البني (القصشعرية) في نص تمرين علي كتابة يوم الجمعة
أيها الشعراء توبوا إلي الشعب
شاكر مجيد سيفو
منصف الوهايبي مثقف دؤوب يشتغل في فضاء المغايرة الشعرية، ويقدم نصّه هنا بشعور عميق، تنمو طبقاته في هيئة
بانورامية تتمظهر ابداعياً، ابتداءاً من الوصف الحكائي ومناسبته المركزية
الكبيرة واهدافه الجوهرية، اذ يتمتع الشاعر بطاقة تعبيرية شعرية عالية
وخلاقة تستمد رؤيتها من استلهام حيّ وحيوي لفضاء بصرية الحال وايقاع الرؤيا
وستراتيجية الرؤية والتصوير واستشكال الصوت الأنوي في دعوته الدالة - قليلاً من الصمت - فليصمت هنا اذن كل شيء..لا يقف الشاعر منصف الوهايبي عند مغامرته في ارساليات متواليته الزمنية لتشكيل مغامرة شعرية نصيّة تقوم علي التوالد الصوري فحسب بل يسعي الي تاسيس في خطاب يقوم بوساطة فاعلية الرسالة الشعرية التي توحي في اشتغالات
العقل الشعري علي خطاب يوحي بالتوصيل، من خلال رسائله المتلاحقة، اذ يبدأ
النص باستدعاء المحمول الزمني الباثّ حكائية رسائله من المشهد اليومي
السياسي التاريخي وانفعالاته وتحولاته، فالزمن هنا محرق العملية الشعرية،
وانتصاصات النص علي الحياة العامة وفعاليات رموزها وشخوصها ووقائعها
وكائناتها التي تتحرك بين مخلوقات المشهد اليومي ومخلوقات الذاكرة للذات
الشاعرة، وكائنات التخييل بما تنسفح علي تذويت العناصر والمكونات المتباينة
والمتناقضة اذ تتمظهر صور النص علي مساحة المتن الشعري متراتبة ومتتالية
ومتلاحقة ومتراكبة عبر تبئير فعاليات الوعي الشعري ومحرق النص وتفكرات
الأنا الشاعرة، وتتعدد مصادر النص في التعبير عن الأفعال التي تنغمس فيها الأنا الشاعرة أو الذات الأنوية حتي يصل الشاعر الي بثّ النداء، أو الدعوة الي الصمت في إشارة بانوارمية الي كارثية الحال اليومي المقرون بالحال الشعري وكشوفات الشاعر الجديدة وتوتر اللحظة الشعرية المتجسدة في رؤيوية
تجسد بصرية المشهد الشعري الذي تتراسل من خلاله.. حسياً مع أرموزات النص
لتؤول بأيقاعها البصري الي تحريك معطيات النص دلالياً وجمالياً وسيميائياً،
اذ يرسم الشاعر هنا علي نحو خاص وبوعيه البصري الشعري الحاد مشهديته
الغرائبية السحرية - حسب فهومات غاستون باشلار في الغرائبية ؛ وتتأتي هنا شحنة الألفاظ بشعرية تتوافر علي كتابة نص ابداعي يومض فيه جمر شعرية اللغة وجهازها اللساني: (ليصُمتْ اذن كلُّ شيء هنا هذه الجمعة/رفيف العصافير في تونس خضراء أجراسها القزحية/أشجارها اذ تغني/ليصمت اذ كل شيء/رنين الهواتف في كل يَد/ورنينُ المعاول في كل
يد../ليصمت اذن كلُّ شيء هنا/هذه الجمعة/.. تحت الرذاذ ضحكات البنات
الجميلات.. يهرعن الي المدرسة/ليكفّ المطر/هذه الجمعة/هنالك اجراس بلورة
وليعلق/في الهواء وفي الغيم/ولينتظر/دقة
الساعة الخامسة/وله بعد ذلك أن ينهمر/موته وليؤجل اذن جارنا قليلاً الي
الخامسة... من نصّه: تمرين علي كتابة يوم الجمعة 14 جانفي 2011) تحتشد أفعال النص برصد التشكيل الشعري وبثّ فضاءاته النصية في دوائر تشكيلية يتعالق في فضاءاتها الدلالية والجمالية الهيكل الكلي لبانوراما المتن الشعري وهارمونية المعاني في فعاليتها الدراماتيكية التشكيلية وتعالقات الزمان والمكان في المركز
البؤري للنص، ابتداءاً من بنية العنونة ومروراً بفتوحات المتن، اذ يتشكل
الجزء من ذرات شعرية المفردة وأيقونيتها وتزينّها الشيئي ،،، و تتحول
الأجزاء الفاعلة في النص بشكلها التراتبي كمتوالية نصّية، أذ تتغير مقتنيات المعاني في تعلّقها
وتشكلّها من بني المفارقة والسخرية والانزياح ليمنح تشكيل اللحظة الشعرية
طاقة الانتاج الصوري وعلاقته بالاخر، يحرص الشاعر علي انتاج الصور في توريد التشاكل البصري الاستعاري لصور الكلب هنا في هذه
المصورة الشعرية المتقدة: (ليصمت اذن كل شيء هنا/هذه الجمعة/تكلم
السيدة/اذ تنادي علي طفلها مرّةً/وعلي كلبها مرّةً.. لتكن مثله/وهو ينصب
أذنيه من ريبةٍ.. ويصرهما/وهو يحدس ما ليس نحدس نحن الرعاة...) يكشف الشاعر
