صاحب التدين نشأة الإنسان. ما من حضارة إنسانية رصدت دون تعبيرات عن مشاعر كامنة وتطلعات نحو (سر ما) سر سيؤثر في الكون وفي الإنسان يمنح الرضا والغبطة ويمنع الشر والألم.
نظريات كثيرة تتحدث عن تطور صاحب هذه النزعة الفطرية أو الأولية. ونظريات أخرى تؤكد أن هذه النزعة تجلت منذ البداية في جوهر أولي واحد مشترك بين جميع الحضارات والشعوب، وأن هذا الجوهر قد تمت الإساءة إليه هنا وهناك، فاختلط بالكثير من جهل الإنسان وضعفه وخوفه، أو باستبداده وقوته ونزاعاته أحياناً.
هل الدين نزوع فطري أساسي في التكوين الإنساني ؟ وكيف تجلى التعبير عن هذا النزوع عبر الانثربولوجيا والثقافة والحضارة ؟
كيف تكرس هذا المفهوم في الحضارات المعاصرة ؟ كيف يفهم المصطلح في أدبيات الأديان الكبرى ؟ ماذا يفهم المسلم من المصطلح (دين) ؟ ماذا يفهم الآخرون ؟ ماذا يعني المصطلح عند اهل الغرب وعند أهل الشرق ؟ وماذا يعني عند أبناء الحضارات البدائية ؟
تختصر الإجابة على هذا السؤال بطريقة علمية موضوعية الكثير من الإشكالات التي تدور في هذا العصر في إطار الصراعات الحضارية والثقافية.
عنوان شائع. يكثر الخلاف حوله في عالمنا الإسلامي. بل تدور حوله أعنف المعارك بين الإسلاميين والعلمانيين. وهو حقيقة واقعة تأخذ أبعادها في المجتمعات والدول الغربية بشكل خاص. ولهذه الحقيقة تاريخها. أسبابها وتجسداتها: كما تختلف تطبيقاتها حتى اليوم بين دولة ودولة. فالدين في فرنسا اللاييكية غيره في بريطانيا حيث تعتبر صاحبة الجلالة راعية الكنيسة.
فصل الدين عن الدولة هل يعني رفض أن يكون الدين تابعاً للدولة، تهيمن عليه وتتدخل في شرائعه وأحكامه ؟ أو يعني رفض أن يكون الدين (النص)، أو الدين (الممثلين) مهيمنين أو مسيطرين على الدولة؟
هل من فرق بين فصل الدين عن الدولة، وفصل الدين عن السياسة؟
من الذي يجب أن يعترف بالآخر ابتداء الدين بالدولة، أو الدولة بالدين؟
مفكرون ومثقفون كثيرون يتصورون الواقع من خلال ثقافتهم، وأفقهم الذي يحاصر وجودهم. مع الأسف مثقفون مسلمون، ولدوا في أفق مكاني وزماني مسلم حاصرتهم ثقافة محدودة، فسعوا إلى استيراد النماذج بدل إبداعها. هل حقاً في بناء الدولة الحديثة ليس أمامنا سوى خيارات النماذج الجاهزة تاريخية كانت أو معاصرة ؟!
في الخيارات الجاهزة هناك خيار ثيوقراطي حيث يملك رجل واحد هو الملك أو الكاهن مفتاح المعبد، وقارورة الدواء، وأسرار الغيب، والقدرة على تسمية الحق والباطل والخير والشر والجمال والقبح والعدل والظلم، كما يمتلك القدرة على إعلان الحرب أو عقد السلم.
وفي الخيارات الجاهزة أيضاً هناك خيار الانخلاع حتى من القانون الطبيعي الفطري، والسعي وراء عناوين القوة أو الاستحواذ أو الإشباع. ليكون كل قانون قيداً، أو ليكون التعاون الإنساني ضعفاً.
أي خطر يشكله الاستغراق في أحد الخيارين على مستقبل البشرية؟ وكيف يمكن أن نعيد تقديم الدولة المدنية أو الدولة الإسلامية بعيداً عن ثقلها التاريخي ببعده السلبي؟
الدولة المدنية في نظرية العقد الإسلامية كيف نعيد صياغتها، وفق مقتضى العصر، ومتطلبات المستقبل؟
ما حقيقة العلاقة بين الشورى والديموقراطية؟ هل هما مصطلحان تبادليان؟ كيف كانت رحلة الديموقراطية عبر التاريخ؟ كيف استقرت اليوم؟ ما هي أبرز التجليات العملية للمنهج الديموقراطي؟ كيف يقوم هذا المنهج رجال الفكر والسياسة؟ وأي مستقبل ينتظر المنهج الديموقراطي في ظل تغول رأس المال على مصادر المعرفة، وعلى أدواتها النظرية والإعلامية؟
ثم ما هي مرتكزات الشورى الإسلامية؟ وهل أتيح لهذا المفهوم الإسلامي أن يتجسد في واقع تاريخي حي؟ هل من سبيل إلى إعادة إحيائه؟ وهل من علاقة تبادلية أو تكاملية بين الشورى والديموقراطية؟ ما هي دائرة المشترك؟ وأين يقع الافتراق؟
الشريعة الإسلامية جوهر يتجلى في مقاصد، اتفق جمهور الفقهاء على خمسة مقاصد للشريعة. يفتح علماء مبرزون في الشريعة الباب لاعتماد مقاصد جديدة. ربما كانت ضامرة تاريخياً في الحياة العامة أو متضمنة في مقاصد أخرى.
والشريعة الإسلامية مقتضيات تتجلى في أحكام. وقد أكد فقهاء الإسلام على تغير الأحكام بتغير الأزمان. وقالوا تتغير الفتوى زماناً ومكاناً. التغير الذي تشير إليه هذه القواعد الفقهية ليس حالة من الفوضى المطلقة ؛ التغير هو الآخر منضبط بقواعد وأصول وثوابت، ومع ذلك تبقى القدرة على الإحاطة بالثابت والمتغير في الحقيقة الشرعية والحكم الشرعي مهمة الفقيه النافذ.
كيف يعيد الفقيه تنزيل النصوص الشرعية على الوقائع منتمية إلى زمانها ومكانها. تلك هي عملية التجديد الذي هو روح التشريع الإسلامي وسر استغراقه للزمان والمكان.
توقف التجديد يعني جمود الحياة الإسلامية، أو انخلاع المجتمعات من الإسلام. والمجدد الذي يأتي كلما الزمان دار بالحياة الإسلامية دورة هو هذا الفقيه الذي يحسن ربط الزمان والمكان والحياة العامة بالنص الشرعي من غير جمود ولا اعتساف.
(حيثما كانت المصلحة فثم شرع الله) كلمة أطلقها ابن القيم منذ ألف عام. ورغم أنها أخذت عليها إلا أنها ماتزال تتردد على ألسن المصلحين والفقهاء.
عن أي مصلحة تحدث ابن القيم؟ ما هو ضابط المصلحة؟ وما هو معيارها؟ كيف يمكن إعادة رصف المصالح المعتبرة في حياة الناس؟ هل ماتزال الأحكام التي استوعبت الجسم الاجتماعي الإسلامي قادرة على استيعاب الجسم الاجتماعي المعاصر حتى اليوم؟ ألم يكن الثوب الاجتماعي أو السياسي ابن البيئة، مع أنه إلى حد ما، ابن الشريعة؟ فهل يمكن للبعد الزماني أو المكاني في هذا الثوب أن يهترئ؟ ألم يتقلص الثوب الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي من بعض نواحيه فهو في حاجة إلى عود على بدئه؟
المصالح المعتبرة في إطارها الشرعي هي الضابط والمعيار لاستئناف حياة إسلامية تنطلق من نصوص الشريعة ومن تحسس مشكلات المسلمين وتطلعاتهم.