سعيد علوش و”شعريات الترجمة المغربية”
.
مليكة معطاوي 3 نوفمبر 2014 في
دراســات أضف تعليقا يعتبر سعيد علوش أوّل من قدّم مشروعاً للتعريف بالمنجزات الترجمية العربية والمغربية على وجه الخصوص، وذلك من خلال كتاب
خطاب الترجمة الأدبية (1990)، والذي خصّصه للفترة الممتدّة ما بين فرض الحماية الفرنسية على المغرب (1912)، ونيله للاستقلال (1956)، وكتاب
شعرية الترجمات المغربية للأدبيات الفرنسية (1991) والذي تناول فيه النصوص المترجمة إلى العربية ما بين سنتي 1956 و1990. وإذا كانت مرحلة ما قبل 1956 بالمغرب تُعتبر، في نظره، مرحلة ترجمة الإبداع الأدبي بامتياز، فإن مرحلة ما بعدها تعدّ مرحلة ترجمة الدراسات والنصوص النقدية والشعرية بامتياز أيضاً، وهي بذلك تستجيب لمستجدّات الساحة الثقافية التي أصبحت تتطلّب الاطّلاع على المناهج النقدية الغربية من أجل مواكبة ما يعرفه العالم من تطوّرات ثقافية. وهذا يلبّي حاجات عميقة في وعي بعض المترجمين المغاربة الذين يزاوج أغلبهم بين النقد والترجمة، والبحث والترجمة، والإبداع والترجمة في جدلية حداثية واضحة.
وقد ركّز سعيد علوش على محاور مفهومية تخصّ التيار العامّ الذي يجمع ما بين تاريخ الأفكار والأساليب والتيارات في محاولة منه لموضعة الترجمة الأدبية في إطارها الذي أرادته لنفسها كأداة من أدوات الحداثة والمساءلة، أو كنصوص بيداغوجية تصاحب الدرس الجامعي الذي توقفت الترجمة طويلاً أمام عتباته المعرفية. فأجاب على مجموعة من الأسئلة من قبيل: “ما هي مبررات ترجمة النصوص القصيرة مثلاً، أو الاحتفاء بناقد دون غيره، أو استبدال خطاب الأنا بخطاب الآخر؟”
(1)،وذلك من خلال الفصول الأربعة المكوّنة للكتاب والتي تناول فيها مجموعة من النصوص، والأشعار والدراسات الشعرية والنقدية المترجمة إلى العربية، مركّزاً على ما تُرجم منها مرّات متعدّدة. وهكذا خصّص الفصل الأول لرولان بارت الذي تُرجمت جلّ نصوصه إلى العربية، ونالت اهتماماً بالغاً من طرف المترجمين المغاربة حيث تُرجم نصّ
الدرجة الصفر للكتابة ثلاث مرات متتالية من طرف كلّ من السوري نعيم الحمصي (1970)، والمغربيين محمد البكري (1978) ومحمد برادة (1981)، وتُرجم نص
النقد والحقيقة مرّتين من طرف إبراهيم الخطيب (1984)، وأنطوان أبو زيد (1988). أما
لذة النص فترجم خمس مرّات مختلفة من طرف كلّ من جريدة “المحرر الثقافي” التي نشرت جزءاً منه سنة (1986)، تلتها ترجمة الحسين سحبان وفؤاد صفا (1988)، وترجمة محمد البكري في نفس السنة، ثم بعد مرور سنتين، أي سنة (1990)، ظهرت ترجمة محمد الرفرافي ومحمد خير بقاعي ثم ترجمة محمد العربي هروشي. كما ترجم مصطفى كمال
الأسطورة اليوم لبارت سنة (1988) ونشرها بالمجلة المغربية
بيت الحكمة، وترجمها بعده حسن الغرفي سنة (1990) ونشرها ضمن
الموسوعة الصغيرة بالعراق. وبنفس الاهتمام تمّت ترجمة
مدخل إلى التحليل البنيوي للسرد أربع مرّات مختلفة من طرف كلّ من نزار صبري
التحليل البنيوي للقصة القصيرة (1986)، وأنطوان أبو زيد
مدخل إلى تحليل السرد بنيوياً (1988)، وحسن بحراوي، والبشير القمري، وعبد الحميد عقار “مدخل إلى التحليل البنيوي للسرد” (1988)، ونخلة قديفر “مدخل إلى التحليل البنيوي للقصص” (1989)، وترجم محمد البكري كتيّب
مبادئ في علم الأدلة (1986)، وهي الترجمة الوحيدة الموجودة لحدّ الآن نظراً لصعوبة المفاهيم والتنظيرات المتضمّنة فيه، وأيضاً لأن الكتاب، حسب مترجمه، “يكتسي إضافة إلى ما سبق، أهمّية خاصّة في مرحلة بدايات العمل الدلائلي التي نجتازها هنا، والتي تقتضي تنظيمًا وارتكازًا على قواعد صلبة من ضمنها وأسبقها نقل النصوص الأساسية في هذا العلم إلى لغتنا بأكبر قدر ممكن من شروط الترجمة العلمية”
(2).
ولم يقتصر علوش على ذكر وفحص النصوص النقدية فحسب بل تناول، في الفصل الثاني، بالمقارنة والتحليل الأشعار الفرنسية المترجمة إلى العربية واختار منها تلك التي ظهرت في مجموعة محدّدة نظراً لكثرتها وتنوّعها على صفحات المجلات والجرائد والدوريات. ولهذا ركّز على الشاعر الفرنسي شارل بودلير (1821-1867) الذي حظيت أشعاره بترجمات مختلفة، وخصوصاً ديوانه
أزهار الشرّ (Les Fleurs de mal) وذلك نظراً لأهمية الشاعر وللحفاوة التي لقيها من طرف المترجمين المغاربة والمشارقة قبلهم ، فقارن تارة ووازن أخرى بين ترجمة الشاعر المصري إبراهيم ناجي تحت عنوان
أزهار الشرّ سنة 1954، وترجمة المغربي مصطفى القصري تحت عنوان
الشاعر بودلير، حياته، زهور الألم، قصائد نثرية في طبعة أولى (1964، تتضمّن فقط 53 قصيدة من أصل 157 المكوّنة للديوان، لكنّه أضاف عشر قصائد للترجمة في طبعة ثانية صدرت من تونس (1981) بعنوان
زهور الألم وقصائد نثرية. أمّا الشاعر الفرنسي الثاني الذي تناوله سعيد علوش بالتحليل فهو سان جون بيرس (1887-1987) الذي ترجم عمله Etroits sont les vaisseaux)) الشاعر اللبناني أدونيس بعنوان
ضيّقة هي المراكب (1957)، وترجمه المغربي مصطفى القصري بعنوان
الفلك الضيّقة (1973) فوازن بين الترجمتين ليسلّط الضوء على دينامية وميكانيزمات الترجمة المضاعفة ومقدرتها على إيجاد قراءة أقرب إلى الأصل، إن لم تكن أصلاً جديداً.
أمّا فيما يخصّ ترجمات الدراسات الشعرية فقد اهتم سعيد علوش، في الفصل الثالث، بترجمات النصوص ذات المضامين الشعرية أو التي تتناول الشعر كموضوع، أو ذات امتدادات تغطي مجالات البلاغة والأسلوبية واللسانيات والصورة أو الشكلانية. وفي هذا الإطار وازن، في المحور الأول، بين ترجمة المصري أحمد درويش لكتاب جون كوهن (Jean Cohen, Structure du langage poétique, 1966) الصادرة بالقاهرة (1985) بعنوان
بناء لغة الشعر، وترجمة المغربيين محمد العمري ومحمد الولي بعنوان
بنية اللغة الشعرية (1986م). وأشار علوش إلى أنه على الرغم من أن الترجمتين صدرتا في وقت متقارب إلا أن الترجمة اللاحقة لا تشير إلى السابقة “رغم علم المترجمين المغربيين بالترجمة الشرقية وتوفرهما على نسخة من الكتاب. وهو حق كلّ مترجم في تجاوز السابق لا في إلغائه، ومن هنا تبرز أهمية الترجمات المتعدّدة للنصّ الواحد، إذ لا تجعل القارئ حبيس السلطة الواحدة للترجمة المغربية أو المشرقية، خاصّة وأن التفاوت الموجود بين الترجمتين لا يطرح إشكال الاختلاف الجوهري بقدر ما يلحّ على الانشغال بالتواصل مع القارئ العربي عبر هذه المقارنة الحداثية الجديدة، التي تجمع بين الشعري والإحصائي، اللساني والانفعالي. لذلك جاءت مقدّمة أحمد درويش منشغلة بالهمّ البيداغوجي، ومقدّمة العمري والولي مهمومة بالصرامة الأكاديمية”
(3).
