ليس
من السهل أن نتحدث عن المرأة كمدخل اساسي للحرية والتحرر بلغة ذكورية
مقرفة وغارقة في القذارة البطركية إلى درجة الغثيان، انها لغة الكراهية
والحقد والقهر والاستغلال والهدر…أي كلّ ما يمسّ الإنسان في قيمته،
واعتباره، وحريته، وكرامته وإنسانيته. والخطير في الأمر أنها لغة
ميتافيزيقية مشبعة بالقداسة الدينية إلى درجة تجعل كلّ شيء في حياة
الإنسان منزّلا كالوحي، بصيغ وتراكيب لغوية تمنع حق الإنسان في امتلاك
لغته وتسطو على ذلك الحقّ، وفي سكون كينونته إليها عوض أن تسكنه كما تسكن
"الأشباح" المنازل المهجورة. لذلك لم يكن هشام شرابي مخطئا حين بدأ نقده
في كتابه "النقد الحضاري" بإشكالية نقد اللغة التي تندسّ فيها بنية علاقات
القهر والهدر والبنية البطركية كوسيلة تحدّد نمط تفكيرنا ورؤيتنا للذات
والعالم، وتتحكم في المنظور بإملاء قهريّ استلابيّ لكيفية النظر والتحليل
لقضايا الفكر والواقع وإشكالياتهما، وهذا ما يعيق إنتاج وعي نقدي علمي
يتوخى التغيير ويسعى إلى احداثه.
أولا التلازم البنيوي بين بنيات القهر والهدر والبنية البطركي رغم
أن بنيات علاقات القهر والهدر هي بنيات فوقية نفسية، أسسها اللاشعور
الثقافي الجماعي والمخيال الاجتماعي، إلا أنها في مجتمعات التخلف ذات
التسلط الاستبدادي العصبي الأصولي تشتغل كعلاقات إنتاج مادية، تطابق
وتوافق البنية البطركية ذات الجبة الدينية، حيث الجمع بين الأب الزعيم
والولي بقداسته ومعجزاته وكراماته وبغضبه المدمر لكل شيء، إذ لا تزال تسود
القبيلة والعشيرة والعصبية والقرابة كسلسلة نسب أبوي، ليس بمعناه
البيولوجي ولكن كنظام أحادي وحيد وعمودي للعلاقات الاجتماعية، ينظم ويتحكم
في مختلف الوظائف والأدوار، ويحدد المواقع والمكانات والمراتب الاجتماعية.
" وهكذا فبينما تعتبر القرابة فوقية من وجهة نظر المادية الكلاسيكية،
فإنها في المجتمعات القبلية تشكل الأساس الذي تقوم عليه بنيتها، ففي هذه
المجتمعات نجد أن علاقات القرابة التي تقوم بين الأب والابن وبين الزوج
والزوجة وبين الإخوة هي علاقات الإنتاج الرئيسية. إنها علاقات قانونية
وسياسية ودينية. إن الدين هو عبادة الأجداد والتنظيم السياسي يقوم على
سلسلة النسب، والإنتاج يتم في دائرة المحيط العائلي الذي يقوم على
الانتساب إلى الأب. "(1) وبذلك نفترض أن بنيات علاقات القهر والهدر
الاستبدادية العصبية والأصولية ما كان لها أن تكون وتسود وتسيطر لولا وجود
حاضنتها الأساس، وهي البنية البطركية بمعنى أن وجودها واستمرارها رهين
بمدى تأبيد وترسيخ البنية البطركية. و أن أي تغيير جذري حقيقي لايرمي إلى
تقويض البنية البطركية المسيجة إلهيا فهو تغيير فاشل لا أفق له، وبالتالي
يستحيل أن يكون مستقبله هو الحرية والتحرر المجتمعي. فغالبا ما اهتمت
الحركات السياسية من أحزاب ومنظمات في العالم العربي والإسلامي بإشكالية
التخلف، دون أن تدرك البنية الأساس التي تعيد إنتاج نفسها بهضمها لكل
تغيير أو تنمية أو برامج للتطوير والنهوض، وحتى عندما تطرح قضية المرأة،
كمدخل للوعي بطبيعة وأفاق التغيير والمشروع المجتمعي التحرري الإنساني
المراد تحقيقه فإن تلك القضية تطرح بشكل خجول ومحتشم، كقشور لفظية أو
كواجهة حداثية في القول دون الفعل، في الوقت الذي لا يمكن حل هذا التناقض
المأزقي للتلازم البنيوي بين بنية علاقات القهر والهدر والبنية البطركية
إلا على المستوى السياسي، أي أن قضية تحرر المرأة هي قضية مجتمع ككل،
سياسية مندمجة ومتمفصلة بالحل السياسي الشامل لتغيير مجتمعات
التخلف. فواقع مجتمعات الاستبداد العصبي الأصولي هو واقع تسوده وتؤطره
وتهيكله القيم الذكورية الثقافية والاجتماعية، فالنقص، الدونية، الخنوع،
الاتكالية والقصور العقلي … وباقي الخصائص العقلية والنفسية والانفعالية
لمجتمعات التخلف التي ناقشها حجازي في كتابه سيكولوجية الإنسان المقهور،
هي من إنتاج البنية البطركية المحصنة دينيا فيما يشبه التنزيل أي
الوحي. ويسهم الرجل كضحية مستلبة لسطوة النظام الأبوي في غرس و تكريس تلك
البنية البطركية، من خلال قهره وهدره لكيان وقيمة وكرامة المرأة، بإسقاط
عليها كل القيم الذكورية الأبوية التي اشرنا إليها، بالإضافة إلى وصمها
بالعورة والعيب والعار والشر…" الرجل كتعبير عن نظام التلسط في المجتمع
يشكو في الحقيقة من ثمار ما صنعت يداه اجتماعيا، ومن آثار إسقاطاته
اللاواعية في أن معا. وبذلك التنكر يتحرر من مسؤوليته ويتجنب تفجر القلق
الشديد الذي لابد عاصف بكيانه لو لم يتهرب من عاره بهذا الشكل. تلكم هي في
نظرنا أقصى حالات الغبن والاستغلال اللذان يصيبان المرأة باعتبارها أكثر
العناصر قهرا في المجتمع. حيثما وجد قهر واستغلال لابد أن يصيب المرأة
منهما القسط الأوفر، وحيثما وجدت الحاجة إلى حشر كائن ما في وضعية المهانة
لابد أن يقع الاختيار على المرأة، ولكن الواقع أن طبيعة المرأة لا علاقة
لها بهذا القهر. فالفروق البيولوجية والتشريحية بين الرجل والمرأة لا تبرر
مطلقا ما فرض على كيانها من تبخيس، ولا تقدم أي سند طبيعي فعلي لما يلحق
بها من غبن. "(2) وبذلك يتبين لنا أن علاقات القهر والهدر ما كان لها أن
تستمر إلا من خلال البنية البطركية، كصنم سياسي يجد فيه مثلث الموت
الاستبدادي العصبي الأصولي سيطرته وهيمنته، وبالتالي فإن ما تعيشه المرأة
من قهر وهدر لا علاقة له بطبيعة المرأة، بل هو نتاج ذلك التلازم البنيوي
الذي تحدثنا عنه. " وهكذا فنحن لسنا مطلقا بصدد كيان وخصائص بيولوجية،
لسنا بصدد ما تشيع تسميته بطبيعة المرأة … إننا بصدد وضعية تفرض عليها
ومكانة تعطى لها. تناط بالمرأة وظائف اجتماعية علائقية و لاواعية محددة
