بقلم: محمد فاروق الإمام-
بداية أطمئن المرجفين والذين يدّعون الخوف على سورية وملامحها الجديدة ما
بعد سقوط النظام، أن من يرسم ملامح سورية المستقبل هم أولئك الثوار الذين
رسموا خريطة الوطن بقاني دمائهم ومهروها بمصابيح أرواحهم، وما دون ذلك
غثاء كغثاء السيل، فدمشق الفيحاء لن يتربع على كرسي الحكم فيها بعد اليوم
ظالم غشوم ولا مستبد فاجر ولا عميل مدسوس ولا طامح مشعوذ ولا راكب موج فر
من سفينة غارقة.
-
من يرسم ملامح سورية الجديدة هم أولئك الذين واجهوا الرصاص بصدورهم
العارية وقارعوا الظلم بمظاهراتهم واحتجاجاتهم وهتافاتهم المدوية، وخرجوا
إلى الشوارع متحدين سوط الجلاد وقعقعة الحراب ووقع جنازير الدبابات ولفح
قاذفات اللهب، الذين خرجوا مشاريع شهداء يدقون الأرض بوقع اقدامهم غير
آبهين بالموت فهم يطلبونه شهادة في سبيل الله.
ما دفعني إلى كتابة هذه المقدمة أنني أردت بها طمأنة السيد عبد الباري
عطوان الذي كتب مقالاً يوم الجمعة 27 نيسان الحالي تحت عنوان (سورية
الجديدة والخيار الثالث) عبر فيه عن تخوفه على سورية المستقبل بعد سقوط
النظام، وجاء هذا التخوف على خلفية ما أعلنه رجل الأعمال السوري نوفل
الدواليبي في مؤتمر صحفي عقده في باريس من أنه ينوي تشكيل حكومة انتقالية
سورية، مدعياً أن العديد من أعضاء المجلس الوطني السوري والجيش السوري
الحر “يدعمون الحكومة التي ينوي تشكيلها” مؤكداً أن “أهداف هذه الحكومة
الانتقالية” تتمثل في تسليح المقاتلين والعمل على “تدخل عسكري دولي
مباشر”، وضمان “عودة الامن والاستقرار الى سوريا”. وقال إنه سيعلن
أسماء الأعضاء في الحكومة، الذين أكد أنهم سوريون من الداخل، بين عسكريين
ومدنيين، “بعد بضعة أيام، لأسباب أمنية”.
-
وجاء الرد على ما أعلنه نوفل الدواليبي من قبل المجلس الوطني على لسان
عبد الباسط سيدا، عضو المكتب التنفيذي في المجلس الوطني السوري إن إعلان
الحكومة الانتقالية المتوقع لن يؤدي إلا إلى تعقيد الأمور. وقال من
القاهرة إن هذه الخطوة لم تدرس جيداً ولن تؤدي إلى شيء. كما كان للجيش
الحر موقف من تصريحات الدواليبي على لسان قائده العقيد رياض الأسعد الذي
اعلن عن رفض الجيش الحر تأييد الجماعة الجديدة. وأشار في مكالمة هاتفية من
تركيا إلى أن ظهور كتل سياسية جديدة يؤدي إلى تشوّش الوضع، مضيفاً أن
الجيش السوري الحر معني فقط بالوضع العسكري.
-
من هنا فإنني أعود لأطمئن الأستاذ عبد الباري عطوان أن الثورة السورية
بخير وأنه لا ولن يتمكن أي إنسان مهما بلغ من الجاه والمال والمكانة
العربية والدولية أن يقرر ملامح سورية الجديدة ويرسم خطوط مستقبلها بعد
سقوط النظام، لأن هذه الملامح صاغتها عقول الشباب وسواعدهم وهم المؤتمنون
على ذلك بإرادة شعبية وتصميم جماهيري منظم، ودليلنا هذا الزخم في التظاهر
وهذا الانتشار الذي غطى كامل التراب السوري من النهر إلى البحر ومن الجبل
إلى السهل، والكل يهتف بصوت واحد (حرية للأبد غصب عنك يا أسد)، وقد دفع
ضريبة غالية لتعبيد طريق هذه الحرية وانتزاعها (12 ألف قتيل، 30 ألف
مفقود، 200 ألف معتقل، 2 مليون نازح داخل الوطن، مليون مهجر خارج الوطن،
تدمير وإحراق مدن ونهب بيوت ومحلات) ولا يزال صامداً منتصب القامة
متظاهراً يصدح بملء فمه (شهداء بالملايين عالجنة رايحين)، وأعتقد يا أستاذ
عبد الباري عطوان أن ثورة عمادها مثل هؤلاء الشباب وبهذا التصميم والإصرار
وهذه الشجاعة النادرة والتي قل نظيرها يمكن أن تجعل أي عاقل، ولو لحظة
واحدة، أن يخشى او يتخوف على سورية الجديدة وعن مستقبلها بعد سقوط النظام!!
-
وأؤكد لك يا أستاذ عبد الباري أن سورية لن يخطف ثورتها عملاء مأجورين أو
أفاكين مغامرين كما حدث في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، لأن العراق لم
تقم فيه ثورة.. العراق غزي بقوات أجنبية أرادت تغيير نظام الحكم بعد أن
أصبح عبئاً عليها، ليتوافق ومقاس حفنة من العملاء والمأجورين الذين تربوا
على موائد واشنطن وطهران ورعتهم عيون صهيونية، ودخلوا بغداد على دبابات
أمريكية وحمير إيرانية، وكان ما كان وحدث الذي حدث، ولا يزال العراق وبعد
خروج القوات الأجنبية منه بعد نحو عشر سنوات من غزوه أسير هذه الحفنة
العميلة المأجورة التي تنفذ بحرفية مقيتة ما تمليه عليهم قم ومعمميها
أصحاب القلوب السوداء الحاقدة.
-
أخيراً أقول للسيد نوفل الدواليبي أنه ما هكذا تورد الإبل وما هكذا تطرح
الأفكار وليس بهذه الطريقة يرسم لسورية مستقبلها فلا تكن الحجر العثرة في
طريق ثورتها ولا الصوت النشاز الذي يعمل على طعن الثورة في الظهر لأنك لن
تحصد إلا الخيبة والخذلان وتسويد صفحة والدك الذي كان رمزاً من رموز الوطن
ووجهاً من وجوهه الأوفياء، الثورة تحتاج إلى رص الصفوف وتوحيد الجهود
للوقوف خلف هذه الثورة المباركة ودعمها بكل الوسائل التي تكفل ديمومتها
والإسراع في نجاحها، وهذا لا يكون إلا من ولوج الأبواب الشرعية التي
أقرتها الثورة وساندتها واعترفت بها.