درية شرف ـ بنت النيل
مسيرة مناضلة مصرية لحقوق الإنسان ونهاية دامية
عبد الرحمن أبو عوف
مدخل
فى
سياق التحول والتطور السياسى ومعاناة ويلاته وتناقضاته والذى تمر به
الشخصية المصرية والعربية من بقايا ورواسب وأدران النظم الشمولية إلى شكل
خجلان مهمش من التعددية الحزبية والاعتراف بحق الآخر والسماح بهامش من حرية
التعبير وزيادة عدد الصحف المستقلة والحزبية المعارضة المحكومة بضوابط
وحذر من النظام السياسي الرسمي، بجانب بروز دور المجتمع المدنى وغلبة
النشطاء السياسيين وحقوق الإنسان وتجاوزهم رغم وسيادة منهجية سياسية
تلغى الصراع الطبقى كجمود وترهل الأحزاب الرسمية العلنية، وكذلك ظهور
وتوسع حركات الفيس بوك واستخدام الإنترنت وصعود دور المدونين عند جماعات
المعارضة الجدد
فى سياق كل هذه الاعتبارات والتعديلات المجتمعية تبرز
قضية استكمال حقوق وواجبات المرأة المصرية، ولعل آخر انتصار لها عام
الحالى هو موافقة مجلس الشورى بتخصيص مقعدًا للمرأة فى المجالس
النيابية رغم ما أثاره عند المعارضة من خلاف لتسميته الكوفة وهذا حق جديد
مكتسب سوف يتلوه نضال متواصل حتى آخر المدى التاريخى لقضية تحرير المرأة
مع حرية الرجل مع حرية الأمة، مع حرية الإنسانية
لذلك يصبح من الواجب
أن نعيد إلى الذاكرة الوطنية أعمال ونضال وإبداع مناضلة مصرية شريفة وواعية
عانت من أجل نضالها النبيل فى سبيل قضية ومشروع حياتها وهو تحرير المرأة
المصرية وتمكينها من المشاركة الفعالة مع الرجل فى السلطة والقضاء وكل
مكونات الدولة الحديثة المدنية، غير أن نهاية نضالها كانت فاجعة
عن درية شفيق ـ بين الحضور والغياب
إنها
بنت النيل درية شفيق رائدة صلبة من رواد الحركة النسوية المصرية، وهى من
تلميذات ـ لطفى السيد ـ شجعها على الكتابة والتكوين الفكرى والصحفى
الليبرالى، ذهبت إلى فرنسا لتحصل على الدكتوراه فى الفلسفة من جامعة
السوربون
اشتغلت بالصحافة، فتولت رئاسة تحرير المجلة الثقافية الأدبية
المرأة الجديدة ثم تركت العمل بها لتصدر مجلة خاصة بها وهى بنت النيل ،
والتى تعد أول مجلة نسائية باللغة الغربية موجهة لتعليم المرأة المصرية
والعربية، وتشكيل وعى نسائى جديد فى الصحافة المصرية، ينهض على إدراك
المرأة بحقوقها الأساسية ومسئولياتها مطالبة بضرورة السماح للنساء
بالاشتراك فى الكفاح الوطنى والسياسى وداعية إلى إصلاح قانون الأحوال
الشخصية، وقد أغضبت آرائها لتحقيق هذا الإصلاح بعض الأوساط فى ذلك الوقت،
أولئك الذين رأوا أن آرائها تنطلق من جذور حركة تحرير المرأة نحو العلمانية
الغربية، وأنها حين شكلت حزب بنت النيل ، فى عام كان بدعم من
السيادة الإنجليزية والأمريكية، وهذه آراء غير مستندة على أدلة، فهى محاولة
لتشويه جهد ونضال امرأة مصرية مثقفة جمعت بين أصالة حضارتها وحضارة الآخر
الأوروبى الغربى الذى لا محال لعدم الاعتراف بتقدمه علميًا وحضاريًا خاصة
بالنسبة لإنصاف المرأة ومساواتها الكاملة بالرجل فى الحقوق والواجبات، حتى
ساعد هذا المجتمعات الغربية والأوروبية على الازدهار والتقدم فى كل
الميادين وتقديس قضية الحرية التى أصبحت هدفًا مشتركًا يناضل من أجل الرجل
والمرأة معًا فى أوروبا
ولقد أعلنت ـ درية شفيق ـ عن برامجها للإصلاح
الاجتماعى والسياسى بجرأة وحماس شديدين، إذ كافحى من أجل محو الأمية
