** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 التعريب وأسئلته الحارقة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الكرخ
فريق العمـــــل *****
الكرخ


عدد الرسائل : 964

الموقع : الكرخ
تاريخ التسجيل : 16/06/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 4

التعريب وأسئلته الحارقة Empty
05062012
مُساهمةالتعريب وأسئلته الحارقة

التعريب
وأسئلته الحارقة




محمد بنضو



لا يزال
كثيرون يعتبرون كل حديث عن اللغة وعن الوضع اللغوي في المغرب من اختصاص المتأدبين
والمتفيقهين في ترف الكلام ونافلته، في الوقت الذي يجب أن يكون هذا الحديث أولى
الأوليات بالنسبة لكل فئات الشعب المغربي بشرائحه الاجتماعية المختلفة، وأولى
الأولويات لمنتدياته السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية، لما لذلك من
مردودية على المغرب والمغاربة على جميع الأصعدة، بحيث لا يمكن تحقيق تنمية فعلية
بدون لغة فاعلة قائمة بكامل وظائفها التواصلية والعلمية والتعليمية والاقتصادية
والدينية على أكمل وجه. والحال أن الوضع اللغوي في المغرب على غير ذلك، فلا هو على
اللغة العربية إلا من حيث المرجعيات التراثية والدينية، ولا هو على لغة ثانية
عالمية تؤمن اتصاله المباشر مع آخر مستحدثات العلم والتكنولوجيا المعاصرة، وتؤهله
للاندماج في العالمية والعولمة المرتقبة، ولا هو على لغة وطنية تداولية تواصلية
تساهم في تأصيل العلوم والمعارف الحديثة والمعاصرة وتنتقل بثقافتنا الشعبية إلى
مستوى الثقافات العقلانية والحداثية، وتساعد على نشر وتحديث ثقافاتنا الجماهيرية
ليقع عليها الإجماع وتكون بذلك لغة الإدماج في التعبئة من أجل التنمية. بل إن
المغاربة مضطربون أيما اضطراب إزاء هذه الإشكالية، فتجدهم منقسمين على أنفسهم بين
من لا يرى الفضل كل الفضل إلا في اللغة الفرنسية، ومن يرى كل الفضل في اللغة العربية
الفصحى القديمة أو الحديثة، ومن لا يرى الفضل إلا في تدريس اللغات الأمازيغية أو
العربية الدارجة…



هذا
الارتباك الواضح والتردد المفعم بالحيرة والتشتت المزمن في سياستنا اللغوية سواء
في ميداني التعليم والتربية والتكوين أو في ميدان تدبير الشأن العام، ما كان يمكن
أن نكون أسراه اليوم لو فتح نقاش وطني بالمرونة المطلوبة، وبالموضوعية والجدية
اللازمتين منذ مغرب الاستقلال. أما فرض سياسة "الأمر الواقع" و"ليس
بالإمكان أكثر مما كان" كما تراها ثلة من المحافظين المدبرين أمرنا بالأمس
واليوم، في غياب كل نظرة استشرافية لقضايانا التنموية والفكرية والثقافية، إنما
يوغل واقعنا اللغوي ورهاناتنا التعليمية ومخططاتنا التنموية في مزيد من اللاجدوى
والعبث الاجتماعي.



وأكثر من
هذا وذاك فإن النقاشات التي تمت في هذا الباب ظلت تختزل الإشكال اللغوي، بكل ثقله
وظلاله على حياتنا اليومية الثقافية والعلمية والفكرية والتنموية، في إحدى
الإشكاليات اللغوية الضيقة: "التعريب" وبالضبط تعريب بعض المواد
العلمية-التعليمية والتي كانت تلقن باللغة الفرنسية. بل أحيانا ما تنحرف هذه
السياسة التعريبية إلى صراع حول بعض المواقع، لا بين اللغتين العربية الفصحى
والفرنسية فحسب، بل بين بعض الفئات الاجتماعية التي تختزل كل الإشكال في مصالحها
الخاصة والمرحلية ولو كان ذلك على حساب مقومات هذا الوطن وتنميته وتقدمه.



