ترجمة: أمير زكى
قرار المؤسسة الوطنية للكتاب بإعطاء جائزتها السنوية للإنجاز
المتميز لستيفن كينج هو أمر غير طبيعى، وهو خطوة أخرى فى العملية البشعة
لاستغفالنا ثقافيا. لقد وصفت كينج فى الماضى على أنه كاتب للروايات
الرخيصة[1]، ولكن ربما كان هذا الوصف مهذبا جدا، فكينج لا يقترب فى شىء من
إدجار آلان بو، وهو ليس سوى كاتب غير كفء يقوم بعملية كتابة الجملة وراء
الجملة والفقرة وراء الفقرة والكتاب وراء الكتاب. والناشرون انحدروا بشكل
بشع ليعطوا كينج جائزة مثل هذه عن مجمل الأعمال، قدمت من قبل لروائيين مثل
سول بيلو[2] وفيليب روث[3] والكاتب المسرحى آرثر ميلر، وبإعطاء هذه الجائزة
لكينج هم لا يعبرون سوى عن القيمة التجارية لكتبه، التى تبيع بالملايين،
ولكنها لا تقدم للإنسانية شيئا سوى المساعدة على استمرار صناعة النشر. ولو
أصبح هذا هو المعيار فى المستقبل، فربما ستقدم اللجنة الجائزة العام المقبل
للإنجاز المتميز لدانييل ستيل[4]، وبالتأكيد ستتجه جائزة نوبل فى الأدب
لجيه كيه رولينج.
ما يحدث هو جزء من ظاهرة كتبت عنها من عامين مضيا، عندما طلب منى أن
أعلق على رولينج، ذهبت ساعتها لمكتبة جامعة ييل، واشتريت وقرأت نسخة من
(هارى بوتر وحجر الفيلسوف)، وعانيت بشدة من هذه العملية، كانت الكتابة
بشعة، وكان الكتاب سيئا. أثناء القراءة لاحظت أن فى كل مرة تذهب شخصية
لتتنزه، تكتب المؤلفة أن الشخصية تُمشّى رجليها[5] ، بدأت فى تسجيل علامة
على ظهر ظرف لدىّ كلما تكررت الجملة، وتوقفت عندما وجدت نفسى قد سجلت على
الظرف عشرات العلامات.[6] أنا لم أصدق، فذهن رولينج تسيطر عليه الكليشيهات
والاستعارات الميتة، وليس لديها أى أسلوب مختلف للكتابة.
ولكنى حين كتبت ذلك فى إحدى الصحف، تم انتقادى، وقيل لى إن الأطفال الآن
لا يقرأون سوى جيه كيه رولينج، وقيل لى أليس هذا أفضل – على أى حال- من أن
لا يقرأون شيئا على الإطلاق، أليس هذا عملا جيدا أن جعلتهم رولينج يتوجهون
للكتب؟
هذا ليس صحيحا، فهارى بوتر لن يقود أطفالنا إلى (مجرد قصص) و(كتاب
الأدغال) لكيبلينج[7]، لن يقودهم لـ(ثلاث عشرة ساعة) لثوربر[8]، أو (رياح
فى شجر الصفصاف) لكينيث جراهام[9] ولا (آليس) لويس كارول.
كنت قد قرأت مقالا لستيفن كينج نفسه، يمدح فيه هارى بوتر بشدة، كتب ما
معناه أن "هؤلاء الأطفال لو قرأوا هارى بوتر فى الحادية عشر أوالثانية عشر،
إذن فعندما سيكبرون سيقرأون ستيفن كينج." لقد كان على حق، إنه لا يمزح،
فعندما تقرأ هارى بوتر فأنت فى الحقيقة تتدرب على قراءة ستيفن كينج.
مجتمعنا يتم استغفاله، كذلك أدبنا وثقافتنا يتم الانتقاص منهما،
والأسباب معقدة جدا. أنا فى الثالثة والسبعين الآن، قضيت حياتى فى تدريس
الأدب الإنجليزى، والآن أرى دراسة الأدب تنحط، القليل فقط من الدراسات
الأصيلة هو المتبقى. من عامين مضيا جاءتنى مساعدتى لتقول إنها كانت فى ندوة
قضى المتحدث فيها ساعتين يقول فيهما أن والت ويتمان كان عنصريا. هذا ليس
هذيانا لطيفا حتى، إنما هو أمر لا يحتمل.
أنا بدأت كمتخصص فى الشعراء الرومانتيكيين. فى الخمسينيات وأوائل
الستينيات، كان من المعروف أن الشعراء الرومانتيكيين الكبار فى الأدب
الإنجليزى هم بيرس بيش شيلى، ويليام ووردسوورث، لورد بايرون، جون كيتس،
ويليام بليك، صامويل تيلور كولريدج. أما اليوم فهم فيليشيا هرمانز[10]،
شارلوت سميث[11]، مارى تى[12]، لاتيشيا لاندون[13] وغيرهم ممن لا يستطيعون
الكتابة. كاتبة مسرحية درجة رابعة مثل أفرا بين[14] تُدرّس بدلا من شكسبير
فى العديد من المناهج على مستوى البلد.
مؤخرا تحدثت فى جنازة صديقى القديم من جامعة ييل توماس إم جرين، الذى ربما كان من أهم الأكاديميين
المختصين بأدب عصر النهضة فى جيله، قلت "أخشى أن يكون هناك شىء ذا قيمة عظيمة قد فقدناه إلى الأبد."
حاليا، يوجد أربعة روائيين أمريكيين أحياء أعرفهم، ما زالوا يعملون، وهم
الذين يستحقون إطراءنا؛ توماس بينشون[15] الذى لا يزال يكتب، صديقى فيليب
روث الذى يشترك الآن مع كينج فى الحصول على جائزة (الإنجاز المتميز)، وهو
ساخر كبير ولا شك أنه سيجد شيئا مضحكا ليقوله عن هذا الأمر، وهناك كورماك
مكارثى[16] وروايته (الدائرة الدموية) التى تساوى فى قيمتها (موبى ديك)
لهرمان ملفيل، ودون ديليلو[17] وعمله العظيم (العالم السفلى).
وبدلا من ذلك تذهب جائزة هذا العام لكينج، لقد كان هذا خطأ بشعا.