صديق




Tweet










الصبر
قيمة أخلاقية عالية تحتاج معالجة النفس ومغالبتها ليكتسب صاحبها فضائل جمة
ليس أقلها الجَلَد والحلم وقوة التحمل. والصبر قد يكون على وجهين، الوجه
الأول منه قد يكون صبر على الأذى والظلم الذي يتعرض له الشخص وهو صبر
مقاوم لحالة سلبية خارجية يراد تأصيلها وتعميقها في واقع إنسان ما، والوجه
الآخر هو صبر على أداء الخيرات والمعروف وتواليه مهما بلغت تثبيطات النفس
أو معاندة الظروف للشخص نفسه وفي تلك الحالة يواجه الشخص موضوعا داخليا
يرسخ فيه قيمة ايجابية. وقد يتحول الصبر إلى صفة مناقضة له إذا لم يمتثل
للمثل القائل «للصبر حدود» فيتحول إلى خنوع وخضوع وهوان بعكس الغاية
المتوخاة منه، والصبر إحدى القيم المحمودة وتأثيراتها لاتطال الشخص نفسه
فقط لكنها تطال مجتمعه أيضاً لأنه يدخل في نسيج مواصلة الحركة الايجابية
في مكونات الحياة وتفاصيلها الزاخرة بالأحداث.



