حوار مشترك مع الفيلسوف أرشيبيكي والفيلسوفة سيلا بنحبيب: تقييد الديمقراطيات
[size=40]21مايو 2021بقلم نورالدين علوش قسم:حجم الخط
-18
+للنشر:[/size]
ترجمة: نورالدين علوش
CAHIERS PHILOSOPHIQUES n° 122 / 3e trimestre 2010
س: ما زال الفلاسفة السياسيون يشيرون إلى أهمية إعطاء الحقوق للمهاجرين والأجانب واللاجئين وآخرين. الوقت نفسه، تكتسح التيارات اليمينية الانتخابات بتوظيفها ورقة المهاجرين، باعتبارهم يهددون الأمن. هل يمكن تلبية شروط مجموعة سياسية محترمة مع الحفاظ على القبول الشعبي(أو الانتخابي)؟
ج- بنحبيب: في كتاباتي الحديثة، أحاول معرفة ما إذا كان هناك موقع ممكن الإقامة فيه بين فتح الحدود من جهة، ومفهوم السيادة في إطار الدولة - الأمة من جهة أخرى؛ فالموقف الذي يرتكز على فتح الحدود هو ذلك الذي يبدو لي أخلاقيا وأكثر قبولا، لأنه من الصعب حرمان الناس من حقهم الأساسي في السفر.البعض يتساءل: إذا لم تكن هناك طرق لتلبية مطلب الحق ملء مكان، وإذا لم تنكر حق السفر، إذن لماذا لا تدافع عن فتح الحدود؟ لن أفعل هذا، لأنني مهتمةكذلك بحق تقرير المصير للمجموعات الديمقراطية.
أظن بأن الديمقراطيات تتطلب تقييدات وليس حدودا؛ فهناك اختلاف بينهما. فالتقييدات يمكن أن تكون صارمة، كما يمكن أن تكون مرنة؛ فهي بإمكانها أن تسمح للناس بالمكوث في الداخل، كما أنها يمكن أن تجليهم في الخارج. والمبرر للقبول بتلك التقييدات في الديمقراطيةيرجع إلى الحاجة إلى تقييدات في التمثيل السياسي. فلابد من معرفة من المسؤول في أية وحدة ديمقراطية، مع ذلك فتلك التقييدات يمكن تعديلها. ليس هناك سبب لتحديد القيود عند حدود الدول. فالمجموعات السياسية يمكن لها أن تجتمع أو تنتظم حول أشكال مختلفة، لكن لتلبية شروط مجموعة سياسية مع الحفاظ على القبول الشعبي برمته يقتضي تغيير ما أسميه" التربية على الوساطة" بين الالتزامات الأخلاقية العالمية المرتبطة بحقوق الإنسان من جهة، ومطلب حق تقرير المصير من جهة أخرى. فالأمر يتعلق بصيرورة يعبر فيها عن الإرادةالديمقراطية،وفي الوقت نفسه تفرض على نفسها إكراهات ذاتية.
ج – أرشيبيكي: سؤالك يركز على نقطة مهمة؛ أحيانا يتكون لدي انطباع بكون كل المثقفين أصبحوا كوسموبوليتيين. لكن هناك هوة فاصلة بين ما يفكر به المثقفون ويبشرون به، وبين ما يحس به الناس العاديون. هناك فجوة تتزايد بين النخب والجماهير، وخاصة فيما يتعلق بمسألة الإدراك والمعالجة اللازمة لإشكالية التعدد والاختلاف.
فالكثير من الناس يرون في المهاجرين والأقليات والمثليين تهديدا. فما أن تنتشر معاداة الأجانب حتى يتحمل المثقفون المسؤولية بالتمييز بين الأسباب الوهمية والأسباب الحقيقية لهذا الانتشار، حتى لو قادهم الأمر إلى الاصطدام مع أغلبية الشعب. فالمثقفون قاموا بتحليل للأسباب التي من أجلهافي بعض المراحل تنجح الأنظمة التسلطية لضمان شرعيتها باتباع سياسات معادية للأجانب. بين الحربين العالميتين، بين المثقفين في أوروبا، سياسة معاداة السامية ومعاداة الغجر من طرف أغلبية الجماهير المرتبطة كثيرا بعوامل بنيوية، مثل ارتفاع معدل البطالة وارتفاع الفقر المذقع. واليوم بينوا بأن الشعور بعدم الأمن ليس ناتجا عن الهجرة بالضرورة، بل مرتبط بتحولات عالمية.
فالأفراد يتصورون بأن أعمالهم ومشاريع حياتهم عليها الاهتمام بالعوامل البعيدة، مع أن هذه الأخيرة لا تراقب ولا ترى؛ لكن هم أكثر استعدادا للتفاعل مع مظهرها القريب؛ أي المهاجرين. إذا تم استيعاب هذه الرسالة، فسيكون ممكنا الانتقال من أجندة سياسية تهتم بوضع "حواجز ضد المهاجرين" إلى " سياسات لحكومة عالمية ديمقراطية".
أتفق مع سيلا بأن فتح الحدود هو موقف نظري جيد، لكنليس له مكانفي الحقيقة. وأود إضافة سبب في هذا السياق، إن هذا يطرح مشكلة الهجرة من وجهة نظر خاصة؛ بصفة عامة مهاجر من الجنوب يرغب في الدخول إلى دولة من دول الغرب، لكن هل نحن متأكدون بأنه من العدل أن يفقد أهل الجنوب بعض كوادرهم؟فنظريتي الكوسوبوليتية تفضل أن تكون الحدود مقننة أكثر منها مفتوحة. نحن بحاجة إلى سلطة عالمية تنظم مسألة الهجرة لصالح دول الجنوب والشمال. فالمنظمة العالمية للهجرة ينبغي عليها إدخال إصلاحات، وتوفير الموارد المالية والصلاحيات، لكي يمكنها ذلك من أن تلعب دورا مهما في تدفق الهجرات.
في الدول الغربية، ينطلقون دائما من فرضية دورهم في المساهمة في تنمية دول الجنوب عن طريق استيعاب المهاجرين في بلدانهم. في عالم مثالي، الأفراد لهم الحق في مغادرة بلدانهم أو الإقامة فيها، لكن هذا لا يتم بين دول لها المستوى الاقتصادي نفسه. في الحقيقة، تدفقات الهجرة الآتية من الاتحاد الأوروبي أو أمريكا قليلة.
ج- سيلا: اسمح لي أن أضيف نقطة مهمة؛ فجميع النقاشات حول الهجرة تتخذ أبعادا معيارية وسوسيو اقتصادية. فعلى المستوى السوسيو اقتصادي، الهجرة خاضعة لما نسميه بعوامل "الدفع والجذب". فالعوامل الدافعة في البداية هي شروط حياة الشعوب الأصلية، وعوامل الجذب هي الفرص التي توفرها السوق العالمية. هناك بنيات ترابط اقتصادي بين أمريكا والمكسيك، وبين إيطاليا وبعض دول شمال إفريقيا، وبين فرنسا وبعض الدول الإفريقية، وبين إسبانيا وأمريكا اللاتينية.
والمنظمة العالمية للهجرة، مع انعدام فعاليتها، يمكنها أن تسهم في فهمنا لهذا الارتباط الاقتصادي؛ فالهجرة ينظر إليها، باعتبارها لعبة يخسر فيها الأفراد، لكن في الحقيقة هي لعبة يربح فيها الناس بصفة عامة، هذا ما علمه لنا الاقتصاديون.
س: الدول هي المكونات الأساسية للنظام العالمي، حتى لو كانت مؤلفة من العديد من القوميات المختلفة التي تكون السبب في الحروب الأهلية والحروب بين الدول. ألا نسهم بتنظيم جديد للمجموعات السياسية في الحد من العنف؟ ما هي الأشكال المؤسساتيةالتي يمكن النظر فيها وتأملها؟
ج - سيلا: يمكن معالجة المشكلة المطروحة كذلك باستحضار التمييز الفلسفي بين الإثنوس( الإثنية) والديموس( الشعب). في صيرورة تكوين الدول الأوروبية، تمت تعبئة الإثنوس والديموس بطرق مختلفة. هناك نماذج مختلفة: من جهة أمثلة "الأمم المواطنية" كفرنسا وأمريكا، حيث إن الديموس نتاج بدون أن يكون متماهيا مع المجموعة القومية الموجودة. ومن جهة أخرى ألمانيا واليابان ونسبيا إيطاليا هي "أمم قومية"؛ أي أمم حيث صيرورة تكوين الدولة الأمة ركزت أساسا على مفهوم الإثنوس.