0 طباعة لماذا ستعاني حكومة العراق الجديدة من المشكلات القديمة نفسها؟
العبادي .. والمهمة الصعبة
قوبل حيدر العبادي، الذي اختير لكي يصبح رئيس الوزراء العراقي الجديد، بصفته المنقذ المحتمل لبلاده. فلعدة أشهر، كانت السياسة العراقية في حالة أزمة واضحة؛ حيث يعاني البرلمان العراقي من الجمود السياسي، كما أن رئيس الوزراء، نوري المالكي، ذو ميول سلطوية، بالإضافة إلى حالة التمرد واسعة النطاق التي شهدها شمال العراق والتي يقودها «داعش».
حيدر العبادي
كان صناع السياسة في الولايات المتحدة والأماكن الأخرى دائما ما يعتقدون أن إنهاء حالة الطوارئ تتطلب أن يتمكن الزعماء السياسيون بالعراق من إنشاء حكومة تمكن الفصائل العرقية والطائفية الرئيسة بالعراق من مشاركة السلطة، ويعقدون الأمل على أن يتمكن العبادي الذي جاء اختياره بدعم من السنة والشيعة والأكراد من تحقيق ذلك.
على الرغم من أن تعيين العبادي رئيسا للوزراء، بدا وكأنه بشرى جيدة، فإن نظام مشاركة السلطة الذي أسفر عن تعيينه كان في الأساس جزءا من السبب الذي أدى إلى أن تصبح السياسات العراقية بمثل هذا الاضطراب. فلن تكتفي الجماعات الطائفية بمجرد التعاون على اختيار القائد السياسي أو تشكيل مجلس الوزراء. (ففي النهاية، تجمعت كل الحكومات العراقية منذ 2003، بما في ذلك حكومة المالكي، معا بنفس الطريقة). وسوف يتطلب تحقيق استقرار حقيقي في بغداد إنشاء مؤسسات قادرة على حل النزاعات السياسية عندما تحدث. وليس واضحا ما إذا كانت المؤسسة السياسية العراقية جاهزة لهذه المهمة أم لا.
فبتمكين فصائل سياسية محددة، بدلا من تمكين المؤسسات السياسية بالبلاد، أخفقت ترتيبات مشاركة السلطة في العراق في التكيف مع التغيرات الطبيعية لتوازن القوى في البلاد. فإذا ما نظرنا لفترة حكم المالكي كرئيس وزراء، سنجد أن الولايات المتحدة قدمت له الدعم كمرشح توافقي في 2006 على أمل أن يحقق تعيينه الاستقرار ويسمح لواشنطن بنقل المسؤوليات الأمنية للحكومة العراقية. فقد كان ينظر للمالكي بصفته قادرا على الموازنة بين القطبين الأقوى للسياسة الشيعية، وهما الصدريون والمجلس الإسلامي الأعلى العراقي؛ حيث يمتلك كل منهما ميليشيات قوية. ولم تكن أي من الجماعات تحتمل رئيس وزراء من الفصيل الآخر، ولكن حزب الدعوة الذي جاء منه المالكي لم تكن لديه ميليشيات قوية، ومن ثم كان اختيارا يبشر بالحفاظ على هيمنة الشيعة دون تهديد لأي من الفصائل بداخلها. وبالمثل، طمأن تعيين المالكي الحكومة الإيرانية وأكراد العراق بأنهما ستكون أمامهما فرصة كبيرة لتحقيق مصالحهما.
