلك أن "يحول دون أن يستعمل شخص العنف لمنع شخص آخر من العمل لغاية خلاص نفسه"[33]. كما انتقد كانط الهيمنة والسيطرة باسم الدين واللاهوت موجهاً خطابه للسلطتين الزمنية والروحية، بل حتى، ويا للمفارقة، لأي متنور يمكن أن يقول ما لم تتجرأ جمهورية على قوله: "فكروا، بمقدار ما تريدون وفي كل ما تريدون، ولكن أطيعوا!"[34].
لقد كان كانط صارماً في رفضه لأية محاولة لتثبيت أي نظام ديني، مهما كانت صلاحيته ومصداقيته، "حتى لو كان هذا النظام نتيجة تعاقد اجتماعي وتوافق سياسي"[35].
نعتقد بناء على ما سبق إنه من بين أهم نتائج مفهوم التنوير مع كانط، هو نسف إيديولوجيا الكمال والثبات ممثلة في الدولة والإقطاع والكنيسة، التي كانت تحتكر وتهيمن على كل مناحي الحياة، واعتبار التقدم المبني على العقل جوهر الطبيعة البشرية، وغاية حركة التنوير باعتبارها صيرورة دائمة البناء وإعادة البناء .
- هيجل والوعي بالحداثة: يتبدى أن أول مفكر وفيلسوف تحقق لديه وعي واضح بمجموع التحولات والأحداث العميقة والمؤثرة في أوروبا الحديثة هو الألماني (فريدريك هيجل /1770-1831)، مبلوراً إحساساً ناضجاً بالدلالات والمعاني التي تجمع تلك التحولات والأحداث في بوتقة واحدة هي: الحداثة.
يبين (هابرماس) كيف أن الحداثة لم يتحصل لها الوعي الذاتي بشكل صريح إلا مع هيجل، حيث وظف مصطلح "العصور الحديثة" توظيفاً مميزاً عن المفهوم الزمني المتداول لدى المؤرخين عادة، ذلك أن "اكتشاف "العالم الجديد" والنهضة والإصلاح، الأحداث الثلاثة الكبرى التي حدثت حوالي 1500م، كانت تشكل العتبة التاريخية بين العصر الوسيط وبين الأزمنة الحديثة"[36]. هذا الوعي الثاقب هو ما سيحدو به إلى القول أنه "ليس من الصعب أن نرى أن عصرنا هو عصر ميلاد عهد جديد، وهو حقبة الانتقال إلى هذا العهد الجديد"[37].
إن الحداثة لم تطرح مسألة البحث في ذاتها عن ضماناتها الخاصة إلا في أواخر القرن الثامن عشر، حيث جعلها هيجل أم المشكلات الفلسفية مقتنعا تماماً بأنه "من غير الوارد أن نصل، خارج مفهوم الحداثة، إلى مفهوم تستطيع بواسطته الفلسفة أن تستوعب ذاتها"[38]. فبعد اكتشافه مبدأ الأزمنة الحديثة يفسر هيجل تفوق العالم الحديث وبيان الأزمات التي تعترضه، محاولاً أولاً صياغة الحداثة مفاهيمياً ثم نقدها بشكل جاد ثانياً.
لا يقصد هيجل بمبدأ الأزمنة الحديثة أو العالم الحديث سوى مبدأ الذاتية وأولويته على أي شيء آخر. حيث يحوي مبدأ الذاتية أربع دلالات:
أ- النزعة الفردية: ومفادها تفرد الإنسان بذاته واستقلاله بها عن السلط الخارجية عنه
ب- الحق في النقد: ويستلزم أن من حق كل شخص ألا يقبل إلا ما يبدو له مبرراً ومعقولاً
ج- استقلالية الفعل: أي أن الأزمنة الحديثة كفيلة بالإجابة عن كل ما يفعل الإنسان
د- الفلسفة المثالية ذاتها: فهي بالنسبة لهيجل من صنع الأزمنة الحديثة ذاتها.
مبدأ الذاتية هذا، وراءه عدة أحداث تاريخية فارقة فرضته، تتمثل في : "الإصلاح الديني والأنوار والثورة الفرنسية، إذ أصبح الإيمان الديني لدى "لوثر" تأملياً، وفي عزلة الذاتية انقلب العالم الديني إلى واقع مشيد من طرفنا نحن"[39].
مع (هيجل) تحول الدين إلى فكر، وتحول هذا الأخير إلى وجود. حيث أنه لم يكتف "بتأسيس الإيمان بالله وبخلود النفس على أساس عقلي كما فعل ديكارت، كما لم يكتف بالحديث عن الدين في حدود العقل كما فعل كانط، بل تحدث عن الدين باعتباره هو الفلسفة، كما نظر إلى العقيدة باعتبارها هي الوجود"[40]، فتحول الله إلى مطلق والوحي إلى معرفة مطلقة والشريعة إلى قانون مجرد.
إن الأزمنة الحديثة هي ما يسمو فيه الإنسان إلى مرتبة القدرة والإرادة الحرتين، مما يخوله أن يمتلك كنوزاً كان القدامى ينسبونها للآلهة. من الواضح إذن، أن مبدأ الأزمنة الحديثة ومبدأ الذاتية يؤسسان للحداثة الواعية بذاتها من خلال فعل الإنسان في التاريخ، عكس ما كان عليه الأمر مع (كانط) حيث لم يكن مبدأ الذاتية فاعلاً بوعي واضح.
فمفهوم التاريخ بالنسبة لهيجل يلعب دوراً أساسياً للغاية، ويختلف عما كان يفهمه من الكلمة فلاسفة القرن الثامن عشر. لا يعني التاريخ عنده مجرد الماضي الموروث، بل يعني منطق الأحداث ومحركها الباطني. أي المجال الذي تتبلور فيه الحقيقة المطلقة كسيرورة، وبالتالي لا ينعكس في الذهن بمجرد ما يتحرر المرء من الأوهام الموروثة، إن المطلق يتجسد في أدوار تاريخية مطردة، يتمثل كل دور في دولة تنتج حضارة متمثلة في أعمال فكرية وفنية وثقافية...الخ.
الدولة هنا عند هيجل لا تحضر كتحليل لتجارب تاريخية، بل "كتحليل لفكرة الدولة، أي كيف نفهم الدولة كشيء عقلي؟ وهو لا يفعل ذلك على نحو مجرد، وإنما بنظرة نقدية للطبيعة البشرية من ناحية، والتاريخ الفعلي للدول من ناحية أخرى"، ذلك لأن المهم في تنظير الدولة ليس هو إنتاج بنية سياسية مثلى، وإنما اكتشاف المبادئ الأساسية طبقاً للمطالب العليا للعقل والأخلاق مع الاهتمام بالتطبيق والممارسة.
* المراجع المعتمدة في هده الدراسة