المتفشية بين النساء فى مصر، كما قادت مظاهرة صاخبة فى البرلمان للمطالبة
بحقوق المرأة، ونظمت أول فرقة عسكرية نسائية اتحاد بنت النيل لإعداد
الشابات للنضال مع الرجال، ولتدريب ممرضات ميدان وتمرين وذلك حين تصاعد
الصدام المسلح بين فرق المقاومة المصرية ووحدات الجيش البريطانى فى نهاية
عام
وفى كتابها الأساسى المرأة المصرية ، استعرضت تاريخ كفاح
المرأة المصرية بداية من المرأة الفرعونية ومروراً بحقوق المرأة فى الإسلام
ووصولاً إلى دور المرأة المصرية والحركات النسائية فى تاريخنا الحديث
والمعاصر
وفى هذا الصدد عرضت صورًا ونماذج لدور المرأة المصرية فى
الحياة الاجتماعية والعلمية وفى نضالها الوطنى، مثل دور شجرة الدر فى
معركة المنصورة، كما لدخول المرأة المدرسة لأول مرة فى تاريخ مصر
واقتحامها أيضًا الحياة الحزبية ومشاركتها فى الثورات الشعبية الحركة
العرابية وثورة وإلى نزول المرأة إلى الميدان الانتخابى، ومطالبتها
بالحقوق السياسية، ودعوتها الاقتصادى والمساهمة فى الحقول الاجتماعية،
كما ترصد أيضًا تحقيق المرأة للعديد من المعجزات فى ميادين العمل، كما
مجموعة من السيدات اللاتى كافحن من أجل المرأة، وعدداً من المصلحين الذين
ينتصرون للمرأة وقضاياها والذى كان لهم بصمة واضحة فى تاريخ الحركة
النسائية
تطور حصول المرأة على حقوقها منذ عصر محمد على
رغم ثقافة
واجتهادات درية شفيق التاريخية الاجتماعية فى تعقب بدايات حصول المرأة
المصرية على حقوقها خاصة فى حقل التعليم فى عهد محمد على لم تفهم جدلية
التناقض المثمر التنويرى لمؤسس مصر الحديثة محمد على بين شموليته وذاتيته
وبين تقدم مصر، فهى تقول فى كتابها المرأة المصرية
عمد محمد على إذا
إلى إخفاء مظالمه وسرقاته من الشعب المصري بمظاهرات واسعة من الإصلاح
والتعمير مما كان له أثره بعد ذلك فى مظاهر التقدم والرقى التى غمرت مصر
أمام العالم، ورغم ذلك فدرية شفيق تنساق مع الخطاب الأوروبى الاستعمارى
الذى كان يحقد على طموحات محمد على فى تجاوز مصر عن وضعها المحلى كولاية
عثمانية إلى إمبراطورية تمتد من السودان إلى الشام بل هو الذي تصدى بقيادة
قائد جيوشه العظيم إبراهيم باشا للفكر السلفى الظلامى وهو الفكر الوهابى
فى السعودية الذى مازال حتى زمننا الحالى المنبع الأساسى للجماعات
الإسلامية المتطرفة وأبرزها تنظيم القاعدة الإرهابى
تقول درية شفيق
مرددة أقوال المستشرقين والمؤرخين الغربيين والأوروبيين الحاقدين والذين
تآمروا على مشروع محمد على الوطنى المصرى النهضوى فى القرن التاسع عشر لم
يكن لإصلاحات محمد على الحداثية أية جذور عميقة ولم يكن يستند إلى أى
حقيقية فى دفع الظلم عن البلد التى أصبحت لا تعدو أن تكون ضيعة لمحمد على
وأسرته
رغم ذلك التجنى وعدم فهم ظاهرة التحديث والنهضة التى قام
بها هذا الجندى الألبانى الذي أحب هو وأبناؤه وكادوا يصبحون مصريين
ونسوا أصولهم الألبانية أو التركية
رغم ذلك تعود درية شفيق لتعترف
قائلة وكان للمرأة نصيب من مظاهرات الإصلاح التى استحدثها محمد على فى
مصر، إذ لم يغب عن دهائه أن المرأة المصرية التى تؤلف قوة شعبية لها قيمتها
فى ميزان الأحداث والثورات تمثل خطرًا لابد من اتقائه، وهكذا تطوع محمد
على بإصدار أول أمر نظامى بفتح مدرسة مهنية للمرأة، وهى ضرورة تحتمها ظروف