تركة المالكي
ولكن ذلك لم يكن ترتيبا مستداما: فأي رئيس وزراء كان سيسعى في النهاية للتحرر من موقفه الضعيف هيكليا. وفي هذا السياق يجب أن نفهم حملة المالكي ضد ميليشيات الصدريين – جيش المهدي – في البصرة وبغداد في ربيع 2008. فهي لم تكن محاولة لتعزيز الدولة العراقية، بل ولم تكن تلك الحملة أساسا تخدم مؤسسات الدولة العراقية؛ حيث إن المالكي بقيادته المباشرة للعمليات أثر على دور وزارة الدفاع. وكان هدف المالكي هو تعزيز قوته الخاصة في مواجهة الفصائل التي كانت تحاول الحد من سلطته. وعندما تمكن من تأمين فصيله الشيعي، استخدم الطرائق نفسها لاستهداف الخصوم السنة بعد انتخابات 2010 محطما أفضل الفرص التي سنحت أمام العراق للتقدم السياسي.
وقد أدى عدم وجود مشاركة حقيقية للسلطة في العراق إلى اختيار زعماء يفتقرون لأية قاعدة مستقلة للسلطة داخل الحكومة أو خارجها مما أجبرهم على ابتكار أساليبهم الخاصة للوصول إلى السلطة. ويجد العبادي نفسه الآن في الوضع نفسه الذي كان فيه المالكي، فهو يدين بموقعه للداعمين أنفسهم (خاصة إيران) الذين دعموا المالكي في 2006، كما أنه ورث مجموعة المؤسسات الضعيفة نفسها. ربما يكون العبادي زعيما مجددا على نحو مخالف للمالكي (وربما يتعلم من دروس التجربة السلطوية للمالكي)، ولكن بنية السياسة العراقية سوف تغويه إلى الاتجاه نفسه.
طائفية العراق
فبدلا من النظام الخاص لمشاركة السلطة الذي يعكس طائفية البلاد، يحتاج العراق إلى ترتيبات دستورية مستقرة، ومجموعة من القواعد التي تصبح محل ثقة، حتى إذا ما تغيرت توازنات القوى. وبالطبع، فإن القول أسهل من الفعل، فالمؤسسات القوية لا تسقط من السماء. وتعد عملية انتقال جنوب أفريقيا إلى الديمقراطية نموذجا في هذا السياق. فلم يقم زعماء ما بعد «الأبارتهيد» بالحديث إلى قامعيهم السابقين عن المصالحة بل وضعوا دستورا قدم انتقالا للسلطة من البيض للسود. وتمكنت المؤسسات الجديدة بالبلاد من ضبط السوق وغيرت الخدمة المدنية وعززت المنح الاجتماعية والرعاية الصحية والخدمات للفقراء. وعلى الرغم من أن الإصلاحات لم تطبق على النحو الملائم فإنها ساعدت في البداية زعماء المجلس الوطني الأفريقي على تغيير إرث «الأبارتهيد»، كما منحت في الوقت نفسه للأقلية البيضاء التي ما زالت تتمتع بالقوة الفرصة لأن يؤمنوا بأن استثماراتهم الاقتصادية آمنة. ومن ثم كانت الاستعانة بالمنظومة الجديدة من المؤسسات في مصلحة كلا الطرفين. والدرس الذي يمكن أن تستفيده دولة مثل العراق هو أن المؤسسات لا تحصل على أية سلطة مستقلة ما لم تخدم أساسا مصالح قوية؛ حيث إنها دون ذلك، سوف تعرقل في وقت من الأوقات تلك القوى نفسها. وكما قال العالم السياسي ستيفن هولمز فإن سياسات القوة «يمكنها تعزيز سيادة القانون».
ولكن من الصعب القول ما إذا كان العبادي مهتما أو قادرا على إنشاء نظام سياسي فعال من هذا النوع. ومن الواضح أنه سوف يواجه تحديات مزعجة بما في ذلك العلاقة الوثيقة بين النخب السياسية والمزايا التي يحصلون عليها من النظام الحالي. كما عززت ميول المالكي السلطوية – وانتهاكه للتفويض الوطني الذي حصل عليه في انتخابات 2010 – من طائفية العراق؛ حيث تسبب العنف في نزوح عشرات الآلاف. وفي مثل تلك الحالات، سيكون من الصعب للغاية على أي قائد أن يحشد الجماهير خلف مشروع سياسي وطني. ومع ذلك، يجب أن يبحث العبادي عن التقاطعات المحتملة بين أهداف الكتل السياسية المختلفة بالبلاد والتأكيد على أنها يمكن تحقيقها عبر القنوات المؤسسية بالبلاد.
