سبينوزا فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 1432
الموقع : العقل ولاشئ غير العقل تعاليق : لاشئ يفوق ما يلوكه العقل ، اذ بالعقل نرقى عن غرائزنا ونؤسس لانسانيتنا ..
من اقوالي تاريخ التسجيل : 18/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 5
| | لكن الإله الجديد أيضا غير موجود , وهم , ككل الآلهة القديمة و الجديدة , و الحل يكمن فقط في الحرية | |
[b]مرارة فقدان الإيمان بشيء ما لأنه كان غير موجود أساسا مرارة مؤلمة , بقدر ما تحمل من تجدد صحي في الوعي , لعل الشعور الهائل العميق بالخيبة , بالانهيار , الذي خلفه سقوط الاتحاد السوفيتي و من قبله دول المعسكر الشرقي عندنا كيساريين لا يساويه في القوة إلا تلك المشاعر الهائلة بالخيبة و الألأم التي خلفتها هزيمة يونيو حزيران , بدا العالم و كأنه انقلب رأسا على عقب , بدا كل شيء مزيفا , لكنها كانت فرصة حقيقية , أخيرة بالنسبة للبعض ربما , ليروا الواقع كما هو , اكتشفنا مع الطلقات التي استقرت في جسد الزوجين تشاوشيسكو و مشاهد زنزانات سجون الشرطة السرية في ألمانيا الشرقية أن الإله الذي عبدناه لم يكن له وجود , لم يكن هناك أي خلاص حقيقي للفقراء بل طغيان جديد دموي و قاسي و فاجر , يستعذب آلام الآخرين خاصة من زعم أنه كان يريد تخليصهم أو تحريرهم , تماما كالإله الذي يعود للظهور اليوم مرة أخرى بعد أن استخدم قرونا طويلة لتبرير استعباد الناس و استغلالهم في شرقنا و في العالم , كانت عقودا طويلة قد مرت على مذبحة كرونشتادت بينما على صدى تعاليم لينين و ستالين التي بشرت بحقيقة مطلقة و بسلطة مطلقة شمولية فردية تقوم على الرعب و الصمت , كانت الدبابات الروسية تدخل إلى بودابست لتسحق ثورة العمال المجريين و تكرر فعلتها مرة أخرى بعد عقد و نصف تقريبا لتسحق ثورة الشباب التشيكي , لكن كل ذلك مر بردا و سلاما على المؤمنين بذلك الوهم كما على أسيادهم الطغاة الذين كانت قد فرختهم أنظمة و أحزاب شمولية مسخت كل شيء إلى تكرار فارغ أجوف لطقوس عبادة السلطة و إنكار الذات و الواقع , طبعا سوريا على الأقل , قاد تنازع رأس البيروقراطية الحزبية على مكاسب الانضواء في جبهة البعث الحاكم إلى إحساس عند الكثير بكارثية ما يجري و ما سيأتي , رغم أن ما جرى في النهاية فاق تصورات الجميع , كمؤمنين سذج فتحنا عيوننا أخيرا على الحقيقة , انهارت الأصنام بالفعل , لكن فقط عندما شاهدنا بأعيننا انهيار معبدها – سجنها الأخير , عندها فقط ألقينا بأصنامها و بكتبها المقدسة في الشوارع التي أصبحت خالية لبعض الوقت إلا من عواء منظري العولمة الرأسمالية , تذكرني أحاديثي اليوم مع شباب التنسيقيات و مقابلات شباب الإخوان التلفزيونية في مصر خاصة بهذا التاريخ المؤلم الضروري لعملية قطع حبلنا السري مع عبادة طغاة القرن العشرين الأخيرين , لعملية سقوط الوهم , بعض شباب التنسيقيات الذين كانوا هم من صنع و فجر الثورة السورية , بدمائهم في كثير من الأحيان , الذين خلقوا الأمل بغد حر , هؤلاء الشباب الذين بدؤوا للتو يتعلمون السياسة و الثورة , مثلنا تماما , نحن الذين يمكننا اليوم مثلا أن نقول أن دور ما يسمى بالطليعة الثورية هو تعطيل الثورة و الانقلاب على أهدافها الحقيقية , هؤلاء الشباب تتملك بعضهم اليوم أوهاما تشبه تماما تلك الأوهام التي كانت تسيطر علينا عندما كنا في أعمارهم , ما علينا فعله اليوم هو أن نؤكد لهم أن الآلهة التي يؤمنون بها غير موجودة , كما قال زرادشت بعد عودته من عزلته في الغابة , أنها قد ماتت منذ وقت طويل , أنها ولدت ميتة ربما , ليس فقط كي نهز إيمانهم بها فهذا الإيمان لا يشكل مشكلة إلا عندما يشكل أساسا لطغيان جديد , للاستسلام لطغيان جديد , بل لنعيد إليهم إيمانهم بأنفسهم , و بحريتهم و بحريتنا جميعا , بحرية كل البشر على هذه الأرض ... طبيعي أن نفهم أن الثورة الجماهيرية ضد أنظمة ادعت و رفعت "العلمانية" شعارا لطغيانها و استعبادها للناس , طبيعي أن نفهم أن الثوار سيعملون نظريا و فكريا كما سياسيا لدحض منطق السلطة المستبدة و إيديولوجيتها , عندما انتفض الفرنسيون ضد سلطة الملك و الكنيسة المطلقة كان على ثورتهم أن تكون علمانية حتى النخاع , تماما لنفس السبب يستخدم قسم كبير من شباب الثورات العربية اليوم تبريرا إيمانيا لثورتهم على الطغاة , لكن بعيدا عن هذا , فإن هذا الإيمان القديم – الجديد لا يعني إلا شيئا واحدا : خلق نقيض ما يريده الثوار , الشباب الثائر , خلق الديكتاتورية من جديد , الحل الحقيقي لمشكلة الطغيان و الاضطهاد و الاستغلال لا يمكن في شعار و فكرة أن الإسلام هو الحل , لكن هذا الرفض ينطلق من منطق مختلف تماما عن منطق نظام مستبد مجرم كنظام بشار الأسد مثلا , كما أنه لا يكمن أيضا في شعار و فكرة أن الستالينية أو القومية هي الحل , لسبب جوهري , هو أن الديكتاتورية بأي شكل ليست هي الحل و لا يمكن أن تكون , إنها المشكلة الحقيقية للبشر , إنها مصدر الظلم و القمع و الاضطهاد الذي نعيشه , و هي بأشكالها الدينية و غير الدينية لن تفعل إلا إعادة إنتاج عبوديتنا و كل ما يرتبط بها من قمع و تهميش و استغلال و استلاب , على العكس تماما فالحرية هي الحل , لا يمكن فهم الاشتراكية التحررية أو الأناركية إلا على أنها مرادف للحرية , في الحقيقة ليس هناك إلا نحن و الطغاة , لا وجود لآلهة كما لا وجود لأية قوة غيرهم ( حزب , طليعة , نخبة , الخ ) ستقوم بتحريرنا من هؤلاء الطغاة , لن تكون حريتنا في الواقع إلا نتاج نضالنا , لولا ثورة الشباب التونسي و المصري و السوري و اليمني و الليبي , لولا تلك الدماء , لولا تلك الآلام و التضحيات , لما كانت الحرية ممكنة أبدا اليوم و في الغد , لم يحرر أحد أو أية قوة البشر من الطغاة , ليس لأحد أي فضل على الثوار , لقد فعلوا المعجزة بأنفسهم , صحيح أن وعينا و وعي الطغاة قد اخترع أو ضخم أشخاصا كالهرموش و العرعور , "كأبطال" لحريتنا القادمة , لكن الحقيقة أن الناس العاديين , أبسطهم و أكثرهم "عادية" , الذين حطموا قيود الخوف و الترهيب و واجهوا رصاص القتلة بصدورهم هم أبطال ثوراتنا الفعليون , لكن الموضوع لا يتوقف هنا , فالحرية تعني في الواقع أن نحكم أنفسنا بأنفسنا , لا أن تحكمنا أية أقلية أيا كانت تحت أي مبرر و أي ترتيب آخر للأمور يعني عبودية جديدة فقط .. بكلمة , إذا أراد الثوار , الشباب الثائر أن يعيشوا حياتهم بنفس درجة الحرية التي انتزعوها و هم يقارعون أزلام ديكتاتورية مبارك أو ابن علي أو القذافي في ميدان التحرير أو ميادين تونس أو بنغازي فعليهم أن يتعلموا من تجربتهم الخاصة تلك أن يخلقوا شروط و مؤسسات الحياة الجديدة القائمة على حرية الجميع , ليصبحوا مع الجميع أحرارا و متساوين ... أتصور الأيام التالية , بعض هؤلاء الشباب سيصبحون جزءا , براغي في ماكينة نظام ما ديكتاتوري في حقيقته , البعض الآخر الأكثر نقاءا و براءة سيعتزل أو سيستيقظ ذات يوم ليدرك أخيرا أنه لا وجود لذلك الإله الذي يطالبونه أن يستسلم لقدره و لأوامره و لنواهيه فقط ليجعلوا منه عبدا جيدا , سيدرك هؤلاء في وقت ما , لاحق ربما , أن الإله الجديد وجد لخلق عبودية جديدة و ليس ليكون عنوانا لخلاصهم أو لحريتهم الفعلية كما ظنوا ذات يوم , قد يقول البعض لقد فشلت أفكاركم فاتركونا نجرب , لكن الأكيد هو أن تجربة شكل ما , قديم أو جديد من الديكتاتورية لن يكون إلا سخفا و لن يؤدي إلا إلى العودة إلى الوراء , إلى الاستبداد و الطغيان و القمع و الاضطهاد : مرة أخرى الديكتاتورية لا يمكن أن تكون هي الحل أو الخلاص لآلام البشر و لمعاناتهم , الحرية وحدها هي الخلاص , هي الحل , لا أعلم إن كانت مثل هذه الكلمات من ملحد مثلي ستساعد هؤلاء الشباب في أن يعوا هذه الحقيقة سلفا , اليوم أو في الغد على أبعد تقدير , قبل أن يكون ذلك متأخر جدا , لكني أتذكر كيف كنت أفكر عندما كنت في عمرهم , اليوم ألوم الظروف لأن أحدا ما لم يخبرني يومها عن حقيقة ستالين أو الأسد أو عبد الناصر أو القذافي , لكن حتى لو تصادف أني سمعت أحدهم يومها , هل كنت لأصدقه ؟ لا أستطيع الجواب عن مثل هذا السؤال بحيادية و تجرد اليوم , ربما عليهم أيضا أن ينتظروا نكستهم الخاصة , حزيرانهم الخاص , و لو أني أرجو بكل صدق و إخلاص , أن لا يحتاجوا لانهيار جديد , ألا ينتظروا انهيار صنم جديد للطغيان و القهر و لاستغلال الإنسان للإنسان لكي يدركوا ما أدركه و كثيرون معي اليوم , أن هذا الصنم هو مجرد رمز لطاغية جديد , أن الإله وهم , غير موجود , و أن عبادتنا له لم تكن تعني أننا كنا أغبياء فقط , بل جعلتنا عبيدا لمن استغبانا يومه[/b] | |
|