في سياق فعل التلقي للعرض المسرحي ترتسم أمامنا الصورة الحية لحركة
الممثلين على خشبة المسرح، وهذه الصورة التي يعاد تشكيلها كلما نطق الممثل
أو تحرك من مكانه، تبدو للوهلة الأولى صورة واحدة في حين أنها تشكيلات
متعددة من الصور.. وتبدو حركتها، حركية في بنية المشهد، ولذلك عندما تمعن
النظر في أية صورة متشكلة على خشبة المسرح تجدها وقد احتوت الصور كلها،
فالمشهد المجسد أمامنا هو عبارة عن عدد كبير من الصور وقد جرى تصفيفها
بطريقة المتتالية، وليس بطريقة حذف صورة واستبدالها بأخرى، في المسرح لا
يجري تقديم صورة سلبية، كل الصور إيجابية، بمعنى أن أية صورة هي إيجابية،
حتى تلك المتخيلة.
لاشك أن المخرج يضع في حسابه رسما لخريطة الحركة
على الخشبة، هذه الخريطة تتغير بين لحظة وأخرى، فالخشبة المسطحة قد تنقلب
وتصبح أرضيتها سماء وجوانبها أسيجة وأعلاها سفلا، المخرج الذي يجيد قلب
الأشياء لاستنباط صورة مركبة لا يجد فرقا بين سطح الخشبة وعمقها، يمينها
ويسارها، فالصور المتشكلة فيها هي مجموعة من الاحتمالات الفكرية لمسار
الأحداث..
قبل
أن يبدأ العمل على خشبة المسرح، تكون هناك طاولة القراءة، هذه الطاولة
التي يوليها المخرج جواد الأسدي اهتماما ما هي في حقيقة أمرها، إلا مكانا
لخلط الألوان، القراءة هي استخلاص النص من نص مكتوب، نص الصوت والحركة
والفهم، النص المكتوب نص صامت تستنطقه الطاولة حيث تختلط عليها الألوان،
ألوان اللوحة التشكيلية لاستخلاص فعلها، لذلك يهتم الكثير من المخرجين
بجلسة الطاولة العبثية الحركة وغير المنتظمة تمهيدا لبدء العمل المنظم،
على خشبة المسرح التي تشكل الخطوة الثانية للتشكيلات اللونية والبصرية،
تبدأ أولى فاعلية التشكيل البصري واللوني.. هنا يقسم المخرج الخشبة إلى
كتل مختلفة الألوان ـ اللون على الخشبة هو الجسد مضافا إليه الصوت ـ هذه
الكتل تتقاسم فضاء الخشبة وتتوزع تبعا لمكانتها وأهميتها، وسيولي المخرج
أهمية خاصة لمكان كل شخصية على الخشبة وطريقة أدائها ولمن تتوجه بخطابها،
هذه الخطوة هي الثانية بعد خطوة طاولة القراءة، نكون قد نقلنا الألوان من
القراءة إلى التجسيد أو التمارين العملية، ثم يعيد تحريك هذه الكتل بما
ينسجم وطبيعة الدراما، يمكن اعتبار هذه الحركة/اللون بداية لرسم لوحة
تشكيلية كبرى، الخطوة الثالثة لرسم اللوحة التشكيلية على المسرح، تبدأ
عندما يكتمل العمل، وتكون هذه اللوحة أكثر اتقانا، هنا يقل فعل المخرج
ويبدأ فعل الممثل/اللون/الكتلة، وبذلك نجد ثمة حركة منسجمة بين كتل اللوحة
على الخشبة خاصة وأن أجزاء من العرض المسرحي بدأت تتشكل تباعا لتضيف إلى
الممثل/الكتلة تعبيرات جمالية أخرى ومنها الإضاءة والديكور.
الخطوة
الرابعة لتشكيل اللوحة الفنية على الخشبة تتم بالتناغم البصري بين الديكور
وحركة الممثلين، فالديكور لا يكون مجرد حائط أو إطار للوحات المتشكلة بقدر
ما يكون جزءا مكملا لحركة الكتل، ولذا تجده يجمد في كل لوحة ثم يتحرك
لاستقبال اللوحة الثانية وهكذا ما أن تنتهي المسرحية حتى نجد حركات عديدة
للديكور، بهذه الفاعلية للديكور يغير من تركيبة المشاهد ويعمق إحساس
الممثل بأنه يشكل لوحة فنية متحركة لا تقف عند شكل إلا ومعها تكملة لفكرة
وعندما تنتقل اللوحة لشكل آخر تكون قد بدأت بفعل جديد، أما الخطوة الخامسة
لتشكيل اللوحة الفنية على الخشبة تتم بإضافة الضوء وكتل الألوان والتناسب
بين الظلال والضوء، واحتساب العمق والسطح، ورسم الظلال الخفية التي تنسجم
وطبيعة الحوار وتناغم البناء الفني بهذه الألوان يرسم الممثلون حركاتهم
بألوان الحركة الجسدية مطعمة بالصوت لتكون بذلك تكوينا جماليا فاعلا في
المخيلة، فالنص المسرحي لا يصل إلى المتلقي من القراءة ولا من الأداء
الصوتي بل يصل عبر تشكيل لوحة فنية تتألف عناصرها من مجموعة كتل وألوان
وأطر متحركة وشخوص يتجولون تبعا لخطط النص والرؤية الإخراجية.
٭ ٭ ٭
يتعامل المتلقي، متلقي النص المسرحي المقروء ومتلقي النص المسرحي المعروض،
بطريقتين مختلفتين، تلقي النص مقروءً يتطلب من المتلقي خلق الصورة
التشكيلية له، وهذا الخلق لا يقف عند حد بل يتعدد بتعدد القراء، ولكنه
تلقي محدود، لأنه يكون بصورة ذهنية واحدة، في حين يكون تلقي النص المعروض،
ليس أحاديا، فالصورة التشكيلية هنا قد تضافرت جهود كثيرة على إنتاجها،
ولذلك يكون المسرح فعلا جماعيا حتى لو كان العرض بشخصية واحدة، الصورة
المتكونة عبر التلقي تتألف من عشرة عناصر بنائية سنتطرق إليها الآن، قبل
أن نصل إلى استنتاجنا الذي بدأنا به المقالة وهو أن العرض المسرحي هو
تشكيل لوني. العناصر هي:
1- النص / طاولة القراءة
2- الخشبة /الفضاء الداخلي للعرض
3- المخرج/ الدراماتورج
4- الممثل/ الأشياء المتحركة
5- الصوت/الجسد
6- الديكور/السينوغرافيا
7- الإضاءة/ الكتل اللونية
8- الجدران/ الستارة/مكونات الفضاء الداخلي
9- القاعة/ الفضاء الخارجي للعرض
10- الجمهور
إن ميدان هذه المكونات هو الاستعارة والتشبيه، نحن نستعير الشكل من اللوحة
الفنية كي نشبه به الحدث، فالشكل الفني المعروض بصريا أمامنا هو الحدث
نفسه وقد تمظهر بالحركة.. فالرسم بالزيت مثلا كما تقول جرترود شتاين هو واقعية
الرسم بالزيت، بمعنى أن الواقعية هي المادة نفسها التي تشكلت منها
التكوينات، في المسرح لا يتم تشكيل الصورة من غير مادتها الواقعية وهي
العناصر العشرة التي أشرت إليها، وهذه الواقعية يجري تصويرها جماليا
فتتغير نسبها وتختلط بعضها ببعض وتتحول من طبيعتها اللونية القديمة لتدخل
في تركيبة لونية جديدة، فالاستعارة اللونية والكتلية هي استعارة لخطوط
ولوحدات خطية كما يسميها فرانكلين روجرز في الشعر والرسم. ما أن يشاهد
أحدنا العرض المسرحي حتى يشعر بتتابع الصور، تتابع اللوحات الفنية وبتتابع
التشكيلات المتحركة، حقيقة المشاهدة هي أن تكون متحركا مع حركية الصور
المعروضة أمامك..
٭ ٭ ٭
هل ثمة قوانين تتحكم بالمشاهد والصور؟
بالطبع توجد عدة قوانين تتحكم بهذه الفاعلية بالقانون الأساس هو جماليات
العرض المسرحي والتي لا تأتي اعتباطا بل من الخبرة العملية للمخرج ولكادر
العمل كله، وهذا القانون الجماعي الشعبي لا يوجد من يغيره إلا بما هو أفضل
منه، ويكاد يكون هو الفيصل بين جودة عمل ورداءة الآخر، ولذلك يخصص لهذا
القانون أكاديميات ودروس ومختصين وتجارب، إنه الطريقة البنائية التي تتحكم
بكل جماليات العمل الفني. وثمة قانون العرض الفني نفسه، أي هوية المسرح،
نحن في مسرح ولسنا في صالة للتنس أو ساحة لعبة، أو في نادي، قانونية العرض
تتطلب تصميما هندسيا مهما كان شكله حتى لو تم العرض في الشارع أو فى مقهى.
ثمة بنية متخيلة ترافق هوية العرض هذه البنية هي قانونية الشكل المسرحي
العام ويمكن أن نطلق عليها الفضاء المهندس. وثمة قانونية أخرى، هي الإيهام
بأن الممثلين ليسو أناسا من بيننا، إنهم ممثلون جاءوا ليقدموا عملا، وهذا
يعني أنهم سيقولون لنا شيئا عن حدث أو يصورون لنا شيئا ممكنا أو تخيلا
محتملا، وهذا القانون هو ما يشكل أخلاقية العمل من الداخل. وثمة قوانين
أخرى ربما يكون للإعلان قانونه الذي يحدد هوية المعروض وللنقد قانونه
المفاهيمي عندما يكتب عن النص، وللجمهور الذي يجلس قبالة العرض طبيعته
القانونية، وهكذا فأي عرض/صورة/ لوحة فنية، هو مجموعة من القوانين جرى
اختبارها تاريخيا وأصبحت جزءا من بنية العرض نفسه