اختتمت قبل أيام قليلة ندوة 'في الفكر النهضوي الإسلامي' بجلسة حوارية
أدارها الباحث مجدي سعيد، وتحدث فيها دكتور عصمت نصار، الباحث في الفلسفة
الإسلامية والفكر العربي ووكيل كلية الآداب بجامعة بني سويف، والدكتور
عمار علي حسن، الروائي والباحث ومدير مركز دراسات وكالة أنباء الشرق
الأوسط. وشارك فيها نخبة من المفكرين والعلماء والمتخصصين من 15 دولة
عربية وإسلامية.
وطرح المشاركون في الجلسة عدة ترشيحات لقائمة من الكتب
لإعادة إصدارها ضمن مشروع مكتبة الإسكندرية لإعادة نشر مختارات من التراث
الإسلامي في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين ـ التاسع عشر
والعشرين الميلاديين. وحول إعادة نشر كتابات بعينها، قال د. عصمت نصار، أن
النصف الأول من القرن العشرين قد شهد العديد من الاتجاهات : منها العلماني
والليبرالي والمحافظ المستنير، والتجديدي ، وكلها اتجاهات كانت لها
مصداقية وقوة، إلا أن نكسة عام 1967 والتغيرات التي أعقبتها أثرت على
الحياة الثقافية في مصر والعالم العربي والإسلامي، وكذلك أثرت على المراكز
الفكرية والفلسفية في الشام والعراق، كل ذلك جعل العديد من الباحثين
يعتقدون أن هناك ما يطلق عليه فصل الخطاب.
وأضاف ' مما أدى لظهور
نظريتان: المؤامرة و جلد الذات، وأصبحنا لا نستطيع تكوين جبهة أو التفكير
بشكل جماعي، وأثيرت نفس القضايا بنفس الاتجاهات'.
وانتقد نصار الباحثين
الشباب الذين يعيدون تكرار ما كتب في التراث، واقترح أن يتم نشر كتب
التراث بشكل أقرب إلى المنحى الفلسفي من التاريخي. وأوصى بالاستعانة
بجغرافيا الفكر والمنهج التحليلي والمقارن، والبنيوي حينما يتطلب الأمر
ذلك.
وقال ' يجب رسم خريطة دقيقة للحقيقة التاريخية التي ندرسها
لتبين لنا مدى أصالة هذه الأفكار الموجودة في المصنف، وأبعادها التاريخية.
والغوص في النقاط الهامة والعوامل الأساسية التي شكلت عقل الباحث وتمحص في
مشروعه أو خطابه، لأن معظم الخطابات التنويرية كانت خطابات ومشروعات في آن
واحد'.
ونوه أنه لم يكن هناك فصل بين النظر والعمل سواء في مصر وتونس
وبغداد وسوريا، وأضاف'ثم علينا تناول منهجية الباحث أو مشروعه ، ثم نلخص
ما وجد بين دفتي الكتاب، ونضع قائمة ببليوجرافية لصحاب المصنف، وعلينا
تأخير النقد، لأنه ينبغي أن نترك للقارئ متعة القراءة، ثم يأتي التعليق
بعد ذلك '.
من ناحيته، طرح الدكتور عمار علي حسن عدة ملاحظات تطرق
فيها إلى وظائف البحث العلمي التي تتحدد في: جمع المتفرق، واختصار المسهب،
وتطوير المختصر، وتصنيف المبعثر، ونقد السائد، ثم إبداع الجديد. مشيراً
إلى أن العديد من الأطروحات العلمية تدور في المقاصد الأولى فقط، والقليل
منها يذهب إلى الإبداع الجديد.
وأوصى بضرورة ألا تقتصر الكتابات على
مجرد العرض لكن لابد أن تنتقل إلى نقد ما هو موجود، فيجب ألا يقتصر
المشروع على تقديم الكتاب بل إيجاد جسور للتفاعل بين ما هو مطروح في
حياتنا، وأعتقد أنه بذلك يكون عملاً مفيداً.
وانتقد عمار علي حسن عدم
التفريق بين ما هو علمي وما هو فكري، فالعلم له خصائص وهو نسبي وعقلاني
وبعيد عن الاطلاقية. وألمح إلى ضرورة اختيار لجنة تتحمل مسئولية اختيار
الكتب وتحدد أهليتها للمشروع الكبير، على ألا تعمل اللجنة على تنميط
الباحثين وتناقش الكتب قبل كتابة مقدماتها.
وعرض معضلتان رئيسيتان
تسيطران على الكتابات الحالية وهما: الدين والسياسة. فلابد من فصل الدين
عن السياسة والسلطة، لأن أخطر الأمور هو إدخال الأيديولوجيا على الدين،
فإذا نظرنا إلى تاريخنا الإسلامي لن نجد فيه ذلك، فكتاب' الكتابات
السلطانية' سنجد فيها أنها ذات طابع ميكافيلي، فلم تتحدث عن دولة حارسة
للدين أو ما إلى غير ذلك.
وأوضح حسن أن الكثيرين حولوا الدين إلى
تطبيق، والبعض حول الدين إلى فلكلور، وأساطير والبعض يتحدث عن تحويله إلى
تجارة أو أيديولوجيا.
واقترح هشام جعفر، رئيس تحرير شبكة إسلام أون
لاين بالقاهرة، أن المشروع إذا كان يخاطب الشباب يجب أن يراعي وضع ملخصات
لكتب التراث للإطلاع عليها، كذلك أن تخرج منتجات في شكل يصلح لتدريب
الشباب على فكرة التشبيك بين العاملين في هذا الحقل.واقترح جعفر ضم كتب
'خصائص التصور الإسلامي' لسيد قطب، 'العدالة الاجتماعية'، و'الإسلام عقيدة
وشريعة' للشيخ شلتوت. فيما أكد د. عبد الغني عماد، أستاذ العلوم الإسلامية
في الجامعة اللبنانية، والمشرف على مركز إحياء الدراسات الوثائقية في
الشمال اللبناني، أن الهدف من إحياء التراث يكمن فيما يسمى الفكر النهضوي
وإثارة النقاش حوله. واقترح ضرورة إطلاق حلقات نقاشية تحاول التعرض
للإشكالية الرئيسية وهي تعثر المشروع النهضوي العربي الإسلامي ولماذا
يتراجع للخلف؟!. وأوصى بضرورة تصنيف الكتب وفقاً لمحاور عدة : فلسفة
وتاريخ وأدب وأن تعقد جلسات لكل محور على حدة.
وانتقد المشاركون عدم
وجود المرجعية الإسلامية في ثقافة الشباب، لذا فمن المحتمل أن تكون هذه
الكتب أكبر جداً من مستوى هؤلاء الشباب ، وأوصوا بضرورة تحديد الشريحة
المستهدفة من المشروع وإشراكها في منتجاته.
وخلص المشاركون إلى ضرورة
نشر البحوث والدوريات المتعلقة بهذه القضايا إلى جانب الكتب التراثية،
وإلى جانب كتب محمد عبده والكواكبي إتاحة الفرصة لكتب لم تنشر وغير متاحة
للباحثين.
واتفق المشاركون على أن المعايير الأساسية التي يؤخذ بها
هي معايير الحرية والنزاهة والاختلاف. وضرورة تنوع المشروع الفكري، وتبني
المراكز البحثية الكبيرة ودعمها للمشروع ومساعدة الباحثين .
وطرح
المشاركون ضرورة الاستفادة من أساليب العرض الحديثة والاستفادة من وسائل
الاتصال في تنمية وتطوير هذا المشروع الفكري، من خلال عقد مؤتمرات على
الانترنت، سواء مؤتمرات مرئية أو مكتوبة.
هذا وقد صرح الدكتور
إسماعيل سراج الدين؛ مدير مكتبة الإسكندرية والمشرف العام على المشروع،
بأن المكتبة قطعت شوطا في تنفيذ المشروع؛ حيث توشك على إصدار أول مجموعة
من كتب هذا التراث المستهدف إعادة نشرها والتعريف بها.
وأضاف أن فكرة
المشروع نبعت من الرؤية التي تتبناها مكتبة الإسكندرية بشأن ضرورة
المحافظة على التراث الفكري والعلمي في مختلف مجالات المعرفة، والمساهمة
في نقل هذا التراث للأجيال المتعاقبة تأكيدًا لأهمية التواصل بين أجيال
الأمة عبر تاريخها الحضاريِّ، مشيرا إلى أن تلك من أهم الوظائف التي تضطلع
بها المكتبة منذ نشأتها الأولى وعبر مراحل تطورها المختلفة.
وألمح إلى
أن السبب الرئيسي لاختيار القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين هو وجود
انطباع سائد غير صحيح؛ وهو أن الإسهامات الكبيرة التي قام بها المفكرون
والعلماء المسلمون قد توقفت عند فترات تاريخية قديمة، ولم تتجاوزها، في
حين أن استعراض وثائق هذه المرحلة يشير إلى غير ذلك، ويؤكد على أن عطاء
المفكرين المسلمين - وإن مر بمد وجزر فإنه تواصل عبر الأحقاب الزمنية
المختلفة، بما في ذلك الحقبة الحديثة والتي تشمل القرنين الأخيرين.
وأشار
إلى أن المشروع يهدف ـ فيما يهدف ـ إلى تكوين مكتبة متكاملة ومتنوعة، تضم
مختارات من أهم الأعمال الفكرية لرواد الإصلاح والتجديد الإسلامي خلال
الفترة التي يشملها المشروع، إضافة إلى إتاحة هذه المختارات للشباب بصفة
خاصة وللأجيال الجديدة بصفة عامة، وتمكينهم من الاطلاع عليها ورقيًّا
وإلكترونيًّا عبر الإنترنت.
ونوّه سراج الدين إلى أن مكتبة الإسكندرية
تهدف من هذا المشروع أيضاً؛ الإسهام في تنقية صورة الإسلام من التشوهات
التي تلصق به، وبيان زيف كثير من الاتهامات التي تنسب زوراً إلى المسلمين،
من خلال ترجمة هذه المختارات إلى الإنجليزية والفرنسية، ومن ثمَّ توزيعها
على مراكز البحث والجامعات ومؤسسات صناعة الرأي في مختلف أنحاء العالم
وقبل ذلك إتاحتها لشباب المسلمين من غير الناطقين بالعربية.
يذكر أن
ندوة 'في الفكر النهضوي الإسلامي' ، شارك فيها مفكرون وعلماء من 15 دولة
عربية وإسلامية؛ منها: مصر، وتركيا، واليمن، والأردن، وسوريا، ومالي،
وتونس، وباكستان، والسعودية، وماليزيا.وقد انتهى فريق العمل في مشروع
إعادة نشر مختارات من التراث الإسلامي في القرنين الثالث عشر والرابع عشر
الهجريين من إعداد تقديمات لـ 12 كتابا؛ منها: 'مقاصد الشريعة الإسلامية'
لمؤلِّفه الإمام الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور، و 'دفاع عن الشريعة'
لمؤلِّفه علال الفاسي، و 'طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد' لمؤلِّفه عبد
الرحمن الكواكبي، و 'مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية'
لمؤلِّفه رفاعة رافع الطهطاوي، و 'امرأتنا في الشريعة والمجتمع' لمؤلِّفه
الطاهر الحدّاد.