وأخيرا،
ينضاف إلى كل ذلك بعض المزايدات السياسية التي لا يهمها من الأمر كله إلا خلخلة
بعض الثوابت وخلق مواقع جديدة لا تخدم بأي حال مصالحنا التنموية المستقبلية، ولا
يمكن أن تعود علينا بكبير نفع في زمن السباق مع العولمة.



أي تعريب لأي أفق؟



في هذا
المقام نميز بدءا بين التعريب والترجمة، فإذا كانت الترجمة تعني نقل نص من اللغة
العربية إلى لغة أجنبية أو من لغة أجنبية إلى اللغة العربية، فإننا لا نعني
بالتعريب الترجمة والنقل من اللغة الأجنبية إلى العربية، كما يذهب إلى ذلك كثيرون،
كما لا نعني به الاكتفاء بتحوير بعض الكلمات الأجنبية إلى ما ينسجم والنطق العربي
صوتيا وصواتيا وصرفا وإعرابا، يقول العلايلي: "التعريب في علم اللغة نقل الكلمة
الأعجمية وإجراؤها على منهاج العربية وأبنيتها. ويطلق اليوم خطأ على ما يرادف
الترجمة"[i]،
ولكن نقصد بالتعريب، في هذا المقام، تدريس العلم والتكنولوجيا والإدارة والتدبير
والتجارة والاقتصاد والفن والفكر والرياضة وبصفة عامة، مختلف فنون المعرفة
والتكوين، بـ"اللغة العربية" بعد استيعابها في لغتها المصدر من طرف
باحثين وأكاديميين ومدرسين عرب قادرين على التعبير في وبلغتهم العربية عن هذه
الحقول المعرفية بطلاقة ويسر، وقادرين على إيصال جوهر ولب هذه المعارف إلى
المتعلمين والمكونين، لا مترجمين وناقلين فقط، بل معتملين ومنفعلين بما –ومع ما-
يقرؤون ويدرسون. وبذلك يكون التعريب عملية إبداع وابتكار وارتباط حميمي بالواقع
اليومي للمجتمع العربي، لأن الهدف من التعريب ليس هو نقل المعرفة من أجل المعرفة
فقط، وإلا فسيان أن يكون باللغة العربية أو باللغات الأجنبية، ولكن الهدف هو تمكين
السواد الأعظم من أفراد الشعب من إدراك جوهر العقلانية الحديثة ولب الحداثة
التقنوية المعاصرة قصد فك العزلة الثقافية الماضوية عنهم، وهو عمل ليس بالهين، مما
يجعل العملية لا تتوقف عند حدود القرار التقني أو القرار السياسي-القومي كما يذهب
إلى ذلك الأستاذ عبد الله العروي[ii]
وآخرون، وإنما تتعدى ذلك إلى ضرورة أن يكون التعريب حاجة اجتماعية وسياسية ووطنية
ثقافية وتاريخية، مما يحتم تعبئة حقيقية في كل الأوساط، في أوساط الجامعيين
الأكاديميين كما في أوساط مختلف طبقات المجتمعات العربية..



صحيح أنه لا
يمكن أن يحل الإشكال اللغوي في معزل عن سياسة لغوية عامة شمولية، وصحيح أن التعريب
مدخل –من بين مداخل متعددة- لتصحيح الإشكال اللغوي في العالم العربي. لكن عن أي
تعريب نتحدث وعن أية عربية نتحدث، فصحى كلاسيكية؟ فصحى حديثة؟ عربية دارجة/عامية؟
صحيح أن لا تنمية إلا باللغة الأم، لكن عن أية لغة أم نتحدث وعن أية تنمية نتحدث
في غياب نقاش اجتماعي موضوعي يعبئنا جميعا للفعل التنموي والدفاع عن لغتنا
الوطنية، وفي غياب تداول هذا الأمر علميا وموضوعيا، بعيدا عن المزايدات
الإيديولوجية وعن التعصب والشوفينية المقيتين؟



ومهما يكن،
فإن التعريب يعتبر إحدى القضايا الأكثر حساسية في معالجة الوضع اللغوي المغربي
والتي أسالت الكثير من المداد على مدى عقود دون أن تجزم أو تفصل فيه سياسة تعليمية
سابقة أو لاحقة. ذلك أنه يمثل بذاته إحدى أكبر الإشكاليات الحارقة في عالمنا
العربي؛ فهو يثير –وما يزال- الكثير من النقاشات السياسية والعلمية، منها ما ديدنه
البحث العلمي الموضوعي، ومنها ما يميل كل الميل مع هوى النفس، من الإعجاب حد
التقديس،أو التبخيس إلى حد حب الهدم والنسف لاعتبارات لا يهمنا سردها بقدر ما
يهمنا التأمل في قضية التعريب من جديد عسى أن نساهم في حوار وطني/قومي جدي حول هذه
القضية الشائكة.



