** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 فصل المقال وتقرير حقيقة الفرقان ما بين ابن الازرق وميكيافلي من "المفارقات" أو "المشتبهات"

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حياة
فريق العمـــــل *****
حياة


عدد الرسائل : 1546

الموقع : صهوة الشعر
تعاليق : اللغة العربية اكثر الاختراعات عبقرية انها اجمل لغة على الارض
تاريخ التسجيل : 23/02/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 10

فصل المقال  وتقرير حقيقة الفرقان ما بين ابن الازرق وميكيافلي  من "المفارقات" أو "المشتبهات" Empty
25102011
مُساهمةفصل المقال وتقرير حقيقة الفرقان ما بين ابن الازرق وميكيافلي من "المفارقات" أو "المشتبهات"

فصل المقال  وتقرير حقيقة الفرقان ما بين ابن الازرق وميكيافلي  من "المفارقات" أو "المشتبهات" 1315866125



فصل المقال وتقرير حقيقة الفرقان ما بين ابن الازرق وميكيافلي



من "المفارقات" أو "المشتبهات"







بقلم: الدكتور احمد بابانا العلوي







استهلال : المراد بالفرقان التفريق بين الحق والباطل



أما المشتبه والمتشابه : سواء من حيث اللفظ أو المعنى هو الذي لا ينبئ ظاهره على حقيقته مما يؤدي إلى طغيان الخلط والإشكال}



يراجع : مفردات ألفاظ القرآن للراغب الاصفهاني و لسان العرب لابن منظور.







- 1 -







لقد لفت نظري ما كتبه الأستاذ عز الدين العلام في زاوية { فواصل الأيام } بجريدة الاتحاد الاشتراكي العدد 9862 بتاريخ 15/08/2011.



وقد
ورد في مقال الأستاذ كلام مرسل حول حركة الإصلاح الديني التي شرعت حسب
قوله (التفريق بين الإيمان والقانون) وتحدث عن فكر الأنوار والدولة
الأوربية الحديثة وانتشار الفكر الاشتراكي بفضل مفكرين أمثال ماركس وبرودون
وباكونين، كما أشار إلى التقدم المتسارع الذي حققته أوربا في المجالات
الاقتصادية والتقنية والاكتشافات العلمية..




وتضمن
مقاله قدح في مفكري المغرب والإسلام بصورة انتقائية، واختزالية
ومبتسرة، تفصح عن فكر دوغمائي بعيد كل البعد عن ما يجب أن يتصف به الباحث
من رصانة وروية وتمحيص وعدم تحكيم الهوى في قضايا تتعلق بالفكر والنظر...




ولست
هنا بصدد مساجلة الأستاذ العلام فيما كتب من كلام مرسل. فهذا شأن يعنيه،
ولا شك بان القارئ اللبيب سوف يدرك مراميه وخلفياته وله وحده أن يحكم له أو
عليه..




وما أريد أن أتوقف عنده في هذه العجالة ينصب على مسألة معرفية وظفها الأستاذ لأغراض إيديولوجية في سياق كلامه المرسل.



ويتعلق
الأمر بمقارنته المبتسرة بين ابن الازرق وميكيافلي يقول الأستاذ : "حينما
كان مكيافيلي يكتب "الأمير" يقصد كتاب "الأمير" فاتحا الطريق لتأسيس نظرية
الدولة الحديثة.




في
الوقت الذي كان فقيهنا ابن الأزرق يجمع في كتابه ( بدائع السلك في طبائع
الملك) كل موروث الاستبداد السلطاني...، ثم يضيف "وبينما كان مفكرو الأنوار
من ديدرو إلى فولتير، مرورا ب دالامبير وهلفسيوس ودولباج يدافعون عن العقل
مؤمنين بالإنسان، ومطالبين بالإصلاح..، ظل فقهاؤنا يجرون من ورائهم سيلا،
بل أسمالا، من الاستشهادات والعنعنات التي لا تسمن التاريخ ولا نغنيه."








- 2 -







والحق
أن في الكلام الذي استشهدنا به مبالغة وتشويه للحقيقة وإسقاط متعمد خارج
عن السياق التاريخي، وبدون إعتماد أي طريقة معرفية أو معيارية منهجية.
تمكننا من فهم تطور الأنساق الفكرية والأنماط الثقافية الكامنة وراء الحركة
التاريخية للمجتمعات البشرية. لقد ذكرت في كتابي الفصول: "بان ما يهمنا هو
مسألة المنهج لأن العلم في جوهره هو ادارك الشيء بحقيقه اليقين والمعرفة
...




فالمعرفة
العلمية الصحيحة تقوم على قواعد وأصول منهجية تؤدي إلى اكتشاف حقائق الكون
والحياة والإنسان وتساهم في ازدهار وتقدم الحضارات الإنسانية (1).




ومن
هذا المنطلق فقد ظهرت في المكتبة الأوربية مئات الكتب عن الفكر العربي
الإسلامي، وقد انصرفت جهود الباحثين على الأساليب التي تنمو فيها التقاليد
الفكرية والطريقة التي تتجمع فيها وتنتقل من جيل إلى آخر وتتطور وتكسب
مرجعيتها.(2) والغاية من وراء ذلك تشكيل نظرة معينة في أوروبا عن الإسلام و
الحضارة المرتبطة به.