التطوير الذى أصاب البلاد، ثم وقفت جهود محمد على عند هذا الحد، ومع ذلك
فقد كانت هذه الخطوة سببًا فى إثارة اهتمام الرجال برفع عصابة الجهل من فوق
عيون بناتهم وشقيقاتهم وزوجاتهم وأمهاتهم، فتنافس المستنيرون منهم فى
تعليم نسائهم وبناتهم بواسطة المدرسين الخصوصيين الذين يترددون على بيوت
الأعيان والقادرين، لتعليم البنات تحت رعاية آبائهن وأشقائهن، ونشطت مختلف
البيوتات لتخريج زوجات متعلمات، وكان ذلك إيذانًا بعهد جديد للمرأة تنتقل
فيه من ظلام الجل إلى نور العلم والمعرفة
عصر إسماعيل
بادر إسماعيل
إلى إعادة ديوان المدارس ورصد له ميزانية معقولة كانت سببًا فى إعادة فتح
المدارس التى أغلقها عباس الأول عدو التقدم والتعليم وترحيل البعثات
الموقوفة، ومن حسن الحظ أن المشرفين على ديوان المدارس من رجالات مصر
المثقفين أمثال مؤسس الفكر المصري الحديث العلامة والمترجم رفاعة
الطهطاوى وعلى مبارك وغيرهما انتهزوا هذه الفرصة ومضوا يدفعون بالتعليم
نحو الكمال، والانتشار، فزادت عدد المدارس والمعاهد وبرزت نهضة علمية مشرقة
لم تتخلف الفتاة المصرية عن السير معها وجنى ثمارها الناضجة الفواحة وأول
صوت دعى بحميمية لتعليم الفتاة المصرية هو صوت رفاعة الطهطاوى، لم يترك
مناسبة وهو عضو بديوان المدارس إلا وطالب بمدارس لتعليم الفتيات، وفى
عام فتحت أول مدرسة لتعليم الفتيات على أثر إصدار كتابه المعروف
المرشد الأمين للبنات والبنين عام ولم يكتفى رفاعة الطهطاوى بالدعوة
إلى تعليم الفتيات بل صحب دعوته هذه بأخرى، هى إفساح المجال أمامها للنزول
إلى ميدان العمل والمجتمع
وأول مدرسة أنشئت كصدى لدعوة الطهطاوى
المستنيرة الخلاقة هى مدرسة السيوفية والتى السيدة جشم أفت هانم ،
الزوجة الثالثة لإسماعيل باشا، وقد أسست على نفقتها الخاصة
اتحاد بنت النيل يطالب بحقوق المرأة السياسية
بعد
أن استكملت المرأة المصرية كل الأسلحة اللازمة للنضال كان عليها أن تنزل
بكل قوتها إلى الميدان السياسي بالذات، وكانت هذه المرحلة التاريخية تحتاج
لقيادة جديدة شابة تتفهم ظروف مصر السياسية فى منتصف الأربعينيات، وتمثل
هذه القيادة فى شخص اتحاد بنت النيل
فى ديسمبر أصدرت درية
شفيق مجلة بنت النيل وهدفها تربية جيل جديد من المصريات يبهر نساء
العالم بنهضة حقيقية تليق بحفيدات حتشبسوت، وكليوباترا ونفرتيتى وشجرة
الدر، بل بحفيدات خديجة وعائشة والمرأة التى أصابت يوم أخطأ عمر أعظمم
الخلفاء الراشدين
ونجحت هذه المجلة نجاحًا ساحقًا لأنها سدت فراغًا واحتياجًا للنهضة النسائية التى لا تتوقف عن التطور للأرقى
وكانت
رسائل القارئات تنهال عليها كل أسبوع تحمل مشاكلهن وأوجاعهن لعلها تستطيع
أن تحلها، وحاولت حل مشكلاتهن غير أنها آمنت أن حل المشكلات الفردية مجهود
ضائع ما دام حق التشريع فى مصر حكرا على الرجال، ومادامت هذه التشريعات
تنظر للمرأة على اعتبارها ناقصة أو عبده
رجال يفسرون الدين على هواهم
ويتزوجون كما يشاءون ويطلقون كما يشاءون ومهما كانت نتيجة حماقاتهم كتشريد
أطفال ودفع شابات مجروحات إلى الهاوية
تقاليد عتيقة حقوق المرأة فى التعليم والعمل وتعتبرها جسد ومتعة شهوانية
هؤلاء
المنبوذات اللائى يمثلن أكثر من نصف المجتمع المصرى، هؤلاء الـ مليونا
