الحرب النفسية ظاهرة قديمة قدم الجنس البشري والحرب
النفسية والدعاية كلتاهما قديمة قدم التاريخ الإنساني ولكن أخذتا في العصر
الحديث طابع التخصص مما جعلهما يظهران كموضوعين مستقلين ،ويعطينا التاريخ
عديد الادلة التي تؤكد ذلك ، ففي عهد الفراعنة عندما اردا تحوتمس الثالث
الاستيلاء على يافا في فلسطين ، وجد الامر عسيرا نظرا لمناعة المدينة وعلو
أسوارها ، فلجا الى الخديعة والحيلة ، فطلب تحوتمس من حاكم يافا اللقاء به
لبحث أمر هام فقبل حاكم يافا بلقاء عدوه تحوتمس الثالث ، وعندما اجتمع
الاثنان عرض تحوتمس على حاكم يافا أنه يملك عصا سحرية يستطيع بها أن يغير
الأشياء ، انطلت الحيلة على حاكم يافا وطلب من الفرعون أن يريه هذه العصا
السحرية ، فقبل تحوتمس بشرط أن يكونا على انفراد ولما انفرد به سدد تحوتمس
لحاكم يافا ضربة قاضية أودت بحياته ، وبذلك استطاع تحوتمس بهذه الحيلة أن
يضرب كل مقاومة عند الاهالي فدخل يافا منتصراً .
ومن
تاريخنا العربي تلك القصة المشهورة عن طارق بن زياد عند فتحه لبلاد
الأندلس حيث امر جنوده بحرق السفن كي يقضي على كل أمل في زعزعة الثقة لديهم
وقال قولته المشهورة ايها الجنود العدو أمامكم و البحر وراءكم وليس لكم
والله الا النصر أو الموت ولا يعينكم على النصر الا ما تستخلصون من أيدي
عدوكم وهكذا استطاع الجنود أن يقاتلوا العدو وينتصروا عليه وكانت هذه الحرب
النفسية حربا أيجابية أتت بالنصر كمثال على الإرادة القوية ، برز فيها
التأثير المعنوي وأهميته ودوره في كسب المعركة .
ومن الامثلة المعاصرة
في التاريخ الحديث ذلك المنشور الذي وزعه نابليون قبل نزوله الى الشواطئ
المصرية والذي يطلب فيه التسليم وعدم المقاومة حتى لا يتعرضوا للهلاك ،
والملاحظ أن في تلك الفترة ظلت الحرب النفسية تشكل أحد أنواع الخديعة التي
يلجأ أليها القائد العسكري وقت القتال حتى يستطيع أن يحقق نصرا عسكريا بأقل
تضحية ممكنة حتى بداية الحرب العالمية الأولى ، كانت الحرب النفسية التي
يقوم بها المتحاربون قبل المعركة وأثناءها تهدف الى إضعاف الخصم عن طريق
إضعاف القوة الروحية و النفسية لديه ومن الطرق التي كانت تستعمل آن ذاك
الخداع وبث الذعر وإطلاق الشائعات وتحقير العدو إضافة الى الشتائم .
الحرب النفسية وفترة الحربين العالميتين أثناء
هاتين الحربين تحولت الحرب النفسية من وسيلة عرضية ثانوية الى آلة عسكرية
رئيسية وقد كتب عن تاريخ تلك الحربين إن الحرب النفسية كانت السلاح الذي
كسب الحرب ، وقد شكل ذلك اختباراً للعديد من
التجارب المتعلقة بالحرب
النفسية لأن كل طرف في الحرب أراد أن يضمن انتصاره العسكري بالوسائل
الحربية والنفسية ، واحتلت الحرب النفسية عند الطرفين مكان الصدارة ، وقد
ارتبطت الحرب النفسية في البداية بالصراع العسكري ولكن بدأت معالمها تتضح
في الحرب العالمية الأولى حيث شارك الناس خلف جبهة القتال في المعركة بنفس
القدر الذي شارك فيه الجندي في الجبهة ، ثم بدأت أكثر معالمها وضوحا في
الحرب العالمية الثانية حيث اتسعت جبهة القتال لتشمل العسكريين و المدنيين
معاً ، وبمعنى آخر برزت الحرب النفسية مع تبلور ظاهرة الحرب المسلحة
الشاملة ، أضاف اندلاع الثورة البلشفية سنة 1917 إبعادا جديدة للحرب
النفسية وذلك بظهور أول دولة اشتراكية في التاريخ وذلك للأسباب التالية :-
1.لأن التناقض بين الأنظمة السياسية و الاقتصادية اصبح حاسما .