ورغم
أن الإسلام منذ ظهوره على مسرح التاريخ شكل مشكلة لأوربا المسيحية، إلا
أن العلاقة بين المسلمين والأوروبيين المسحيين لم تكن مجرد حرب دائمة... بل
كانت كذلك علاقة تبادل تجاري عبر البحر المتوسط..، وكان هناك أيضا تبادل
للأفكار من البلدان الإسلامية نحو البلدان المسيحية (مؤلفات فلسفية
باللغة العربية، وكتب العلوم والطب، ترجمت إلى اللاتينية) وظلت حتى القرن
السادس عشر متداولة ..




إن
المسيحيين الأوربيين الذين فكروا في الإسلام خلال ما يقارب الألف سنة من
المجابهة، قد فعلوا ذلك وهم في حالة الجهل رغم أن القرآن كان متوافرا فعلا
بترجمة لاتينية منذ ما بعد القرن الثاني عشر..، بتوجيه من بطرس المحترم
رئيس دير كلوني. وكذالك كان بعض المؤلفات الفلسفية باللغة العربية معروفة،
أما الفقه والعقائد التي تتناول ما ورد في القرآن من نظام للفكر و الممارسة
فإن معرفة المسيحيين لها كانت محدودة.(3).. والحق أنه مهما تكن آراء
الأوروبين في الإسلام، فلا يمكنهم أن ينكروا بأنه كان عاملا فاعلا في تاريخ
البشرية..




ولهذا
سوف يزداد الاهتمام بالإسلام في العصور الحديثة... لقد ظهرت اول دراسة
منتظمة للإسلام في تاريخ اوربا الغربية منذ القرن السادس عشر. وبدأ تدريس
اللغة العربية في الكولوج دي فرنس في باريس وبعد ذلك أنشئت أستاذية لتدريس
اللغة العربية في جامعة ليدن بهولندا (1613) وفي انجلترا أنشئت أستاذية في
جامعة كمبريبد (1632) واخرى في اكسفورد سنة (1634) وقام جورج سايل بترجمة
القرآن الكريم حوالي (1696-1736) معتمدا على ترجمة ماراتشي اللاتينية
(1611-1700). ومع تزايد المعرفة حصل تغير في الأساليب والنظر بها إلى الدين
ومعنى كلمة "دين".





إن المعنى الحديث ظهر في القرنين السادس عشر والسابع عشر، ولم تعد الكلمة
تعني مجرد أشكال من العبادة. لكنها الآن أصبحت تعني نظام للمعتقدات
والفرائض والممارسات...(4).




وضمن
هذا السياق أصبح الإسلام تعبير عن حاجة البشرية للاعتقاد بالله، وأن له
قيمة لحد ذاته. وفي سنة 1841 اصدر توماس كارليل كتابه "الأبطال" واعترف
كارليل نبوة محمد (ص).




ومن
نتائج هذا الاهتمام بالإسلام أن أصبحت الدراسات الاسلامية فرعا معرفيا
مستقلا في الجامعات الغربية ويعتبر سلفستر دي الساسي (1758-1838) مؤسس
الدراسات الاسلامية الحديثة في فرنسا.




إن
المستشرق فون كرمير (1828-1889) الذي تأثر بالعلامة ابن خلدون
(1332-1406) قد وضع كتابا عن ابن خلدون ضمنه بعض الأفكار الرئيسية تتخلص
في أن الحضارة أو المدنية تعبير شامل عن روح الشعب، وكان يعتقد بأن هذه
الروح عبرت عن نفسها بطريقتين رئيسيتين : (الدولة الظاهرة الاجتماعية
التي تقيد القوانين نهوضها وسقوطها، والأفكار الدينية التي تكون حياة
العائلة والمجتمع، وهذان العاملان مرتبطان ارتباطا وثيقا احدهما بالآخر.
ومن ثم فإن طبيعة المجتمع أو الحضارة تحددها أفكار الحضارة المتقدمة...(5)




إن
ما أردنا التأكيد عليه من خلال هذا الاستطراد هو أن المراجع الحديثة تؤكد
بأن أثر العرب في القارة الاوربية يعود إلى أقدم الأزمنة. فكل حضارة
أبدعت. ولم توجد قط حضارة تفردت بالإبداع أو انفردت بالنقل أو خلت من السمة
التي تميزها بين سمات الحضارات.. وقد تنبث سمة النقل بإحصاء أسماء العلماء
والمفكرين الذين نهضوا بأمانة الثقافة، في ظل الدولة الإسلامية..(6).








- 3 -







لقد
حافظت الحضارة الإسلامية على تراث الإنسانية وزادت عليه ونقلته إلى من
تلاها..، وكل حضارة صنعت ذلك فقد صنعت، خير ما يطلب من الحضارات.. وهذا هو
الدور الذي قام به علماء الإسلام وهي فضيلة السماحة والحرص على تراث
الإنسانية إنطلاقا من كون أمانة التبليغ الثقافي والعلمي تشكل ركنا أساسيا
من أركان العقيدة الإسلامية، فكلمة الأمانة والأمانات وردت في خمسة مواضيع
من القرآن الكريم وكلها بالمعنى الذي يفيد التبعة والعهد والمسؤولية
وبالتالي الأمانة العامة هي الحق والفريضة ومنها حق العلم وفريضته. فلا
يجوز لمن علم علما أن ينسى حقه أي فريضة تبليغه.