من المفروض عليهن الحرمان والذل والعبودية يجب أن يتجردن بالجملة، ويجب أن
تحل مشاكلهن دفعة واحدة، باعتبارها مشكلات متفرعة من مشكلة واحدة أصلية وهى
مشكلة اضطهاد الجنس النسائى كله
ودفعنى الغضب إلى الانفجار فى ذات يوم من أيام سنة وجاء انفجارى فى شكل فكرة فى تأليف اتحاد بنت النيل
لقد تكونت من قبل عدة جمعيات نسائية بقيادة نساء فاضلات غير أنها كانت تدافع عن حقوق جزئية للمرأة كالتعليم والعمل
ومع
ذلك فقد كانت القيادة الجديدة اتحاد بنت النيل ، حدثًا يتفق مع تغيرات
مصر والعالم العربى والعالم فى منتصف الخمسينيات وظروف التطور التى مرت بها
مصر، فلم تعد قيادة الحركة النسائية فى مصر قيادة أرستقراطية بطبيعة
تكوينها أو بطبيعة أهدافها كلا ولكنها كانت قيادة شعبية بتكوينها
وأهدافها
الأهــداف
ويعمل الاتحاد على تحقيق الأهداف الآتية
ـ السعى لتقرير حقوق المرأة الدستورية والنيابية عن الأمة لتمكنها من الدفاع عن التشريف الذي يكفل هذه الحقوق
ـ
الدعوة إلى نشر الخدمات الثقافية والصحية والاجتماعية بين الأسر المصرية
الفقيرة والمحرومة والمساهمة فيها، وإلى نشر الصناعات الصغيرة بين الأسر
الفقيرة لزيادة دخلها
ـ الدعوة عن طريق المجلات والصحف والمحاضرات
والإذاعة إلى العناية بشئون الأسرة وعلى الأخص الأمومة والطفولة واتحاد
جميع الوسائل التى تحقق حمايتها ودعوتها
لقد تميزت المرحلة
التاريخية الجديدة لنضال المرأة المصرية والتى برزت فى طليعتها درية شفيق ،
التركيز على حصول المرأة على حقوقها السياسية الكاملة
ولقد استطاع
اتحاد بنت النيل ، وحده فى عام أن يقيم الدنيا ويقعدها حول حقوق
المرأة المصرية التى طال عليها الأمد، ولكنه لم يشأ أن يبدأ بأية خطوة
سياسية إيجابية قبل أن يستكمل هذه الحملة وقبل أن يستلفت إليه الأنظار
بوصفه القيادة الجديدة للنساء المصريات، القيادة التى استوعبت كل الدروس
السابقة
وقد عقدت عام درية شفيق، مؤتمراً أسمته النساء ، أعلنت
فيه برنامج النضال السياسى من أجل حقوق المرأة المصرية التى لم تستكمل،
جاء فيه
نحن نصف الأمة ـ نصف القوة ـ نصف الحياة، ولقد بلغنا من الوعى
القومى ما يجعلنا نعتبر إقصاءنا عن الاشتراك فى أجهزة السلطات الثلاث
حرمانًا لبلادنا من نصف طاقتها الحيوية الإنتاجية
ـ نحن نريد حرية لنا وللجميع
ـ نحن نريد سعادة لنا وللجميع
ـ نحن نريد سلامًا لنا وللجميع
ـ نحن نريد عدلاً لنا وللجميع
ـ نحن نريد مسئولية لنا وللجميع
ـ نحن نريد مساواة لنا وللجميع
ومن مجموع هذه الإرادات اقترح أن تكون قراراتنا اليوم كما يأتى
أولاً العمل فورًا على تعديل قانون الانتخاب على وجه يحقق حصول المرأة المصرية على كامل حقوقها السياسية التى كفلها لها الدستور
ثانيًا
العمل فورًا على إصدار التشريعات اللازمة لحماية الأم والزوجة، وضمان
استقرار الحياة العائلية، خصوصًا ما تعلق منها بتقييد حق الرجل فى الطلاق
وتعدد الزوجات
ثالثًا تقرير المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة فيما يتصل بحرية العمل وظروفه خصوصًا فيما يتعلق بالمساواة فى الأجر
وبناء
على هذا الخطاب اتجهت درية شفيق وفى صحبتها ألمع نساء النهضة الوطنية
الجديدة إلى البرلمان يهتفن بحقوق المرأة ويرفعن أعلام التمرد على المجتمع
الذكورى
وهذه رئيس الحرس بإطلاق النار لو حاولن اقتحام بوابة
البرلمان، وكانت المظاهرة تشمل امرأة، وبعد مفاوضات سمح لثلاثة من
زعمائهن بدخول البرلمان، وهن سيزا نبراوى، زينب لبيب، درية شفيق ، ليعرضن
مطالبهن على وكيل المجلس آنذاك جميل سراج الدين الذى وعد بدراستها، وكان
هذا هو الانتصار العملى الأول لحركة المرأة المصرية من أجل حصولها على
حقوقها السياسية كاملة
غير أن درية شفيق استدعت فى اليوم التالى إلى
النيابة العامة للتحقيق معها فى موضوع اقتحام البرلمان بالقوة، وقدمت
للمحاكمة غير أن المدعى العام حفظ التحقيق على وعد أن لا تتكرر مرة أخرى
اقتحام البرلمان رمز الديمقراطية البرجوازية
ولمشاركة المرأة مع الرجل
فى المقاومة الشعبية التى انطلقت بعد إلغاء معاهدة فى قتال السويس ضد
عسكر الاحتلال الإنجليزى، ولوقوف فقهاء القانون مع أحقية المرأة المصرية في
ممارسة كل حقوقها السياسية من انتخاب وترشيح
يقول د سيد صبرى أستاذ
القانون الدستورى فى نقابة الصحفيين إن الدستور يبيح للمرأة حق الانتخاب،
وأن اللجنة الدستورية التى حرمتها هذا الحق قد ناقضت نفسها، كذلك أعلى
أقطاب اللجنة الدستورية فى الشيوخ زكى العرابى، محمد على علوية، وأحمد
رمزى فى مذكرة جديدة ضرور منح المرأة المصرية حق الانتخاب بعد أن وقعت مصر
على ميثاق هيئة الأمم الذى يحتم على كل بلد وقع عليها بعدم التفرقة بين
الجنسين فى الحقوق السياسية
وقررت وزارة الهلالى التى تولت الوزارة بعد
على ماهر الذى تولاها بعد إقالة وزارة النحاس وحريق القاهرة فى يناير
الدعوة لإجراء الانتخابات وفتحت جداول القيد، وقررت درية شفيق وزملائها
التقدم للترشيح ودفع التأمينات وذهبت الزميلات لدفع تأميناتهن يوم مارس
سنة فرفض الموظفون المختصون استلامها بحجة أن قانون الانتخاب لا يسمح
بالترشيح لغير الرجال
ولم تيأس درية شفيق وزملائها أعضاء جمعية بنت
النيل فلجأن للقضاء وأصررن على التقدم للترشيح وتم التحايل والالتفاف على
كل هذا النضال الذى رغم إخفاقه إلا أنه أشعر الرأى العام المصرى والعربى
والعالمى بنهوض حركة المرأة المصرية فى صراعها ونضالها من أجل حق الترشيح
والتصويت فى انتخابات البرلمان
وانضم رجال الدين المتشددون والذين لا
يعترفوا بسماحة الإسلام التى اعترفت فى بداية الرسالة بحقوق المرأة كاملة،
وانضم هؤلاء الدعاة الجاهلين إلى الرجعية المصرية التى تحكم البلاد في ظل
نظام ليبرالى تابع وملكى وشبه إقطاعى إلى الوقوف فى وجه حركة المرأة
الحديثة التى قادتها درية شفيق وجماعة بنات النيل
وتقول درية شفيق
بعد قيام ثورة لقد سقط رجال الدين الذين افتروا على الإسلام بأن
الرجال يستعبدون المرأة وسقط معهم فاروق الأول الذى يرفض الاعتراف بالحقوق
المشروعة للمرأة فى حق الترشيح والانتخاب
درية شفيق ونضالها بعد قيام ثورة يوليو
كانت
النية قد اتجهت إلى قيام جمعية تأسيسية منتخبة لبحث مشروع الدستور الجديد
وكان المفروض ألا تتجاهل الحكومة حق المرأة المقدس فى الاشتراك فى تقرير
المصير والمرأة تشمل أكثر من نصف الشعب وليس من الطبيعى فى سنة أن
نقضى أغلبية الشعب عن التفكير فى وضع الخطوط الرئيسية لمستقبل ذلك الشعب
المصرى العريق بتراكم حضاراته الفرعونية والقبطية والإسلامية
ومع ذلك
فقد حدث أمرًا صادمًا للحركة النسائية التى تقودها عن جدارة درية شفيق ،
وقد بدأ الاستعداد لانتخاب الجمعية التأسيسية على أساس قانون الانتخاب
القديم، القانون الذى يجعل التصويت والترشيح حكرًا على الرجال وحدهم
أمام
هذا القمع من بداية عهد ثورة للمرأة بدأ التفكير فى تجاوز الاحتجاج
بالبرقيات أو الإضراب والتظاهر، فالنظام الشمولى ليوليو بجانب قمعية
الرجل للمرأة أمم العمل السياسى وخضعت مصر لنوعية من الديكتاتورية الوطنية
التقدمية
وقد واجهت درية شفيق ، هذا القمع بالإضراب عن الطعام فى رحاب
نقابة الصحفيين وكتبت الصحف المصرية والخارجية عن هذا الإضراب عن الطعام
وأصبح اسم رموز الحركة النسائية الوطنية يبرز عن جدارة وصلابة درية شفيق
وتقول
درية شفيق عن نضج الحركة النسائية ولست أنكر أن اضطرابنا أثار أعداء
المرأة كما أنه مادة خصبة للمجلات تحاول بها إثارة انتباه القراء ولو
بحملات مفتعلة وغير صحيحة فى جوهرها وتفصيلاتها ولكن هل ينكر أحد أنها إلى
جانب ذلك أثارت عطف الرأى العام فى مجموعة على قضيتنا؟
ويبدو أن
شمولية نظام يوليو ظل معاندًا فترة طويلة لإعطاء المرأة حقوقها
السياسية كاملة لذلك وضع حركة ونشاط ونضال درية شفيق ومجموعة بنت النيل من
النساء المثقفات ثقافة ليبرالية وعلى مستوى رفيع من الفهم الفكرى لتاريخ
وإشكاليات قضايا المرأة منذ العصر الفرعونى إلى منتصف القرن العشرين وضعهم
تحت المراقبة، وأيضًا خضعوا للمطاردة والحصار
وهذا طبيعى من ديماجوجية
نظام يوليو السياسى فى بدايات المعادى لليبرالية والمفاهيم
الديمقراطية وأساسيات المجتمع المدنى وحقوق الإنسان
فقد بطش هذا النظام
الاستبدادى تحت مسمى إجراءات ثورية بكل حقوق الرأى والمعارضة ليس للرجل
وحده بل للمرأة أيضًا، وأمم العمل السياسى
وثمة غموض على تحركات ونشاط
درية شفيق فى هذه الفترة الحالكة من تاريخ الحريات المدنية فى مصر، ولكن
الثابت لدينا أنه قد صدر قرار بتحديد إقامتها سنة وانقطعت أخبارها عن
الرأى العام
وقد ولدت درية شفيق فى طنطا ولم تنجب، فما أتعس أن تجبر
مناضلة مصرية مثقفة وديمقراطية التوجه أن تلزم بيتها تحت المراقبة وهى التى
تعودت على ممارسة العمل السياسى والثقافى والصحفى
لذلك وقعت فريسة
العزلة والاكتئاب غير أنها واصلت جهدها الأساسى ككاتبة مرموقة، فترجمت
القرآن إلى الإنجليزية والفرنسية، وكتبت مذكراتها التى لم تر النور حتى
الآن، ولا نعرف من المسئول عن ذلك، وصدر لها ديوان شعر وبعض مخطوطات لم
تنشر
ثم كانت النهاية الدامية التى مازالت تشكل لغزا فى التاريخ
السياسى لنظام المطلق وأجهزته المخابراتية والأمنية، ففى يوم أسود من
سبتمبر تنشر فى الجرائد وبطريقة غير لافتة للنظر وهى فى اعتقادى
متعمدة
أن درية شفيق قد انتحرت، حيث ألقت نفسها من الدور السادس من عمارتها فى الزمالك
وما زالت قضية هذا الانتحار الغامض تبحث عن إجابة
يقولون إنها عانت بعد عزلتها وتحديد إقامتها الاكتئاب اللعين، ولكن لماذا عانت درية شفق الاكتئاب؟
الإجابة هو قرار تحديد إقامتها
ولماذا حددت إقامتها؟
لأنها
كانت مثقفة عضوية تمارس وعن جدارة استكمال مسيرة المرأة المصرية للنهضة
والحصول على حقها الانتخابى، وأنها امتداد خلاق وإضافة لجهود أمهاتها
العظام هدى شعراوى، وسيزا نبراوى
إن دار الكتب إذ تقدم كتاب من كتبها
المبكرة صدر فى العهد الملكى حيث كانت ورغم كل ما يوجه للنظام الملكى
والإقطاع وصراع الطبقات والرأسمالية، كان هذا العهد وبنظرة أشمل عهد
الليبرالية والديمقراطية وحرية الرأى وكل أسس المجتمع المصرى المتحضر، حيث
تقديس حقوق الإنسان وقطار الثورة العسكرية لـ هدم هذه الليبرالية بشكل
ديماجوجى وظل يبحث حتى الآن عن بديل لهذه الديمقراطية الرجعية كما يحلو له
أن يسميها
ومن حقنا ومن حق درية شفيق أن نؤكد أنها الآن تنظر عبر
زجاج الموت البارد مفتخرة بجهدها الوطنى فى تحرير المرأة عندما تقرأ عن
التعديلات الدستورية وقانون الانتخاب الذى صدر أخيرًا من مجلس الشعب وهو
تخصيص مقعدا للمرأة فى البرلمان
لقد كانت درية شفيق الشهادة والنبوءة
الرحمة لها والغفران لنا
قراءة فى «تطور النهضة النسائية فى مصر من عهد محمد على إلى الفاروق»ü
لعل
أبسط واجب وطنى لشرف المثقف الوطنى أن يجدد ذكرى بنت النيل وطليعة رواد
الحركة النسائية فى الخمسينيات الشهيدة درية شفيق بأن تقدم للقارئ أحد
كتبها القديمة شاء الحظ أن نقتنيه من على سور الأزبكية أثناء حماس الشباب
ورغبة المعرفة وشهوتها، حيث أتيح لى، وعندجما عرضته على أستاذى وصديقى أ
د محمد صابر عرب، رئيس الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، بادر
على الفور بإصدار قرار بإعادة طبعه وتكليفى بكتابة دراسة وافية عن بنت
النيل درية شفيق فله من كل المثقفين والمثقفات ومناضلى حركات المجتمع
المدنى كل الاحترام والتقدير
وقبل أن نعرض كتاب تطور النهضة النسائية فى مصر صدر عام مؤلفاتها الأخرى
ـ المرأة والإسلام باللغة الفرنسية
ـ مذهب الفن للفن عند قدماء المصريين باللغة الفرنسية
ـ المرأة الجديدة باللغة الفرنسية
ـ مقالات درية شفيق
وإهداء الكتاب له دلالة على موقف إحدى أميرات مصر المعروفين بالاهتمام وبتشجيع النهضة النسائية فى مصر، وهى الأميرة شويكار
وسأحاول أن أقدم قراءة تحليلية نقدية لمكونات الكتاب
تمهيد
كانت النساء المصريات منذ نحو نصف قرن يعشن حياة أشبه بالجوارى، لا يتعلمن ولا يمارسن حرية اختيار الزوج إلخ
غير أن أولئك النساء العاطلات القلقات كن يشعرن فى داخلهن برغبة للتمرد على هذا الوضع غير الإنساني
وقد
كان الخديو إسماعيل كما ذكرنا بتوسع فى البداية أول حاكم يرى مدى ما كانت
تعانيه المرأة من آلام الجهل، فأعد مشروعات مختلفة لنهضة النسوية
ثم
عندما قام الشيخ محمد عبده بتفسير القرآن تفسيرًا عقلانيًا لحد بعيد كشف عن
سماحة الإسلام فى إعطاء المرأة حقوقها المشروعة، ثم أعقبه قاسم أمين الذى
قدم كتابين تاريخيين هما المرأة الجديدة، وتحرير المرأة، اشتملت لأول مرة
على آراء وتحليلات جريئة مست علاقة الإسلام بنهوض المرأة وخاصة إثبات قاسم
أمين بمنطق عقلانى أن الحجاب ليس له علاقة بالإسلام، وأن التغيير الاجتماعى
والاقتصادى والتعليمى للمرأة لا يستلزم الحجاب
وقد أثارت آراء قاسم
أمين آراء معارضة من السلفيين ورجال الدين المتشددون والبعيدين عن روح وفهم
رسالة الإسلام كثورة إنسانية جديدة تحرر الرجل والمرأة معًا، وتصدى
لمعارضة قاسم أمين الاقتصادى طلعت باشا حرب الذى وقف ضد نهوض حركة المرأة
المصرية الجديدة للحصول على حق التعليم والعمل والمساواة مع الرجل فى
الحقوق والواجبات أمام القانون
وقد رد طلعت حرب بكتابين هما أجد الكتب التى صدرت عن المحافظين
وفى
هذا الجو الصاخب الذى أثارته آراء قاسم أمين ظهرت السيدة ملك ناصف الملقبة
بباحثة البادية، فوضعت حدًا لهذه الضجة وكانت مثلاً حيًا لحرية المرأة
وفى
خلال الحرب العالمية الأولى ـ أنشأ الأستاذ عبد الحميد حمدى
صحيفة سماها السفور، على إثر إغلاق الجريدة للطفى السيد، وقد نشرت السفور
كثير من المقالات لكتاب معروفين اليوم فصولاً يدعون فيها إلى سفور المرأة
فى كل شىء، فى مقدمتهم الشيخ مصطفى عبد الرازق باشا، والشيخ على عبد
الرازق، ومعالى طه السباعى، و د محمد حسين هيكل باشا، وصاحب المجلة عبد
الحميد حمدى، وغيرهم من أنصار المرأة الذين كان لهم فى نهضتها أثر بعيد
ثم
برزت السيدة هدى هانم شعراوى إلى الميدان، فجعلت لنهضة المرأة شكلاً
دقيقًا واضحًا وأظهرته قوى متين، وكانت أول سيدة أعلنت السفور، وقد
أنشأت فى مصر حركة نسائية كللت بالنجاح العظيم وتردد صداها فى أقطار
أوروبا، وسجلت جهودها مرحلة فاصلة من مراحل تحرير المرأة
الفصل الأول
المرأة فى الإسلام
من
أعظم مزايا الدين الإسلامى أنه يشمل تشريعًا حقيقيًا للحقوق وأمور
الاجتماع ونظمه، وهو فيما يختص بالمرأة عكس ما أذيع عنه ما ترهات
من
أعظم مزايا الدين الإسلامى أنه يشمل تشريعًا حقيقيًا للحقوق وأمور الاجتماع
ونظمه، وهو فيما يختص بالمرأة لم يهمل شيئًا من مصالحها، إذ تناول القرآن
الكريم جميع شئونها، بحيث إن المرأة لا تجد ما تحتاج إلى المطالبة به من
الحقوق إذا فسر القرآن بروحه الحقيقى
وينبغى هنا أن نميز بين القانون
والواقع، فإذا كانت المرأة فى الواقع تعانى أحيانًا بعض الظلم فذلك يرجع فى
حالات كثيرة إلى جهلها مدى حقوقها أو إلى تفسير القواعد الدينية تفسيرًا
غير سليم، فلو زال هذان السببان لارتقت المرأة المسلمة إلى مستوى أكثر
النساء تمدنًا فى العالم
الفصل الثانى
وهو يرصد تطور النهضة
النسائية منذ محمد على، وقد سبق أن ذكرنا فى مقدمة دراستنا عن سيرة نضال د
درية شفيق ما قام به محمد على من بداية متواضعة، يتلوه وهو الأهم والأكثر
تأثيرًا بأعماله الخديو إسماعيل، وسبق ذكر ما قام به واعتماده على كل من
رفاعة الطهطاوى وعلى مبارك
الفصل الرابع
عن أنصار المرأة المصرية
فصل عن دور قاسم أمين
فصل عن الشيخ محمد عبده
الفصل الخامس
نهضة المرأة التعليمية
دراسة لبرامج التعليم للمرأة ونقدها من أجل اكتمالها
الفصل السادس
عن المرأة وقدرتها على الشئون العامة، أمثلة من الواقع
الفصل السابع
أعمال الأميرات وخاصة السيدات والسادة
الفصل الثامن
الاتحاد النسائى
يرصد نضال وسيرة هدى شعراوى فى مسار حركة نهضة المرأة المصرية
النشاط النسائى فى عشرين عامًا، وفيه تنشر درية شفيق كلمة صاحبة العصمة هدى هانم شعراوى فى الاحتفال العشرينى للاتحاد النسائى
خلاصة الكتاب
يظهر
لنا مما تقدم أن الحركة النسائية فى مصر تطورت تطورًا سريعًا إلى حد يثير
الدهشة إذ إن المصريات استطعن فى ربع قرن من الزمن الخروج من التحجب إلى
موقف يدعين فيه الحقوق النيابية، فهن لم يكتفين بنزع الحجاب ولا اكتفين
بالتحرر من الوصاية، بل أخذ بعضهن فى الارتقاء إلى مستوى أرقى من النساء
المتمدينات وأوسعهن ثقافة فى العالم بعد أن كن إلى عهد قريب لا يملكن حقًا
من الحقوق التى منحها لهن الدين وما أكبرها من حقوق