تتلخص في ضرورة حصر المهانة وإسقاط الاضطراب على كائن معين كي يستقيم
الأمر للآخرين (الرجل والمتسلط). ذلك هو لب وضعية القهر الذي تخضع له
المرأة، أي تحويلها إلى أداة لخدمة أغراض المتسلط والى محط لتناقضات
المجتمع."(3) نحن إزاء نوع من التكامل أو التحالف التوافقي بين علاقات
القهر والهدر والسلطة البطركية، هذا التحالف لا يستثني أيضا الرجل في
القهر والهدر، إذ يحشره في وهم سلطة الذكورة كعلاقات اجتماعية مرضية، خاصة
على مستوى الصحة النفسية، " وحتى دفاعات المرأة تذهب جلها في اتجاه مرضي
لأنها وليدة علاقة مرضية بين الرجل والمرأة علاقة التسلط والقهر. "(4) وهي
علاقات لا تحمل أية معافاة أو خصوبة وإثراء نفسي معرفي اجتماعي، مما يؤدي
إلى هدر متبادل يؤثر سلبيا على مناعة الإنسان والمجتمع والوطن بمؤسساته
وطاقاته. وقد يخلق-الهدر- أشكالا من الوعي الخاطئ والمضلل، مثلا حينما
تسقط المرأة في النمذجة الاجتماعية الذكورية، من خلال سعيها إلى تقليد ما
تعتقد أنه تحرر الرجل، وهذا ما يغيب الوعي الحقيقي بخطورة البنية البطركية
التي تتجاوز " الرجل " في مفهومه البيولوجي دون إدراك اللاوعي الثقافي
الاجتماعي. " المقصود باللاوعي هو ذلك المخزون الثقافي المتوارث الذي يوجه
الميول والرؤى ويحدد السلوكات بشكل عفوي. انه يمثل قوة قولبة الرؤية
والموقف ودافع السلوك تماما كما يفعل اللاوعي النزوي الفردي. "(5) هكذا
يتبين لنا حجم الخسارة الإنسانية التي يعيشها الإنسان المقهور والمهدور
سواء كان رجلا، امرأة أو طفلا. صحيح أن هناك نوع من التفاوت في عيش فقدان
القيمة والكرامة والتقدير والاعتبار. والمرأة حين تستهدف ظلما وغبنا وقهرا
وهدرا في إطار علاقات القهر والهدر، فإن ذلك يعني الشكل السياسي الوحيد
الذي يمكن التلازم البنيوي السابق من الاستمرار والديمومة. حيث لا قهر ولا
هدر إلا من خلال صنمية البنية البطركية المسيجة إلهيا بالشريعة البشرية،
وبذلك يستطيع هذا الشكل السياسي المتمثل في مثلث الموت الاستبدادي العصبي
الأصولي أن يكون و يأخذ صفة التنزيل غير المخلوق، " الشيء الأكيد هو أن
المرأة توضع دوما في المكانة الأكثر إجحافا وقهرا وتنكرا لكيانها. ذلك هو
السبيل الوحيد أمام الرجل المقهور والمستغل كي يكون. "(6) لذلك يلعب
النظام الأبوي لعبته الخسيسة في دفع الرجل إلى ممارسة تسلطه وقهره المزدوج
في حق المرأة، كما أنه مدفوع إلى إحكام سيطرته على المرأة، بدافع الخوف من
رؤية عريه وانكشاف حقيقته التي لا أساس لها سوى التسلط البطركي. هكذا هو –
الرجل – مسكون بخوف مواجهة ومجابهة تأرجحه بين واقع أنوثته التي يفرضها
عليه التسلط البطركي، وهوام الذكورة و الرجولة كنمذجة اجتماعية لتماهيه
بالمتسلط المستبد، " إنه يخشى إذا أفلتت المرأة من سلطته أن يجد نفسه أمام
امتحان عسير لذكورته التي ارتبطت لسوء حظه بالتسلط."(7) لكن كسر هذا
الترابط البنيوي بين بنية علاقات القهر والهدر والبنية البطركية لا يمكن
أن يتم إلا بالتعاون الكامل بين الرجل والمرأة، ابتداء بالتغلب على
ذواتهما أولا قبل خوض أي معركة مفتوحة ضد قوى تلك البنى، ممثلة في مثلث
الموت الاستبدادي العصبي الأصولي. صحيح أن هناك تعثرا في الوصول إلى تحقيق
مثل هذا التعاون، كضرورة نظرية وتاريخية، نتيجة الترسبات النفسية
والاجتماعية والثقافية المحصنة بالأقنعة الدينية للتفكير البشري، ذي
الخصائص اللاعقلية عند الإمام والولي والفقيه، وهذا ما أنتج ذلك التلازم
البنيوي، كما عقد من مهام التغيير والتحرر الحقيقي الذي يحتاج إلى جرأة
اكبر من قبل الرجال في مساعدة المرأة على كسب تحرر الكل الاجتماعي. " لكن
كلا منهما مازال أسير قيود تكبله من الداخل وفي أساس بنيته الشخصية،
وتحتاج للتخلص منها إلى مغالبة شديدة للنفس. فالمرأة تريد أن تنطلق ولكنها
لا تجرؤ على طرح قضيتها جذريا. والحق يقال أن الرجل لا يشجعها على هذا
الطرح الذي يضعه هو في المقام الأول موضع التساؤل، ولا بد أن يدفع به إلى
إعادة النظر بوضعيته وأسلوب علاقته. "(8) وذلك هو المدخل الجريء والضروري
لتحقيق علاقة إنسانية بينهما تغير بشكل ثوري البنية البطركية الأساس للقهر
والهدر اللذين يمارسهما مثلث الموت. وفي التكامل والتعاون بين الرجل
والمرأة تسقط العلاقات الاجتماعية القديمة المسؤولة عن واقع التخلف في
البناء المادي، والبناء الثقافي الرمزي، وفي العلاقات والروابط الإنسانية
بين الرجل والمرأة والطفل. "إن رقي الرجل رهن بارتقاء المرأة، تلك حقيقة
تفرض نفسها على الواقع ولا مجال للمكابرة. والمرأة المقيدة تشكل قيدا
صريحا أو خفيا لانطلاقة الرجل. ولا مراء أننا نستطيع أن نحدد مدى ارتقاء
مجتمع ما دون خطأ كبير انطلاقا من وضعية المرأة فيه، ومدى ما بلغته من
تحرر. "(9)
ربما لم نجانب
الصواب حين طرحنا فرضيتنا لما سميناه التلازم البنيوي بين بنية علاقات
القهر والهدر والبنية البطركية، وقد افترضنا هذا من خلال قراءتنا ليس فقط
لأعمال الدكتور مصطفى حجازي بل أيضا من خلال إطلاعنا على بعض أعمال هشام
شرابي إلى جانب اعتماد مشاهدات ميدانية من الواقع الحي، كجزء من التاريخ
الحديث للمجتمعات العربية والإسلامية التي عجزت مشاريعها الاستقلالية
والحداثية والتنويرية والنهضوية عن تحقيق التغيير المطلوب، وما تهميش
إنسانية المرأة إلا تعبيرا صارخا عن عسر مخاض التغيير والتحديث والتنوير،
ولتصويب المسار وتصحيح الثورات في وجه مثلث الموت الاستبدادي العصبي
الأصولي، لابد من التغيير المزدوج والمركب والديناميكي إزاء البنية
البطركية المسيجة إلهيا بالشريعة البشرية وإزاء بنية علاقات القهر والهذر.