ويقول
الإمام الزمخرشي في كتاب الكشاف بخصوص الأمانة الواردة في الذكر الحكيم
بأن الأمر يتعلق بخطاب عام موجه لكل احد وفي كل أمانة. ويضيف صاحب تفسير
الجواهر الشيخ طنطاوي جوهري بان الأمانة كل ما اوتمنتم عليه من قول وعمل أو
مال أو علم وبالجملة كل ما يكون عند الإنسان من النعم التي تفيد نفسه
وغيره.." (7). كما يشمل كل ما يرعاه من عهد وذمة ...




وقال الفخر الرازي (ت 666هـ) بان الأمانة تكليف ونظر في الدلائل والبراهين ومن شروطها التبليغ الذي يراد به البيان.



وخليق
بكل دارس للأديان أن يتنبه إلى التوافق بين تميز الإنسان بالتكليف وبين
خطاب العقل في الكتاب المبين بكل وصف من أوصاف العقل، وكل وظيفة من وظائف
الحياة الإنسانية ...(8).




إن
دور علماء الإسلام يندرج ضمن هذا السياق المرسوم وقد أدوا أمانة العلم
وأمانة النقل والتبليغ والحفاظ على تراث الإنسانية.. ومن فضيلة الإسلام
الكبرى أنه فتح للمسلمين أبواب المعرفة وحثهم على ولوجها والتقدم فيها،
وقبول كل مستجدات من العلوم على تقدم الزمن وتجدد أدوات الكشف ووسائل
التعليم..(9) وعلماء الإسلام هم الذين أصلوا مناهج البحث وجددوا مذاهب
الفكر والفلسفة وهم الذين جعلوا من التفكير فريضة ومن العلم عبادة.




ومن مداد العلماء نوارا يهدي الإنسانية إلى سبل الرشاد.



إن
الإيمان قيمة وفضيلة، والقانون يتمثل في الطريقة التي تتحقق بها القيم
السامية أي التي يتحقق بها العدل الذي هو أساس الملك بمعنى أساس التعايش
بين الافراد والجماعات والشعوب والدول. وفي هذا الصدد يقول الأستاذ احمد
مختار امبو المدير السابق لليونيسكو والشخصية الإسلامية الرفيعة :




"إن
الإسلام في جوهره رابطة بين قيم المنطق وفضائل التغيير، بين الحقائق
الراسخة الأولى التي أتى بها التنزيل وبين الشك الخلاق الذي يقوم عليه
التفكير العلمي، إنه اللجوء الدائم بما هو جوهري للإحاطة بما هو نوعي إنه
الرجوع المستمر إلى الأمور القدسية للإحاطة بالأمور الدنيوية ولهذا السبب
فهو لا يخشى البتة ظهور الجديد بل على العكس يدعو إليه دائما بوصفه مطلبا
أساسيا للحقيقة التي أتى بها. وهو إذ يغذي الجديد ويثريه ويشق أمامه
الدروب التي تؤدي إلى أفضل الثمار وتفي باسمي الوعود.(10)




إن
علماء الإسلام ومفكروه مهما تعددت مشاربهم ومذاهبهم فهم قمم ومنارات، لا
ينكر الأجاحد تأثيرهم الواسع في الثقافة العالمية، وإسهامهم الكبير في
تراث الإنسانية، ومن أهم المهام التي ينصرف إليها اليوم الجهد المعرفي
لكوكبة من علماء الإسلام هو إعادة تشكيل العقل المسلم، ليتأهل لخوض معركة
الحضارة والنهوض بالمجتمعات الإسلامية حتى تكون واعية بمتطلبات عصرها
ومدركة لحقائقه الجيوسياسية والجيوستراتيجية باعتبارها كتلة حضارية لها
عمق إستراتيجي قادرة على التأثير في عصرها.




في
الوقت الراهن يتشكل نظام عالمي على نحو سريع وربما حضارة جديدة، ولابد
للمسلمين أن يقفوا على حقائقها ويدركوا معانيها وقوانينها إذا أردنا أن
نكون فعاليين ومؤثرين، ولنا دور في صياغة قواعدها وتحديد أهدافها..




إن الذين لا يزالون يلهثون وراء سراب الغرب هم واهمون !



و
نستدل هنا بمقولة المؤرخ الشهير أرنولد توينبي الذي يقول: "إنني لأشعر
بانحسار الأديان الكبرى التاريخية وظهور عبادة القوة البشرية الجماعية
القديمة في العالم الحديث، وقد ظهرت سواء في عبادة الدولة (المحلية) أو في
مشكل عبادة (الدولة العالمية) .. إنني لأفترض أن هذه الصور لعبادة القوة
البشرية الجماعية تشمل 90% من الشعور الديني أو 90% من سكان العالم في
الوقت الحاضر، والواقع أن هذا الانتقال نحو عبادة القوة البشرية الجماعية
هو لاشك السبب الرئيسي للمتاعب والاضطرابات التي تقوم بين البشر ...،إن
الأديان الكبرى جميعا مهملة وآخذة في الانحسار، وربما توقف مستقبل الجنس
البشري على عودتها ثانية إلى سيطرتها السابقة أو على عجزها عن تحقيق ذلك
(11).




أجل
إن خير ما يتكفل الدين القويم به عقيدة تعمر الضمير وتطلق للعقل عنانه
في سبيل الخير وسعادة الأرواح والأبدان وإذا كانت الجماعات البشرية لا
يستغنون عن عقيدة، فإن جماعة المسلمين يصطفون لأنفسهم عقيدة سمحة، والقرآن
كتاب عقيدة يخاطب الضمير ويحث على التفكير ولا يتضمن حكما يشل حركة العقل
في تفكيره أو يحول بينه وبين الاستزادة من العلوم حيثما استطاع وقد جاء في
سورة الروم الآية 30 (فاقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس
عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون).




