[size=30]جكايا من تاريخ الأفارقة الأمريكيين يكشفها الحمض النووي[/size]
كارل زيمر
ترجمة: منى الشهري
تشكل تاريخ الأمريكيين الأفارقة عن طريق رحلتين كبيرتين.
الرحلة الأولى جلبت مئات الآلاف من الأفارقة إلى جنوب الولايات المتحدة كعبيد.
أما الرحلة الثانية، وهي الهجرة العظمى التي بدأت قرابة عام 1910 حيث انتقل ستة ملايين أمريكي ذو أصل افريقي من الجنوب إلى نيويورك و شيكاغو والعديد من المدن في جميع أنحاء البلاد.
في دراسة نُشرت يوم الجمعة 27 مايو، سعى فريق من علماء الوراثة لإثبات هذا التاريخ عن طريق الحمض النووي للذين مازالوا على قيد الحياة من الأمريكيين الأفارقة. ظهرت النتائج، والتي نُشرت في PLOS Genetics مُرفقة بخريطة توضح التنوع الجيني للأمريكيين الأفارقة، مُسلطةً الضوء على تاريخهم وصحتهم معًا.
وقد توصل الباحثون لمعلومات دفينة عميقًا في الحمض النووي، كعلامات على القسوة و العبودية و علامات تدل على أن النساء المحتجزات كعبيد كنّ ينجبن الأطفال بشكل مستمر من مالكيهن.
كما توجد علامات للهجرة التي أبعدت أحفادهم عن الظلم والإضطهاد، و اكتشف العلماء أن الأمريكيين ذو الأصل الأفريقي فيما يتعلّق بالوراثة منتشرين على الطرق التي اتخذوها عندما غادروا الجنوب.
وقال الدكتور إستيبان بورشارد وهو عالم وطبيب في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، -بالرغم من عدم مشاركته في هذة الدراسة إلا أنه أكد على أن أهمية هذه الدراسة ليست تاريخية فحسب-، و أضاف: “ إن لها أهمية طبية كبيرة ” لأن وجود الخريطة التفصيلية للاختلافات الجينية بين الأمريكيين الأفارقة، سوف تساعد في إظهار كيف تؤثر الجينات في خطر التعرض لأمراض مختلفة.
و حتى وقت قريب، ركزت معظم البحوث في العلاقة بين الجينات و الأمراض على الأشخاص المنحدرين من أصول أوروبية. و قال أختصاصي علم الوراثة في جامعة ماكجيل في مونتريال سايمون جرافيل: “ نحن نفتقد الكثير من التنوع و البيولوجيا”.
طرح تاريخ الأمريكيون الأفارقة تحديات استثنائية لعلماء الوراثة. خلال وقت تجارة العبيد، تم أسر أسلافهم من التنوع الوراثي لسكان جزء من منطقة غرب أفريقيا. و مما يضيف المزيد من التعقيد، حقيقة أن العديد من الأمريكين الأفارقة قد تنحدر أصولهم من أوروبا أو من سكان أمريكا الأصليين.
قام د. جرافيل و زملاؤه في دراسة جديدة، بتحليل الحمض النووي ل 3,726 أمريكي ذو أصل افريقي شاركوا في ثلاث دراسات طبية منفصلة.حيث كان العلماء قادرين على تحديد امتدادات الحمض النووي التي نشأت في دول مختلفة. وفقًا لحساباتهم، فإن الأسلاف لمتوسط الأمريكيين الأفارقة في الوقت الحالي 82.1 بالمئة أفريقيون و 16.7 بالمئة أوروبيون و 1.2 بالمئة أمريكيون الأصل.
و خمن الدكتور جرافيل و زملاؤه عند تقديمهم هذة الجينات،بأنه عندما تتكون العائلة من والدين من أصول عرقية مختلفة فإن ابنائهم سيتشاركون امتدادات طويلة من الحمض النووي المتطابق.
و على مر الأجيال، تصغر هذة الامتدادات، و يعد طول هذه الامتدادات كنوع من شجرة الأنساب معظم الحمض النووي للأشخاص الأمريكين الأصليين تم تعريفه من قبل الدكتور جرافيل و زملاؤه بإن وجوده في الأمريكيين من أصل افريقي يظهر بشكل قليل نسبيًا. استنتج العلماء بإن معظم الأختلاط بين الأفارقة والأمريكيين الأصليين حدث عندما وصل العبيد للمرة الأولى إلى المستعمرات الأمريكية في أوائل القرن السابع عشر.
من جهة اخرى، الحمض النووي الأوروبي للأمريكيين الأفارقة يظهر في أجزاء أكبر قليلًا،مما يدل على أنه حديث المنشأ، و يعتقد الدكتور جرافيل و زملاؤه بإن ذلك يعود للعقود التي سبقت الحرب الأهلية.