" لا يمكن في هذه الحالة أن يصل إنسان هذا العالم إلى التوازن النفسي والى
الشخصية المعافاة والمتوازنة والغنية إلا إذا تحرر من وضعية القهر التي
تفرض عليه. لا يمكن للرجل أن يتحرر إلا بتحرر المرأة، و لا يمكن للمجتمع
أن يرتقي إلا بتحرر وارتقاء أكثر فئاته غبنا، فالارتقاء إما أن يكون
جماعيا عاما أو هو مجرد مظاهر وأوهام. "(10) بهذا الوضوح في جدلية الحرية
والتحرر من بنيات القهر والهدر والبنية البطركية الكهنوتية نفهم بان
المصير واحد ومشترك، وأن ما يستهدف المرأة الإنسانة هو نفسه ما يتعرض له
الرجل. صحيح أن المسالة تحتاج إلى الكثير من الوعي، لفهم أسس وآليات
اشتغال ذلك التلازم البنيوي، وهذا ما حاول حجازي بجهد كبير وعميق إنتاج
معرفته الذاتية المستقلة والنقدية في الآن نفسه، كما كان يطمح إلى ذلك
أيضا هشام شرابي في النقد الحضاري. إن الاختزالات الأسطورية التي تتعرض
لها المرأة في كيانها ووجودها وجسدها ورغباتها، وفي الأدوار والوظائف التي
تغيب إنسانيتها، هي نفسها التي تفرض على الرجل من قبل مثلث الموت في مختلف
الأنشطة الاجتماعية بين الفلاح والإقطاعي وبين العامل والرأسمالي …" إن
القوانين التي تفرض على المرأة العفة وغيرها من القيم التي تقمع جسدها نجد
لها مطابقا في القوانين التي يفرضها المتسلطون على المقهورين. "(11)
ثانيا : ماقبل الحرية والديمقراطية : الاعتراف بإنسانية المرأة تركز
كتابات مصطفى حجازي على الإنسان في قيمته واعتباره وتقديره، أي على ضرورة
الاعتراف بإنسانية الإنسان. فكل كتبه تشير صراحة في مضمونها ومن خلال
عناوينها إلى هذا الهم والانشغال المعرفي والنقدي والاجتماعي الإنساني
بالقيمة الوجودية والاجتماعية لإنسانية الإنسان، حيث نجد أنفسنا أمام
كتابين يعبران صراحة وبوضوح لا يقبل الحذلقة الشكلية ولا الترف الفكري
المفرغ من أية قيمة علمية ومعرفية " الإنسان المقهور " و " الإنسان
المهدور " ومن خلال قراءتنا للكتابين تبين لنا حجم المعركة التي يخوضها
الإنسان المقهور والإنسان المهدور، ليس فقط إزاء مثلث الموت الاستبدادي
العصبي والأصولي، بل أيضا إزاء مربع الموت إذا أضفنا عولمة الغرب وما
تحمله من سيف تهمة الإرهاب في وجه الإنسان المقهور والمهدور. لكن ما
يشغلنا الآن وبشكل أساسي هو مسلمة المتكلم المثالي عند تشومسكي الذي
بإمكانه التصرف في اللغة على نحو توليدي لإنتاج جمل بشكل غير محدود ولا
نهائي، ونحن نريد أن نستثمر هذه المسلمة للحديث عن المقهور والمهدور
المثالي، ونعني بذلك المرأة كذات إنسانية تعيش قهرها وهدرها، كتمزقات
وانشطارات وصراعات وتناقضات، من هنا مثاليتها كتعبير أفصح في فضح وتعرية
حقيقة التلازم البنيوي بين بنية علاقات القهر والهدر والبنية البطركية.
هذا التلازم البنيوي الذي يعيق التحرر الحقيقي للمجتمعات المتخلفة، حيث لا
تستطيع شعارات الحرية والديمقراطية أن تؤثر وتفعل بشكل فعال وجذري لتحقيق
التغيير بدون المرأة وارتقائها، أي الاعتراف بإنسانيتها قبل أي حديث شكلي
إيديولوجي سياسي عن الحرية والديمقراطية، هذا الحديث المغلوط الذي يمتطي
صهوته حتى المستمد العربي الاستبدادي العصبي الأصولي، كواجهة تجميلية
وبمعان ومقاصد مفخخة، تهدف إلى التحكم الناعم والعنف والقمع الرمزي المرن
لإعادة إنتاج نفسه كقهر وهدر بشكل سياسي جديد / قديم أو مستحدث بلغة هشام
شرابي. مما يؤدي إلى تكريس التخلف وهدر قيمة الإنسان، هذا القهر والهدر
اللذان يجدان تعبيرهما الصارخ في المرأة كمقهور مثالي، ليس في قمة
المكانة، بل في القعر والقاع، " حيث تموت نفسيا كي يستمد هو –مثلث الموت
الأبوي في شخص الرجل – من هذا الموت وهم الحياة، تسحق كي يستمد هو من هذا
الانسحاق وهم تحقيق الذات. "(12) فالرجل هنا يمارس تسلطه وقهره كتعبير
بالنيابة عن النظام الأبوي السائد الذي يدمر أية علاقة صحية وإنسانية بين
الرجل والمرأة، على المستوى العاطفي والجنسي والاجتماعي، كهدر للعلاقات
الزوجية وما يمكن أن ينجم عنها من تصدعات ومآسي تصيب قذائف نيرانها
الجنونية والقاتلة حياتهما الوجودية والإنسانية، وتمتد حرائقها إلى
الأبناء بشكل بشع إلى حد الجرائم الصامتة ضد الإنسانية، وهي اقرب ما يكون
لمرض الايدز في تخريبه الصامت. " ولا يندر أن يحول الزوج إحباطا ته
الحياتية في العمل والكسب والمكانة الاجتماعية إلى حياته الزوجية التي
تتحول إلى ميدان للتشفي. وقد يذهب ابعد من ذلك فيسقط فشله الخارجي على
الرباط الزوجي الذي يتخذ عندها طابع الغبن الوجودي مما يجعل عنفه مبررا.