وقال الشاعر محمد إقبال : (12)



لقد ذهب الوفاء فلا وفــاء وكيف ينال عهدي الظالمينا



إذا الإيمان ضاع فلا أمـان ولا دنيا لم يحـي دينـــا



ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قرينــا



وفي التوحيد للهمم اتحـاد ولن تبنوا العلا متفرقينــا



تساندت الكواكب فاستقرت ولولا الجاذبية ما بــقينا







بعد
هذا الاستطراد انتقل الى النقطة المحورية التي وردت في حديث الأستاذ
العلام حول المقارنة بين كتاب "الامير" لميكيافيلي وكتاب "بدائع السلك في
بطبائع الملك" لمؤلفه ابن الأزرق، وقد صدر هذا الكتاب القيم بتحقيق وتعليق
المرحوم الدكتور علي سالم النشار في جزئين عن الدار العربية للموسوعات سنة
2006.





وزعم العلام أن المؤلف أبي عبد الله ابن الأزرق المتوفى عام 896 هـ قد ضمن
كتابه [بدائع السلك في طبائع الملك] "كل موروث الاستبداد السلطاني"، في
حين أن نيقولو ميكيافيلي 1469-1527 وضع في كتابه "الأمير" le prince الأسس
أو القواعد التي ستقوم عليها الدولة الحديثة.




وسوف
اعتمد في بحثي على الترجمة العربية التي أنجزها "خيري حماد" وتتضمن تعليقا
لبينيطو موسوليني وتعقيب لفاروق سعد والترجمة صادرة عن منشورات المكتب
التجاري للطباعة والنشر ببيروت سنة 1979. كما أنني عدت إلى الترجمة
الفرنسية لكتاب "الامير" والتي انجزها "جان اماكلاد" Jean Amglade مع
مقدمة للمفكر الفرنسي الراحل ريمون ارون.




ولابد
من التأكيد هنا أنني لست بصدد الرد على الأستاذ العلام فله قراءات للتراث
الإسلامي تندرج ضمن السجالات السفسطائية. ومنطق التمحل واللجاجة وهذا ما
يتجافى مع المعيارية العلمية التي تؤسس لقواعد الاختلاف والنظر والتدبر.
وتفضي الى المقاربات المنهجية التي تؤصل لرأي أو لرؤية تكون قابلة للصواب
أو الخطأ أي أنها قابلة للمراجعة والتصحيح وهذا ما أكد عليه العلامة ابن
خلدون في المقدمة: "لم اترك شيئا في أولية الأجيال والدول وتعاصر الأمم
الأول وأسباب التصرف والحول في القرون الخالية والملل وما يعرض في العمران
من دولة وملة ومدينة وحلة وعزة وذلة وكثرة وقلة وعلم وصناعة وكسب وإضاعة
وأحوال متقلبة مشاعة وبدو وحضر وواقع ومنتظر إلا استوعبت جمله وأوضحت
براهينه وعلله فجاء هذا الكتاب فذا بما تضمنه من العلوم الغريبة والحكم
المحجوبة القريبة وأنا بعد هذا موقن بالقصور معترف بالعجز عن المضاء في مثل
هذا القضاء راغب من أهل اليد البيضاء والمعارف المتسعة الفضاء النظر بعين
الانتقاد لا بعين الارتضاء والتغمض لما يعثرون عليه بالإصلاح والإغضاء،
فالبضاعة بين أهل العلم مزجاة والاعتراف من اللوم منجاة (13).




إن
هذا النص الخلدوني يؤكد على حقيقة بدهية وهي أن حركة الفكر إنما هي إثراء
متبادل وحوار خلاق ومن ثمة فالثقافة الفاعلة هي التي تتأسس على معرفة صحيحة
ومنظور موضوعي ومنهج علمي وضمن هذا السياق يندرج كتاب ابن الأزرق "بدائع
السلك في طبائع الملك". وقبل الشروع في عرض الأفكار التي تضمنها كتاب "ابن
الأزرق" لا يفوتنا أن نشيد بالجهد العلمي المتميز للمرحوم الدكتور علي
سامي النشار سواء في مجال تأصيل الفكر الفلسفي الإسلامي بالتأكيد على أصالة
مناهج البحث عند مفكري الإسلام وكذلك بما قام به من تحقيق لبعض كتب التراث
النفيسة في مجال الفقه السياسي الإسلامي ومن ضمنها كتاب الإشارة في أدب
الوزارة للمرادي وكتاب الشهب اللامعة في السياسة النافعة لابن رضوان
المتوفى سنة 783 هـ.




إن
كتاب "بدائع السلك في طبائع الملك" يندرج ضمن هذه السلسلة التي حققها
الدكتور علي سامي النشار وبذل فيها جهودا علمية صادقة ورصينة تدل حقيقة على
علو منزلته بين أعلام الفكر الإسلامي المعاصر.




يقول
الدكتور علي سامي النشار في تقديمه لكتاب ابن الأزرق : "إن كتاب "بدائع
السلك في طبائع الملك" يعتبر اعظم كتاب في علم الاجتماع السياسي لدى
المسلمين، إن مقدمة ابن خلدون لم تكن الا حلقة في سلسلة الفكر الإسلامي
المتكامل والتراث الأشعري اليانع.




إن
الأفكار التي تطرق إليها ابن خلدون نجد أصولها لدى من سبقوه من مفكري
الإسلام أمثال المسعودي والغزالي والماوردي وغيره من مفكري الاشاعرة..