2.ولأن التناقض بين الإيديولوجيات أصبح حادا ودائما .
3.و لان التناقض الاجتماعي والفكري أصبح واضحا .
احتلت الحرب النفسية عند معسكر النازيين ( المحور ) والحلفاء مكان الصدارة وخاصة عند الطرف الأول وكانت غايتها آنذاك هي :-
1.توجيه الحقد والكره المباشر للعدو وتثبيط معنوياته .
2.إقناع الشعوب بان كل الطرفين يكافح من أجل قضية عادلة للاحتفاظ بالمعنويات مرتفعة .
3.اكتساب صداقة المحايدين وعرض فكرة ان كل طرف على حق .
4.تقوية الصداقة مع الشعوب الحليفة في القتال
5.استطاع
الالمان أن يحققوا الكثير في ميدان الحرب النفسية والدعاية ضد اعدائهم
وفي الميدان الداخلي كان استراتيجية الالمان هي رص صفوف الشعب الالماني في
كتلة واحدة تثير الفزع في العالم اجمع وقد استخدموا الاذاعة كوسيلة للتأثير
على الرأي العام الداخلي والخارجي وذلك بمخاطبة العواطف واثارتها وكانت
العامل الأكبر في بث الرعب في المعارك ، ونجحت الحرب النفسية الالمانية في
تحقيق الاهداف التالية :-
- ردع أي دولة معادية عن التحالف مع دولة معادية أخرى .
- تشجيع الانهيار والتفكك في دولة العدو وإضعاف السيطرة السياسية والاجتماعية ودعم حركات المعارضة .
- دعم روح المقاومة بين القوى المقهورة وإعادة توجيهها سياسيا داخل الدولة .
-
إقناع الشعب الالماني بأن فكرة الحرب هي فكرة سامية وكان المبدأ المتبع
لديهم هو (( لماذا اللجوء الى الوسائل الحربية مادام في الامكان اخضاع
العدو بوسائل أخرى ارخص وأجدى )) .
- وكانوا يطمحون الى أن دمار أمريكا
يمكن تحقيقه من الداخل عبر الحرب النفسية وقد تحقق لهم ثلاثة انتصارات هامة
في المجالات التالية :-
1.في المجال السياسي : حيث جعلوا الرأي العام العالمي يرى أن مصير العالم يتوقف على الاختيار بين الشيوعية والفاشية .
2.في المجال السيكولوجي ( النفسي ) باستخدام الذعر من الشيوعية .
3.في المجال السوقي وذلك بأن تبدوا كل دولة ضحية على أنها هي الضحية الأخيرة.
كذلك
حقق الاتحاد السوفيتي السابق بعض الانتصارات بالحرب النفسية عن طريق خلق
التفرقة من الاعداء وذلك بدفع عناصرهم الى التناحر في ما بينها وذلك تحت
مبدا يجب التوجه الى الحكومات والشعوب معا وخلق الخلافات بينهما واعتماد
تحمل التضحيات واللجوء الى الخدعة والحيلة أو أي شي غير قانوني حتى ينفذوا
الى اتحادات العمل والقيام بالعمل داخلها بأي ثمن ، وذكر أحد قادة الشيوعية
أن رجل الدعاية يقدم أراء كثيرة لفرد واحد وهو غير مثير ولكن المهم هو عرض
رأي واحد لجمع غفير من الناس وذلك ما يؤدي الى اشعال الفتن بين الناس
واعتمدوا على الدعاية بأن الشيوعية هي ( حركة دعم السلام والكفاح
ضد العنصرية ) أما الامريكان فقد اعتمدوا في الحرب النفسية على :-
1.القيام بالدعاية المضادة .
2.القيام بالاعمال الهدامة عن طريق شراء ذمم بعض السكان المحليين وارسال الجواسيس .
3.شن الحرب النفسية ضد العدو باستخدام كل اجهزة الحرب النفسية الحديثة .
4.السيطرة على خدمات المعلومات ووسائل الاعلام .