أما الزوجة فقد تكون الضحية المستسلمة لقدرها في حالة من العجز عن
المجابهة. "(13) ومن ثمة نرى أن ذلك النظام الأبوي كلاوعي ثقافي اجتماعي
يتجاوز معنى الرجل كذكورة بيولوجية، بما يعني أن واقع القهر والهدر
المتلازم مع البنية البطركية لا يخدم الاعتراف بالإنسان رجلا كان أم امرأة
في قيمتهما وكرامتهما واعتبارهما، وقد رأينا سابقا كيف أن مثلث الموت
يستهدف الإنسان في وجوده وكيانه إلى درجة هدر دمه واستباحة قيمته واعتباره
وكرامته، وهذا ما يتجلى بشكل واضح في وضعية المرأة، لأنها الأكثر غبنا
وإجحافا وقهرا، كدليل على التخلف المغيب في الدراسات والأبحاث التي تناولت
التخلف من زوايا اقتصادية، اجتماعية، سياسية وثقافية دون أن تستطيع توسيع
منظورها لإدراك ما يعتمل في القاع المجتمعي والنفسي، كبنية تحتية تعيد
إنتاج التخلف كنمط وجودي حياتي له دينامياته النفسية والعقلية والعلائقية
التي تشتغل كقوة مادية فاعلة في تاريخ هذه المجتمعات بشكل نكوصي سلبي يعيق
تحولها وتطورها وتغييرها. " إن البنية الفوقية النفسية التي تتلخص في خلق
أنماط البشر، وأنماط من الوجود متميزة بطابع التسلط والرضوخ تشكل مصدرا
هاما لمقاومة التغيير. "(14) لذلك نرى ضرورة الانطلاق من الصامت والمقهور
المثالي لفهم القانون التركيبي للمجتمعات المتخلفة، حيث يعيش الإنسان
كارثة حقيقية ومأساة تلغي حقه الوجودي في العيش كانسان وليس كأداة أو عبء
أو عقبة، إذ يتعرض من قبل مثلث الموت لمختلف الاختزالات الأسطورية
المتنوعة التي تبرر الاعتداء عليه وسحقه. هكذا نفهم التخلف كهدر لقيمة
الإنسان، " انه الإنسان الذي فقدت إنسانيته قيمتها قدسيتها والاحترام
الجديرة به. العالم المتخلف هو عالم فقدان الكرامة الإنسانية بمختلف
صورها. العالم المتخلف هو الذي يتحول فيه الإنسان إلى شيء إلى أداة أو
وسيلة إلى قيمة مبخسة. "(15) وهذا ما تجسده وضعية المرأة بصورة واضحة
وصريحة، إلا أن ما يشوه الرؤية ويجعل الأمر يبدو على قدر كبير من الغموض
والالتباس هو البنية البطركية التي تجعل من قهر وهدر كيان المرأة كإنسانة
أمرا طبيعيا، وكأنه قدرها الطبيعي المنسجم مع قوانين الحياة، هذا ما يجعل
من التخلف القهري التسلطي الاستبدادي العصبي الأصولي بتضافر بنيوي مع
البنية البطركية عقبة في وجه التأسيس الفكري النقدي لواقع التخلف، كرغبة
ووعي يسعى إلى تكوين معرفة ذاتية تسمح بتجاوز المسلمات والبديهيات التي
قولبت ذهنية الإنسان، بشكل تحد من رؤيته وتحدد منظوره في تعامله مع الفكر
والواقع السائدين، وهذا ما يعقد من مهام التغيير الحقيقية. " التخلف نفسيا
هو فوق هذا وذاك من المحكات المادية … نمط من الوجود له خرافاته وأساطيره
ومعاييره التي تحدد للإنسان موقعه، نظرته إلى نفسه، نظرته إلى الهدف من
حياته، أسلوب انتمائه ونشاطه ضمن مختلف الجماعات، أسلوب علاقاته على
تنوعها."(16) هكذا يتعرض الإنسان المقهور لنوع من الحصار والقمقمة تستهدف
إنسانيته، من خلال تبخيسه وحشره في الزاوية الضيقة للمعيش اليومي وتصريف
شؤون الحياة النباتية، حيث الشعور بالعجز والنقص والدونية. كما أن انحسار
مجاله الحيوي يعوق انفتاحه العقلي وسلامة صحته النفسية ومرونته الذهنية
المنطقية والنقدية، وهذا هو حال المرأة باعتبارها التعبير المثالي عن
القهر والهدر البطركي، فهي في اللاوعي الثقافي الجمعي وفي المخيال
الاجتماعي كتمثلات وتصورات، كائنا منبوذا أو رجسا شيطاني يتطلب الحذر منه
ومحاصرته كجسد وكيان إنساني، أي أنها تتعرض لعملية منظمة وممنهجة من
التشريط الاجتماعي لاجتياف الدونية والنقص والعار والتبخيس الذاتي والقصور
العقلي و انعدام التفكير المنهجي النقدي، في اغلب المواقف الحياتية
الفكرية والعملية. فهي مدعوة دوما إلى تزوير تجربتها في الحياة والابتعاد
عن الوجود الأصيل المنطلق من الذات كإرادة حرة واعية مستقلة، بناء على ما
يمليه مركز الضبط الداخلي، حيث لا وصاية لأية مرجعية خارجية قهرية أبوية
متلبسة قناع القداسة الدينية للتسلط البشري إبعادا لحق النقد والسؤال
والشك والمحاسبة والمسؤولية. " إنسان العالم المتخلف منذ أن يولد يخرج إلى
الحياة بشكل اعتباطي انه يولد كمصادفة أو عبء أو أداة لخدمة أغراض ورغبات
أهله أو الآخرين. انه لا يولد لذاته ولا يعيش حياته لذاته. "(17) هذا هو
واقع المرأة في مجتمعاتنا، منذ ولادتها تعيش حياتها وفق مجموعة من الأدوار
والوظائف التي يحددها التسلط البطركي بنوع من الانشطار الانفعالي والتجاذب
الوجداني بين كونها مقدسة ومدنسة، مع إحاطتها بالكثير من الأساطير
الاختزالية التي تسهل وتبرر الاعتداء عليها، ليس كانسان وإنما كشر ينبغي
القضاء عليه بالإخضاع والإهمال والتبخيس وبمختلف أشكال القمع. ونجدها أيضا
تحمل الصورة المناقضة لكل ما سبق من نعوت وأوصاف وتصورات سيئة وتمييزية،
فهي الدفء والحنان والرحمة والعاطفة والثدي المعطاء والحضن المنقذ من ثقل
واكراهات المآزم النفسية والاجتماعية التي تنتجها بنية علاقات القهر
والهدر الأبوية. " فالمرأة هي محط كل تناقضات وتجاذبات الإنسان المقهور في
العالم المتخلف، وتحليل وضعيتها ومكانتها يكشف أكثر من أي شيء أخر خصائص
الوجود المتخلف ومأزقيته، فعليها تصب كل التبخيسات وكل المبالغات في
القيمة، وتجاهها تبرر كل التجاذبات بأفصح صورها. وضعية المرأة في مجتمع ما
تلخص الصراعات الأساسية والمآزق الأساسية لهذا المجتمع. "(18) اعتقد بأنني
لم أخطئ وأنا أفكر وضعية المرأة انطلاقا من مسلمة المتكلم المثالي /
الصامت والمقهور المثالي، فهي تمثل المدخل الرئيسي للحرية و التحرر
المجتمعي والرؤية الشاملة للتغيير المجتمعي لبنية علاقات القهر والهدر،
كبنية لعلاقات إنتاج تسلطية تعيد إنتاج نفسها من خلال البنية البطركية
المختبئة وراء التنزيل الديني للاستبداد البشري، بمعنى أن " التبخيس الذي
يلحق بالمرأة في نظام التسلط والقهر الذي يحكم المجتمع المتخلف يتلاقى
ويتكامل مع التبخيس اللاواعي الموجه إلى الأنوثة عند من يعاني من عقدة
الخصاء ويتنكر لها. "(19) أو من زاوية أخرى يمكن القول بان القهر والهدر
البطركي يفرض على المقهورين حالات من الأنوثة، عن طريق الخنوع والخضوع
اللذين يؤديان الى هلوسة وتضخم هوامي في الوصول الى تحقيق الرجولة
والذكورة، من خلال التماهي بالمتسلط الأشبه بالعلاقة القهرية واللدنية بين
الشيخ والمريد. " وهذا التطابق يتجلى خاصة في ما سميته التأرجح بين
النوعين الأنثى والذكر بوصفهما تصورا اجتماعيا وثقافيا لخصائص بيولوجية.
وقد بدا لي أن المرور الرمزي والحتمي من وضع مؤنث في مرحلة التكوين …بنية
أساسية للتوفيق والفتح سواء في مجالات التحصيل الروحي أو في مجالات الكسب
الدنيوي، بمافي ذلك السياسة. "(20) هكذا تنتج المجتمعات المتخلفة رجالها
من خلال استبطان عقدة الأنوثة كتهديد و امتحان عسير لإثبات الرجولة بخصاء
ذهني نفسي معرفي اجتماعي، إنها عذابات مرهقة ومكلفة نفسيا واجتماعيا
وثقافيا وإنسانيا. مثلث الموت يحكم قبضته على طقوس العبور الوهمية، وتكون
النتيجة خراب الإنسان من الداخل وفقدان لإنسانيته ولمتعة الحياة. " فمن
خلال إظهار المواقف التي تماثله بالمرأة في مرحلة أولى يولد الشيخ الجديد
الذي يتحول فيما بعد إلى زعيم رجولي مطلق بعد أن يتحرر مما يربطه بملقنيه.
"(21) من هذا التكامل بين التلازم البنيوي بين بنية علاقات القهر والهدر
والبنية البطركية ذات الجبة الدينية تتم عملية التبخيس والتحقير للمرأة،
فتقوم هي الأخرى تحت ضغط التسلط الأبوي باستبطان الدونية والقصور إلى درجة
ازدراء الذات بفعل ضغط مشاعر الذنب والإثم الدينية، فتنكفئ على نفسها في
نوع من الحرب الداخلية في حق الذات بجلدها ووصفها بأبشع النعوت السيئة. "
يصيب المرأة والأتباع في عملية التحقير هذه النصيب الأوفر، تصب عليها كل
مشاعر العار والضعف والعجز والرضوخ. العار غير المحتمل نظرا لما يولد من
ألام وما يفجره من قلق حول انهيار قيمة الذات لابد له من أن يفرغ بصبه على
الخارج على العناصر الأضعف والأقل حظا. وهكذا تسفل المرأة من خلال ادوار
الرضوخ التي تفرض عليها، تحول إلى أداة للمصاهرة والإنجاب، إلى خادمة، إلى
المعبرة عن المأساة، إلى الإنسان العاجز، القاصر، الجاهل الغبي الذي يحتاج
إلى وصي. "(22) غالبا ما لا ينتبه إنسان المجتمعات المتخلفة إلى وضعية
المرأة باعتبارها التعبير الأفصح والأمثل عن المأساة الإنسانية التي
يعيشها ويعاني ويلاتها، بفعل الهيمنة القهرية للبنية البطركية على وعيه
كلاوعي ثقافي اجتماعي تطاول مع الزمن، وهو يشكل أسسه من الرصيد الديني
والموروث الثقافي المؤسس على التنزيل الديني للوضع البشري، بمعنى التسييج
الإلهي للممارسات السياسية والاجتماعية، لقهر الخصوم وتبرير الإخضاع
والتسلط كمظاهر طبيعية معطاة. وهذا الجهل لمعرفة الذات يعقد ويصعب مهام
التغيير، بل يشوه الرؤية والأبعاد والآفاق، مما يحول دون إنتاج معرفة
نقدية بالواقع. وواقع المرأة في مجتمعات القهر هو المدخل الأساسي لتقويض
الترابط والتلازم البنيوي بين بنية علاقات القهر والهدر والبنية البطركية،
أي أننا نفكر في التغيير من خلال الحلقة الأضعف في منطق تطور مجتمعاتنا،
باعتبار تلك الحلقة هي التعبير الأفصح عن الإنسان المقهور المثالي، حيث
تتكثف التناقضات والصراعات الأساسية والمآزق الرئيسية. " معايير التخلف
ومستواه يبرزان من خلال بحث حالة وحجم اقل فئات الناس حظا في المجتمع
الواحد، واقل المجتمعات حظا على المستوى الكوني. "(23) فالمرأة هي اقل
فئات الناس حظا في مجتمعات القهر، حيث لا مكانة لها في عالم التسلط والقمع
المادي والرمزي، لذلك ترزح تحت عبء وضعية الرضوخ والتبعية وما يولدانه من
دونية وتبخيس لذاتها كأمر تراه طبيعي بحكم استلابها، أو كقدر مفروض يحولها
إلى مجرد شيء يمكن استغلالها أو الاستغناء عنها في أية لحظة، إنها مهددة
في إنسانيتها ووجودها وقيمتها وكرامتها. " إن عالم التخلف هو عالم التسلط
و اللاديمقراطية يختل فيه التوازن بين السيد والإنسان المقهور. ويصل هذا
الاختلال حدا تتحول معه العلاقة إلى فقدان الإنسان لإنسانيته وانعدام
الاعتراف بها وبقيمتها. تنعدم علاقة التكافؤ لتقوم مكانها علاقة التشيؤ …
لا اعتراف إلا ب أنا – السيد، لا حياة إلا له، لا حق إلا حقه. مما يجعل كل
تصرف، كل نزوة، كل استغلال وتسلط مبررا كجزء من قانون الطبيعة. "(24) هذا
الفقدان للاعتراف والقيمة والحياة هو ما تعيشه المرأة بشكل مزدوج مركب، من
خلال تسلط العلاقات القهرية والهدرية الاستبدادية العصبية والأصولية، ومن
خلال المرجعية الخارجية للبنية البطركية، الشيء الذي يحولها الى مجرد كائن
لا بشري تعيش انحطاطها وشقاءها وتبعيتها التي تفرض عليها السلوك الاتكالي
والخنوع والمسكنة والصد المعرفي في فهم الواقع نتيجة الخصاء الذهني
والعقلي، إلى حد الاضمحلال إزاء قوى القهر والهدر الأبوية. " هذا بدوره
يؤكد في ذهن المتسلط أسطورة تفوقه وخرافة غباء وعدم آدمية الإنسان
المستضعف. "(25) إننا في واقع حيث العلاقات الاجتماعية تتميز بأنها
عمودية، حيث الفوقية/ التبعية تؤسس لها لغة إيمانية بيانية، بفكر يقيني
مشبع بالحقائق النهائية لمطلق يتلبسه الفعل البشري كأقنعة دينية لتبرير
السطوة والهيمنة والأمر الواقع. فلا نجد إلا الأحادية في الفعل والتفكير،
و في العلاقات الاجتماعية، وفي الرؤية للذات والعالم والآخرين، انه
استغلال سياسي وثقافي لخلفية التوحيد الديني، المناقض للتعدد والاختلاف
كشرك وكفر، فالجواب الواحد الصحيح جاهز ولا متسع للتفاعل والحوار والتواصل
العقلاني والأخذ والرد والرأي والرأي الأخر، انه الحضور الكامل لثقافة
السمع والطاعة بالياتها العمودية التي تعتمد التلقين والحفظ والسماع،
كأسلوب وحيد وواحد لممارسة ليس فقط التعلم بل غرس و ترسيخ " العجز المتعلم
" انه عالم يختزل في عمامة الفقيه، حيث ندرة المخطوط وسيطرة السماع
والرواية والاستظهار. " تتسم علاقة الرئيس بالمرؤوس بهذا النمط التسلطي
الرضوخي كما تتسم به علاقة الرجل بالمرأة والكبير بالصغير والقوي بالضعيف
والمعلم بالتلميذ والموظف ورجل الشرطة بالمواطن. "(26) والأخطر في كل هذا
الظلم والغبن هو ما يصيب المرأة، لأنها كما قلنا سابقا الحلقة الأضعف في
علاقات القهر والهدر البطركية، لكنها أيضا المدخل الأساسي لتحرير المجتمع
ككل من التضليل والمسخ والتشويه الذي طال معرفة الذات وحال دون إنتاج
معرفة نقدية بالواقع قصد التغيير. فالرجل كضحية للنظام الأبوي يسقط من حيث
لا يدري في فخ خوض معركة فاشلة، وهي ليست أصلا بمعركته لأنها مدبرة بشكل
مدروس وممنهج من طرف بنيات هي اقرب إلى البنيات التحتية المادية، نقصد
بنيات القهر والهدر البطركي، وتحت سطوة هذا الوعي التسلطي البطركي يعيش
فقدان حريته وكرامته وقيمته أمام عاره بإسقاطه بوعي زائف على المرأة "
العورة أي موطن الضعف والعيب، بسبب هذا الإسقاط يربط شرفه كله وكرامته
كلها بأمر جنسي ليس له أي مبرر من الناحية البيولوجية المحض."(27) وبهذا
الوعي الخاطئ والسلوك والمواقف والأفكار والتصورات الناتجة عنه يقع الرجل
ضحية البنيات السابقة التي تختزل كرامته وشرفه واعتباره في وهم تفوقه
الذكوري، قوة وعقلا وقدرة على الانفراد بالوظائف الاجتماعية التي تمنحه
تفوقه السياسي، كأساس لبناء السلطة السياسية الاستبدادية والعصبية
والأصولية البطركية. " و في أساس هذا الحصار والقمقمة هناك قضية تتجاوز
الحرية والديمقراطية في طروحاتها المعهودة. إننا بصد شرط سابق عليهما
يتمثل في الاعتراف بإنسانية الإنسان وكيانه وحرمته وحصانته وقيمته الأولية
غير المشروطة. قبل البحث في الحرية والديمقراطية لا بد إذا من طرح قضية
الاعتراف بالإنسان وكيانه وإلا تحول الأمر إلى شعارات وسجالات لا طائل من
ورائها ."(28)
ثالثا : نقد الاستلاب العقائدي "إن
المجتمع الذي يرمي إلى تغيير ذاته لا يستطيع النجاح في هذه العملية دون أن
ينفذ أولا إلى عملية معرفة الذات. فالمعرفة الذاتية هي الشرط الأساسي
للتغيير الذاتي في الفرد كما في المجتمع، ولا تكون هذه المعرفة مجرد معرفة
نظرية بل معرفة نقدية قادرة على اختراق الفكر السائد والنفاذ إلى قلب
القاعدة الحضارية التي ينطلق منها سلوكنا الاجتماعي وينبع منها فكرنا
وقيمنا وأهدافنا، والوعي الصحيح هو الوعي النقدي القادر على كشف الواقع
وتعريته وإظهار قاعدته الحضارية. ولا يمكن تغيير الواقع إلا بكشف النقاب
عن حقيقته، وما عملية الكشف هذه إلا عملية النقد الهادفة إلى تغييره."(29)
قد لا نتعسف في قولنا حين نؤكد بداية على أن نقد الاستلاب العقائدي هو نقد
لبنيات القهر والهدر البطركية، بمعنى أن وقوع المرأة ضحية الاستلاب
العقائدي هو نتيجة سيرورة صعبة ومؤلمة تعيشها منذ ولادتها فهي شخص غير
مرغوب فيه أشبه بإثم وذنب ولعنة في اللاوعي الثقافي الاجتماعي الأبوي،
ونتيجة هذه الخلفية اللاانسانية تتعرض المرأة لعملية ترويض وتشريط اجتماعي
لوعيها وذهنيتها وجسدها ورغباتها … يتم تبخيسها وإهانتها وغرس في أعماقها
كل القيم الثقافية الاجتماعية القهرية البطركية بحصانة إلهية لشريعة دينية
بشرية، من نقص، دونية، عار، القصور العقلي، طغيان الانفعال، ضحالة التفكير
و تفاهة الاهتمام…" إلى أن تتبنى المرأة عقيدة استعبادها معتبرة ذلك جزءا
من طبيعتها الأنثوية. "(30) وعندما نتأمل مسار هذه المأساة الحياتية التي
تعيشها المرأة نفهم بان" الأمر لا يستند إلى أي أساس بيولوجي أو ذهني بقدر
ما هو نتاج عملية تشريط اجتماعي تخضع لها المرأة منذ نعومة أظافرها. "(31)
يتم رفضها وتضييق مجالها الحيوي في حدود البيت القار أو البيت المتنقل
كحجاب ونقاب، مما يورث لديها نظرة تجزيئية، فهي لا تستطيع أن تكون وتصير
لأنها ملك للعائلة أو العصبية الأبوية وبالتالي فلا إرادة أو اختيار لها
في تقرير مصيرها. " هدر كيان المرأة التي تعتبر ملكية العصبية يختزل
كيانها إلى أداة للإنجاب والمصاهرة، ويصل هدرها حدا تجعل منه الحالة
الطبيعية لكيانها مما يجعلها تعيد إنتاجه،"(32) من خلال تربيتها لأطفالها
وهنا مكمن الداء الخطير في إعادة إنتاج التخلف، وإعاقة التغيير والتطوير
لان علاقات القهر والهدر البطركية التي دمرت كيان المرأة في جميع أبعادها
الذهنية والنفسية والوجودية وحشرها في الزاوية الضيقة كشيء وأداة في خدمة
التسلط الأبوي الاستبدادي الأصولي، تؤدي تلك العلاقات التسلطية إلى فقدان
الكيان المجتمعي والوطني، أي إلى ما يسميه حجازي بالمرض الكياني الكلي.
فكل المظاهر التطورية والحداثية تنهار وتسقط أقنعتها عند أية أزمات يعيشها
الفرد أو المجتمع. " أسباب هذه الظاهرة متعددة من أهمها تعرض الطفل منذ
الصغر لتأثير الأم الجاهلة معظم الأحيان والتي نظرا لوضعيتها المقهورة
تتأثر إلى درجة خطيرة بالتفكير الخرافي والغيبي وتتسلط عليها معتقدات لا
علمية ( الجن والشياطين والشعوذة والقدرية ) ومواطن الخطورة في ذلك هو
أنها تنقل هذه الأفكار إلى طفلها مما يجعل نظرته إلى العالم منذ البداية
خرافية ولا علمية. "(33) هكذا نفهم حجم الكارثة التي تحل بالمجتمعات التي
تتعرض فيها المرأة للإقصاء والهدر والاستلاب العقائدي، فذلك يؤثر على الكل
الاجتماعي لان قهر المرأة يشكل عائقا في وجه التغيير والتحول المجتمعي. إن
عدم الاعتراف بقيمة وإنسانية المرأة من خلال نقد البنية البطر كية
الاستلابية يجعل من الصعب الحديث عن مجتمعات حرة ديمقراطية ومستقلة، لان
القبول المشروط الذي تتعرض له المرأة يرغمها على تزوير تجربتها الحياتية
الشيء الذي يهيئها لقبول الاستلاب العقائدي كأمر طبيعي لا مفر منه. " لا
ينجح الرضوخ الذي يفرضه الاستبداد إلا حين يتحول إلى رضوخ ذاتي وقناعة
ذاتية بانعدام القدرة على المجابهة والتمرد فيما يسمى العجز المتعلم، حيث
ينظر الإنسان المهدور إلى ذاته باعتباره عاجزا وليس من سبيل أمامه سوى
الاستسلام لهذا المصير واجتراره وإعادة إنتاجه وتكراره."(34) عندما تصل
وضعية المرأة إلى هذا المستوى من الموت الوجودي، فأية تربية أو تنشئة
مجتمعية يمكن أن تتحمل مسؤوليتها؟ وأية أخلاق حسنة ورفيعة يمكن أن نتحدث
عنها وهي تقدم للزوج ابنه ( بضاعته المخصية )؟ وإزاء هذه الوضعية المؤلمة
من القهر والهدر،" تفرض المرأة على أطفالها هيمنتها العاطفية كوسيلة
تعويضية عما لحق بها من غبن باسم الأمومة المتفانية. تغرس في نفوسهم
التبعية من خلال الحب، تشل عندهم كل رغبات الاستقلال. وتحيطهم بعالم من
الخرافات والغيبيات والمخاوف. ينشا الطفل بالتالي انفعاليا خرافيا عاجزا
عن التصدي للواقع من خلال الحس النقدي والتفكير العلمي. "(35) فهل يستقيم
معرفيا وتربويا وأخلاقيا أن نتحدث عن الطفولة، عن أجيال المستقبل وعن صناع
الغد الذين هم أطفال اليوم؟ وهل يستقيم أيضا أن نتحدث عن برامج التنمية
والخطط المستقبلية والتغيير السياسي وإصلاح التعليم واعتماد المقاربات
الحديثة كبيداغوجية الإدماج و الكفايات …؟ فأين الإنسانة المرأة الحاضنة
لكل ذلك ولمشاريع الحرية والتحرر والتغيير والتنمية الإنسانية والتأسيس
للاقتدار المعرفي والعلمي وللمربع البنيوي للصحة النفسية في إطار علاقتها
بالطفل والمجتمع ككل وهي غارقة في الاستلاب العقائدي؟ " ويقصد بالاستلاب
العقائدي تبني المرأة لقيم سلوكية ونظرة إلى الوجود تتمشى مع القهر الذي
فرض عليها وتبرره جاعلة منه جزءا من طبيعة المرأة. وبذلك فهي تقاوم تحررها
وترسخ البنى التسلطية المتخلفة التي فرضت عليها. وأكثر من هذا تعممها على
الآخرين من خلال نقلها إلى أولادها. "(36) إن بنية علاقات القهر والهدر
والبنية البطركية بنيات هشة ومتعفنة ولا أخلاقية وفارغة من أي مضمون معرفي
علمي اجتماعي، وتناقض صيرورة التاريخ البشري في رحابة افقه العقلاني
التطوري العلمي وفي أبعاده الإنسانية، لكنها تمتلك صلابتها وقوتها فقط حين
تتحول إلى بنى نفسية ذهنية معرفية متصلبة وقطعية، أي تأخذ طابع ووظيفة
البنيات التحتية كعلاقات إنتاج ومعاودة الإنتاج، وكأنها بديهيات طبيعية
وهي محصنة بالتنزيل الإلهي للفعل والتفكير البشريين. إن استمرارها أيضا
نابع من هيمنتها كاستلاب عقائدي. ومثلث الموت الاستبدادي العصبي الأصولي
يدرك أن حلقته الأضعف التي تهدد وجوده وسيطرته هي وضعية المرأة، بمعنى أن
ما يخشاه بحدة وشدة وبتشنج انفعالي متصلب هو أن تطرح وضعية المرأة
المقهورة كنقد للاستلاب العقائدي، لان ذلك النقد هو نقد لبنية علاقات
القهر والهدر البطركية. لذلك يعمل مثلث الموت كل ما في جهده من تضليل
وتدليس ونفاق إيماني ممتطيا القداسة الدينية للتغطية على فعله البشري لا
اقل ولا أكثر. يعمل جاهدا على قمع وإقصاء المرأة لان تحررها يعني تحرر
المجتمع ككل. "والمرأة هي أكثر أعضاء الجماعة العصبية تعرضا للقبول
المشروط واختزال كيانها في وظائف ودلالات تخدم العصبية. هي أكثر الكائنات
التي يمنع عليها أن تكون لذاتها أو أن ترغب و تتطلع إلى ما وراء ما يناط
بها من وظائف وادوار…الأم في العصبية تربي ابنها الذكر على التسلط وتربي
ابنتها على الرضوخ والتبعية. تتمثل المرأة القيم العصبية وتعيد إنتاجها
على حساب استلابها الذاتي إذ لا ترى صورة أو كيانا لذاتها خارج هذه
الوظائف والأدوار."(37) فتعتبر وضعيتها طبيعية بفعل قوة التشريط المجتمعي
منذ ولادتها في مجتمع قهري بطركي، هاجسه الكبير ورغبته الأساسية هو ضمان
تأبيد علاقات التسلط إلى درجة قولبة ليس فقط وعي المرأة الغارق في التفكير
الخرافي الغيبي، المسند بسحر الاعتقاد بجبروت الأفكار المولد لثقافة
البركة والكرامات والأدعية الموزعة بين الرجاء والحلم الهلوسي وبين اللعنة
والسخط، إن تلك القولبة تتجاوز الوعي إلى اللاوعي الذي يصير متواطئا مع
البنية البطركية، والأخطر في ذلك أنها تسهم في بناء لاوعي أطفالها. " هناك
احتمال أن تعيد المرأة شانها في ذلك شان الإنسان المقهور إنتاج استلابها
من خلال تمثل قيم السلطة المستبدة وما تفرضه عليها من ادوار ومكانة ودلالة
تخدم هذه السلطة في الأساس."(38) إذن هناك نوع من تبادل الاعتماد والدعم
والتعزيز بين وضعية القهر وتشكيل لاوعي المرأة بصورة تسكنه البنية
البطركية بقيمها التبخسية في حق المرأة من نقص ودونية وقصور… فتشربتها
كتشريط اجتماعي واستلاب عقائدي، لذلك يمكن للاوعي المرأة أن يتغير بشكل