لقد طبق علماء الإسلام ومفكريه المنهج الاستقرائي الإسلامي الذي نضج من قبل لدى الأصوليين والمتكلمين والفقهاء.



وكانت
لابن خلدون براعته المنهجية وأصالته الخاصة ولكن كواحد من المفكرين أو
كعضو في أسرة كبيرة تضافرت في أقامة حضارة إسلامية وفكر إسلامي في شتى
المجالات.




إن
استمرارية المدرسة الاشعرية في علم الاجتماع السياسي في تطبيق المنهج
الاستقرائي التجريبي على الظواهر الاجتماعية والسياسية والأخلاقية إنما هو
حقيقة مؤكدة..




ثم
يضيف بان أبي عبد الله محمد ابن علي المشهور بابن الأزرق صاحب كتاب
"بدائع السلك في طبائع الملك" يعد من اكبر مفكري الإسلام في علم الاجتماع
السياسي وكتابه لا يقل في تكامله ومنهجيته عن مقدمة ابن خلدون. وقد خطا
بالنظريات السياسية خطوات أوسع ومزج بين نظريات ابن خلدون، ونظريات أخرى
لمفكرين مسلمين تخالف اتجاه ابن خلدون السياسي البحت وهو علم الأخلاق
السياسي الذي لم يحظ بمكانة واسعة عند ابن خلدون وذلك من منطلق أن البناء
الذهني والبناء الأخلاقي يشكلان الأرضية التي تأسس عليها البناء الاقتصادي
والاجتماعي والسياسي. فحاول أن يوفق بين نظريات ابن خلدون، وابن رضوان
والطرطوشي...(14).




ويتبدى
مما دبجه المحقق حول الكتاب أننا أمام كتاب من أمهات كتب التراث التي تؤصل
لعلم الاجتماع السياسي الإسلامي أو لأصول الفكر السياسي الإسلامي...
ولابد لنا هنا من التذكير بأن فلاسفة الإسلام الأوائل كانوا الماهدون في
وضع القواعد النظرية لعلم السياسة والنظم والأخلاق.. وقد أطلقوا على علم
السياسة العلم المدني وهو تدبير المنزل، والمدينة والدولة، كما انه
باعتباره فرعا من فروع الفلسفة فإنه يعني بالأخلاق والسياسة والتربية
المدنية بوجه عام. والعلم المدني كما يقول الفارابي (في إحصاء العلوم)
يفحص أصناف الأفعال والسنن الإرادية وعن الملكات والسجايا والشيم التي
عنها تكون تلك الأفعال والسنن وعن الغايات التي لأجلها تفعل. وهذا العلم
قسمان : قسم نظري يبحث عن تعويض السعادة، وإحصاء الأفعال الإرادية الكلية
وقسم عملي يشتمل على وجه ترتيب الشيم والسير الفاضلة في المدن والأمم.
ولما كانت مكارم الأخلاق من الدعائم التي تقوم عليها المعاملات المدنية
في شريعة الإسلام وتعمل العبادات على تثبيتها في النفوس، فإن العلماء
والحكماء أولوها عناية خاصة .. فمنهم من اقتصر على استنباط القوانين
الخلقية من أصول الشريعة، وبيان الفضائل التي من شأنها أن تنفع الناس..
أفرادا وجماعات في دنياهم وتمنح لهم سبل النجاة في الآخرة، ومنهم من توسع
في ذلك بتقليب النظر في آراء الفلاسفة والحكماء في الأخلاق والسلوك
محاولين التوفيق بينها وأصول الشريعة وذلك من منطلق اقتناعهم بأن القيم
الإنسانية واحدة في جوهرها، وإن اختلفت المناهج والعادات والعقائد"(15)




إن
أبرز ممثل للطائفة الأولى أبو الحسن الماوردي، وأبو محمد ابن حزم، وهم مع
ذلك تأثروا بآراء الفلاسفة ومناهجهم. أما الطائفة الثانية فيمثلها على
الخصوص الراغب الاصفهاني وابو الحسن العامري، ومسكويه، وابن خلدون وإن كان
انفرد بمنهجه الاجتماعي الذي يربط الأخلاق بتطور العمران البشري (أي بتغير
أحوال الاجتماع والاقتصاد والسياسة).




وفي
نفس السياق يرى المرحوم الأستاذ الجابري بأنه يجب أن نحرص الفكر الخلدوني
في إطاره الأصلي، إطار تجربته، وظروف عصره، وعلى ضوء الثقافة التي غرف
منها، إن هذا لا يعني أننا نعتبره فكرا ميتا مقطوع الصلة، باهتماماتنا
الراهنة، إن الفكر الخلدوني فكر فلسفي والفكر الفلسفي الأصيل، يتجاوز عصره
بمقدار ما هو نتاج هذا العصر نفسه"(16). على ضوء هذه الملاحظات يمكن أن
نقرأ كتاب (بدائع السلك في طبائع الملك) من منطلق أن متنه ومضامينه أنها
امتداد وتطور لمنازع الفكر العربي الإسلامي، السياسي والاجتماعي...








- 4 -



ولد
المؤلف ابن الازرق بمالقة سنة (832هـ - 1427م) وانتقل إلى غرناطة ودرس على
اكبر علمائها (النحو والفقه والمنطق والفلسفة). كما حضر مجالس كبار
العلماء (سرقسطي احد العلماء الكبار المشهورين بالزهد، ومجلس الخطيب ابي
الفرج عبد الله، وقاضي الجماعة ابي عباس احمد بن يحيى، ودرس الادب على
الامام محمد بن زكريا بن جبير ...) ثم شد الرحال إلى فاس، وتلمسان، وتونس،
ودرس على علمائها ..