الرؤى
التعريبية؟




لم تعد
التحديات –في قضية التعريب- تقف عند حدود إشكاليات ومداخل تطبيق بنود التعريب ومقتضياتها
وكيفية تصريفها، وإنما تعدت ذلك إلى محاولة دس كل أنواع التشكيك في قدرة اللغة
العربية على أن تكون لغة المغاربة المفضلة خاصة إذا كان مصدر هذا التشكيك عددا من
الفعاليات السياسية والثقافية. وقد بدأ الإجماع الذي عرفه مغرب الأمس، مغرب
الاستقلال وغداة الاستقلال، يعرف بعضا من المنازلات والمشاحنات بين الإخوة
الأعداء.. مغاربة "مفرنسين" ومغاربة "متمزغين" ومغاربة
"مدرجين" (نسبة إلى الدارجة".



وللحقيقة
فإن تعدد المواقف من موضوعة التعريب تمليه عدة اعتبارات منها ما يؤطره اختلاف
العقليات ومنها ما يؤطره اختلاف المرجعيات الثقافية ومنها ما يؤطره اختلاف العلوم
المتكأ عليها.



فالناظر
إليه من وجهة نظر العقلية المحافظة يجد أن التعريب يكون بالانطلاق من الحاضر في
اتجاه الماضي ويبحث عن مقابل كل مخترع عند الغربيين وغيرهم في الرصيد المعجمي
العربي الكلاسيكي ولو لم يكن من العربي ذاته وإنما من المستعرب. وإذا عجز، بحث في
قواعد التوليد والاشتقاق القديمة معتمدا الجذر العربي الأصيل.



وفريق ثان،
أسميهم "الحداثويين" (لا التحديثيين)، وهم أولئك الذين ينطلقون من واقع
اللغة العربية في اتجاه الغرب كلية، ويغالون في الإعجاب باللغات الأجنبية وثقافاتها
لدرجة يبحثون معها عن طريقة ينمطون بها اللغة العربية وفق القوالب اللغوية
الفرنسية أو الإنجليزية، أهونها استبدال الحرف العربي بالحرف اللاتيني.



وفريق ثالث
أسميهم "التحديثيون" وهم الذين ينطلقون من ماضي اللغة العربية في اتجاه
حاضرها محاولين الربط بين الزمنين مع ما يطرح ذلك من تحديات ابتعاث بريق الماضي
وتنقية شوائب الحاضر فيعملون على إبقاء السياق اللغوي العربي والتكيف مع مقتضيات
اللغة العلمية العالمية مع الاشتقاق اللغوي ولو من الجذر الأجنبي مخترعين معجما
جديدا لا يحيل بالضروري على ماضي المخترع العربي أو الفارسي وغيرهما..



أما من حيث
المرجعيات الثقافية فإن نظرة رجل الدين الذي يقدس العربية نتيجة ارتباطها الديني
بالإسلام ليست نظرة رجل السياسة والإدارة والاقتصاد الذي يراقب المردودية
والإنتاجية في الانتخابات وإدارة الشأن العام وكذا التكلفة والربح والخسارة..
وليست نظرة رجل الإيديولوجيا الذي يرى في اللغة إحدى مقومات تدبير وحدة الوطن
العربي وركنا أساسيا في الهوية العربية ودعامة أساسية للقومية العربية.