جذري كلما تحقق تحررها من بنية علاقات القهر والهدر والبنية البطركية التي
تفرض نفسها كالتنزيل الديني. " نعتقد أن لاوعي المرأة كلاوعي الإنسان
المقهور مبني على غرار وضعية القهر المفروضة على كل منهما. فان انبناء
اللاوعي هو الوجه الأخر لانبناء المجتمع والنظام الذي يسوده."(39) ولكي
يتحقق التغيير الجذري في وعي ولا وعي المرأة فان المعركة ليست بالسهلة،
خاصة وان الأمر يتعلق بعملية استلاب محكمة الدقة والتخطيط والإخراج
والتنفيذ، وهي تحتاج إلى الكثير من الجهد كالذي أنجزه مصطفى حجازي لمعرفة
الذات، أي تشكيل معرفة موضوعية ذاتية مستقلة تسمح بالنقد الذاتي. " إن
تحقيق هذه الخطوة ليس أمرا سهلا وإنما هو في غاية الصعوبة إذ أن التحرر
الذهني يتطلب عملية غسل دماغ جذرية وطويلة المدى."(40) وان هذه المعركة
التي تخوضها الذات تجاه استلابها هي في الحقيقة ليست معركة المرأة وحدها
لان كل ما يمكن أن يتحقق من تقدم في" تفكيك النظام الأبوي إيديولوجيا
وتفتيته سياسيا من الداخل،"(41) يشكل خطوة ايجابية في مسارات سيرورة
الثورة ضد كل الاختزالات والاستلابات التي يتعرض لها الإنسان – رجلا كان
أم امرأة – في قيمته ،كرامته، حقوقه، حصانته وإنسانيته، مما يدفع بالتغيير
الاجتماعي إلى مستقبل جديد يناقض بنية علاقات القهر والهدر والبنية
البطركية. " المهم أن الاستلاب العقائدي للمرأة وما يتلقاه من تعزيز دائم
من الخارج ومن الذات في آن معا يحكم عليها بالبقاء رهينة وضعية القهر لا
هي تعيها ولا هي تقبل تغييرها إنها تتمسك بها باعتبارها طبيعة الأنثى
وقدرها وينعكس ذلك لا محالة على التغيير الاجتماعي بأكمله فيكبحه لا
محالة. لا تطوير دون تغيير وضعية المرأة، ولا تغيير لوضعيتها دون تمزيق
حجب الاستلاب العقائدي التي تمنع عنها رؤية ذاتها ورؤية العالم على
حقيقته."(42) فهذا الإرث الثقيل من المسخ الإنساني، ليس للمرأة فقط، بل
للطفل والرجل و للمجتمع والوطن، يحتاج إلى نهوض فردي وجماعي ومجتمعي يبدأ
بنقد الاستلاب العقائدي الذي هو نقد للقهر والهذر وللبنية البطركية التي
تعيق بناء مركز الضبط الداخلي، بعيدا عن أية وصاية أو مرجعية خارجية تتحكم
في الطفل والمرأة والرجل، فيؤسس كل واحد منهم قيمته انطلاقا من كيانه
الذاتي ومن مرجعيته الداخلية وليس من القيمة التي تلصق زورا بالأدوار
والوظائف، وبذلك تستعيد المرأة شرفها من قيمتها الوجودية الإنسانية، وفيما
تبدعه وتنجزه بمختلف إمكاناتها ومؤهلاتها وطاقاتها الجسدية والذهنية
والمعرفية، بعيدا عن أسطورة الشرف الذي ينبغي أن يصان بالدم. " فالإنسان
المقهور بدل أن يثور ضد مصدر عاره الحقيقي يثور ضد من يمثل عاره الوهمي
وهو المرأة المستضعفة. هذا بينما تحتفظ الفئة المستغلة لنفسها بلقب الشرف
والنبل من خلال ما تتمتع به من امتيازات."(43) بنقد الاستلاب العقائدي
يتحرر الرجل من مهام قهرية أبوية أثقلت كاهله وشوهت أعماقه ووعيه وضيقت
مساحات تفكيره العقلي، مما جعله عصبيا انفعاليا قطعيا في أفكاره وأحكامه.
كم هو جميل أن يتوافر عند الرجل الذكاء الانفعالي الاجتماعي، أي الإحساس
والتعاطف والتضامن مع الآخرين في معاناتهم ومآسيهم الإنسانية، وبذلك
التفاعل الاجتماعي بين الرجل والمرأة تتهدد بنية علاقات القهر والهدر
والبنية البطركية، مما يعني تصدعها وانفجارها المحتوم، فيسترد الإنسان
المقهور صحته النفسية ،" و الصحة النفسية تتجلى إذا بالأصالة في المشاعر
والموقف من الذات والتلاؤم معها. وهو ما يؤدي إلى الشعور بأن الإنسان هو
بخير وبالتالي أن الدنيا وناسها هم أيضا بخير. ويفتح الطريق إزاء النماء
والانفتاح واللقاء الإنساني. وعلى ذلك تصبح العملية العلاجية هي تحرير
الإنسان من استلاباته الداخلية والخارجية انطلاقا من علاقة يتوفر فيها
التقدير الايجابي غير المشروط."(44) كما يستأنف الإنسان حياته الطبيعية
بشكل مستقل، مستثمرا ومنميا طاقاته الوجدانية والعقلية والنقدية
والإبداعية للتخلص من قوقعته، فينبني وعيه ولاوعيه على أسس جديدة تحرر
الجسد من القمع والقمقمة. " المرأة الرغبة هي نقطة الضعف والتهديد في
العصبية ليس فقط من قبل المرأة وحدها بل من قبل الذكور أيضا …لان الرغبة
المتحررة ذاتيا هي مباشرة وفي الآن عينه تحرر من السلطة الخارجية
المفروضة. واسترداد لمركز الضبط الداخلي وعبور إلى الاستقلال. ذلك ما يهدد
كيان العصبية ذاته من خلال تهديد بنيتها بالتصدع والانفجار. ولا تخشى
العصبية شيئا بقدر خشيتها من تحرك الرغبة خارج نطاق سلطتها إلا أن من لا
يمتلك رغبته لا يمتلك استقلاله وبالتالي لا يعبر إلى الرشد الفعلي، أي انه
لا يكبر ولا يشب عن الطوق…أي كسر قيوده النفسية التي تمارسها عليه السلطة
بشكل خفي."(45)
***اعتذارمن
حق الشعوب التي اضطهدت أو استعمرت أن تطلب ولو على الأقل التعويض
والاعتذار والاعتراف بما حصل من جرائم ضد الإنسانية، ومن تجاوزات
وانتهاكات لحقوق الشعوب ولحقوق الإنسان، والشيء نفسه بالنسبة للأفراد
والجماعات التي اغتصبت وانتهكت قيمتها وكرامتها وحريتها…والأمر نفسه
بالنسبة للشعوب التي هجرت وشردت أو بيعت في الأسواق كعبيد وجواري فعشن
وعاشوا القهر والهذر والذل والعذاب النفسي والجسدي، واستبيحت كرامتهن إلى
درجة القتل البشع والتنكيل بالجثث. بسبب كل هذا المسكوت عنه في التاريخ
البشري ترتفع اليوم الأصوات مطالبة بالإنصاف والعدالة والتعويض وجبر الضرر
ووضع التشريعات والقوانين التي تحمي الجميع من القهر والهذر والاستعباد،
وان تنص صراحة وممارسة على ارض الواقع الحي على المساواة والمواطنة
والديمقراطية والاحترام الكامل للمواثيق والمعاهدات والاتفاقات الدولية
التي تحمي مبادئ وحقوق الإنسان وت
الأحد يونيو 17, 2012 5:06 pm من طرف تابط شرا