الحرب النفسية في ضؤ آخر التطورات :-
أوجد
التطور الكبير في صناعة الحرب الحديثة صفة الشمول خاصة بعد التطور الرهيب
في صناعة الأسلحة واصبحت المعارك تشمل كل ما يمكن استخدامه من اسلحة
وامكانيات لكسب الحرب واصبحت الجبهة النفسية والاقتصادية مع العسكرية تشكل
ادوات هامة من الحرب الشاملة ، واصبحت الحرب النفسية مستقلة عن الصراع
العسكري ولم يعد يستخدمها القائد العسكري ولكن استقلت واخذت صورة من صور
القتال السياسي واصبح القتال العسكري عنصرا من عناصرها .
كل ذلك يعكس تطورا حقيقيا في مفهوم الحرب النفسية ووظيفتها وهناك
عوامل أربعة فرضت مفهوما جديدا ووظيفة جديدة :-
1.الالغاء
التدريجي بين الحرب والسلام ، واصبحت الحرب النفسية احد مظاهر المجتمع
المدني في حالة السلم وليس في حالة القتال فقط بل اصبحت تعد لها وتنهي
نتائجها .
2.الالتجاء الى فكرة الطابور الخامس .
3.ظهور فكرة اعادة تثقيف العدو المهزوم بثقافة الطرف المنتصر .
4.استغلال
عملية ( غسل المخ ) بالرغم من الاعتراضات الاخلاقية عليه ، أن الحرب
والسلام يعنيان اليوم مجرد حالات مختلفة لوسائل القوة المتاحة من اجل تحقيق
المصالح الوطنية والانتقال من السلم الى الحرب هو انتقال تشكيل المجتمع
الى الحالة المطلوبة لتحقيق تلك المصالح فليس هناك سلام ابيض كما أنه ليس
هناك حرب سوداء ونحن نعيش في المنطقة الفاصلة بينهما .
عرف العالم في فترة الحرب الباردة اصطلاحات عديدة تتداخل فيما بينها وقد يستحيل احيانا التفريق بينها : -
( دعاية ، حرب نفسية ، حرب باردة ، حرب ايديولوجية ، حرب معلومات ، حرب عقائدية ، تسميم سياسي ، غسيل مخ ... الخ..
هذا
التعدد في الاصطلاحات ، ورغم غموضها فهو يعكس حقيقة وهي ان التفاعل النفسي
اضحى اداة من ادوات السيطرة على ارادة الصديق والخصم معا فهو اولا بديل
للصراع المادي ( الجسدي ) وهو تنظيم للعنف في صورة معينة وهو أداة من أدوات
تنفيذ السياسة الخارجية .
الحرب النفسية :-
ماهيتها ، مقوماتها ، أهدافها ، أدواتها .
إذا
كانت الحرب النفسية هي عبارة عن حركة شاملة تستخدم فيها كل السبل بغرض
اضعاف العدو وتدميره وتعني ايضا تحطيم الوحدة النفسية والعقائدية للعدو
بجميع الوسائل المتاحة فهي تتجه ضد الفكر والعقيدة والثقة والشجاعة والرغبة
في القتال ،وهي نوع من القتال النفسي لآيتجه الاللعدو ، وقد عرف أحد
المختصين الحرب النفسية ( بأنها هي عمل من شأنه أجبار العدو على تحويل
رجالة وعتاده من الجبهة النشطة استعدادا لصد هجوم قد لا يأتي ) .
ويعرفها الدكتور حامد ربيع بقوله :-
( الحرب النفسية هي نوع من القتال لايتجه الا الى العدو سعيا للقضاء على ايمانه بالمستقبل وتدمير ذاته وثقته بنفسه ) .
فالحرب
النفسية لا تسعى الى الاقناع والاقتناع وانما تهدف الى تحطيم الإرادة
الفردية وهي اكثر اتساعا من الدعاية ، فهي تسعى الى القضاء على الإرادة
ولكنها لاتتجه الا الى الخصم أو العدو .
والحرب النفسية هي حملة شاملة
تستخدم فيها كل الأجهزة والأدوات المتاحة للتأثير على عقول وأفئدة فئة
محدودة بقصد تدمير مواقف معينة ، وإحلال مواقف أخرى ينتج عنها سلوك يتفق مع
مصالح ورغبات الطرف الذي يشن هذه الحرب .
إن اخضاع أي شعب بالوسائل النفسية ارخص بكثير من اخضاعه بقوة السلاح وذلك عن طريق التمهيد بالحرب النفسية .
خصائص الحرب النفسية :-1.لا تسعى الى الإقناع وإنما غايتها تحطيم القوى المعنوية والنفسية للخصم .
2.تتجه الى العدو فقط لأنها صورة من صور القتال .
3.تسعى الى زعزعة ايمان العدو بأهدافه وبمبادئه وذلك بإيهامه استحالة تحقيق هذه المبادئ و الأهداف .
4.تحطيم الوحدة النفسية للخصم وذلك عن طريق تحطيم عناصر القوة السياسية لديه .
5.استغلال
بعض النجاحات و الانتصارات لدى المهاجم بتضخيمها واظهار ان هذه النجاحات
لم يستطع الخصم الوصول اليها بهدف زعزعة ثقة الخصم بنفسه .
6.بالرغم من
انها لا تتجه الا الى الخصم ولكن هذا لا يمنع من استخدامها في سبيل تقوية
الروح المعنوية للمجتمع المحلي وذلك بتقويته لمواجهة الحرب النفسية للخصوم
ولذلك فهي تأخذ الأبعاد التالية :-
-تتجه الى التخريب خلف خطوط العدو التخريب السري .
- تتجه الى خلق التقارب مع العناصر المحايدة في نطاق الأسرة الدولية .
-تسعى الى خلق التشتت في نفسية القوى العسكرية المعادية وتستخدم الحرب النفسية المعاصرة الأدوات التالية :-
1.الدعاية السياسية بإيجاد المعارضة بين صفوف العدو .
2.لشائعات بخلق البلبلة بين صفوف الأعداء
3.غسيل المخ .
4.اغتيال بعض زعماء العدو وقادته وتشجيع الثورات المحلية بغرض اضعاف النظام السياسي وارباكه .
5.الضغط الاقتصادي أو التلويح بالعقوبات الاقتصادية .
6.الدفاع عن الأقليات بغرض استعمالها عند الضرورة .
7.التجسس بغرض الحصول على أكبر قدر من المعلومات عن النظام المعادي بهدف التشهير به .
8.تزوير
العملة وبطاقات الهوية وجوازات السفر .. الخ ، الأمر الذي يشغل أجهزة
العدو الإدارية واجهزة الأمن في الدولة المعادية وارباكها .
الحرب النفسية والدعاية السياسية : العنف بمعناه العام يقصد به أي شكل من اشكال الضغط ( عسكري ، سياسي ،
اقتصادي ، نفسي .. الخ ) على الفرد بغرض حمله على تصرف أو سلوك ما كان
ليقوم به لولا هذا التصرف .
ويكون ذلك بالضغط والتخويف ... الخ .
ويتخذ
العنف صورا متعددة وذلك تبعا للوسائل المتعددة المستعملة وهو لا يعني
دائما القتل فالثورات والمظاهرات والضغط الاقتصادي والسياسي تشكل صورا من
أشكال العنف ، ويكون العنف فكريا عندما يكون في خدمة إيديولوجية ما وعند
ذلك يكون في أقصى معانية لأن حرمان جماعة ما من التعبير بشكل أو بآخر عن
نفسها ومصالحها وشخصيتها وفرض تعبير ايديولوجي قسري عليها وهو ما اتبعته
التجربة الفاشية والستالينية وهو ما يفسر تصفية وإعدام الاف المواطنين على
يد هذين النظاميين باسم المحافظة على الخط الفكري السائد ، ومن خلال ما
تقدم نلاحظ غالبا ما يكـــون العنـــف متخفيـــا وراء عمل دعائي واعلامي
وهذا يقودنا الى الكلام عن :-
الدعاية السياسية وعلاقتها بالحرب النفسية :-
الدعاية السياسية هي من الظواهر البارزة في عالمنا المعاصر وتهدف الى التأثير على الرأي العام .
والدعاية
السياسيةت هي عملية التلاعب بالعواطف بهدف خلق حالة من التوتر الفكري
والشحن العاطفي وهي نادرا ما تكون عملية إقناع صحيحة في جميع عناصرها
ومراحلها وغايتها الوحيدة تغيير الاستجابة في مواقف المواطنين بالنسبة
لقضية معينة .
وترتبط الدعاية السياسية بالحرب النفسية وتشكل احد
ادواتها الهامة وهي تسعى دائما الى الاقناع ولكنها قد تتحول من حالة السلم
الى حالة الحرب عندما يفقد الخبر كل أمل في تغيير موقف صديق ما عن طريق
الاقناع فيضطر الى سحقه وتحطيم عقيدته عن طريق الحرب النفسية فالدعاية
السياسية تتجه الى الصديق وغير الصديق بعكس الحرب النفسية التي لا تتجه الا
الى العدو .
الحرب النفسية وغسيل المخ ( Brain washing )
ليس غسيل المخ بجديد فقد عرفت الأمم في بعض اطوار تاريخها نوعاً من فرض المذاهب والعقائد على مواطنيها .
ومصطلح غسيل المخ هو ترجمة للكلمة الصينية ( Hesi Nao ) هي سي ناو ، والتي معناها ( اصلاح الفكر ) .
أثناء
الحرب الكورية في منتصف القرن الماضي رجع بعض الأسرى الأمريكيين الى
بلادهم وهو مؤمنين بالاشتراكية داعيين الى المحبة و السلام ناقمين على
حكومتهم الاستعمارية مبدين إعجابهم من معاملة الكوريين الشماليين لهم نتيجة
لعملية غسيل المخ التي مورست عليهم أثناء أسرهم .
وغسيل المخ هو نوع من
التعامل النفسي يدور حول الشخصية الفردية بمعنى قتل الشخصية ( الفرد ) الى
حد التمزق بحيث يصبح من الممكن التلاعب بها وإعادة تشكيلها وفقا لإرادة
خبير غسيل المخ .
ويحدد خبراء عملية غسيل المخ مقوماته الى العناصر التالية :-
-العنصر الأول :-
التلاعب : أي التدخل المباشر في ادق خصائص الشخصية الفردية وهذا التلاعب في العادة يأخذ صور ثلاث :
يبداء بحالة الخلط و الاضطراب ثم حالة تمزق وهذا يؤدي إلي حالة التحلل والتفتت.
-
العنصر الثاني :-وتدور
هذه العملية حول شخصية فردية ولا يمكن أن توجه عملية غسيل المخ إلا لفرد
معين ، فلا يمكن أن نتصور أن يخضع لها مجتمع بأكمله أو فئة بأكملها .
-العنصر الثالث :-الاتصال المباشر بدون وسيط بين الهدف والخبير ، وتمر عملية غسيل المخ بثلاثة مراحل :-
في
المرحلة الاولى يخضع الشخص الى استكشاف غير صريح لتحديد نقاط الضعف في
شخصيته ، وذلك عن طريق المقابلة والمحادثة الشفوية الحرة وتتم من غير أن
يعلم الشخص بخايتها الحقيقية ، تعقب ذلك المرحلة ،، المرحلة الثانية وهي
أثارة
القلق : فبعد أكتشاف نقط الضعف يبداء التلاعب بهذه النقاط وهذه
العملية يسهل تنفيذها على المسجونين و الأسرى حيث يكون الفرد مقيد في
تنقلاته وعلاقته ، ولكي يمكن أن تنفذ على الآخرين وخاصة الدبلوماسيين
بواسطة العنصر النسائي وغيره ، ومن ثم تبداء المرحلة الثالثة ، الغاية منها
اعادة تشكيل الشخصية وهذه العملية يقوم بها المحلل النفسي الذي يستلم
الشخص وهو في حلة مهلهلة فيعيد تكوين ( تشكيل ) شخصيته وفقاً للنموذج الذي
يريده ، ومن ثم يكون الشخص صالحا لأن يطلق في المجتمع المعادي ناقلاً
جراثيم العدوى التي حقن بها ، وقد تصاحب ذلك حالة من الافتعال تقوم بها
الدولة صاحبة المصلحة كتقديمه للمحاكمة مثلاً وذلك حتى تخلق نوع من الثقة
في شخصه لدى الطرف الآخر ، ويمكن القول أن الدمتاغ يحتاج الى هزه ما قبل
الشروع فــي أحـداث التغييــر المطلــوب عليــه ، أمــاَّ الوسائــل
الحديثــة لغســيل المـخ فإنها أكثر عملية وتجرى بطريقة حنونة ومقبولة
ومنسقة ومن هذه الوسائل الحديثة ما يلى :-
1.العلاج بأحداث الاغماء
بتأثير العقاقير التي تحقن بالوريد لأحداث الرعشة المطلوبة التي تشابه رعشة
الصرع ومن هذه العقاقير ( الكارديازول ) .
2.الصدمة الكهربائية وتشابه
الأولى يث التيار الكهربائي يحل محل العقار الكيماوي وتساعد كلتا
الصدمتين على طرد عاداته فتخفف أوهامه وتجعله أكثر هدؤ ومسالمة 3.غيبوبة
الأنسولين : وذلك بحقنه بكمية منه حيث ينخفض السكر في الدم الى حد الغيبوبة
العميقة وعند استيقاضه من نومه العميق هذا يبدأ اطباء الامراض العقلية في
التحوير الدماغي المطلوب .
4.عملية استئصال جزء من الفص الدماغي الذي
يربط الدماغ بمراكز الافتعال وتزول بذلك حالة التوتر الدائم والقلق وتستخدم
هذه الطريقة عندما يراد من الشخص تبديل عقيدته الدينية .
5.العلاج
النفسي الجماعي وذلك يجعل الشخص يؤسس علاقات اجتماعية جديدة متناسيا
علاقاته السابقة وهو ما كان متبعا في الاتحاد السوفيتي السابق.
6.التنويم
المغناطيسي ، وهو علم قائم بذاته وقد اختلف الأطباء في تقدير خطورته الا
أنه حقيقة لا شك فيها ولا يتسع المقام لشرح تفاصيله هنا .
في دراسة قام بها المختصون على الأساليب التي اتبعت مع أسرى الحرب
الكورية جاء ما يلـــي :-
1.كان
الأسرى يستقبلون ببشاشة وابتسامة ويصافحون فرادا فردا ، ثم يقدم لهم
السجائر والطعام حتى تمحى الصورة التي ربما كانوا يتوقعونها من قبل أعدائهم
بأنهم غلاظ وبخلاء .
2.يهنئون الآسرى بأنهم هربوا من قيود الرأسمالية ويطلب منهم ترديد عبارة ( كن مقاتلا من اجل السلام ) او ما شابه ذلك .
3.يطلبون
بعد ذلك من كل أسير توقيع تعهد ودعوى من أجل السلام وإذا امتنع يقال له ان
التوقيع رغبة عالمية لكل البشر ، وهذا العرض البسيط يبدو مقنعاً لكل الناس
في الغالب يوقع كل الأسرى على التعهد .
4.يحاول بعد ذلك السجانون معرفة
كل كبيرة وصغيرة عن حياة الأسير ويطلبون منه كتابة ذلك على استمارة معنونه
الى الصليب الأحمر لكي يثق الأسير بان ما سوف يكتبه يهم الصليب الأحمر ،
وتخلو الاسئلة من أي معلومات عسكرية أبعادا للشك ، واغلبها معلومات
اجتماعية وثقافية 5. يوضع الاسرى في معتقلات نائية تدار من قبل هيئة عسكرية
وسياسية في مجموعات بين ( 25 - 60 ) وتنقسم كل مجموعة الى ( 3 - 4 ) فصائل
وكل فصيل الى زمر من ( 6 - 10 ) افراد ( اسرى ) .
6.يستغرق عمل الأسير
12 ساعة يشمل المحاضرات والمناقشات ويسمح لهم بدخول مكتبة مليئة بالكتب
المنتقاة تدور مواضيعها حول العدالة و الاشتراكية .
7.تعريض الأسرى الى
الاستجواب الروتيني المتكرر للإرباك وإدخال الرهبة و الشك ويوهم الاسير
بانه تم الحصول على معلومات عنه تنافي ما يقوله .
8.يعزل الاسير عن
حياته السابقة بقطع جميع سبل الاتصال وتسلم له رسائل وهمية من ذويه تحمل
أخبار كئيبة ثم يتبرع صديق موالي بتمكينه من الاتصال بذويه وهذا الشخص
الموالي يساعد في انتزاع أسرار الأسير نتيجة للثقة التي سوف تقوم بينهما .
ونرى هنا من الضرورة أن نشير الى أهمية التمييز بين الحرب النفسية وغسيل المخ ، على النحو التالــــــــــــــي :-
فعملية غسل المخ وأن كانت أداة رئيسية للحرب النفسية فهي تختلف عنها :
1.غسيل
المخ يتجه الى العدو في الخارج و الى المعارض في الداخل عكس الحرب النفسية
التي تتجه الى العدو بالخارج بهدف إضعافه وتحطيمه لأنه ليس من المعقول أن
تتجه دولة ما لشن حرب نفسية ضد مواطنيها في الداخل .
2.لا يجب الخلط بين عملية غسل المخ والدعاية السياسية وأن وجد بعض الارتباط بينهما والفارق يظهر في التعارض بين نتائج كل منهما .
3.الدعاية
السياسية تعني تطوير وإعداد الشخص لتقبل فكرة معينة أما غسيل المخ فهي
تؤدي الى خلق شخصية جديدة كلياً منقطعة الصلة بالشخصية السابقة