بدأ
الاهتمام الغربي بترجمة الادب العربي منذ عهد النهضة الايطالي، ويقال بأن
أول ترجمة لقصة حي بن يقظان كانت في القرن الثالث عشر 1280. وشهدت العصور
التالية اهتماماً بترجمة بعض الاعمال المعروفة، ففي العام 1671 ظهرت طبعة
جديدة من قصة حي بن يقظان تحمل النص العربي مع ترجمة لاتينية قام بها
ادوارد بوكوك. كما تذكر المصادر بأن الفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا قام
بترجمتها في العام 1674 من اللاتينية الى الهولندية. وفي العام 1674 ذاته
ترجمها جورج كيث من اللاتينية الى الانجليزية. وبدأ الاهتمام الالماني
بالادب العربي مبكراً أيضاً فقد طرح جوته في العام 1719 أن هناك علاقة ما
بين قصة حي بن يقظان وقصة روبنسون كروزو وأن دانيال ديفو مؤلف قصة كروزو
لا بد أن يكون اطلع على قصة حي بن يقظان. وتُرجمت القصة الى الالمانية في
فرانكفورت في العام 1726 ثم تتابعت بعدها الترجمات الى الفرنسية
والاسبانية والانجليزية وغيرها الى عصرنا الحالي.
وتجلّى الاهتمام بترجمة الادب العربي في الترجمات العديدة لحكايات ألف
ليلة وليلة، وكانت أولها الفرنسية على يد غالان في أواخر القرن السابع
عشر، ثم تُرجمت ترجمة غالان الى الانجليزية ونشرت في لندن عام 1712،
وترجمت بعدها الى الايطالية في العام 1732، وتتابعت بعد ذلك الترجمات الى
الهولندية والدنماركية والروسية والالمانية والاسبانية. ولم ينقطع
الاهتمام بالحكايات وترجمتها بل زاد وتعمق مع قدوم المستشرقين وحتى يومنا
هذا.
شهد العصر الرومانتيكي في اوروبا وكجزء من اهتمامه بالغريب والغموض وتقدير
الثقافات الشعبية في مواجهة الكلاسيكية اهتماماً بكتابة أعمال أدبية
تستوحي التراث العربي والاسلامي فنجد كتابات لشيلي وجون كيتس واللورد
بايرون، ومن قبلهم وخلال العصر الكلاسيكي الجديد في مطلع القرن الثامن عشر
كتابات صامويل جونسون.
شهد القرن التاسع عشر طفرة في ترجمة الاعمال الادبية العربية الى اللغات
الاسبانية والبرتغالية والانجليزية مع موجات المغتربين العرب وخاصة
اللبنانيين والسوريين الى البرازيل والارجنتين ودول امريكا اللاتينية
وامريكا الشمالية، سواء على يد المغتربين العرب أو على يد بعض المستشرقين
الذين يبدو أنهم اكتشفوا ابن خلدون في تلك الفترة.
الترجمة في العصر الحديث
هناك اشكالية في ترجمة الادب العربي الى اللغات الاوروبية في نظر بعض
الكتاب العرب في العصر الحديث وقد عبرت عنها أحلام مستغانمي ربما بطريقة
صريحة جدا، ولكن يبدو أن هذا هو ما يجري تداوله على بعض الالسن. فقد ذكرت:
"عندما صدرت أطروحتي بالفرنسيّة قبل ربع قرن في باريس وكانت في علم
الاجتماع عن صورة المرأة في الأدب الجزائري وبتقديم البروفسور جاك بيرك..
أدركتُ أنّه لا يمكن اختراق الحصون الثقافيّة الأوروبيّة وفتح شهيّة
الإعلام لكتابك إن لم تقدّم له وجبة من الانتقادات لوضع المرأة في
الإسلام.. والتهجم على دينك ووطنك ورجال بلادك". فالى أي حد يتفق ذلك مع
الواقع؟ ربما تجيب الفقرات التالية على السؤال بطريقة غير مباشرة من خلال
استعراض تاريخ الترجمة الى اللغات الاوروبية في العصر الحديث:
الى الفرنسية
بدأت عملية ترجمة الادب العربي الحديث الى الفرنسية في بداية الخمسينيات
بوجود دار نشر صغيرة في باريس قامت بترجمة بعض أعمال محمود تيمور وتوفيق
الحكيم، لكنها توقفت بعد ذلك. وفي العام 1960 تمت ترجمة الجزء الاول من
أيام طه حسين، ثم تلا ذلك ترجمة رواية "أنا أحيا" لليلى بعلبكي من دار
غوليار للنشر عام 1962. وقامت مجلة الشرق Orient بترجمة عدد من القصص
القصيرة لعدد من الادباء السوريين واللبنانيين والفلسطينيين على يد ميشيل
باربو وهنري لوسيل. لم يكن الاقبال على الادب الحديث كبيراً فقد كان كبار
المستشرقين أمثال ريجيس بلاشير وكارا دي فورميل ولويس ماسينيون وغيرهم
منغمسين في ترجمة الكتب من الادب العربي القديم.
وأصدرت دار النشر "سوي" الباريسية في عام 1967 ثلاثة مجلدات تضمنت مختارات
من القصة والرواية لبعض الادباء العرب في تلك الفترة. وفي عام 1972 تم
تأسيس دار النشر "سندباد" التي حظيت بدعم كبير من الجزائر ومن بعض
الجمعيات العربية وقامت باصدار سلاسل من الادب العربي القديم بالاضافة الى
ترجمة ونشر كتب الادباء العرب المعاصرين مثل
الطيب صالح و
نجيب محفوظ ويوسف ادريس وادونيس وجمال الغيطاني وادوار الخراط وفؤاد التكرلي وحنا مينة وعبدالرحمن منيف و
غسان كنفاني والطاهر وطار وغيرهم. وقد لقيت هذه الترجمات انتشاراً كبيراً مما شجع دور
نشر معروفة أخرى مثل غاليمار ولاتس ودونويل وميركور دو فرانس أن تحذو
الشيء ذاته. ولكن ولسوء الحظ فقد توقفت دار نشر سندباد على إثر الاحداث
الدموية في الجزائر وتوقف الدعم عنها فاشترتها في عام 1995 دار "آكت سود"
والتي أولت الادب العربي القديم والحديث عناية كبيرة. في هذه الفترة صدرت
ترجمات روايات حنان الشيخ وعاليه ممدوح وغيرهن إذ تمت ترجمة ما يزيد عن
سبعين كاتبا وكاتبة وخاصة في الرواية.
وفي اطار الترجمة للفرنسية أصدرت وزارة الثقافة في الامارت خلال شهر ايلول
الحالي بالتعاون مع رابطة أديبات الامارات ترجمة بالفرنسية لمختارات قصصية
لسبعة أصوات نسائية هي نجيبة الرفاعي وأسماء الزرعوني وباسمة يونس وسارة
النواف وشيخة مبارك الناخي وفاطمة السويدي وفاطمة الهديدي. ويأتي كتاب
المختارات المترجم تحت عنوان "سماء بألف نجمة" ضمن مشروع للترجمة ويتيح
نافذة لقراء الادب الفرنكوفوني للاطلاع على الاصوات النسوية الجديدة. وقد
سبق لهولاء الكاتبات أن تُرجمت بعض من قصصهن القصيرة الى الانجليزية
والالمانية.
الى الالمانية:
بدأت ترجمة الادب العربي الحديث الى الالمانية متأخرة كثيراً عن الفرنسية،
إذ لم تبدأ الا عام 1982. لم يكن القاريء الالماني يعرف من الادب العربي
سوى حكايات الف ليلة وليلة وبعض الكتب المعدودة من الادب القديم التي اهتم
بترجمتها المستشرقون واساتذة الدراسات الشرقية في الجامعات. في تلك السنة
تبنت دار يونيون للنشر برنامجا طموحاً للترجمة والنشر أطلقت عليه اسم
"حوار مع العالم الثالث". وتم اختيار أعمال لكتّاب من أربعين دولة. في تلك
السنة اختيرت "يوميات نائب في الارياف" لتوفيق الحكيم، وفي السنة التالية
"مذكرات امرأة غير واقعية" لسحر خليفة.
لم تحرك هذه المبادرات سوق الكتاب العربي المترجم الى الالمانية وظل
القاريء الالماني يعزف عنه ربما لاختلاف طبيعة اللغتين وميل العربية
للشعرية والتراكيب الفنية الجمالية. وفي العام التالي 1983 تعرفت أكبر دور
النشر الالمانية وهي "لينوس" على المستشرق الالماني هارتموت فاندريش الذي
اضطلع بالقيام بترجمة عدد من الاعمال الادبية العربية، فاختار مجموعة من
أعمال الاديب الفلسطيني
غسان كنفاني . وعندما حصل
نجيب محفوظ على جائزة نوبل في عام 1988 فقد فتح ذلك الباب امام المزيد من الترجمات
وأخذ القاريء الالماني يهتم بمتابعة الادب العربي ونشطت دار لينوس في
تقديم المزيد من أعمال
الطيب صالح وابراهيم الكوني وجمال الغيطاني وبهاء طاهر ولطيفة الزيات وغيرهم.
في العام 2004 أقيم معرض فرانكفورت للكتاب وكان العالم العربي ضيف شرف المعرض الذي ألقيت فيه كلمة ل
نجيب محفوظ . فتح المعرض كوة أخرى ضيقة في جدار الثقافة الالمانية لتطل منه على الادب
العربي. وبادرت دارا نشر ألمانية وسويسرية الى ترجمة ونشر المزيد من
الاعمال. وتبنت دار النشر الالمانية بالتحديد مجموعات كثيرة من الشعر
المعاصر لأغلب الشعراء العرب المعروفين في العصر الحديث. كما تم تأسيس
وكالة "الف" من قبل المترجمة الفلسطينية ليلى شمه لتكون وسيطا بين الادباء
العرب ودور النشر الالمانية. وقد استطاعت أن تضمن عددا من عقود الترجمة
والنشر لكتاب فلسطينيين وعراقيين وأردنيين.
الى الايطالية
يعود الفضل الى مبادرات الترجمة الروائية والقصصية في إيطاليا على الرغم
من قلتها الى المستعربة الايطالية أستاذة اللغة العربية الدكتورة إيزابيلا
كاميرا دافليتو التي تبذل جهدها من أجل نشر الأدب العربي في ايطاليا. بل
إن أول ترجمة الى لغة أجنبية لأعمال إبراهيم الكوني كانت إيطالية ويعود
لها الفضل فيها. منذ أكثر من عشرين عاما وهي تخوض ترجمة الادب العربى
المعاصر بمفردها حيث نقلت الى الايطالية اثنتي عشرة رواية ل
غسان كنفاني وحنان الشيخ وهدى بركات وغادة السمان وغيرهم. درست اللغة العربية على يد
المستشرق الايطالى المعروف فرانشيسكو غابريللى فى جامعة روما، واشتغلت
باحثة فى جامعة نابولى، وصارت بعد ذلك أستاذة إثر إجازة أطروحتها عن الادب
العربى المعاصر. تقوم حاليا بتدريس اللغة العربية فى كلية اللغات بالمعهد
الشرقي فى مدينة نابولي.
وهناك أيضاً المترجم الاكاديمي المتخصص فرانشيسكو ليجيو الذي حصل على
دكتوراه في الدراسات والأبحاث في المغرب العربي والشرق الأدنى من جامعة
نابولي بأطروحة حول السرديات المعاصرة بالعربية في تونس والجزائر. تخرّج
ليجيو في قسم اللغات الشرقية بكلية الآداب والفلسفة من جامعة "لوريينتالي"
بنابولي، وقدم رسالة بحث بعنوان "الآفاق النقدية في روايات موسم الهجرة
إلى الشمال". ويقوم من خلال عمله بالتعريف بالأدب العربي والثقافة العربية
الإسلامية حيث يدرّس العربية والترجمة بجامعات ايطاليا. نقل بعض الروايات
العربية المعاصرة إلى الايطالية، أهمها رواية "موسم الهجرة إلى الشمال"
ورواية "ذاكرة الجسد" لأحلام مستغانمي. وهو منغمس الان في ترجمة أهم
الروايات التونسية المعاصرة.
ما تزال الترجمة من العربية الى الايطالية محصورة في أوساط المستشرقين ولم
تتجرأ دور النشر على الرهان على الأدب العربي سواء المعاصر أو القديم. فلم
يقتنع الناشر بنشر ترجمته لرواية "موسم الهجرة الى الشمال" إلاّ بعد أن
رأى عدد الطبعات التي نفدت منها بالإنكليزية آنذاك ووجود ترجمتين فرنسيتين.
الاعمال العربية المتوفرة في المكتبات الإيطالية ليست إلا لعدد محدود من
الكتاب المعاصرين المعروفين مثل عبد السلام العجيلي وفؤاد التكرلي
وإبراهيم الكوني و
غسان كنفاني وحنان الشيخ وصنع الله إبراهيم واميل حبيبي وإبراهيم نصرالله.
الى الاسبانية
يبدو أن الامر في اسبانيا أفضل منه بعض الشيء في ألمانيا فحتى قبل حصول
نجيب محفوظ على جائزة نوبل فقد بلغ مجموع الاعمال التي تمت ترجمتها خلال تلك الفترة
يزيد عن مئتي عمل وقد يكون ذلك عائداً لتأثير تاريخ اسبانيا الاندلسي
والرغبة في محاولة استطلاع الادب العربي الذي كان عنصراً مهما ورئيساً من
ثقافتها الاندلسية. ولكن ورغم أن حركة الترجمة شهدت فترة ازدهار خلال
القرن العشرين فإن أغلبها كان ضمن جهود الاستشراق التي تقتصر على التراث
الإسلامي. وخلال هذه الفترة تمت ترجمة أعمال طه حسين وتوفيق الحكيم و
نجيب محفوظ . بينما يبقي الكثير من الكتابات المعاصرة خارج نطاق الاهتمام المتوقع.
الى الانجليزية
بدأت ترجمة الروايات والقصص النسوية العربية الى اللغة الانجليزية متأخرة
عن الفترة التي بدأت فيها الترجمات الى الفرنسية حيث بدأت منذ منتصف
ثمانينيات القرن العشرين. وفي هذا المقام لا بد من الاشادة بجهود أمهر
مترجمي الادب العربي وعاشقيه الكندي دينيس جونسون دايفيز الذي أشاد به
ادوارد سعيد باعتباره رائد المترجمين في العصر الحديث الذي كرّس جلّ حياته
في ترجمة أعمال أغلب الادباء العرب وترك خمسة وعشرين مجلدا من الترجمات
التي شملت روايات وقصصاً قصيرة واشعاراً ومسرحيات. ترجم دينيس الكثير من
روايات
نجيب محفوظ ، و
الطيب صالح ، وزكريا تامر، وحنان الشيخ وغيرهم. كما لا بد من الاشادة بترجمات أستاذة
اللغة العربية وآدابها في جامعة سانت أندروز في اسكتلندا كاثرين كوبهام
التي ترجمت الكثير من الروايات.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو من الذي يشتري الكتاب العربي المترجم؟ لا
بد من الاشارة الى نقاط مهمة وهي أن ضعف متابعة وسائل الاعلام المختلفة
بما فيها الصحف لما يصدر من ابداعات عربية، وغياب تواصل دور النشر العربية
مع وسائل الاعلام ووكالات الاخبار الدولية يحرم الاصدارات العربية من
تغطية كافية في الصحف الانجليزية والفرنسية وغيرها من القنوات الاعلامية
والثقافية، وهذا بدوره ينعكس على الفئات الي تهتم بالكتاب العربي، يضاف
اليها القاريء الغربي العادي الذي لا يحفل كثيرا بالكتاب العربي الا إذا
حظي بتغطية كبيرة في الصحف الاجنبية المشهورة أو من خلال استضافة الكاتب
في المحطات الاعلامية مما يجعل الكتاب مصدر جذب لذلك القاريء العادي كما
في حالة ميرال الطحاوي التي استضافتها القناة الفرنسية الثانية فكانت
الشرارة التي اشعلت النار في الهشيم حتى بلغ عدد ترجمات روايتها الاولى
"الخباء" تسع لغات.
نحن بحاجة الى برنامج عربي طموح لترجمة ونشر الاصدارات العربية من النثر
والشعر الى مختلف اللغات الحية والتعاقد مع مترجمين لديهم الكفاءة
والامكانيات اللازمة ضمن اتفاقيات مع دور نشر عالمية في مراكز وعواصم
الثقافة العالمية من برلين الى لندن ومن مدريد الى واشنطن. لا بد من عمل
عربي مشترك تتبناه الدول العربية في اطار المنظمة العربية للتربية
والثقافة والعلوم الاليسكو أو من خلال صندوق عربي لترجمة الادب العربي
المعاصر ونشره في كافة أنحاء العالم. آن الاوان أن نقدم ثقافتنا وأدبنا
وفنوننا الى العالم في رزمة ثقافية حسنة الاخراج والتوضيب والادارة ضمن
جهد عربي متكامل، وألاّ تبقى مجرد اجتهادات فردية.
* قاص وناقد من الأردن
\n
inassar98@hotmail.com هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته
كاتب هذا المقال:
كتبه إياد نصار* لموقع قاب قوسينspan>
inassar98@hotmail.comspan>