أما من حيث
العلوم الإنسانية والفلسفات المتكأ عليها فإن الاختلاف بين اللساني الذي يرى في
التعريب عمليات تقنية بين اللغة العربية ومجاوراتها ولذلك يهتم بتقنيات المعاجم
والفهرسة والتوليد الدلالي والاشتقاق اللغوي وما يشبه ذلك من العمليات اللسنية
المحضة؛ وبين عالم الاجتماع الذي يرى من المنظور السوسيولوجي إلى التعريب على أنه
أداة لإغناء الثقافة الوطنية بأبعادها المتعددة ودفع أكبر عدد ممكن من المواطنين
للانخراط في عملية التنمية المستديمة وبين عالم النفس التربوي الذي يرى إلى
مردودية التربية والتعليم باللغة الأم على الاستقرار النفسي والمعرفي لدى المتعلم
والمكون وغيرهم كثيرون.



تلك إذن
كلها أسئلة حارقة يخلقها هذا التباعد بين وجهات النظر إلى قضية التعريب في وطننا
نتساءل عن مدى استحضارها في التخطيط لسياسات التعريب على مدار الوطن العربي عامة
وعلى مدار السياسات التعليمية المغربية لو كان هناك تخطيط وسياسات مضبوطة ومعينة؟



كرونولوجيا
المحاولات التعريبية المغربية:



1957:
اللجنة العليا لإصلاح التعليم تنادي بتعريب التعليم الابتدائي.



1958:
اللجنة الملكية لإصلاح التعليم تقرر التراجع عن تعريب الحساب والعلوم.



1960: إحداث
معهد الدراسات والأبحاث للتعريب وإقرار تعريب المواد العلمية في الابتدائي.



1962:
التوقف عن تعريب المواد العلمية في الابتدائي.



1964: مناظرة
المعمورة حيث تقرر اعتماد اللغة العربية في جميع مراحل التعليم.



1966:
العودة إلى الازدواجية في لغة التعليم.



1967:
التراجع عن التعريب.



1970: تعريب
مادة الاجتماعيات والفلسفة في الثانوي، بعد صدور بيان بعض مثقفي المغرب.



1977: إقرار
وزير التعليم أن الازدواجية سبب انخفاض المردودية التعليمية.



1978: تدخل
الملك للإبقاء على الازدواجية اللغوية.



1980:
انطلاق تعريب المواد العلمية في الابتدائي.



1990: توقف
التعريب عند مستوى البكالوريا والإبقاء على التعليم العالي مفرنسا.



1994: تشكيل
اللجنة الوطنية التي نادت في السنة الموالية بتعريب الشأن العام.



1999: إعادة
تشكيل اللجنة الوطنية لإصلاح التعليم: الميثاق الوطني يدعو إلى تعدد لغات التعليم.



هكذا نلاحظ
هذا التردد الكبير الذي عاشته السياسات التعليمية المغربية المتعاقبة على شأنها إذ
كانت كل سياسة تلغي ما تم اتخاذه من القرارات قبلها فنعرب ثم نتراجع لنعرب مرة
أخرى، وهكذا دواليك على مدى عقود الاستقلال إلى اليوم وما نزال.



كما نلاحظ
وضع التعريب كنقيض للثنائية اللغوية في الأذهان: الفرنسية/العربية.. وكأن التعريب
هو القضاء على تدريس اللغات الحية الأخرى. أو كأن الانفتاح على اللغة الأجنبية يعني
"فرنسة" –دون غيرها- ثقافتنا وشأننا العام وكل شيء. في حين يعني
الانفتاح على اللغات الحية الانفتاح على لغات البحث العلمي الحقيقية والتقدم
التكنولوجي المتطور والذي لا تتحكم فيه بالضرورة الفرنسية وحدها بل الإنجليزية
والألمانية واليابانية.



التعريب في الميثاق الوطني للتربية والتكوين:


في حديث
الميثاق الوطني للتربية والتكوين عن المرتكزات الثابتة جاء ما يلي: "عليها
(أي المقدسات: الله الوطن الملك) يربى المواطنون مشبعين بالرغبة في المشاركة
الإيجابية في الشأن العام والخاص وهم واعون أتم الوعي بواجباتهم وحقوقهم، متمكنون
من التواصل باللغة العربية، لغة البلاد الرسمية تعبيرا وكتابة". لن ندخل في
الجدال العقيم حول أية لغة عربية مقصودة بهذا الكلام هل العربية الفصحى أم العربية
الدارجة/العامية المغربية؟ أما إذا كان القصد هو العربية الفصحى فإن للنقاش أكثر
من مراجعة ليس هذا مقام مطارحته، أبسطها أيها عربية فصحى نقصد؟ هل الفصحى الحديثة
أم الفصحى التي تكتفي بالإحالة على لسان العرب وما جاوره من معاجم ذوي السلطان
الأكبر؟ وفي الحالتين الأخيرتين فإن تحقيق التواصل باللغة العربية الفصحى هو ما لم
يتحقق أبدا في تاريخ اللغة العربية الفصحى خارج قريش وما جاورها، وإلا لما ظلت
معاجمها وقواعدها جامدة كل هذه القرون. وللوصول اليوم إلى هذا التواصل اللغوي، فإن
الأمر يقتضي تدريس كل مواطني العالم العربي إلى ما لا يقل عن الإجازة في التعليم
العالي من قسم اللغة العربية وثقافتها ليتمكنوا من التواصل بها نسبيا، وهو رأس
المستحيلات السبع! أو نهجر الفصحى إلى عربية مرنة متطورة محكية كما تمارسها الشعوب
العربية في التواصل اليومي، شريطة الانتقال بها إلى مستوى اللغات العالمة المنظمة
المدونة.



أسئلة
إشكالية ليس هذا مجال إثارة كل ملابساتها ولو أن معالجة قضية التعريب لا يمكن أن
تتم خارج معالجة الوضع اللغوي العربي بصفة عامة، كما لا يمكن معالجة هذا الوضع
خارج حل تداولي تعبوي قومي لهذه الإشكالية.



في الدعامة
التاسعة التي خصها الميثاق للمسألة اللغوية نص البند 111 على ضرورة تجديد تعليم
العربية وإلزاميته لكل المغاربة مع مراعاة الاتفاقيات مع البعثات الأجنبية. وهذا
كلام وجيه وإن لم تكن فيه أية حظوة للغة العربية أخذا بأنها اللغة الرسمية
والوطنية دستوريا وتاريخيا، على اعتبار أن هذا الكلام الجميل أضعاف مضاعفة منه قيل
في حق تدريس اللغات الأجنبية تحت عنوان التحكم في اللغات الأجنبية: نصف صفحة، ص51،
مقابل صفحة ونصف: ص53 وص54. لكن، وبما أننا أمام التعريب وليس أمام تدريس اللغة
العربية فإننا نضرب صفحا عن كل الكلام "الجميل المدبج" الذي تم تدبيجه
في تدريس اللغة العربية ونؤجل الحديث عنه إلى مناسبة أخرى.



يطرح
التعريب في الميثاق الوطني سؤالا كبيرا لا يمكن الفصل فيه بمحاسبة النوايا
المضمرة، وإلا فإن الميثاق الوطني للتربية والتكوين تفادى استعمال مصطلح التعريب
قطعا، وعوضه استعمل عبارة "الاستعداد لفتح شعب للبحث العلمي المتطور والتعليم
العالي باللغة العربية" ص51. هل صار هذا المصطلح بكل حمولته الوطنية والقومية
يشكل إحراجا؟ هل هناك، من داخل اللجنة الوطنية لإصلاح التعليم أو من خارجها، من
يقاوم التعريب ويريد أن يلتف عليه بإغراقه في الملتبس من الكلام؟



في البند
112 تتحدث وثيقة الميثاق الوطني للتربية والتكوين عن فتح شعب علمية باللغة العربية
"مستقبلا" في إطار مشروع يرتكز على (شروط؟): تنمية متواصلة للنسق
اللساني العربي –تشجيع حركة "رفيعة" في الإنتاج والترجمة. وهذان
المرتكزان، على حد علمي، لا يمكن التحكم فيهما على المدى المنظور. وربما هذا هو
الذي جعل الميثاق يتهرب من تحديد سقف زمني منظور عكس ما فعله مع قضايا أخرى شبيهة
كثيرة حددها ضمن العشرية المقبلة. وإذا أضفنا إلى ذلك صبغة العمومية والغموض
اللذين يلفان بعض الكلمات –التنمية (متى نعتبر وصولنا إليها)، "رفيعة"،
"استيعاب مكتسبات التطور العلمي"، "عربية واضحة".. (ما
المقاييس؟)- واللذين يلفان بعض هذه المرتكزات/الشروط، فهمنا مدى الركون إلى تأجيل
النقاش وتأجيل أي قرار واضح إلى أجل غير مسمى كما عودتنا على ذلك السياسات
التعليمية السابقة المتسمة بالتردد والارتجالية، وربما رفعه وتجنبه كلية ما دام
المستقبل القريب سيحسم لصالح أنساق لغوية أخرى بالنظر إلى الواقع الحالي. كيف ذلك؟



تنص المادة
114 على ضرورة "فتح شعب اختيارية للتعليم العلمي والتقني والبيداغوجي على
مستوى الجامعات باللغة العربية" بشروط "توافر المرجعيات البيداغوجية الجيدة
والمكونين الكفاة" ويقابل هذا في نفس البند فتح شعب اختيارية عالية التخصص
للبحث والتكوين باللغة الأجنبية الأكثر نفعا وجدوى من حيث العطاء العلمي ويسر
التواصل. ولكن هذه المرة بدون قيد أو شرط؟ بمعنى أننا نشرط التعريب الجامعي بشروط
تعجيزية، في حين نيسر أمر التعليم العالي باللغات الأجنبية؟ أي حظوة إذن للغة
الرسمية وللغة الوطنية دستوريا؟



ويلي ذلك
مباشرة الحديث عن تراجع تعريب بعض المجزوءات العلمية والتقنية الأكثر تخصصا من سلك
البكالوريا بدعوى الحرص على إرساء الجسور الصالحة واللائقة من التعليم الثانوي إلى
التعليم العالي.



يقول
الميثاق: "ويتم أيضا، على مستوى التعليم العالي، فتح شعب اختيارية عالية
التخصص للبحث والتكوين باللغة الأجنبية الأكثر نفعا وجدوى من حيث العطاء العلمي
ويسر التواصل".



وفي إطار
هذا التوجه، وحرصا على إرساء الجسور الصالحة واللائقة من التعليم الثانوي إلى
التعليم العالي، واعتمادا على توجيه تربوي قويم وفعال، وضمانا لأوفر حظوظ النجاح
الأكاديمي والمهني للمتعلمين، يتم تدريس الوحدات والمجزوءات العلمية والتقنية
الأكثر تخصصا من سلك البكالوريا باللغة المستعملة في الشعب والتخصصات المتاحة
لتوجيه التلاميذ إليها في التعليم العالي."وإذا علمنا أن المواد التي مسها
التعريب الأعرج في الإعدادي والثانوي لا تعدو الرياضيات والفيزياء والعلوم
الطبيعية بطل العجب، في الوقت الذي ظلت فيه مواد التعليم التقني والاقتصادي
والتجاري والإداري بل والرياضة تدرس باللغة الأجنبية. وهذه هي التي ينتظر أن تشكل
شعبها النسبة الأكبر بعد تطبيق المخطط الوطني الجديد لمراجعة البرامج والمناهج
التعليمية الذي تم الإعلان عن انطلاق أشغاله يوم 06 فبراير 2001.



لا أحد
يجادل اليوم في أهمية تدريس اللغات الأجنبية، وحتى غلاة المحافظين، ولم تكن
ثقافتنا الأصيلة أبدا ضد الانفتاح على اللغات الأجنبية، خاصة منها الأكثر نفعا في
البحث العلمي والتكنولوجي والتواصل الدولي في ميادين الاقتصاد والعلوم المتطورة
والدقيقة، وإن كنا نختلف حول أيها أكثر أهمية، الفرنسية أم الإنجليزية أم
الألمانية؟ لكن ما نخشاه هنا هو هذا الوضوح في الرؤية إلى تعليم اللغات الأجنبية
مقابل غموضها في تعليم اللغة العربية والتعريب. فقد حدد الميثاق كل الشروط البيداغوجية
والتعليمية والتربوية لتشجيع الإقبال على اللغات الأجنبية في حين قابل كل ما يتعلق
باللغة العربية بالتسويق باستثناء فتح أكاديمية اللغة العربية التي حدد لها الموسم
الدراسي 01-00 وكأننا نكرر تجربة تأسيس معهد الدراسات والأبحاث للتعريب سنة 1960.
فهل الداء في اللغة العربية ذاتها كما يوهموننا بذلك أم الداء فينا؟



هذا من جهة،
ومن جهة أخرى فإن السادة الأكاديميين والجامعيين المساهمين في وضع الميثاق الوطني
أدرى بالطرق البيداغوجية الحديثة والمتطورة جدا والأقل كلفة التي تعتمدها بعض
اللغات الغربية في تعليمها وتعلمها كالطوافل
والتي تيسر تعلم هذه اللغات الأجنبية في أقل من ثلاث سنوات من الدروس
الليلية فكيف لا يمكن ذلك في الدروس العادية والأساسية أو حتى لنجعلها في أربع أو
ست سنوات. لماذا إذن هذا الإلحاح على فرض تعميم تعلم اللغات الأجنبية على كل
التلاميذ المغاربة من سنواتهم الأولى إلى سنواتهم الجامعية العالية وعلى مدى حوالي
20 عاما أو أكثر؟ حتى إنهم يصيرون أقوى من أبناء اللغة الأم أحيانا.. بل ونفاخر
بهم –وكأن ذلك مدعاة للفخر.



لماذا إذن
كل هذا العمر في تحصيل لغات يحصلها غيرنا في أيام معدودة؟ هل يأخذ التلميذ شيئا
آخر غير اللغة مع ما يشكل ذلك من هدر لطاقاتنا ومواردنا، ومن خطر على انسجامنا
الثقافي؟ ذاك ما أجد صعوبة في استبعاده.



قضية ثالثة
وتتعلق بالخلط الذي يقع دائما بين الأهداف من التعريب والأهداف من البحث العلمي
والأكاديمي التقني. إن الأهداف من التعريب ليست هي برهنة أو إثبات قدرة اللغة
العربية على استيعاب العلوم الحديثة لأن مثل هذا الكلام لا يقول به إلا كل بعيد عن
اللسانيات الحديثة وعلومها الدقيقة، وليست هي المساهمة في تطوير هذه اللغة أو فتح
آفاق جديدة أمامها، لأن المسؤول عن ذلك ليس هو اللغة ذاتها وإنما شعبها
ومتكلميها.. لكنما الأهداف من التعريب هي تقريب العلوم الحديثة والحداثة والمنطق
العقلاني المتطور من أوسع الطاقات الجماهيرية مساهمة في تطوير ثقافته وهويته
والدفع بها إلى التحديد العقلاني الحداثي، لأن الهوية ليست أبدا جامدة والثقافة
ليست أبدا قارة، إنما هي تحول مستمر إلى الأمام. فإما أن نتحكم في هذا التحول قصد
الإسراع به إلى ثقافة حداثية منطلقة منشرحة منفتحة، وإما أن نحكم عليها
بالانغلاقية فالتغريبية الفجة..



إن التلميذ
الذي لم يدرس التوالد والصحة الإنجابية بلغته "الأم": عربية مرنة ومبسطة
جدا، لا يمكن بتاتا أن تكتسي ثقافته، بمفهومها الأنثروبولوجي الواسع وليس التعليمي
المعرفي، في هذا المجال، بعدها العقلاني والحداثي.. وسيظل أسير ثقافته المجتمعية
المبنية على عصارات الماضي السفلي الباهر، فتتزاوج فيه الأصالة والمعاصرة بمفهومها
الفج، حيث تتراكب شخصيتان: شخصية الجامعي الأكاديمي ذي المعارف المتطورة جدا والتي
يدلي بها كل شهر للحصول على راتبه، وشخصية الرجل التقليدي الذي يخاف من الجن ويؤمن
بامتلاك زوجته وأبنائه ويعتبر جور ذوي السلطان قضاء وقدرا.



ورابعة
الأثافي، لو في الأثافي أربعة –ولا شك أن قدرنا ثقيل- هي أن البحث العلمي له
نخبته. وهذه النخبة لا يمكن أن يعوزها تعلم لغة البحث العلمي الأجنبية ولو بعد عمر
متأخر. إذن فمصدر الخوف من ضياع البحث العلمي بسبب التعريب لا مجال للتعلل به في
هذا الباب، وإنما الذي خلد في الأذهان هو أن كل تلميذ ولج أبواب المدرسة هو لا
محالة خريج التعليم العالي والبحث العلمي على مذهب مثالية ماركسية بورديو، وكأن كل
تلامذتنا، أو حتى جلهم يصلون إلى التعليم العالي والحال عكس ذل،. بل مستحيل التحقق
حتى في مدينة أفلاطون. فالبحث العلمي الأكاديمي تمارسه النخبة التي بإمكانها
بسهولة تجاوز عرقال اللغة والتواصل بأي لغة علمية كانت، وبالأحرى اللغة الإنجليزية
التي تقتحم علينا اليوم كل أمكنتنا بفضل قوة برامجها التعليمية في الكتب والمحطات
التلفزية والأقراص المضغوطة والأنترنيت وبمختلف التكنولوجيات المتطورة..



التعريب في
وثائق افتتاح عملية مراجعة المناهج والبرامج التربوية:



رغم أن
الوثيقة خصت المادة الثانية لتحديد بعض مجالات مراجعة المناهج فإنها لم تشر لا من
قريب ولا من بعيد إلى قضية التعريب حتى وهي تخصص بندا كاملا لمجالات التجديد في
إصلاح نظام التربية والتكوين والذي فصلته في ستة بنود فرعية: الجذع المشترك،
الامتحانات، اعتماد التكنولوجيات الجديدة، التكوين الأساسي للأطر، دعائم التعليم
الأولي، واكتفت بإشارات تعميمية إلى "تدريس وتعلم اللغات".



وإذا كانت
الورقة تقترح تدريس الأمازيغية منذ التعليم الأولي والسلك الأول من الابتدائي
واللغة الأجنبية الأولى منذ السنة الثانية من السلك الأول ابتدائي والأجنبية
الثانية منذ السنة الأولى من السلك الإعدادي.. فإنها لم تشر لا من قريب ولا من
بعيد إلى لغة التدريس في مختلف أسلاك التعليم وشعبه هل هي عربية أم فرنسية أم
إنجليزية.. بل هي تغاضت حتى عن ما أشار الميثاق الوطني للتربية والتكوين كما بينا
سلفا.



هناك إذن
احتمالان: إما أن الوثيقة لا تريد الخوض في الموضوع على اعتبار أنه تحصيل حاصل ما
دام واقع التعريب قائما لا يحتاج مراجعة، وهذه ضربة موجعة، إذ هناك إجماع ومنذ مدة
على أنه تعريب أعرج لعدة اعتبارات، وهذا ما يقتضي إيلاءه الاهتمام الحقيقي من أجل
التقويم والإصلاح لا إرجاؤه على اعتبار أنه ليس في الإمكان أحسن مما كان. وإما أن
الوثيقة لم تستطع أن تفصل بعد في المسألة، ربما لحساسيتها المفرطة وهي في هذه
الحالة تضعنا أمام ضربة موجهة أخرى. ذلك أن قرارات مصيرية تهم مستقبل البلاد
والعباد لا يمكن تأجيل النقاش فيها إلى المداولات التقنية، بل إلى دراسات ميدانية
وبحوث أكاديمية تقنية وقياسات بيداغوجية ديداكتيكية تربوية،وهذا ما لم تعمل بعد
كثير من الأوساط السياسية على الإيمان به والأحرى الفعل من أجله.



أعتقد أن حل
إشكال التعريب في المغرب –وغيره من البلدان العربية- يبدأ بحل إشكالات الوضع
اللغوي المغربي، وحل هذه الإشكالات لا يمكن أن يتم في معزل عن السؤال الثقافي
والاقتصادي والاجتماعي قبل أسئلة الإيديولوجيا والسياسة وفي معزل عن المؤسسات
التأطيرية المجتمعية. وبذلك نضمن أن يكون الهم جماعيا لا خطاب النخبة السياسية أو
الأكاديمية مع ضرورة اعتماد البحوث العلمية الموضوعية التي ترصد نبض الشعب
ومتطلبات تنميته وتحديثه، وللوصول إلى كل ذلك لا بد من التعبئة المؤسساتية عوض
العمل الفردي لبعض الأكاديميين الذين تتروى بحوثهم في زوايا الخزانات والمكتبات
تعانق الرطوبة والنقع.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

التعريب وأسئلته الحارقة :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

التعريب وأسئلته الحارقة

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: