هوفيك حبشيان
الاثنين الماضي ودعت السينما المصرية رمزاً من أهم رموزها: الممثلة هند
رستم التي كانت تبلغ 82 عاماً. ولدت رستم في الاسكندرية من أب تركي وأم
مصرية. اهتمت بالسينما والفنون في سن مبكرة، وظهر لديها ميلٌ الى الغناء
والرقص مذ كانت على مقاعد الدراسة. بدأت حياتها المهنية في آواخر اربعينات
القرن الماضي واستمرت بها حتى عام 1979، تاريخ اعتزالها السينما. على مدار
هذه السنوات كلها قدمت نحو 80 فيلماً، فيها اعمال جديرة بالأهمية واعمال
جيدة وأخرى هابطة.
انخرطت رستم في الأوساط السينمائية وهي لا تزال
مراهقة. لفتت الانتباه وهي تمضي معظم وقتها في ستوديوات التصوير، فمُنحت
دوراً مقتضباً في "أزهار وأشواك" لمحمد عبد الجواد. كانت هذه فاتحة
لمشاركتها في عدد كبير من الأدوار الصغيرة والقصيرة التي بلغت بعض الأحيان
حدّ الكومبارس. ثم كانت اطلالة لها في فيلم "غزل البنات" مع نجيب الريحاني
ويوسف وهبي وليلى مراد التي تشاركت معها في مقطع غنائي اسمه "اتمخطري يا
خيل" الذي لفت الأنظار. وفي العام التالي، أطلت في باكورة اعمال يوسف
شاهين السينمائية، "بابا أمين". كانت تبلغ من العمر 21 عاماً، في حين كان
شاهين لم يتخط الرابعة والعشرين.
توالت الأدوار المختلفة في أفلام "لا
أنام" و"اعترافات زوجة" و"اللقاء الأخير"، و"بنات الليل" و"انت حبيبي" مع
النجم الغنائي فريد الأطرش، و"العقل زينة" لحسن رضا الذي تزوجته وانجبت منه
طفلة. في بعض هذه الأفلام لعبت أدواراً أولى أما في بعضها الآخر فكانت لها
اطلالات متفاوتة المدة وخاطفة. الى أن حالفها الحظ للعمل مجدداً تحت ادارة
شاهين الذي كان سيقدم أحد اروع أفلامه وايضاً احد كلاسيكيات السينما
المصرية، والمقصود هو "باب الحديد". فيه سيضطلع شاهين بدور قناوي، بائع
الصحف الذي تثيره هنومة، الفتاة المخطوبة من فريد شوقي. وطبعاً، كان اسناد
دور هنومة الى هند رستم ضربة معلم من جانب شاهين لأنها عرفت كيف تصنع شخصية
كاملة متكاملة وتتحول عبرها رمزاً للأنوثة الحارقة والاغراء بسبب ما كانت
تملكه من جمال، ما جعلها تُعرَف بـ"ماريلين مونرو المصرية". سحرها فاز
بقلوب الناس، فاستطاعت مخاطبة أكثر من جيل من المشاهدين العرب، ولا سيما من
كان في عزّ شبابه في مرحلة الستينات من القرن الماضي.
في زمن لم تكن
رائجة بعد ظاهرة المطربات شبه المتعريات، أعتُبرت رستم نجمة اغراء، وعوُملت
على هذا الاساس من جانب الصحافة، على رغم ان الكثير من أدوارها ابتعد عن
شخصية المرأة التي تعتمد على مفاتنها. جمالها المختلط وملامحها الغربية
جعلاها تنافس ممثلات من مستوى فاتن حمامة، التي حملت بدورها لقب آخر، سيدة
الشاشة العربية. طبعاً، كل الألقاب التي اطلقتها عليها صحافة مشغولة بتصنيف
الفنانين، اعادت وشكلت مصدر استياء لدى رستم، عندما بلغت مرحلة متقدمة من
عمرها وصارت الأزمنة في السينما المصرية أكثر ميلاً للمحافظة والتدين،
لكنها أقرت بأنها كانت مفيدة لمسارها في تلك الفترة. بيد انه من الواضح ان
جزءاً اساسياً من صيتها جاء من مضامين الأفلام بذاتها، التي كانت على قدر
معين من الجرأة في طرح اشكاليات ذلك العصر، طبعاً "جرأة" بالنسبة الى
معايير تلك الحقبة الزمنية.
وبعدما مثلت في بعض الأفلام التي كان من
شأنها أن تدخل نطاق "أفضل أفلام السينما المصرية"، مثل "صراع في الوادي"،
و"بين السماء والأرض" و"شفيقة القبطية"، "وخروج من الجنة" و"امرأة على
الهامش"، اعتزلت رستم السينما عام 1979 وهي تبلغ الخمسين من العمر بفيلم
"حياتي عذاب"، لتهب حياتها الى زوجها الثاني الذي عاشت معه ما يقارب
الخمسين عاماً. وقالت عنه في احدى اطلالاتها الأخيرة في التلفزيون المصري
ضمن برنامج محمود سعد: "كان رجلاً عظيماً يستأهل هذه التضحية ولم أندم ولو
للحظة على قرار اعتزالي لأنني أردت أن أتفرغ لزوجي ولبيتي ووقفت بجانبه
وسافرت معه لأن شغله كان يفرض عليّ أن أتفرغ له". وفي المقابلة نفسها، قالت
انها لم تحب المال يوماً ولم تدخر منه شيئاً وانها لم تشعر بالاكتئاب في
حياتها لأنها لم تترك الهموم تنال منها، بل انها قاومت كل المصاعب بالعودة
الى ذكرياتها الشخصية والمهنية.