** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالرئيسية  الأحداثالأحداث  المنشوراتالمنشورات  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 المُشكِلُ الأخلاقيُّ في نظريَّة وحدة الوجود عند محي الدين بن عربي2

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الكرخ
فريق العمـــــل *****
الكرخ


عدد الرسائل : 964

الموقع : الكرخ
تاريخ التسجيل : 16/06/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 4

المُشكِلُ الأخلاقيُّ في نظريَّة وحدة الوجود عند محي الدين بن عربي2 Empty
01102012
مُساهمةالمُشكِلُ الأخلاقيُّ في نظريَّة وحدة الوجود عند محي الدين بن عربي2

رأ أمرٌ
يرده إلى إحساسه، حينئذٍ يراك ويسمعك[47].



والفناء بهذا يعني زوال الشعور والإحساس من الإنسان بسبب حال اعتراه، كصواحبات يوسف
– عليه السلام – قطعن أيديهن لفناء أوصافهن، ولِما ورد على أسرارهن من لذة النظر
إلى يوسف. وفي ذلك قيل:


غابت
صفاتُ القاطعات أكفَّهـا في شاهد هو للبرية أبــدع
ففنين عن أوصـافهن فلم يكـن من نعتـهنَّ تلذُّذ وتولُّـــع[48]



فهذه أدنى درجات الفناء فيما نشاهده يوميًّا في حياتنا. فإذا ذهبنا إلى عالم
التصوف، وجدنا أنهم يتحدثون عن "فناء" من نوع أعمق، هو فناء الروح في مشاهدة
جمال الحق وجلاله
. والفناء عند ابن عربي ينقسم إلى عدة أقسام، نلخِّصها في
أربعة كبرى:


1.


الفناء عن المخالفات
:
:أن تفنى عن المخالفات، فلا تخطر لك ببال، عصمةً وحفظًا"[49].
وهذا هو المنطلق الشرعي لكلِّ صوفي.


2.


الفناء في أفعال الله

(وحدة الأفعال): حيث "يفنى العبد عن شهود أفعال الله، ويشهد أفعالهم قائمةً بقيام
الله على ذلك"[50].


3.


الفناء في صفات الله

(وحدة الصفات): بحيث "يشهد صفات المخلوقين قائمةً بصفات الخالق عزَّ وجل"[51].


4.


الفناء في ذات الله

(وحدة الذات): بحيث "يفنى السالك عن شهود ذاته"[52]،
ثم "يفنى عن كلِّ ما سوى الله بالله، ثم يفنى في هذا الفناء عن رؤيته تلك، فلا يعلم
أنه في حال شهود حق: إذ لا عين له مشهودة في هذا الحال"[53].



وهذه المراتب الثلاث للفناء تشكِّل مراتب التوحيد الثلاث. فالذات محجوبة بالصفات،
والصفات محجوبة بالأفعال، والأفعال محجوبة بالأكوان[54].
والصوفي، من خلال سلوكه الروحي، يسعى إلى خرق تلك الحجب، فيبدأ بتحقيق مقام وحدة
الأفعال
– وهو "الفناء في الأفعال" –، فلا يشهد فاعلاً إلا الله؛ ثم يرتقي إلى
تحقيق مقام وحدة الصفات – وهو "الفناء في الصفات" –، فلا يشاهد سميعًا ولا
بصيرًا ولا مريدًا ولا متكلمًا ولا حيًّا ولا عليمًا ولا قادرًا إلا الله؛ ليصل بعد
ذلك إلى مقام وحدة الذات – وهو "الفناء في الذات: –، بحيث لا يشاهد موجودًا
على الحق إلا الله. وإلى هذا المعنى أشار أحد العارفين فقال:


فيفنى،
ثم يفنى، ثم يفنى فكان فنـاؤه عين البقاء[55]




5. مخاطر الفناء على العقيدة والأخلاق


ذهب
بعض المفكرين إلى أن ابن عربي وغيره من الصوفية هدموا الأخلاق بنظريتهم في وحدة
الوجود. إذ إن المعراج الروحي ينتهي بالسالك إلى الفناء، حيث يفقد وعيه، ويذهل عن
نفسه، ويغفل عن الدنيا من حوله، ويغيب عن ذاته، ولا يشعر بغير فعل الله وإرادته
المطلقة التي تسيِّر كلَّ شيء. وبهذا ترتفع المسؤولية الأخلاقية بزوال ركنيها
الرئيسيين: العقل والحرية[56].



