تأخذ رواية الأنس والوحشة
للروائية اليمنية الشابة هند هيثم18 عاما, شكل الرواية ذات المرجعية
التاريخية حيث يتم توظيف رموز وشخصيات ذات منظور تاريخي الحجاج أبو مسلم,
أبو فراس الحمداني, هارون, وغيرها لتشارك في صنع أحداث وشخصيات هذه
الرواية ضمن إطار حداثي متميز.
وتتميز الرواية بتجاور الشخصيات الحقيقية مع تلك
الخيالية, عبر سرد تفصيلي شامل يتضمن المنظومة القيمية, وشكل
العمارة, والمشاهد السائدة ربما رغبة من المؤلفة في خلق إحساس لدي
المتلقي بالأمانة التاريخية, هذا الإحساس الذي يصنع التوازن الدرامي مع
الجنوح إلي الأسطوري والعبثي في بعض الأحيان. ويحسب للروائية هند هيثم
أنها لم تتوقف عند حد استلهام ما هو تاريخي, لكنها أعادت صياغته بصورة
متميزة, تصلح لأن تكون شأنا إنسانيا عاما, بعيدا عن التجريد الميكانيكي
للأحداث والمواقف, الأمر الذي جعل اللحظة الدرامية التاريخية التي تشكل
المحور المركزي الذي يخرج منه تيار السرد ويعود إليه, مما جعل هذه اللحظة
تحطم الحواجز المصطنعة بين الداخل الخاص والخارج العام في هذا الحراك
السردي, وهو ما حفظ لهذه اللحظة بعدها الفني, وجعلها عصية علي التبدد
في دهاليز التاريخ والأسطورة المتعددة. وإذا كان صوت الأيديولوجيا بدا
مرتفعا أحيانا ربما بصورة تفوق الحضور السردي ذاته, فإن القاموس اللغوي
الذي استخدمته المؤلفة جاء مشحونا إلي أقصي درجة بمضامين عميقة فلسفية,
لتواكب هذا الحضور الأيديولوجي, مما يجعل النص الروائي فضاء حقيقيا
ومتميزا علي صعيدي الرؤية والأداء اللغوي معا. من الظواهر اللافتة أيضا
في الرواية لجوء هند هيثم إلي أصوات أخري.. لتصنع منها فواصل بين
التدفقات السردية, شكلت في مجملها ما يشبه نصا موازيا قوامه الأساسي
الاستشهادات الواردة من سيف الدولة الحمداني والمتنبي وابن سينا وعنترة بن
شداد وحافظ الشيرازي وهند بنت عتبة وأبونواس وأبي فراس الحمداني وعلي بن
الجهم وغيرهم. والتي أجادت المؤلفة توظيفها لتشكل نسقا فلسفيا متقاطعا مع
هندسة الحكي داخل البناء الروائي.. كما لعبت هذه الاستشهادات في مستوي
آخر دور المفتاح أو نقطة الإضاءة لبعض مكونات الرواية خصوصا علي صعيدي
الرؤية, ومجال خلق الشخوص وتتبع منحنيات الدالة الرئيسية والثانوية لهم
داخل أنسجة العلاقات السردية, بمستوياتها المتعددة وأبرزها إشكالية نفي
المكان لصالح الزمان ممثلا في التاريخ, والحضور القوي لثنائية الواقعي ـ
الأسطوري. وإذا كانت ثمة مخاطرة في هذه التقنية متمثلة في تشويش ذهن
المتلقي بهذه الاستشهادات, وصرفه عن النص الأصلي, فإنها مخاطرة كانت
محسوبة فنيا إلي حد كبير لدي هند هيثم التي أحسنت اختيار الاستشهادات
وتوظيفها لتصنع رابطة غير مرئية بين تداعيات الماضي, ومعطيات الراهن في
نص روائي يحمل شرعية تميزه وفرادته.
الكتاب: الأنس والوحشة
المؤلفة: هند هيثم
الناشر: مؤسسة الميثاق بصنعاء ـ اليمن.
الأربعاء يونيو 23, 2010 5:11 pm من طرف سميح القاسم