منصف الوهايبي عن قدر عالٍ من البني الحكائية في ذاكرة النص الذي يتراكب عبر متوالية المكرور الزمني المؤسس والحامل لطاقته الزمنية وارهاصاتها في العبارة الباثّة - هذه الجمعة - ولا تتوقف حساسية هذا المحمول عند خطّ صوري بانٍ، انما يتوغل في المستور أو المسكوت عنه، ليمنح عبارته الدالة شعرية فياّضة داخلية وينعطف فضاء النص في تثمير فاعلية النداء وصيغة الدعوة التي تهيمن علي بانوراما المشهد الكلي للنص، في صوره المختلفة والمتشعبة، إنعطافه تمردية وانزياح كلي عما هو مؤسس في الذاكرة الجمعية لمخزون الفكر الشعبي، تنعطف منظومة الدلالات في فضاء
تأويل الموروث الجمعي الميثيولوجي من باطن النص وجوانيته التعبيرية الي
الاشعاع الشعري ومحاور البوح والأفضاح والتدليل والأزاحة: (ليصمت اذن كل
شيء هنا/هذه الجمعة/أغاني الرعاة/اذان الصلاة/قل لهم : لا تصلوا/ولا تقرؤوا
الفاتحة/هذه الجمعة/وقفوا مثلما يقف التونسيّون والتونسيات في هذه الجمعة/رتلّوا : الحمد للشعب سيدنا أجمعين/رتلّوا : الحمد للشمس وهو يكوّرها في يديه/نحن منه ونحن له اذ نكون عليه/رتلو صامتين/رتلوا/الحمد للأرض وهو يدور بها ويدوَّرهُا في يديه/واذا كان لا بدَّ من توبهٍّ أو صلاة/فتوبوا إليه.... وصلوا عليه..) تعكس طبيعة حركة الافعال المتتالية لجوانية المعاني ودلالاتها الي التوازي الشديد لفعالية الرصد الشعري في تشكلّه
من فعاليات التعبير والتدليل والتركيز علي الثراء التخيلي والفكري/ فالنص
حاضن كبير لخطاب تم تشييده من مقّدرات الواقعة اليومية والتاريخية التي
حرضت مخيال الشاعر علي تحشيد مخزون العقل الشعري لكتابة وثيقة شعرية بأسلوب
مغاير ومختلف لا ينبني علي تقرير الحال الشعري ورشاقة الملفوظات، بل علي
اجتراح رؤي شعرية وفضاء تخيلي مقرون بانتصاصات ذاكراتية للأنا الشاعرة
لتشييد مشهدية شعرية ضاجّة بعناصرها وكائنات الراوي ومفاعلتها مع صوغ
التشكيل الدينامي للمشهد الكلي وصيروراته الجمالية: (قليلاً من الصمت/..
أيتها العربات.. القطارات/هذه الجمعة/القوافل من إبلٍ وكلاب../وهي تقطع
صحراءَ دوزَ/القوارب في المتوسط..
غاديةًِ رائحة/وهي تنشر أشرعةً وشباك/المناراتُ وهي تضيء لها وسط جبس
الضباب......) يظلّ الشاعر حريصاً علي الآرتكاز داخل الفضاء الحكائي الشعري
علي الروي المتتالي لموشورات الدراما النصّية، انطلاقاً من البؤرة
الداخلية المتوجّه في المعامل
الزمني - هذه الجمعة - حتي توجيه خطابه الشعري الي افاق منتخبة تتعلق
بمقاربات الحكاية الشعرية الرئيسة التي ينبني عليها مشهده الشعري في هذا النص الشعري الذي يكاد يمثل شهادة شعرية تاريخية تمظهرت في التمرد علي المألوف والواقعي والساكن في الزمان والمكان...وتتوالي البنية الزمنية في صيغها الدراماتيكية، في ذبذبات شعرية تختزل الأثر الحكائي في خط
تصاعدي مرتكزاً الي الأنباءات المتدرجة الحاضنة لبؤر النص الشعرية
المتشاكلة من تعالقات المكرور الحسي والذهني ومنتوجات السياقات اللفظية
وتمظهرها في الثقافي الشخصي للذات الشاعرة، وفي الرؤيوي التخيلي، فالشاعر منصف الوهايبي مثقف دؤوب يشتغل في فضاء المغايرة الشعرية، ويقدم نصّه هنا بشعور عميق، تنمو طبقاته في هيئة
بانورامية تتمظهر ابداعياً، ابتداءاً من الوصف الحكائي ومناسبته المركزية
الكبيرة واهدافه الجوهرية، اذ يتمتع الشاعر بطاقة تعبيرية شعرية عالية
وخلاقة تستمد رؤيتها من استلهام حيّ وحيوي لفضاء بصرية الحال وايقاع الرؤيا
وستراتيجية الرؤية والتصوير واستشكال الصوت الأنوي في دعوته الدالة - قليلاً من الصمت - فليصمت هنا اذن كل شيء.. ، ويتميز نص الشاعر في ايقاعه الغنائي علي التشاكل بين بني التضاد وتوريد المعاني عبر فضاء الرؤيا وهندسة الصورة والتشييد الوصفي المكاني والزماني لمدينة تونس في سلسلة من الدوائر والتشكيلات والرموز والصور وظلال الخطاب السياسي المختلف وخاتمته في التغيير
والمحو: (ليصمت اذن كل شيء هنا الان/ها دقت الخامسة/فلنكن كلّنا أذنا
صاغية/.. كلُّ شيء هنا صامت/ألا تسمعون؟/بلي فاسمعوا/هو ذا وقع اقدامه..
الطاغية.. وهو يرحلُ.. أو يهرب أو وهو يمضي الي حيث يمضي...)