والحقيقة أن تلك المخاطر واردة بالفعل، لكنْ في حدود ضيقة جدًّا. ذلك أن بعض
الصوفية، عندما يصلون إلى "مقام الجمع"، يفنون عن أنفسهم، ويشهدون الحق بلا خلق.
وفي هذا تعرض لهم معاطب ومهالك[57]،
يُخشى عليهم من الوقوف عندها فتخسر صفقتُهم[58].
ولا ينجو من تلك المزالق إلا مَن كان متسلحًا ببصيرة علم[59].



فالسالك عندما يكون في حال الفناء (أو الجمع) لا يمكن له أن يفرِّق بين الإرادة
الكونية والإرادة الدينية (أو بين الحقيقة والشريعة)، حيث "يشهد ما اشتركت فيه
المخلوقاتُ من خلق الله إياها ومشيئته لها وقدرته عليها" – وهذا ما يُسمَّى
بـ"الإرادة الكونية" (أو الحقيقة) –، و"لا يشهد ما افترقت فيه من محبة الله لهذا،
وبغضه لهذا، وأمره بما أمر به، ونهيه عما نهى عنه" – وهذا ما يُسمَّى بـ"الإرادة
الدينية" (أوالشريعة)[60].
"فربما انسلخ من دين الله ومن جميع رسله وكتبه، إذ لم يتميز عنده ما أمر الله به
مما نهى عنه؛ بل لا يكون عنده في الحقيقة إلا الطاعة، لاستواء الكلِّ في الحقيقة
التي هي المشيئة العامة الشاملة"[61]،
و"يظن أنه وصل إلى عين الحقيقة، وإنما وصل المسكين إلى الحقيقة الشاملة التي يدخل
فيها إبليس وجنوده أجمعون. فإن هؤلاء كلهم تحت الحقيقة الكونية القدرية"[62].


كما
أنه في تلك الحالة لا يشهد الكثرة في الوجود – وهي كثرة معاني الأسماء الحسنى
والصفات العلى واقتضاؤها لآثارها – في وحدة الذات الموصوفة بها في الجمع[63]،
لأن مشهده في تلك الحضرة توحيدي محض، لا يقتضي التفرقة. فإذا لم يتجاوز هذه العقبة،
انسلخ عن الفرق الشرعي وظن أن التكليف قد سقط عنه[64].


غير
أن ابن عربي تفطَّن إلى هذه المخاطر الأخلاقية والعقيدية في التصوف، فأكد أنها
ناجمة أساسًا عن خطأ في السلوك وضبابية في الشهود. ولذلك ركز على ضرورة الشيخ في
السلوك: فالشيخ، بمعرفته لتلك المسالك الخطرة، يتمكن من حفظ المريد من الوقوع في
المهالك، بترقيته عبر المقامات والمشاهد الروحية المختلفة. وقد حدد ابن عربي تلك
المشاهد التي يعبرها السالكون كالآتي:


1.


مشهد الكثرة الوجودية
:
وهذا "مشهد الناظرين إلى الخلق، الغافلين عن شهود الحق، فلا يشهدون إلا الكثرة ولا
يرون إلا الخلق"[65].
وهذا المقام يدعى "مقام الفرق الأول"، بحيث يحتجب صاحبُه بالخلق عن الحق[66].
وأغلب الناس من هذا النوع.


2.


مشهد الوحدة الشهودية
:
وهذا "مقام الفناء في شهود الحق والغياب عن شهود الخلق"[67]؛
ويسميه الصوفية "مقام الجمع"[68].
ولا يعني هذا أن العالم ينتفي بوصول السالك إلى هذه المرتبة، ولكنها حالة روحية
يعيشها وحده، فيدرك أن العالم موجود بين طرفي عدم، وأنه كان معدومًا وسيصير
معدومًا. و"مقام الجمع" عقبة صعبة ذات خطر على الصعيد العقيدي والأخلاقي: "يُخشى
على المريد من وقوفه عندها فتخسر صفقتُه"[69].
وهذا ما حدث لبعض المنتسبين للتصوف حينما


[...]
ادَّعوا أنهم في عين الجمع، وأشاروا إلى صرف التوحيد، وعطَّلوا الاكتساب، فتزندقوا.[70]


3.


