تراجيديا المسرح المغربي جمال بدومة -
jamalboudouma@gmail.com بعد أن كانت الصحافة المغربية تفرد
أعمدة وصفحات وملاحق بكاملها لتحليل النصوص المسرحية ومناقشة العروض
والتعليق على أداء الممثلين والمخرجين والسينوغرافيين، لم يعد المسرح
المغربي يدلف إلى صفحات الجرائد إلا من باب الطرائف والقفشات، التي لا
علاقة لها بالنصوص، وتحدث بعيدا عن الخشبة خارج زمن العرض. وإذا كان عامة
الناس، بمن فيهم عشاق المسرح، يجهلون كل شيء عن العروض التي تقدم في مهرجان
مكناس للمسرح الوطني، الذي يختتم اليوم، فإن الجميع سمع عن «الشهادة
المؤثرة» التي قدمها وزير الثقافة بنسالم حميش خلال حفل الافتتاح في حق
الممثل عبد العظيم الشناوي، باعتباره «فنانا مصريا غنيا عن التعريف»،
مطمئنا إلى معرفته الواسعة بالثقافة المصرية. ولا أعرف هل تقع مسؤولية ذلك
على الصحافة أم على المسرح أم إنها مشتركة بين الاثنين، لكن المؤكد أن
المسرحي يتهم الصحافي بكونه يشغل وقته بـ«التبركيك» ولا يكتب بجدية عن
العروض، والصحافي يرد عليه: «فينا هي هاذ العروض آسي شكسبير؟»..
والنتيجة أن أغلبية المغاربة لا يعرفون أن مكناس تحتضن مهرجانا وطنيا
للمسرح، تصرف عليه وزارة الثقافة الملايين كل عام منذ 12 سنة، في وقت لا
يزيد فيه الفن المسرحي المغربي إلا ترديا ويواصل ابتعاده عن الجمهور وعن
المسرح نفسه «كما هو متعارف عليه كونيا»، إذا جاز التعبير، لأن كثيرا من
التراجيديات القديمة تتحول إلى كوميديات هزلية على أيدي مخرجين يخلطون بين
سوفوكليس ولوركا وبين الخياري وفهيد، إلى درجة تستدعي تدخلا عاجلا لمنظمات
حقوق الإنسان، دفاعا عن هؤلاء المؤلفين المساكين، الذين يتقلبون في قبورهم
كلما اقتبست نصوصهم في المغرب.
بعد أكثر من عقد على إحداث ما يسمى بـ«الدعم المسرحي» من طرف وزير الثقافة
السابق محمد الأشعري، كل شيء صار يدل على أن «أبا الفنون» في المغرب شاخ
ووصل إلى مرحلة «التخراف». المخرجون «القدامى» صاروا يتنافسون في تقديم
الأردأ، ومن هب ودب يدبر على «الدعم» ويأتي لعرض خزعبلاته على خشبة «المسرح
الوطني»، بمباركة من لجان، يستحق بعض أعضائها أن يتابعوا بتهمة انتحال
صفة. وعليك أن تكون مازوشيا كي تحضر جلسات التعذيب، التي يسميها البعض
«عروضا». وحتى عندما تحدث المعجزة، ويكون العرض عرضا، تجد مشاكل في القاعة
مع الجمهور الذي يأتي من أجل التسلية و«النشاط». بمجرد ما يسلط الضوء على
الخشبة، يفتشون عن «حسي ومسي» و»ساعتان من الفكاهة والمرح»، ويصرون على
المشاركة في المسرحية بالتعليقات والتحدث إلى الممثلين، لأنهم تربوا في
الحلقة ومع التلفزيون، ولم توفر لهم المدرسة حدا أدنى من التعليم الفني،
كما في البلدان التي تحترم مواطنيها. شخصيا، بدل دفع باب المسرح لسماع
التعليقات والقهقهات ورنين البورطابلات، تقطعها صيحات «شششت»، التي يصدرها
بعض المغفلين ممن صدقوا أنهم في مسرح، أفضل أن أذهب مباشرة إلى السويقة. لا
يمكن أن يتطور المسرح المغربي بمعزل عن الجمهور. إذا صرفنا درهما على
الإبداع، ينبغي تخصيص درهمين لـ»تربية» من سيشاهده، لأن العرض خشبة وكراسٍ.
ومثلما هناك أميون يحتاجون إلى تعلم قراءة الحروف، ثمة أميون يحتاجون إلى
تعلم كيفية مشاهدة العروض. إما أن تنخرط وزارة الثقافة في مشاريع «محو
الأمية» المسرحية، أو أن تغلق «قسم المسرح» وتعوضه بآخر متخصص في شؤون
«الحلقة»، وملايين «الدعم» نصرفها على حلايقية جامع لفنا، هؤلاء على الأقل
يقدمون فرجة بقواعدها، ويصنعون سحر الساحات العتيقة، ويموتون في النهاية في
صمت.