كسر الخاطر
ماذا لو أن المقاطعين، الذين حصلوا، جدلا على ثلاثة ملايين صوت(رسميا) قرروا التحول إلى حزب.
لننسى أنهم ليسوا على ملة واحدة، ولا على نهج واحد، ولنسلم بأنهم قرروا
بالفعل أن يجدوا «برنامجا مرحليا»، وهو ما لا يدخل في حالة المستحيل،
يمكننا أن نقدر بأنهم سيكونون أول حزب سياسي في المغرب، ومنذ بدأت السياسة
في المغرب الأقصى، منذ أيام ابن خلدون والمهدي بن تومرت.
أعتقد أنه ستكون لهم الفرصة التاريخية لكي يجبروا الملك على تعيين الوزير
الأول من تنسيقيتهم. وأنهم بعد ذلك سيقومون بتدقيق الخطة التروتسكية في
نسف المؤسسة من الداخل (كان الفقيد ليون رحمه الله يسمي ذلك entrisme).
ليس هناك حزب سياسي حقق هذا الرقم. ولا استطاع أن يجند 3 ملايين ونيف، بين
من قالوا «لا»، وبين من قاطعوا، ولهذا سيكون من الحصافة السياسية التفكير
فعلا في حزب سياسي يفجر المؤسسات من الداخل... ويدخل البلاد في أزمة
مؤسساتية أفضل من انتظار الآتي الذي لن يأتي..
جماعة العدل .. والإحصاء!
الذين يحترمون مواقف الناس، لابد من أن يحترموا كل موقف صادر عن جماعة العدل والإحسان.
حتى ولو كانوا يناهضونه مثلي، ويعلنون أنه مجازفة كبيرة بالنسبة للبلاد أن ندخل إلى خلافة الشيخ أو جمهورية ابنته.
والذين يحترمون العقل أيضا، لابد من أن يحترموا ما يمليه عليهم بعيدا عن المبشرات والحنين إلى كرامات الأولياء..
فبعد الطوفان لم يجد الناطق باسم الجماعة الأستاذ فتح الله أرسلان سوى..
الإحصاء، مستعينا بالحليمي (أريد فعلا أن أرى ملامح السي أحمد وهو يقرأ أن
العدل استعانت بإحصائياته من أجل رفض الدستور، وتلك الابتسامة الماكرة
التي يواجه بها بعض المواقف الطريفة)،
فقد قرأت في موقع
الجماعة وتصريحات الأستاذ أرسلان أن عدد الناخبين، هو 20 مليون، وأنه بناء
على إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، فإن هذا الرقم هو العدد الصحيح،
وأن الرقم الرسمي 13 مليون رقم كاذب.
وعليه، فقد خلص الأستاذ أرسلان إلى أن 7 ملايين مغربي قاطعوا الدستور على منهاج الجماعة.
سؤال بسيط: هل هذا الرقم تقريبا هو الذي كان في انتخابات 2009 ، هل اكشتفتها الجماعة قبلا؟
طبعا لا. وعلى افتراض أن الرقم هو 20 مليون، لماذا سمح الأستاذ أرسلان بنسبها إلى الجماعة ورأيها؟
ولماذا لا يخرج أكثر من 10 آلاف متظاهر؟
سؤال من قبيل الخيال العلمي في السياسة طبعا!
سيناريو ممكن
قرأت مقالا للأستاذة فاطمة الزهراء زريويل في «الأحداث المغربية»، فعنت لي
فكرة، لماذا لا تجتمع مكونات 20 فبراير السياسية، وتحاول أن تدبج دستورا
بديلا. سيكون من النزاهة الفكرية أن نطرح السؤال: كيف سيتم ذلك؟
لنتصور لجنة دستورية تضم كلا من الشيخ عبد السلام ياسين، ومحمد الساسي،
والأستاذ بنعمرو، وعبد الله الحريف ونجيب شوقي .. مطلوب منها أن تقدم
مشروع دستور إلى المغاربة لكي يكون البديل للدستور المطروح..
أولا كيف سيعرف ياسين المغرب. نتوقع أنه سيكتب المغرب دولة خلافة على
منهاج النبوة، والديموقراطية أقل بكثير من الشورى، وأن أسلوب الحكم فيها
هو.. العلماء.
وأن المناضل عبد الله الحريف سيرد بأنه غير
ممكن، بل هي دولة اشتراكية ثورية، الحكم فيها للشعب البروليتاري، وأن
الديموقراطية البرجوازية يمكن تجاوزها عندما ينضج الشعب...الديكتاتورية
البروليتاريا.
وطبعا لن نتحدث عن سمو القوانين ولا الدولة العلمانية ولا الدولة المدنية.
فكل الذين عابوا على الدستور الحالي أنه لم ينص حرفيا على مدنية الدولة
وأن الأحزاب قبلت بضغوط العدالة والعلماء، سيكون عليهم أن يحسموا في مطالب
دولة الخلافة على منهاج النبوة.
التاريخ لا يسير على عجلات
أعيد تكرار ما بدأت به، لا يمكن أبدا اعتبار المغاربة الذين يتظاهرون
«مخترقين»، فهم من هذا الشعب مهما اختلفنا معهم، ومهما كنا ضدهم. ولكن لا
يمكن أن نقبل بالمضمر والصريح في الهجوم على من قال «نعم» وتخوينه
واعتباره «تلقى رشوة»، أو أنه من قطيع الممخزنين.
فقد آلمني
حقا أن أقرأ لمناضل من قبيل المتوكل أن الذين صوتوا ب«نعم» تلقوا رشاوى من
الدولة، وأن المغرب منقسم إلى اثنين، المخزن وزبانيته، والأحرار والعتاة
في الديموقراطية، على حد قول المناضل الكبير الرفيق مجاهد.
التاريخ قد يبدأ بالراديكاليين، كما علمنا أباء الثورات، ولكنه لا يستمر إلا بالإصلاحيين.
والتاريخ يشهد كيف أن الذين اعتبروا العمل ضمن الشرعية، تزكية للنظام، ثم
زكوهم بعد عقود من الزمن، والذين اعتبروا الانتخابات عناقا للنظام
والتفافا على الشعب، عادوا بعد ثلاثين سنة إلى الاحتكام إلى الاقتراع،
واليوم لا يمكن أن نخرج من هذا النفق إلا إذا اعتبرنا أنه بعد ثلاثة عقود
سيأتي الموقف متأخرا قليلا (بعمر التاريخ)!
فالتاريخ لا يسير
على عجلات لكي نزيد في سرعته أو ننقص في المنعطف المطلوب، التاريخ يسير
بالإرادة، وأيضا بقوة الموضوع وليس فقط برغبة الذات!