وقد ركز العلماء على كرموسوم ( X ) لما له من أهمية في تحديد الجنس، حيث تورث الأمهات كرموسوم ( X ) بينما من الممكن أن يورث الأب ( X ) او ( Y).ولاحظ الباحثون أن الكرموسوم ( X ) للأمريكيين الأفارقة يعود لأصول أفريقية أكثر من الكرموسومات الأخرى. يعتقد الدكتور جرافيل و زملاؤه بإن هذا الاختلاف يُفسر بإنتاج الأطفال من قبل الرجال الأوروبيين والنساء الأفارقة، وبعبارة أخرى، كان مالكو العبيد يغتصبون النساء المحتجزات لديهم.
وتتضمن قاعدة البيانات التي يدرسها الدكتور جرافيل و زملاؤه معلومات عن مكان تواجد هذة الظاهرة، و استخدم العلماء هذة المعلومات لمساعدتهم في تعقب تحركات الأمريكيين الأفارقة عبر الولايات المتحدة.
وجد الباحثون صلات جينية قوية جدًا بين الأمريكيين الأفارقة في أقصى الجنوب و المتواجدين في الشمال الشرقي والغرب الأوسط. وتميل أوجه الشبه الجينية فيما بينهم لتجمعهم حول خطوط القطارات وهي نفسها التي اتخذها أسلافهم للمغادرة إلى جنوب جيم كيرو، على سبيل المثال: ولاية إيلينوي الوسطى إلى شيكاغو وساحل المحيط الأطلسي حتى خط الساحل الشرقي.
و قد تفاجأ العلماء عندما اكتشفو أن الأمريكين الأوروبيين الذين يعيشون في الجنوب الآن لهم ارتباطًا قويًا بالأمريكيين الأفارقة في الشمال او الغرب ،أكثر من الأمريكيين الأفارقة المتواجدين حاليًا في الجنوب. قدّم د. جرافيل تفسيرًا مدهشًا حيث قال: “ إن أوائل الذين هاجروا من الجنوب هم الذين يحملون أصول أوروبية بشكل أكثر”
ألوندرا نيلسون، عميدة العلوم الاجتماعية في جامعة كولومبيا ومؤلفة كتاب ” الحياة الاجتماعية للحمض النووي: العِرق، الإصلاحات، والمصالحة بعد الجينوم”، قالت إنها لا تعتقد أن النتيجة ساهمت بشكل كبير في فهم من هم الذين غادروا الجنوب ولماذا. و أشارت بأن الباحثين في هذة الدراسة قد وجدوا 1 بالمئة فقط من الأصول الأوروبية في الأمريكيين الأفارقة الذين غادروا الجنوب.
وأشار الدكتور نيلسون أن المؤرخين يُقبلون بشكل متزايد للتعاون على الدراسات الجينية مثل هذه، ولكن الدراسة الجديدة لا تتضمن مؤرخ من بين مؤلفيها.
و اضافت “ إن نوايا الإنسان حول الهروب من الإرهاب العنصري من الممكن أن لا نستطيع خفضها إلى الطراز العرقي” و أكملت: “ إن كنت مهتما بفهم الهجرة العظمى فإنها فرصة هائلة.”
قال معدو الدراسة الجديدة أن الاختلافات الجينية للأمريكين الأفارقة في جميع أنحاء الولايات المتحدة قد تكون مهمة للبحوث الطبية. الباحثون الذين يرغبون بدراسة تأثير الجينات في الأمراض على الأمريكيين الأفارقة فيجب عليهم أن يكونوا على علم بمكان وجود و عيش هذة العينات.
سألت اميوري كيني ، أختصاصية علم الوراثة في مدرسة الطب ماونت سيناي في نيويورك و إحدى المشاركات في تأليف الدراسة الجديدة : “ إذا كنت تطبقين دراستك على حالات من شيكاغو، هل تستطيعين استخدام الضوابط المستخدمة في ولاية كارولينا الجنوبية؟” ,أجابت: “ أعتقد أن هذه الدراسة تشير عليك بإن تكون حذرًا جدًا حول هذا الأمر”
وقال دكتور بورشار من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، إن فهم جينات الأمريكيين الأفارقة بشكل أفضل يؤدي إلى اكتشافات من الممكن أن تعود بالفائدة على الجميع. فعلى سبيل المثال وجد العلماء طفرة جينية نادرة في امرأة امريكية من أصل افريقي، أدى انخفاض مستوى الكوليسترول في الدم لديها إلى اكتشاف دواء واعد لمرض القلب.
أكمل د. بورشار قائلًا: “ و من العجيب إن كان له صلة بجميع السكان، بغض النظر عن العرق” و أضاف “ إنه مرتبط بك سواًء كنت أوروبي او أفريقي او آسيوي، أو كنت وردي او أبيض او أزرق او أخضر.”