ويستشف
من هذا الجرد انه درس العلوم الإسلامية التي كانت في عصره ومن المحتمل انه
درس مقدمة ابن خلدون في تونس بتوجيه من أساتذته ، كما يتبين من دراسة
كتابه، أنه استفاد كثيرا من مقدمة ابن خلدون...




بعد رحلته العلمية عاد الى وطنه وتولى القضاء في مالقة وعينه السلطان ابو الحسن قاضيا للجماعة بغرناطة.



ونظرا
لتفشي الفتن واضطراب الأحوال في بلاد المغرب والأندلس سافر إلى مصر، ومنها
سافر عبر البحر الى الديار الحجازية لأداء فريضة الحج وبعد الحج عاد الى
مصر سنة 896هـ. وفي الثاني من رمضان من نفس السنة عين قاضيا على القدس
التي وصلها في السابع عشر من شوال من نفس السنة، ومارس بها القضاء ولكنه
مرض وتوفي يوم الجمعة 17 ذي الحجة سنة 896هـ. هذه نبذة موجزة عن حياة ابن
الازرق مؤلف كتاب (بدائع السلك..)




فسيرة
الرجل تتلخص في كونه كان شخصية كبيرة من شخصيات الفكر الإسلامي في عصره،
كان فقيها وعالما وقاضيا رفيعا... ويرى الدكتور عبد الهادي التازي أن ابن
الازرق لم يكن فقط موظفا في سلك القضاء ولكنه كان رجل دولة كاتبا للسلطان
ووزيرا وسفيرا بعد ذلك ..(17)




وقد أجمعت المصادر أن كتب ابن الازرق ثلاثة:



-
كتاب روضة بمنزلة العربية من علوم الإسلام، وقد نقل الونشريسي صاحب
المعيار عن هذا الكتاب، كما ذكره ابن الازرق نفسه في كتابه (بدائع المسلك
..) والكتاب يتكلم عن مواضيع متعددة في التراث العربي الإسلامي.




-
كتاب شفاء الغليل في شرح مختصر خليل، وهو في الفقه المالكي، ويقول
المقري صاحب نفح الطيب عن هذا الكتاب "وهذا الشرح لم يؤلف على مختصر خليل
مثله، إقناعا ونقلا، وفهما، وقد رأيت منه نحو ثلاثة أسفار ولا ادري هل أتمه
أم لا (18)




أما
الكتاب الثالث { بدائع السلك في طبائع الملك} ، فقد اجمع مؤرخو ابن
الأزرق إنه الكتاب الوحيد في علم السياسة يقول عنه المقري : كتاب مفيد في
موضوعه لخص فيه كلام ابن خلدون في مقدمة تاريخه مع فوائد كثيرة عليه. ويضيف
المقري في أزهار الرياض (وزاد عليه زيادة كبيرة نافعة..)




أما
احمد بابا التنبكتي فيسمى الكتاب باسم "بدائع السلك في السياسة السلطانية)
ويصفه بأنه كتاب حسن مفيد في موضوعه لخص فيه كلام ابن خلدون في مقدمة
تاريخه، وغيره، مع زوائد كثيرة ما يستغنى عنها بوجه."




والخلاصة
التي يتوقف عندها الباحث المدقق أن ابن الأزرق تأثر بابن خلدون، وعرض
للنظريات ابن خلدون المتعددة واخذ من المقدمة نصوصا وشرحها، ولكنه في نفس
الوقت أضاف إضافات كثيرة، مفيدة ونافعة... والنتيجة أن ابن الأزرق كان
أول شارح لابن خلدون، فقد نظر إلى المقدمة نظرة فاحصة نقدية فأبان لنا عن
الكثير من عوائصها وأغنى مصطلحاتها .. كما كشف لنا مصادر ابن خلدون
المتعددة والآراء الكثيرة لمفكرين سبقوا ابن خلدون وكتبوا في نفس النسق
السياسي والاجتماعي.




وضح
لنا نظريات ابن خلدون عن الدولة والعصبية، أو العصبية والشوكة والعوارض
الذانية، وغيرها، مما يؤكد أن ابن الأزرق كانت له عقلية تحليلية وتركيبية
استطاعت أن تربط بين النصوص المتشابهة والمختلفة. وأن يضعها في نظام علمي
متناسق ... (19).




لقد
كشف لنا صاحب كتاب (بدائع السلك..) عن مجموعة من الكتاب في الفقه السياسي
الإسلامي، سبقوا ابن خلدون، ومن أهم هؤلاء صاحب كتاب (الشهب اللامعة في
السياسة النافعة) الوزير أبي القاسم بن رضوان المتوفى سنة (783هـ -
1281م)(20).




بعد
هذا التقديم ننتقل إلى عرض مضامين الكتاب ومحتوياته، بما يسمح به المقام،
إن ما نتوخاه توضيح أن مقاصد المفكرين المسلمين في مختلف العصور هو تجديد
مناهج الفكر والنهوض بالأمة.. إن رواد الإصلاح قد أكدوا على حاجة الأمة
الإسلامية إلى تجديد تفكيرها وفكرها الديني، كما الحوا على ضرورة تبني
فقها جديدا وعلم كلام جديد، وان نقوم بمحاولة جديدة في مجالات التطبيق
والأساليب الجديدة.




ويقول
الشاعر الفيلسوف محمد إقبال: بأن الفقه الإسلامي في حاجة إلى تكوين وبناء
جديدين، ونحن في حاجة إلى تدريس شامل للاقتصاد والاجتماع. لأن الأمم
الإسلامية المعاصرة في حاجة إلى توسعة في الفكر الديني وتطبيقه...(21)




إن
مهمة المفكر المسلم في عالم متغير، أن يتحول من موقع المتلقي أو المقلد
المحاكي إلى موقع المشارك في صنع الحضارة فرسالة الفكر أولا وقبل كل شيء
تتجلى في كونها تبث الوعي بالتجديد، وترسخ الإيمان بعقيدة الخلق
والابتكار. وضمن هذا السياق يندرج المشروع الخلدوني، ومن الخطأ أن ننظر إلى
الفكر الخلدوني في استقلال أو انفصال عن دائرته الحضارية والثقافية
العربية الإسلامية الذي يعتبر امتدادا وثمرة من ثمارها التي أينعت بفضل
جهود مفكري الإسلام الذين أسسوا لمعرفة تبحث في علم السياسة والاجتماع.




إن
التراكم المعرفي هو الذي ساعد ابن خلدون على أن يفلسف التاريخ الإسلامي،
وهي محاولة فريدة، حقا لا نجد لها مثيلا في تراثنا العربي الإسلامي .. ومن
الضروري لفهم النظريات الخلدونية على حقيقتها، استجلاء الظاهرة الخلدونية
بكامل أبعادها...(22)




كما
أن فرنزروزنتال Franz Rosenthal الذي أنجز الترجمة الانجليزية للمقدمة سنة
1958 تفوق الترجمة الفرنسية التي قام بها دي سلان (De Salane) ما بين
(1862- 1868) تحت عنوان المعلومات التمهيدية (Prolègoménes). وفي الواقع
كانت هذه الترجمة غير أمينة، وبعيدة عن أصول الترجمة العلمية، وهذا ما دفع
فنسان مونشاي (Vincent Monteil) بإنجاز ترجمة أخرى بالفرنسية وذلك برعاية
اليونيسكو بعنوان : مقالات في التاريخ العام (Discours sur l’histoire
universelle)




إن
الذي يجب التأكد عليه هو أن روزنتال الذي كان رئيسا لقسم اللغات السامية
بجامعة يال الأمريكية، قد قام بمحاولة لتقريب فكر ابن خلدون للأفهام. وذلك
بحرصه على الدقة في التحليل والوضوح، الأمر الذي دفع فنسان مونتاي إلى
القول بأن ترجمة روزتال هي "دوما قريبة من النص وتتضمن شروحا تدخل في باب
الدقة..




صدرت
ترجمة روزنتال (بعنوان مقدمة أو مدخل إلى التاريخ :
Muqaddima on introduction to history The(23) إن ما هو جدير بالملاحظة
أن فكر ابن خلدون انتفع به بعض علماء عصره أمثال المقربزي وابن حجر
والسخاوي وغيرهم، إلا أنهم لم يفهموا شيئا كثيرا من فكره وما تضمنه من
الجوانب المعرفية العامة والأطر المنهجية، التي شكلت فقهه الاجتماعي الذي
يربط كل العوامل بالظاهرات الاجتماعية..




وربما
تعود الصعوبة في فهم مضامين المقدمة إلى بنيتها العميقة التي تنطوي – كما
يرى الأستاذ ابو يعرب المرزوقي – على إشكال سواء في الوحدة المعنوية أي
وحدة العلم الذي تتكلم فيه أو الوحدة المادية أي نسبة ما ورد فيها من
مضامين الى مطالبها النظرية، هذا فضلا من بعض التداخل، بين المضامين
والأغراض. ومعلوم أن ابن خلدون حدد مبدأ وحدة الموضوع، ومبدأ ترتيب
المسائل، ومبدأ وحدة الغاية النظرية التي تسعى لتحقيقها المصنف، وذلك في
فصل صريح ختم به الفصل الأول من المقدمة وزاده توكيدا في الخاتمة. كل هذا
الأمر البدهي لا يكفي لبداهته لأن المبادئ التي ذكرها ابن خلدون مبادئ
مضاعفة بمعنى أن مبدأ الوحدة المعنوبة لموضوع العلم الجديد هو تصور
الإنسان ومسائله مستنتجة من خاصياته بتفصيل معلل تعليلا يؤسس لتبويب
المسائل، دون ترتيب ودون أن تكون الخاصيات منسوبة صراحة إلى المقوم النوعي
الذي ساد التعريف المعلوم في الفكر الفلسفي المتقدم عليه. أما فيما يتعلق
بمبدأ ترتيب المسائل التي يعالجها العلم وهو يتضمن تجانس المسائل الوظيفية
في العمران وجهات تعلقها بما يقيم الوجود الإنساني (الضروري والحاجي
والكمالي) مع الإشارة إلى معيار الجمع بين المسائل التي تعالجها.




