ابو مروان
" ثــــــائـــــــــر منضبــــــــط"
عدد الرسائل : 411
الموقع : الحرية
تاريخ التسجيل : 05/10/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2
 | |  سلام على الدنيا: | |
| 
|
إن ضخامة الكتلة البشرية المحيطة بك
بالمقارنة مع مكونات المنظومة الكونية التي تنتمي إليها يدفعانك – سواء
أكنت مؤيدا أو رافضا أو مترددا – إلى اقتحامها والتداخل فيها إلى درجة
الامتزاج المتجانس وغير المتجانس على حد سواء , وقد يصل الأمر إلى أبعد من
ذلك حيث تجد أنك قد تسمح لنفسك – كثيرا – بالشروع في تجارب تقليص تلك
المسافات الشاسعة بينك وبين بني البشر , فتجدك تحفر في الأعماق لتصل إلى
مكان تغرس فيه جذرك الطري .
هنا سوف تتجلى أمامك تلك " المعضلات " التي لم يكن باستطاعتك اكتشافها عن
طريق أي متغيرات سطحية أو إيحائية أو موسمية , لتؤمن أنها تشكلت داخل الزمن
ومن خلاله , وعليه يتطلب منك الأمر الغوص في هذا الزمن وفك شفرات عجائب
هيمنة الذاتية وهذا الغول الواقعي.
لنجزم أصدقائي أن هذا الزمن قد تجاوز كل القوالب الجامدة , وتمت فيه إعادة
ضبط عقارب الساعة بحسب صورة ترسمها تلك الكائنات المتحركة الخاضعة لذات
المنظومة , وما هي إلا صورة أقرب إلى الكاريكاتورية وتعد وليدة التحولات في
المجتمع الجديد والطفرة الإنسانية الحالية التي تخلّصك وبكل بساطة من
الفخاخ الاجتماعية المنصوبة لك , شريطة أن تكن فطنا منذ نعومة أظفارك , وأن
تكن كذلك استثناءً فريدا , تمتلك قدرات عالية لاختراق حاجز النفس البشرية ,
تكشف لك عن خبايا الصدور , فتنأى بنفسك باكرا بأقل قدر من الخسران .
أما إذا كنت " مسكينا ساذجا " , فأنا أقسم أنك تعيش في أزمة حقيقة و طاحنة ,
وأنك عالق في مأزق محير يصعب عليك الخروج منه بنفس اليُسر الذي ولجت فيه .
تعال معي في رحلة قصيرة لن تتطلب منك أوراقا أو جواز سفر أو فيزا , سنبحر
معا في تلك " الذوات الإلهية " الجاحدة بمذهب ما كان يعرف بـ " الصداقة " ,
ولك أن تخبرني بعدها هل يستحق الأمر أن ندعو " إلى الجحيم أيها الأصدقاء "
..
لنفرض أنك كنت – قديما - ذا شخصية " ودودة " تفيضُ طيبة وحنانا , تمتلك
روحك قوة جذب هائلة تحتوي من هم أمامك , وفجأة إذ بـ كمّ طفيلي يعشق الحياة
على الفضلات الآدمية قد التصق بك , وبتلبيس إبليس هيئ إليك أنه " صديقك " ,
فرُحت - أيها " المسكين الساذج " المتوهج بالعواطف والمشاعر والأحاسيس ,
شديد الحنو إلى صداقات وعلاقات إنسانية سامية ذائعة الصيت في زمن الكتمان -
تجسد المشهد الإنساني في يُسر وانسياب وموسيقى شجيّة , وبإيقاع متسارع
وجدت نفسك وقد كشفت عن ضعفك الإنساني وتحولت إلى " صديق مخلص " وهو ما كان
يُعرّف بـ ( كائن شديد الهشاشة لفرط حساسيته وصدقه واتقاد مشاعره ورهافة
وجدانه , مستعد كل الاستعداد لتقديم كل غالٍ ونفيس , مستعد أيضا لبيع حظه
كله بلحظة يُلقي فيها برأسهِ على أكتافِ صديق ) .
ولكنك لا تلبث أن تشهد تحولات مريبة لذلك " الطفيلي " الذي علق بك , فإذا
به " حشرة سوداء " تقرض الروح والجسد في آن واحد , وفي انحدار مفاجىء تجده "
أفعى سامّة " , فينقلب حينها من كنت تعتقده صديقا إلى " ألذ الخصام " .
التساؤل الذي يطرح نفسه هنا : كيف تمّ ذلك ولماذا ؟
هنا لن تسع كل الصحاف , وسينتهي عمر المداد قبل أن نحصر لها أسباب !! ,
ولكن لنلقِ نظرة خاطفة , نحاول معها إدراك بعض لما بين سطور هذه المأساة
الإنسانية , بطرحنا لسؤال آخر , من هو الصديق الحق ؟؟
كثيرة هي الصفات المطلوبة , ولكن يجب علينا التسليم وبدون مقاومة بأن صديقك
هو من يولد معك كل لحظة , ينتمي إليك حيثما كنت , يتقاسم تفاصيلك الأولية .
صديقك من لا يحيك لك المكائد , من لا يأكل لحمك في وضح النهار دون خشية أو
حياء , صديقك من لا يفشي سرك , ومن لا يطعنك في ظهرك , من لا يجأر بالشكوى
من علّتك إلى درجة تفريغك حتى يُصيّرك مشروع غير صالح للتداول الآدمي .
صديقك من لا تحل عليك لعنته إذا اكتشف يوما أنك متفوقٌ عليه , وهنا لك أن
تقف في " بكائية ضاحكة " تتأمل كل هذا العنف الأعمى تجاه كل من لديه ميزة
أو قدرة إبداعية يتفوق بها على الآخر , يا إلهي !!!! من أي مورد أخلاقي
ينهل هؤلاء ؟؟ لِمَ ليس للمرء أن يكون مبدعا بينهم ؟؟؟
هل لنا أن نسألهم إذا كان صعب عليكم إلى هذا الحد رؤية تفوق وتميز أقرانكم ,
فهل يكون من الأكثر صعوبة تركهم بسلام دون أن تكون " أنا وأنت والسيفُ
بيننا " .
من وجد في صديقه بعض أو كل من هذا السوء , فليتبعني , وليقم بمثل هذه
النقلة المريحة التي قمتُ بها بعد أن ظللت ُ في قرارة نفسي ممسكة ببعض خيوط
الأمل الواهية , أتمنى أن تخدعني نفسي وتكذب علىّ ... ولكن واحسرتاه !!!
بعد أسري في حيرتي التائهة بين السماء والثرى , وبعد انهيار تجلدي وتحمّلي ,
وبعد أن أصبحت كائنا ينفق من هول ما تجرعته من سموم الأفاعي , وبعد أن
أصبح يومي كأمسي , وأصبح يعذبني ويشقيني ما كان يسعدني ويزيد من تنعمي ,
بعد كل هذا قررت التخلص من هذا الكم من الطفيليات في آن واحد , مسحت دموع
الأمس واقتحمت تلك الأبواب المغلقة .
قررتُ أن أتعافى - ولو ببطء – و أن أعانق حركة الحياة بمفردي , وكان الدواء
قتل ذلك الضعف الإنساني وذلك النزق الطفولي بداخلي , أما القاتل المحترف
فقد كان غضبا معلنا عن رغبة في تدمير الكون , ومتصلبا في مواجهته وتحديه ,
أُسيّر ذاتي بشموخٍ كشموخِ الجبال الرواسي الذي تتفتق عنه صورة - ربما تكون
زائفة – لإنسان شديد القدرة والسيطرة يشعر في كل الأحوال بالزهو والتفوق .
وكانت الجرعة الأولى من ذلك الدواء , صرخة أطلقتها بأعلى صوتي :
سلامٌ على الدنيا إذا لم يكن بها ......................... صديقٌ صدوقٌ
صادقُ الوعدِ منصفا |
| |
|
اليوم في 1:32 pm من طرف