أمّا في المحور الثاني فقد تناول علوش كتاب (Question de poétique) (1973) لياكوبسون، الذي ترجمه المغربيان محمد الولي ومبارك حنون بعنوان
قضايا الشعرية (1988). وقارن هذه الترجمة، التي تندرج ضمن التصوّر الذي يغطّي مجال الدراسات الشعرية النظرية الجديدة، بترجمة
بنية اللغة الشعرية التي يشترك فيها الولي والعمري، ليخلص إلى الاختلاف الاصطلاحي في نفس الخطاب العلمي والشعري، الذي يشوش على ترجمتين تندرجان في نفس الدرس الأدبي. كما تناول أيضاً كتاب (Rhétorique et stylistique) (1979) لهنريش بليت (Heinrich F. Plett ) الذي ترجمه محمد العمري بعنوان
البلاغة الأسلوبية: نحو نموذج سيميائي لتحليل النصّ (1989)، واعتبره عملاً هامّاً موضوعاً وترجمة، لما يفتحه من آفاق واسعة أمام البلاغة الجديدة التي توصل الحاضر بالماضي، وتساعد على فهمه بشكل مغاير، أي: تستوعب إنجازات البلاغة القديمة وتستفيد من اجتهادات الأسلوبية الحديثة، خصوصاً وأن المترجم، حسب تحليل علوش، كان واعياً بأهمّ مخاطر الترجمة وما تتطلّبه من معرفة شاملة واهتمامات متعدّدة: “فمن منظّم للمتن إلى شارح ومعلّق، ومعرّف للمصطلحات والشواهد، إلى إبداء الرأي”
(4). وهنا يظهر أن العمري يواكب تطوّرات البلاغة والترجمة جامعياً وثقافياً، ممّا يخوّل له الإلمام بثغرات الدرس البلاغي والأسلوبي العربيين، وأيضاً بأخطاء الترجمة ومحاولة تجنّبها أو إصلاحها. وهناك كتابان آخران يندرجان في نفس السياق هما: كتاب
الصورة الأدبية (L’image littéraire ) (1982) لفرانسوا مورو (François Moreau) الذي ترجم محمد الولي وعائشة جرير جزءه الثالث (Condition d’existence de l’image littéraire ) بعنوان “البلاغة: المدخل لدراسة الصور البيانية” (1989)، وكتاب (linguistic Structures in Poetry) (1962) لسمويل ر. ليفن (S.R.Levin) الذي ترجمه أيضاً محمد الولي، لكن هذه المرة بمشاركة خالد التوزاني، بعنوان
البنيات اللسانية في الشعر (1989) ضمن منشورات “الحوار الأكاديمي”. ويعتبر هذا الكتاب “مدخلاً أو محطّة ضرورية لكلّ من يهتمّ بالكشف عن الطبيعة المستغلقة للغة الشعرية (…) ويعتبر الكتاب مرجعاً بالنسبة لكلّ مهتمّ بالنسيج الشكلي للشعر”
(5). وقد استثمر ليفن عمل شومسكي في هذا الكتاب حيث حاول تطبيق نظرية التحويلات على الشعر التي كان شومسكي أول من بدأها، كما تأثر بياكبسون .” فتأثير تشومسكي ينكشف من خلال السؤال حول نمط النحو الذي يستطيع الإحاطة بالكلام الشعري، ويبرز أثر ياكبسون في اهتمام ليفن بمبدأ غني هو التكرار الذي سبق لياكبسون أن وصفه في
اللسانيات والشعرية قبل أن يعمد واضع هذا المبدأ إلى تطبيقه على نصوص ملموسة”
(6). وتناول سعيد علوش في المحور الثالث نصوص الشكلانيين الروس، التي تُرجمت نماذج منها مرّات عديدة، ووقف عند أربعة منها قام بها على التوالي كلّ من التونسي المنجي الشملي، بعنوان “الشكلانية في الأدب”، (وهو تمهيد كتبه تودوروف)، ومحمد الولي الذي ترجم
الشكلانية الروسية، المفاهيم النظرية الأساسية (1989) لفيكتور إيرليخ، وأحمد المديني الذي ترجم “الإرث المنهجي للشكلانية” (1989)، وهو مقال مأخوذ عن كتاب تودوروف “شعرية النثر” (poétique de la prose) (1971). إلا أن إبراهيم الخطيب هو أوّل من ترجم كتاباً في المغرب جمع فيه بشكل متكامل مجموعة من النصوص تحت عنوان
نظرية المنهج الشكلي: نصوص الشكلانيين الروس (1982). وقد قدّم علوش الترجمات من خلال موضعة التيار الشكلاني، ومن خلال المقارنة والموازنة على مستويات متعدّدة بين ترجمتي ابراهيم الخطيب والمنجي الشملي، وتوصّل إثر ذلك إلى ارتفاع حجم المطابقات المعجمية بين الترجمتين، في حين سجّل الاختلافات في الصيغ النحوية للتعريف والتنكير، والتأنيث والتذكير والإفراد والجمع. وخلص على العموم إلى أن ” إبراهيم الخطيب والمنجي الشملي وأحمد المديني ومحمد الولي ساهموا في ترجمات متفاوتة، ولكنّها تتكامل بكمّها وكيفها، وتلحق بالأفق الذي ينتظره قارئ الشكلانيين الروس”
(7).
وينبغي الإشارة إلى أن سعيد علوش ذكر في الإضاءة التي وضع في بداية مؤلفه أنه سيتطرّق في الفصل الرابع إلى محورين يُعنى الأوّل بترجمات الكتب المنهجية و الدراسات الروائية، ودراسات الحكاية والسرد، ويُعنى الثاني بترجمة الإبداع المسرحي والقصصي والروائي، فقدّم مجموعة من الكتب والدراسات المترجمة إلى العربية والتي قال إنه سيتناولها بالقراءة والمقارنة، وهي كالتالي:
المنهجية في علم اجتماع الأدب (1978 / 1981) ترجمتان لمصطفى المسناوي.
سوسيولوجية الغزل العربي (الشعر العذري نموذجاً (1981/ 1987) ترجمتان مختلفتان، الأولى للسوري حافظ الجمالي، والثانية للمغربي مصطفى المسناوي.
وفيما يخصّ ترجمة الدراسات الروائية فقد ذكر الكتب التالية:
مدخل إلى عالم الرواية لبارنوف، ترجمة محمد أحمد الصاحب (1987).
الخطاب الروائي لباختين، ترجمة محمد برادة (1987).
نظرية الرواية للوكاش، ترجمة الحسين سحبان (1988).
الرواية والواقع لغولدمان، ترجمة رشيد بنحدو (1988 /1990).
مورفولوجية الحكاية لبروب، ترجمة ابراهيم الخطيب (1986).
مساجلة بصدد علم تشكل الحكاية لبروب وستراوس، ترجمة محمد معتصم (1988).
نظرية السرد لمجموعة من المؤلفين، ترجمة ناجي مصطفى (1989).
وذكر أيضاً مجموعة من المسرحيات والقصص والروايات المترجمة إلى العربية، والتي يمثل أغلبها الأدب الفرنكفوني لكتاب مغاربة، وبعض القصص اليابانية والصينية، إلا أنه يبدو أن هذا المشروع لم يكتمل بعد، حيث لا وجود للفصل الأخير ضمن الكتاب.
خلاصة:
يبقى كتاب
شعرية الترجمات المغربية مرجعاً مهمّاً، لا يمكن الاستغناء عنه، بالنسبة لكلّ دارس للآداب المقارنة وللترجمة الأدبية، نظراً لكون يُعنى، من جهة، بمجال لم يحظ باهتمام المؤسسات التعريبية والتقنية، على اعتبار أن الترجمة الأدبية تمارس بالهواية لا بالدراية. ومن جهة أخرى، لغنى معلوماته ودقّتها وتنوّعها وفرادتها، وأيضاً لأن قراءة علوش لشعرية الترجمات المغربية تفتح آفاقاً جديدة لطرح الأسئلة حول تاريخ هجرات الأفكار والمناهج والنظريات، ولمعرفة الكيفية التي يصوغ بها المغاربة أسئلتهم الترجمية انطلاقاً من توجّهاتهم وتكويناتهم والأسباب التي قادتهم إلى الترجمة.