أما
بخصوص مبدأ النظرية الخالصة أي التمييز بين علم العمران لذاته ثم علم
العمران بوصفه أداة للنقد التاريخي أو تصحيح الأخبار، دون الإشارة إلى
مطلبين بحكم ما ورد من العلم في المقدمة .. ويرى الأستاذ المرزوقي بأنه
للخروج من إشكالية الوحدة المعنوية أو الوحدة المادية للنص الخلدوني لا بد
من الفصل بين مستويات أربعة وتحريرها من الخلط بين مطالبها حتى ندرك أعماق
المشروع الخلدوني




ـ
المستوى الأول : تأسيس علمية فن التاريخ بنقله من ظاهرة (أدب) إلى باطنه
(علم) وتأسيسه على العلم الجديد الذي سماه ابن خلدون بعلم العمران البشري
والإنساني. والتأسيس لا ينتسب العلم نفسه بل إلى نظرية مبتكرة والى نظرية
من قوة ثانية.




ـ
المستوى الثاني: إن النظرية المقصودة من تأليف المقدمة (علم العمران)
لذاته أو لتصحيح الأخبار ومن المنظورين، سواء إتحدا أو اختلفا، وهذا هو
العلم الذي يعده ابن خلدون من إبداعه.. الذي لازالت طبيعته مجهولة مما جعل
قرائنه من المحدثين يسقطون عليه تسميات حديثة بعضهم يسميه علم الاجتماع
وبعضهم بتسمية علم الحضارة وآخرون يعدونه إرهاصات في فلسفة التاريخ.




ـ
المستوى الثالث: هو ما دون النظرية المقصودة بالذات أو النظريات الفرعية
التي تتفرع عن علم العمران لتدرس مقوماته المتمايزة رغم التداخل بينها
(كعلم الاقتصاد وعلم التربية وعلم السياسة وعلم الثقافة الرمزية الخ) هذه
العلوم الفرعية متعددة ومن ثم فهي غير العلم الواحد الذي ينتظم عقدها
ويحاول ابن خلدون تأسيسه.




ـ
المستوى الرابع: يتعلق بتطبيق هذه العلوم الفرعية في نقد الأخبار
وتصحيحها أو تحليل الظاهرات العمرانية وعلاجها أي تطبيق علم العمران على
أمثلة تاريخية ولكن ابن خلدون يطبق تارة نظرية العمران ككل على سلوك البدو
وسلوك الحضر، مميزا الأخلاق في العمران البدوي والحضري، وتطبيق طورا قوانين
الديمغرافية أو قوانين السياسة، فكانت المقدمة متعددة الأغراض مختلفتها،
وأذن فهي تحتاج إلى الفصل بين مستوياتها فصلا دقيقا يمكن من فهم الحبكة
النظرية، التي حددت معالم الثورة الفكرية والمعرفية الخلدونية ..




لقد
جعل من فن التاريخ الذي هو الأداة الأساسية في علوم الملة التي تستند
كلها إلى العلاج التاريخي، مادة الفكر الذي سيحولها إلى فن فلسفي دون أن
يزعم أنها علم، نظير الأداة الأساسية في العلوم اليونانية التي تستند
كلها، بلا استثناء إلى العلاج المنطقي التي جعلها ارسطو فنا فلسفيا دون أن
يزعم أنها علم.(24)




إن
النتيجة التي أريد الوصول إليها، أن ابن الازرق في كتابه (بدائع السلك في
طبائع الملك) كان الشارح الأول لمقدمة ابن خلدون وبالتالي أول من كشف عن
ما تتضمنه من قضايا تعالج الجوانب السياسية والاجتماعية، وتبحث في
القوانين الثابتة للمجتمع. وكذلك العوارض الطارئة عليه، وبالجملة دراسة
الظواهر الاجتماعية بجميع أنساقها و مكوناتها وما يترتب عن جدلية الصراع
والتدافع من تحولات على جميع الصعد.




ومن
الإنصاف للرجل أن نقر له بأنه كان له قصب السيق في الكشف عن أهمية ما
تضمنته مقدمة ابن خلدون من فكر جديد هو علم العمران البشري..




فلا
بد للباحث أن يكون مرآة صافية وضاءة، أمنية للموضوع الذي ينكب على دراسته،
حتى يكشف للناس، ما وراء الصور ليتعمقوا حقائقها ويعرفوا أقصى حدود
المعرفة ودقائقها.. سواء تعلق الأمر بطبيعة الموضوع أو بطبيعة العلم، لأن
الغاية من البحث هي ان يكون قادرا على مواصلة المهمة في مسائل علم السياسة
المدنية أو علم العمران البشري، ومن هنا تأتي أهمية العمل الذي قام به ابن
الازرق في كتاب (بدائع السلك)

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

فصل المقال وتقرير حقيقة الفرقان ما بين ابن الازرق وميكيافلي من "المفارقات" أو "المشتبهات" :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

فصل المقال وتقرير حقيقة الفرقان ما بين ابن الازرق وميكيافلي من "المفارقات" أو "المشتبهات"

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» فصل المقال وتقرير حقيقة الفرقان ما بين ابن الازرق وميكيافلي من "المفارقات" أو "المشتبهات"
»  المشتبهات في حرِّيتنا الإعلامية!
» ورطة الرأي الجمعة 6 آذار (مارس) 2015 تقييم المقال : 1 2 3 4 5 بقلم: يامن صابور شارك اصدقاءك هذا المقال
» فلسفة «القبح الجسدي» الخميس 19 آذار (مارس) 2015 تقييم المقال : 1 2 3 4 5 بقلم: حمودة إسماعيلي شارك اصدقاءك هذا المقال
»  من المستفيد من هذا؟ الأربعاء 18 آذار (مارس) 2015 تقييم المقال : 1 2 3 4 5 بقلم: علي الشدوي شارك اصدقاءك هذا المقال

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: