الاسد يشعر بانه مسيطر على الازمة.. فهل القبير والحولة مقدمة لتطهير واقامة معقل اخير للنظام؟
الانتفاضة شعبية وليست شاملة وتحولها لحرب طائفية اخبار مفرحة للنظام ولا تخدم المعارضة
2012-06-08
لندن
ـ 'القدس العربي': مجزرة وراء مجزرة، وتتأكد الحرب الطائفية، اما خطة كوفي
عنان فقد اصبحت في مهب الريح وباعتراف عنان نفسه. فمنذ الاتفاق على خطته
شهد الريف السوري مجزرتين، الحولة في الشهر الماضي والتي راح ضحيتها 108
منهم 49 طفلا واخيرا في القبير قرب حماة التي راح ضحيتها اكثر من 80 ضحية
معظهم من الاطفال والنساء.
والواضح للعيان ان مذبحة القبير لن تكون
نهاية المذابح فهي مع الحولة تؤشر الى المسار الدموي الذي باتت تسلكه
الثورة السورية. وسيتم استنساخهما في عدد من السياقات خاصة ان طابع وطريقة
القتل وبصماته متشابهة، وتم ارتكابهما بعد حصار وقصف متواصل على القريتين
ثم تبع ذلك دخول جماعات 'الشبيحة' التي باتت تقوم بالاعمال القذرة نيابة
عن النظام.
ويظل العامل المهم الذي يجمع المذبحتين هو البعد الطائفي
فالقتلة هم من ابناء الاقلية العلوية والضحايا هم من ابناء الغالبية
السنية. وتكرار هذه العمليات سيؤدي الى ردود افعال انتقامية من ابناء
السنة، مما يعني حربا طائفية على الطريقة اللبنانية. ولهذا فمجرد الحديث
عن حرب طائفية لن يكون اخبارا مفرحة للمعارضة السورية التي ظلت تصور
الصراع الدائر في سورية على انه حرب بين نظام شرس وشعب انتفض ضده تماما
كما انتفضت الشعوب العربية في تونس وليبيا ومصر واليمن.
وقد نجحت هذه
الثورات فيما لم تنجح الثورة السورية ولا احد يخفى عليه ان عامل بقاء
النظام لاكثر من عام على اندلاع الثورة ومقتل اكثر من 15 الفا نابع من
اصطفاف الجيش القوي الى جانب النظام، الذي يقاتل حربا يرى انه يسيطر عليها
ويشعر بالتحرر من اية ضغوط اجنبية. وعليه يرى دبلوماسيون نقلت عنهم صحيفة
'نيويورك تايمز' ان هناك اسبابا ثلاثة لتصاعد العنف، الاول وهو اتباع بشار
الاسد سياسة والده حافظ الذي قام عام 1982 بسحق مقاومة اسلامية في مدينة
حماة بتدميرها بشكل كامل، والثاني الحماية التي تقدمها الصين وروسيا
وايران لنظامه والتي تحميه من اية تداعيات مهما مارس من مجازر. وبحسب
دبلوماسي في الامم المتحدة نقلت عنه الصحيفة قوله ان الاسد يشعر بالراحة
وانه مسيطر على الوضع ولا حاجة له والحالة هذه ان يستمع لاحد. اما السبب
الاخير فالاسد يعرف ان نظامه سينهار حالة قرر وقف العنف ودخل في حوار مع
المعارضة حيث لن يكون قادرا على الصمود امام المطالب الشعبية. ومن هنا
فالحل الامني هو الكفيل ببقاء النظام حسب منى يعقوبيان من معهد ستيمسون في
واشنطن. ومن هنا فان هناك شبه اجماع من ان حل الازمة يحتاج الى جهود موسعة
تجمع كل الاطراف الدولية والاقليمية المعنية في غرفة واحدة وهذا يحتاج الى
جهد كبير خاصة ان لكل طرف مصلحته الخاصة في الازمة. وهناك ملمح آخر بدأ
بعض السوريين يتحدثون عنه وهو ان وراء مجزرتي الحولة والقبير خطة اكبر
تهدف الى تطهير المنطقة من السنة وتحويلها والمناطق المحيطة بها الى جيب
علوي آمن يلجأ اليه النظام حالة فقدانه السيطرة على الوضع. وهذا الحديث
وان كانت له مبرراته لكن سورية لم تصل اليه بعد.
شعبية وليست شاملة
فصحيح ان الانتفاضة في سورية شعبية لكنها حسب 'الغارديان' في افتتاحيتها
ليست شاملة، فالخريطة السورية منقسمة الى ثلث يؤيد النظام وآخر يؤيد
الثورة أما الثلث الأخير وهو الخائف فهو لا مع هذا ولا مع ذاك. وان صح هذا
التصنيف فالأسد ستكون لديه القدرة على التلاعب بالعقول والقلوب. كما ان
تحول الصراع الى حرب طائفية سيؤدي الى حالة من الاستقطاب تجعل من الصعوبة
بمكان امام الثورة الشعبية ان تتواصل وتحت راية واحدة. بل سيكون من
الصعوبة بمكان أمام المعارضة ضمان دعم الأقليات الدينية والعرقية للثورة،
لان هذه ستكون خائفة على مستقبلها. ولن يخدم هذا الوضع سوى طرف واحد وهو
الاسد، فالطائفية هي الوسيلة التي تمكنه من ان يظل متمترسا في الحكم.
وتشير الى ما جاء في خطاب الاسد الاخير الذي شبه فيه عمليات الجيش ضد
المعارضة 'الارهابيين' انها مثل العمليات الجراحية، معلقة ان الاسد يحضر
نفسه لحرب ارهابية طويلة. وتختم بالقول ان هذا السيناريو لا يدعونا لفقدان
الأمل بخطة عنان، حتى وان كانت تحتضر، بل يجب علينا العمل على اخراجها من
حالة الاحتضار عبر ممارسة الضغط الشديد على كل من روسيا والصين، مضيفة ان
لا مصالح كبيرة للصين في سورية مثل مصالحها النفطية في كل من ليبيا
والسودان، مما يعني انها لن تجني الكثير من اندلاع حرب اهلية، وكذا روسيا
لن تجني الكثير من تدمير خطة عنان. وتختم بالقول انه في غياب التدخل
العسكري وبدون دعم دولي لقرار من الامم المتحدة ضد النظام فان البديل عن
هذه هي حرب طويلة قد تؤدي الى تفكيك سورية.
لا تتدخلوا
والى نفس التقدير ذهبت ماري ديجفوتسكي التي قالت في مقال لها في
'اندبندنت' ان الوضع السوري معقد ليس لان سورية فيها كثافة سكانية اكثر من
ليبيا او كوسوفو اللتين شهدتا تدخلا من الناتو، كما انها منقسمة اكثر على
الخطوط الطائفية. وتقول ان النظام يحظى بدعم داخل البلاد اكثر من المعارضة
ومن داعميها الخارجيين. وعوضا عن البحث عن الدعم الخارحي الذي لا تفتأ
المعارضة تطالب به، فكلما انهار النظام وغاب الامن فالشعب سيتطلع الى
الحكومة لحمايته. وترى الصحافية ان السبب الاقوى الذي يجب ان يمنع الدول
الغربية من التدخل العسكري في سورية، ليس متعلقا بعناوين الصحف، والمشاهد
التلفزيونية بل هو مرتبط بمخاطر الصراع على دول الجوار، فسورية اصبحت ساحة
لحرب باردة، ومركزا لحرب بالوكالة تجري الآن بين الدول العربية ـ السعودية
وقطر وبين ايران. وتنتقد الكاتبة ما اسمته نفاق الغرب ففي الوقت الذي
يتردد فيه المجتمع الدولي بالتدخل عسكريا في الازمة، فان امريكا التي
ترددت بتسليح المعارضة الا انها غضت الطرف عن وصول شحنات من الاسلحة
للمعارضة لمنطقة تقول انها غارقة بالسلاح.
وقد بدأت آثار الحرب داخل
سورية تترك بالفعل آثارها على لبنان من الاشتباكات المتكررة بين العلويين
والسنة في مدينة طرابلس، شمال لبنان. وتعتقد ان الحرب الدائرة في سورية
معقدة وخطيرة من ناحية آثارها الخارجية مثل الداخلية، فالمنطقة متوترة
سواء في الجنوب في غزة والمناطق المحتلة، وشرقا في العراق، الذي يسيطر
عليه الشيعة ولا يزال بلدا غير مستقر.
وتشير الكاتبة الى المعادلة
الكردية في المسألة حيث تقول ان المنطقة الكردية في الشمال مستقلة فعليا
فيما تظهر بعثاتها الخارجية كسفارات بتمثيل دبلوماسي، وأي ضغط من تركيا
التي تخشى من الاكراد في الجنوب، واي اضطراب في بغداد سيدفع الأكراد
لاعلان الاستقلال. وتعتقد انه في حالة تصاعد العنف وتكررت المذابح فالوضع
الاقليمي بتدخل او بدون تدخل خارجي سيظل مثيرا للقلق. وتشير الى اثار
التدخل الغربي في ليبيا الذي اثر على استقرار بلد مثل مالي التي انقسمت
الى دولتين واصبحت ملجأ للجماعات السلفية المرتبطة بالقاعدة. وتعتقد
الكاتبة ان الغرب يتصرف بخداع عندما يدعو للعمل العسكري ويلقي في الوقت
نفسه باللوم على روسيا ويتهمها بانها عقبة امام الحل. وتقول حتى لو كانت
روسيا لينة العريكة فلن يؤدي هذا الا للكشف عن عقم الغرب.
وترى ان
الازمات الاقتصادية التي تعاني منها اوروبا لن تكون أخطر من سورية حالة
انفجارها، اي تطور الوضع من تناحرات محلية كما في توصيفها لمجزرتي الحولة
والقبير الى وضع يهز استقرار المنطقة. ومن ناحية اخرى تقول ان دعاة التدخل
العسكري لا ينظرون الى نتائجه التي لم تؤد الى استقرار، فكوسوفو وان
اعتبرت دولة الا انها غير قابلة للحياة، اما ليبيا فالمشروع قريب من الفشل.
يجب ان نلعب مثل روسيا
تحذيرات
ديجفوتسكي لا تقنع بل يدعو الكاتب اليميني كون كوغلين الغرب ان يتصرف مثل
روسيا ويساعد السوريين اي تسليحهم والتدخل. وتحدث غوغلين في مقاله في
'ديلي تلغراف' عن روسيا التي لا تريد التخلي عن حليف لها ساعة الحاجة،
قائلا انها استمرت بتزويده بالسلاح على الرغم من عدم قدرة دمشق على دفع
الفاتورة بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام، مضيفا ان موسكو
قد تكون مددت مدة السداد او قامت بارسال الفاتورة رأسا لايران التي تقاتل
الى جانب دمشق دفاعا عن مصالحها في المنطقة، ومع ان ايران لها مشاكلها
الخاصة مع العقوبات الا ان آيات الله كفلاديمير بوتين الرئيس الروسي
يخوضون معركة يائسة لابقاء الاسد في الحكم. وهذا نابع من ان نظامه اثبت
انه حليف قوي ويعتبر اخر القوى المعادية لامريكا في المنطقة. ويرى غوغلين
ان العامل المهم في استمرار الدعم الروسي لنظام الجزار في دمشق هي العلاقة
الوثيقة التي تربط البلدين اثناء الحرب الباردة والقاعدة العسكرية الروسية
الوحيدة على الشواطىء السورية في طرطوس التي تستخدمها موسكو لاغراض عسكرية
وللتجسس. ومن هنا فان قرار بوتين مقاطعة الالعاب الاولمبية يعني انه مصمم
على اعادة مناخ الحرب الباردة، فقراره اقامة تحالف مع الصين ليس مدفوعا
بحب الاسد بل لاحباط محاولات الغرب التي يقول الكاتب انها مدفوعة بدوافع
انسانية وحرص على عدم وقوع سورية في دوامة الحرب الاهلية. ويعتقد في
النهاية ان من مصلحة الغرب تغيير النظام في سورية مثل مصلحة الشعب السوري.
لم
يبعد ايلي ويزل اليهودي الامريكي، المهتم بقضايا الهولوكوست عن خيار
كوغلين، لكنه وبعد استعراضه لكل الخيارات التي نوقشت او تناقش حول الازمة
السورية، منها الدبلوماسي والعسكري، تساءل عن اسباب تردد امريكا في التدخل
في حروب بعيدة، لمجرد ان الناس متعبون من حرب جديدة، قائلا لماذا تدفع
العائلات السورية ثمن خسارتنا في حروب بعيدة. وبعد ان قال ان كل الحلول -
اقتصادية وسياسية وعسكرية ودبلوماسية لن تطيح بالاسد اقترح اصدار مذكرة
دولية لاعتقال الاسد وتقديمه لمحكمة جرائم الحرب الدولية، مما سيعزله عن
العالم ويجعله منبوذا ولن يتجرأ احد للتعامل معه.