مشهد الكثرة في الوحدة والوحدة في الكثرة
:
وهذا أكمل مقام يبلغه السالكون، حيث "يشهدون الكلَّ حقيقةً واحدة، لكنها متكثِّرة
بالنسب والإضافات"[71]،
فيشهدون وحدة الحق متجلِّيةً في كثرة مخلوقاته، ويشهدون تلك الكثرة صادرةً وراجعةً
إلى الوحدة الأصلية. وهذا ما يسمى بمقام "البقاء بعد الفناء"، و"الفرق بعد الجمع"،
وهو مقام "الاستقامة"[72].
وفي هذا المقام تتحقق المعرفة الحق، فيتوازن العارف، بحيث يكون متشرعًا ومتحققًا في
الوقت نفسه.


وقد
أكد ابن عربي أن مقام البقاء أكمل وأرقى من مقام الفناء؛ إذ بالوصول إليه
يكون السالك قد تخلص من عقبة خطيرة:



فحال البقاء أعلى من حال الفناء، وإنْ تلازما وكانا للشخص في زمان واحد.[73]


وفي
تمييزه بين المقامين يقول:


[...]
ثم بعد هذا، في ثاني حال، يعطيك الكشف أن الحق نفسه كان عين الدليل على نفسه وعلى
ألوهيته[74]،
وأن العالم ليس إلا تجلِّيه في صور أعيانهم الثابتة التي يستحيل وجودها بدونه، وأنه
يتنوع ويتصور بحسب حقائق هذه الأعيان وأحوالها.
[...] ثم يأتي الكشف الآخر،
فتظهر لك صورنا فيه، فيظهر بعضنا لبعض في الحق، فيعرف بعضنا بعضًا ويتميز بعضنا عن
بعض.[75]



فـ"الكشف الأول" هو مقام الفناء في الحق، لأن الشاهد والمشهود في ذلك الكشف ليس إلا
الحق وحده، ويُسمَّى "الجمع"[76]؛
وهو مقام جمالي محض، لا يشهد فيه صاحبه إلا الحق وحده؛ فهو محجوب بالجمال عن الجلال[77].
وهذا مقام الوحدة الشهودية. أما "الكشف الثاني"، فهو مقام البقاء بعد الفناء[78]؛
وصاحبه أكمل من الأول لأنه لا يحتجب بالخلق عن الحق، ولا بالحق عن الخلق، فيعرف
الكثرة الخلقية في عين الحقيقة الأحدية الحقية. وهو بهذا يُعتبَر من أهل الكمال
الذين لا يحجبهم الجلالُ عن الجمال ولا الجمالُ عن الجلال[79].



6. الرؤية الوحدوية للوجود: رؤيةالحق في الخلق والخلق في الحق


هذا
وقد لخَّص ابن عربي تلك الرؤية الوحدوية للوجود في ثلاثة أبيات فقال:



فالحقُّ خلقٌ بهذا الوجه فاعتبروا وليس خلقًا بهذا الوجـه فادَّكروا
مَن يدرِ ما قلتُ لم تخذل بصيرتُه وليس يدريه إلا مَن لـه نـظـرُ
جمعٌ وفرقٌ فإن العين واحــدةٌ هـي الكثيرة لا تُبقي ولا تَـذِرُ[80]



فالحق – عزَّ وجل – يُنظَر له من وجهين:


-


الوجه الأول: "باعتبار ظهوره بأسمائه وصفاته في صور الأعيان وقبولها الأحكام منه،
بلا حلول ولا امتزاج؛ وبهذا الاعتبار فهو خلق"[81].


-


الوجه الثاني: "باعتبار أحديته الذاتية وأسمائه الأولى في الحضرة الإلهية الواحدية؛
فإنه بذلك الوجه موجِد الموجودات وخالق المخلوقات؛ فلا يكون خلقًا من هذا الوجه"[82].



فالوجود الحق واحد، إلا أنه في مرتبة الجمع الأسمائي إله، وفي مرتبة الفرق مخلوق:
"فليس في الوجود غيره؛ فإنه العين الواحدة، وهي بعينها الكثيرة بالتعينات التي لا
تحقُّق لها بدونه. فلا موجود إلا وحده"[83].


لذا
فإن "الواقف مع الخلق واقف في الفرق، وهو أعور البصيرة؛ والواقف في الجمع أعور كذلك
– وكلاهما قد تفرَّق نظرُه"[84].
أما الذي جمع في عين التفريق وفرَّق في عين الجمع، فقد صحَّتْ بصيرتُه. وفي موضع
آخر من الفصوص، ينصح ابن عربي بضرورة الجمع بين الرؤيتين: رؤية الحق والخلق
في وقت واحد، فيقول شعرًا:


فلا
تنــظر إلى الحــــق وتعرِّيـه عن الخلــــــق



ولا
تنظــر إلى الخلــــق وتكسوه سوى الحــــــق




ونزِّهْـــه وشـبِّـــــهه وقُمْ في مقــعد الصِّــــدق



وكنْ
في الجمــع إن شــئتَ وإنْ شئـــتَ ففي الفــرق[85]



فالحق، من حيث تجلِّياتُه، يستلزم وجودَ خلقه: "فالرب يستلزم المربوب، والخالقُ
يطلب المخلوق، والإلهُ المألوه، لما بينهما من التضايف، فلا يلاحَظ أحدُهما دون
الآخر"[86].
لذا يجب النظر إلى الحق متضايفًا مع الخلق؛ ولكن "لا يجب النظر إلى الخلق دون النظر
إلى موجِده، لأنه إذا نُظِرَ كذلك، بقي على عدمه الأصلي"[87].


ثم
يطلب ابن عربي من السالك أن ينزِّه الحق – عزَّ وجل – ويشبِّهه في الوقت نفسه.
والتنزيه الذي يعنيه ابن عربي هو تنزيه الله تعالى أن يكون متعينًا بأحد مخلوقاته،
مقيدًا به، فيشبه متعينًا آخر، فيلزم الشرك[88].
كما أن التشبيه المطلوب هو شهود الله تعالى على أنه عين كلِّ مخلوق من مخلوقاته؛ إذ
لا قيام لمخلوق من دونه. فإذا جمع السالك بين التنزيه والتشبيه بالمعنيين
المذكورين، شاهد الله وحده، وصار عارفًا بالحضرتين: حضرة الإطلاق (التنزيه)،
وحضرة التقييد (التشبيه)[89]،
وانتفى في حقِّه كل "سوى"، وبلغ مقام "مقعد الصدق"، وهو مقام التوحيد الذاتي والجمع
بين المطلق والمقيَّد[90].
ويصح له بعد هذا التحقيق أن تتلون مشاهدُه: فإن شاء فرَّق، وإن شاء جمع.



وعلى الرغم من أن لغة ابن عربي واضحة في ضرورة رؤية الفرق في عين الجمع ورؤية الجمع
في عين الفرق، حتى لا تسقط التكاليف وتنهدم أركان الأخلاق، فإن ابن القيم بالَغ في
إدانة الصوفية من أصحاب وحدة الوجود (ومنهم ابن عربي)، من حيث إنهم يجعلون مقام
الجمع – وهو الفناء عن شهود السوى[91]
وشهود الحقيقة الكونية – غايةَ السلوك والمعرفة عندهم[92].
كما يذهب إلى اتهامهم بأنهم يجعلون الأمر والنهي للمحجوبين، وأن السالك عندهم، إذا
ترقَّى، شهد أفعالَه كلها طاعاتٍ لا معصية فيها، لشهود الحقيقة الكونية الشاملة
لكلِّ موجود: "فلا طاعات ولا معاصي، لأن ذلك يستلزم اثنينيةً وتعددًا، ويستلزم
مطيعًا ومطاعًا، عاصيًا ومعصيًّا – وهذا عندهم محض الشرك، والتوحيد المحض يأباه"[93].



والحقيقة أن مقام الفناء أو الجمع لم يكن أبدًا غاية السلوك عند الصوفية، كما اعتقد
الإمام ابن القيم، بل هو مرحلة انتقالية لا بدَّ أن تُكلَّل بمقام البقاء أو
"الفرق الثاني"، الذي يعني "شهود الكثرة الخلقية في الوحدة الحقِّية، وشهود الوحدة
الحقِّية في الكثرة الخلقية، من غير احتجاب بأحدهما عن الآخر"[94]
– وهو مقام "الاستقامة"، على حدِّ تعبير ابن عربي. والغريب حقًّا أن يمتدح ابن
القيم ذلك المقام، دون يذكر أن ذلك عين ما دعا إليه ابن عربي، فيقول:



فأولى الناس بالله وكتبه ورسله ودينه أصحاب الفرق في الجمع، فيقومون بالفرق بين ما
يحبه الله ويبغضه

[...]،
مع شهوده الجمع لذلك كلِّه في قضائه وقدره ومشيئته الشاملة العامة، فيؤمنون
بالحقيقة الدينية والكونية، ويعطون كلَّ حقيقة حظَّها من العبادة. فحظ الحقيقة
الدينية القيام بأمره ونهيه[95]،
وحظ الحقيقة الكونية إفراده بالافتقار إليه والاستعانة به والتحقق بأنه ما شاء كان
وما شاء لم يكن. فلهذه الحقيقة عبودية، ولهذه الحقيقة عبودية، ولا تُبطِلُ إحداهما
الأخرى، بل لا تتم إلا بها.[96]



فبمقارنة ما قاله ابن القيم مع ما قاله ابن عربي في تلك المسألة الشائكة، يتضح
جليًّا أنهما متفقان تمام الاتفاق! غير أن الإمام ابن القيم، وإن كان قد قبل وحدة
الشهود أو ما يسميه "الفناء عن شهود السوى"، فإنه يرفض رفضًا قاطعًا وحدة الوجود
التي يطلق عليها لفظ "الفناء عن وجود السوى"، بحجة أنه "فناء الملاحدة القائلين
بأنه ما ثم غير، وبحجة أنهم يشهدون وجود العبد عين وجود الرب، بل ليس عندهم في
الحقيقة رب وعبد"[97]،
وأنهم "يجعلون الأمر والنهي للمحجوبين، وأنهم يدعون إلى رفع الطاعات والمعاصي لأنها
تستلزم اثنينية وتعددًا، وتستلزم مطيعًا ومطاعًا وعاصيًا ومعصيًّا. وهذا عندهم محض
الشرك، يأباه التوحيد المحض"[98].



وإذا كان قد تبين لنا مما سبق أنه لا ابن عربي ولا غيره من الصوفية المسلمين دعوا
إلى مثل هذه الأفكار الخطيرة، أمكن لنا أن نستنتج مدى ثقل الاتهامات التي كالها ابن
القيم لابن عربي وغيره من الصوفية الذين وصفهم بـ"الاتحاديين الملحدين".



بناءً على ما سبق، يمكن لنا القول إن وحدة الشهود ("الفناء عن شهود السوى") التي
تحصل في مقام الجمع والفناء ما هي إلا مرحلة تمهيدية لوحدة الوجود ("الفناء عن وجود
السوى") التي تحصل في مقام البقاء؛ إذ لا يذوق السالك وحدة الوجود إلا إذا ذاق وحدة
الشهود، وهذا خلافًا لما ذهب إليه بعض المفكرين من أن هناك فرقًا بين وحدة الشهود،
التي هي تجربة روحية، وبين وحدة الوجود، التي ما هي إلا مجرد نظرية فلسفية نبعت من
الاتحاد والحلول وبدأت من حيث انتهى إليه التصوفُ السنِّي[99].


وقد
تتداخل المصطلحاتُ في مذهب ابن عربي، وتتعدد السبلُ السلوكية في فكره التربوي،
لكنها تؤدي جميعًا إلى الوحدة الوجودية التي نادى بها. وهي وحدة لا تُنال إلا بخوض
التجربة الصوفية، شريعةً وحقيقة. وقد عبَّر أحد مشائخ الصوفية، وهو الشيخ حسن رضوان[100]
(
12391310هـ)،
عن تلك التجربة كما عاشها، فقال:


إذا
مَنَّ الحق تعالى على عبد من عباده، واصطفاه بصفاء نفسه من كدورة التعلق بما سواه،
وطهَّره من جنبات غفلاته ورعونات شهواته، حتى أفناه به في حقِّ اليقين، وبلغ بذلك
مرتبة جمع الجمع، ولحقت نفسُه بعالمها العلوي الأصلي، قامت به حينئذٍ رقيقةٌ لطيفةٌ
ذاتيةٌ حقِّيةٌ مفاضةٌ من جانب الحق تعالى بفيض رحمانيته، ينكشف له بها سرُّ سريان
الوجود الحق في جميع ذرات الممكنات، وسرُّ تجلِّيات الأسماء والصفات، وظهورُه في
كلِّ مظهر بحسب استعداده، كشفًا إيمانيًّا وذوقًا روحانيًّا وفيضًا إحسانيًّا، فيرى
الحق في الخلق والخلق بالحق – وهذا هو مشهد كُمَّل العارفين المحقِّقين.[101
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

المُشكِلُ الأخلاقيُّ في نظريَّة وحدة الوجود عند محي الدين بن عربي2 :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

المُشكِلُ الأخلاقيُّ في نظريَّة وحدة الوجود عند محي الدين بن عربي2

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: