4 نيسان/أبريل 2011 08:15
.
شهد الفكر السياسي والفلسفي، ومنذ قرون،
جدلا واسعا حول قضايا الدولة ومفهومها، ونشوئها تاريخيا كمؤسسة كبرى، جامعة
لمعظم أو كل المؤسسات الاجتماعية، وراعية لمصالح الأفراد الذين تنازلوا
بمحض ارادتهم عن كل أو بعض من حقوقهم الطبيعية مقابل حمايتهم، وحماية أمنهم
المجتمعي بكل صوره ومظاهرة، ويحفظ لنا التاريخ الاجتماعي الكثير من الآراء
والأفكار السياسية والفلسفية حول نشأة الدولة وشكلها السياسي، ووضعها
القانوني وطبيعة أهدافها ووسائلها وأساليبها، وهل إن الدولة بحقيقة ظهورها
ونشأتها راعية لمصالح المجتمع بالكامل، أم انها تمثل مصالح الطبقة
الاجتماعية التي أنتجتها؟ وقد أدى ذلك إلى ظهور أفكار وتصورات ومفاهيم
متباينة إلى الآن حول مفهوم الدولة ووظيفتها الاجتماعية والسياسية
والاقتصادية.
مفهوم الدولة:
تعرف الدولة بأنها المؤسسة السياسية والاجتماعية المنبثقة من المجتمع والتي
تملك وحدها الحق في ممارسة القوة واستخدام القسر وبإسم القانون بذريعة
حماية الأمن المجتمعي، وإن للدولة صفة التميز عن غيرها من المؤسسات
السياسية والاجتماعية هو "ذلك الاعتراف المجتمعي لها بحق استخدام القوة
وطلب الطاعة من المواطنين"(1). وتُعرف الدولة بأنها عبارة عن جماعة بشرية
تبسط سيطرتها على اقليم محدد جغرافيا، وينبغي الإشارة إلى قضية الخلط
والالتباس الذي يحدث حول الدولة والحكومة وكأنها مفهوم واحد، إلا أن الأمر
ليس كذلك، لأن الحكومة، مؤسسة تنفيذية وحدود مسؤوليتها هو إدارة شؤون
المجتمع، وهي جزء من الدولة التي تضم السلطة التنفيذية (الحكومة)
والتشريعية والقضائية، بمعنى إن الدولة هي الجهاز السياسي والقانوني
والإداري والاقتصادي الذي يقوم بتنظيم الحياة الاجتماعية داخل المجتمع، وهي
قانون فوق أية مؤسسة أخرى داخل بنية المجتمع، وإن الحكومة "هي الأشخاص
الذين يحكمون بإسم الدولة"(2).
تشير الدراسات التاريخية إلى ان ظهور الدولة وتشكلها كان نتيجة لتطور
المجتمعات وظهور الثورة الزراعية الأولى، وإنها ارتبطت بنشأة وإدارة أنظمة
الري باعتبار "إن الدولة نتاج المجتمع عند درجة معينة من تطوره"(3)، وإن
تأسيس الدولة ونشأتها – كما يؤكد علم الاجتماع السياسي – تم بموجب عقد بين
الأفراد، تخلوا بموجبه عن بعض حقوقهم مقابل تحقيق الأمن والاستقرار، وضمان
حريتهم المنسجمة مع قوانين الدولة ودستورها. إن شكل الدولة، وطبيعة فلسفتها
يتحدد في ضوء طبيعة النظام السياسي، فإذا كانت الدولة ذات طبيعة
استبدادية، فإن رأس النظام يكون هو الدولة والسلطة والقانون وهو الذي يقوم
بصياغة "القوانين والأنظمة" واصدار التوجيهات والقرارات – حقبة البعث وحكم
صدام -. أما الدولة الحديثة ذات المؤسسات الدستورية والقانونية المستندة
إلى أساليب ومناهج الحكم الديمقراطي وآليات الانتخابات والمؤسسات
البرلمانية، التي تستمد شرعيتها في الحكم من خلال العملية السياسية
الديمقراطية، إن عملية توصيف أية دولة، بأنها دولة مدنية ديمقراطية، لابد
من توفر شروط ومعايير يتمثل فيها مبدأ السيادة الشعبية، ومبدأ الحريات
المدنية، وحق الجماهير في الاختيار والتعبير والتظاهر، والأخذ برأي
الأغلبية مع احترام رأي الأقلية، ووجود معارضة تتمتع بالحرية السياسية
ووجود وسائل ووسائل الضغط الجماهيري والرقابة على من بأيديهم صناعة القرار.
وإن الدولة المدنية الديمقراطية ينبغي أن تقوم على مبدأ فصل السلطات،
والانتقال بالفرد – المجتمع في مفهوم الرعية إلى مفهوم المواطنة كون ان
"الديمقراطية الحديثة مبنية على منطق الإنسان الاجتماعي الذي يحاور ويصوت
ويناقش"(4).
وظيفة الدولة:
إن الأهداف الاستراتيجية الكبرى للدولة وكما يفصلها علماء السياسة
والاجتماع تتمثل في تحرير المواطن والحفاظ على أمنه ومساعدته على ممارسة
حقوقه الطبيعية وحمايته من كل أشكال التسلط السياسي والقهر الاجتماعي
والعمل على تنمية الموارد البشرية صحيا وتربويا وثقافيا ومهنيا، والمحافظة
على الموارد الاقتصادية للمجتمع وتنميتها وحماية الحدود من الاعتداءات
الخارجية، وعدم السماح للقوى الإقليمية في التدخل في شؤونه، وكذلك ينبغي
على الدولة أن تضع مصلحة المجتمع فوق أية مصلحة أخرى، كون الدولة والمجتمع
يمثلان "اتفاقا ضمنيا أو صريحا في غاياتهما ووسائلهما ويهيئان الظروف التي
تعمل على التحقيق