معضلة داعش
وسوف يكون أهم الاختبارات التي يواجهها العبادي هو كيف سيدير القتال ضد «داعش». فسوف تكون هذه أولى فرصه لكي يظهر قيمة – أو أهمية – تفعيل مؤسسات الدولة، خاصة تلك التي تتعامل مع الأمن. وسوف يكون على العبادي أن يجد سبيلا لتنظيم الخصوم السنة المحتملين لـ«داعش» في ظل سلطة الدولة، وهو ما سوف يؤدي ليس فقط إلى نتائج عسكرية، ولكن لنتائج سياسية أيضا. وبخلاف 2006، عندما نظمت الولايات المتحدة قوات المعارضة السنة لقتال «القاعدة» في العراق ثم طلبت من المالكي المتردد أن يدمج قواته في القوى الأمنية العراقية، ما زال أمام الحكومة العراقية فرصة أن تثبت للسنة والشيعة والأكراد بالبلاد مزايا العمل من خلال الدولة العراقية. ولكن ذلك سيكون بالمهمة الصعبة. ومن ثم فإن إعادة هيكلة الجيش ومعالجة سلسلة السلطة الفاسدة سوف تحظيان بدعم الزعماء السياسيين والجماهيريين إذا ما اطمأنوا لنتائج ناجحة. وفي بلد كان الأمن فيه دائما ما يعتمد على الولاءات الشخصية وليس الوطنية، يواجه العبادي بالتأكيد تحديا كبيرا.
وسوف تكون التنمية المؤسسية في العراق صعبة، وعملية غير منضبطة، ولكنها على كافة المستويات لا مفر منها. فلا تستطيع الولايات المتحدة خاصة من خلال وجودها العسكري المحدود في العراق أن تسيطر على المسار الذي سوف تتخذه البلاد. ولا يجب أن تتوقع أن تحل الصفقة الحالية لتقاسم السلطة المشكلات السياسية بالعراق، كما لا يجب أن تتوقع أن تتغير الديناميات السياسية الحالية بالبلاد من خلال تقديم السلاح كمكافأة لتشكيل حكومة جديدة. فإذا ما كانت واشنطن تريد أن يكون لها تأثير إيجابي فيجب أن تركز على إعادة تطوير العلاقات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية التي يمكنها أن تجعل الولايات المتحدة شريكا أكثر فعالية للدولة العراقية بدلا من فصائل محددة.
ولكن للأسف، يبدو أن السياسة الأميركية تتخذ مسارا مخالفا حتى تلك اللحظة؛ مثل دعوة الزعماء العراقيين أن يصلوا إلى تسوية كبرى بناء على مبادئ مشاركة السلطة وتجنب الالتزامات طويلة المدى مع العراقيين الذين اختاروا المسار الوطني.
فورن افيرز (خاص للمجلة)كيفن راسل: مرشح لنيل درجة الدكتوراه في العلوم السياسية بجامعة ييل. عمل محللا للسياسة العراقية بوزارة الدفاع في الفترة 2006-2008 وخبيرا بالحوكمة بوزارة الخارجية في الفترة 2008-2009. مجلة المجلة هي واحدة من أعرق المجلات السياسية في الشرق الأوسط. تصدر شهريا بالعربية والإنجليزية والفارسية من لندن. ومنذ صدور طبعتها الأولى في عام 1980، أُعتبرت المجلة ﺇحدى المجلات الدولية الرائدة في الشئون السياسية في العالم العربي. وكجزء من مطبوعات الشركة السعودية للأبحاث والنشر، نحرص على الحفاظ على اسمنا والارتقاء بمستوانا من خلال تزويد قرائنا بأدق التحليلات الصحافية وأكثرها موضوعية.