** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 العقل والإجتهاد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سميح القاسم
المد يــر العـام *****
المد يــر  العـام *****
سميح القاسم


التوقيع : تخطفني الغاب، هذه امنيتي الحارقة حملتها قافلتي من : الجرح الرجيم ! أعبر من ازقة موتي الكامن لاكتوي بلهب الصبح.. والصبح حرية .

عدد الرسائل : 3161

تعاليق : شخصيا أختلف مع من يدعي أن البشر على عقل واحد وقدرة واحدة ..
أعتقد أن هناك تمايز أوجدته الطبيعة ، وكرسه الفعل البشري اليومي , والا ما معنى أن يكون الواحد منا متفوقا لدرجة الخيال في حين أن الآخر يكافح لينجو ..
هناك تمايز لابد من اقراره أحببنا ذلك أم كرهنا ، وبفضل هذا التمايز وصلنا الى ما وصلنا اليه والا لكنا كباقي الحيونات لازلنا نعتمد الصيد والالتقاط ونحفر كهوف ومغارات للاختباء
تاريخ التسجيل : 05/10/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 10

العقل والإجتهاد Empty
24102011
مُساهمةالعقل والإجتهاد

العقل والإجتهاد 1308267115





العقل والإجتهاد

بقلم: الدكتور يحيى محمد





تواجه
طريقة الإجتهاد التقليدية تهمة بارزة حول منهجها في معالجة القضايا
الفقهية. فبحكم اعتمادها - في الأساس - على النصوص، سيما نصوص الحديث؛
وباعتبار ان هذه النصوص تعالج - في الغالب - قضايا جزئية تظهر بمظهر المطلق
الشامل؛ فقد تشكَّل من ذلك قالب ذهني جزيئي منفصل عن كليات مقاصد الشرع،
ومجرد عن اعتبارات الواقع وما ينطوي عليه من حقائق تساعد على الفهم
العقلائي، ومتصادم أحياناً مع العقل والمنطق.




هكذا
فبفعل المبالغة في التفكير في الجزئيات تولدت ظاهرة الغبش عن الكليات،
وبفعل الانغماس الكلي في النصوص تولدت حالة الاغتراب عن الواقع وحقائقه،
وعن العقل وما يفرضه من نتائج منطقية. مع ان الممارسة الفقهية لا تدعي
لنفسها تحصيل القطع واليقين، فهي تقر - في الغالب - بظنية الحديث سنداً
ودلالة، لكنها مع ذلك تتعامل معه تعامل الصحيح الثابت من غير نظر قاصد إلى
مقصد أو واقع أو عقل. وهنا ينشأ الصدام بين الطريقة المتبعة وبين الحقائق
المشار اليها قبل قليل، مع أخذ اعتبار التفاوت في المستويات بين فقيه وآخر،
أو بين مذهب وآخر.




وفي
هذا الفصل سنتعرف على مجمل التناقضات والمفارقات التي لحقت بالطريقة
التقليدية جرّاء موقفها السلبي من الاستكشافات العقلية في مجال الأحكام،
ومنها تلك التي لها علاقة بالمقاصد.






المدارس الفقهية وتغييب العقل





ليس
بين المذاهب الفقهية من اطلق العقل كمصدر من مصادر الكشف عن التشريع صراحة
غير مذهب الإمامية الاثنى عشرية، وكذا ما ينسب إلى بعض المعتزلة والفقهاء.
فبحسب إستقراء نجم الدين الطوفي ان أدلة الشرع بين العلماء تنحصر بتسعة
عشر باباً القليل منها متفق عليه، واغلبها موضع اختلاف بين الأخذ والرد،
وليس بين هذه الأدلة المطروحة عنوان خاص باسم العقل. فهي عبارة عن: الكتاب،
السنة، إجماع الأُمة، إجماع أهل المدينة، القياس، قول الصحابي، المصلحة
المرسلة، الإستصحاب، البراءة الأصلية، العوائد - العادات -، الإستقراء، سد
الذرائع، الإستدلال، الإستحسان، الأخذ بالأخف، العصمة، إجماع أهل الكوفة،
إجماع العترة، وإجماع الخلفاء الأربعة[1].




قد
يقال ان عنوان العقل ورد ضمن أنواع الأدلة التي توصل للحق. فمن الناحية
التاريخية نجد ان مؤسس المذهب الاعتزالي واصل بن عطاء هو أول من حدد
المصادر العامة لطريقة الانتاج المعرفي لكل من علم الكلام والفقه معاً. إذ
يقول الجاحظ في حقه: ‹‹وكل أصل نجده في ايدي العلماء في الكلام وفي الأحكام
فانما هو منه››. فالجاحظ يعتبر واصل بن عطاء ‹‹هو أول من قال: الحق يعرف
من وجوه أربعة؛ كتاب ناطق، وخبر مجمع عليه، وحجة عقل، واجماع من الامة››.
وقد تصور الاستاذ علي سامي النشار ان الوجوه الأربعة التي ادلى بها واصل؛
تساوي حتماً اصول الفقه الأربعة: القرآن والسنة والقياس والاجماع[2].




ومن
حيث التحقيق يلاحظ ان حجة العقل لا تساوي القياس الفقهي. فمن جهة ان تلك
الحجة اعم من اعتبار الجانب العقلي أو الإجتهادي للقياس الفقهي. كما من جهة
أخرى ان القياس يحمل دلالة الارتباط بالنص خلافاً لما هو الحال في حجة
العقل الذي له دلالة الاستقلال، فأحدهما لا يعني الآخر. ومنه نفهم لماذا لم
يرادف العلماء بينهما، حيث وضعوا العقل كمصدر أساس للعقيدة والكلام ولم
يضعوا القياس، ووضعوا القياس كمصدر للفقه ولم يضعوا العقل. وبعضهم ميّز،
وهو ينص على سبر اصول الأدلة، بين القياس والعقل، كما هو الحال مع
الباقلاني الذي عدد اصول الأدلة وحصرها بخمسة، وكان منها أصل العقل، وكذا
أصل القياس والإجتهاد، فضلاً عن الكتاب والسنة والاجماع[3].




مع
هذا لا ينكر ان المعتزلة أقروا مبدأ تشريع العقل في القضايا الرئيسة لأجل
تصحيح العقيدة ضمن علم الكلام، كوجوب النظر والشك وشكر المنعم ودفع الضرر
عن النفس وما اليها[4].
علاوة على ما نُسب إلى بعضهم من إقرار التعويل على العقل في الأحكام بدلاً
عن الأخذ بأخبار الآحاد، لأنها لا تفيد علماً ولا توجب عملاً، كالذي نقله
ابن السمعاني، معتبراً ان بعض الفقهاء قد تلقف هذا القول من القدرية
والمعتزلة الذين أنكروا أخبار الآحاد، وعولوا على القرآن والحديث المتواتر
ودليل العقل[5].
وسبق للشافعي في كتابه (الأم) ورسالة (جماع العلم) أنْ حكى مقالة جماعة من
المعتزلة ينكرون الأخذ بأخبار الآحاد باعتبارها لا تفيد علماً أو يقيناً،
مما جعله يرد عليهم[6].






العقل عند الإتجاه السني





أما
في الوسط السني بعيداً عن أجواء المعتزلة، فمن الواضح أن رجاله يحصرون
التشريع في النصوص دون العقل. وعلى رأيهم ان هذا الأخير لا يمكنه إدراك
أدلة الأحكام بذاته[7].
فهذا هو الموقف العام لأهل السنة، حيث لا نجد من يعترف بدور العقل المستقل
في التشريع الا من شذّ منهم، كالعز بن عبد السلام (المتوفى سنة 660هـ)
الذي رأى بأن مصالح الدنيا كلها تُعرف بالعقل من خلال الضرورات والتجارب
والعادات والظنون المعتبرة، وذلك على خلاف مصالح الآخرة التي لا تدرك الا
بالشرع، فعلى حد قوله: ‹‹من أراد أن يعرف المتناسبات والمصالح والمفاسد
راجحها ومرجوحها فليعرض ذلك على عقله، بتقدير ان الشرع لم يرد به ثم يبني
عليه الأحكام، فلا يكاد حكم منها يخرج عن ذلك الا ما تعبد الله به عباده
ولم يقفهم على مصلحته أو مفسدته››[8].
مع أنه صرح قبل ذلك بسطر أو سطرين ما يبدو أنه مناقض للتقرير الذي نقلناه،
حيث قال: ‹‹أما مصالح الدارين واسبابها ومفاسدها فلا تعرف الا بالشرع››[9].




ويتسق
الرأي السابق مع اعتبار الأحكام الشرعية الدنيوية لم تصدر عن الشرع بعنوان
التأسيس كما هو الحال في التعبديات، وانما صدرت عنه بعنوان الإمضاء
والتبعية[10].




كما
نقل الشاطبي ما ذهب اليه جماعة اعتقدوا باكتفاء ما يرد في النفس من
إطمئنان يخص جملة من الأحكام، ونقد ذلك من حيث ان التعويل عليه لا يستقيم
مع الأخذ بما أمر به الله من العمل بالكتاب والسنة. وعلى رأيه ان احكامه
تعالى لم ترد بما استحسنته النفوس واستقبحته[11]،
اتساقاً مع ما ذهب اليه الأشاعرة من نفي الدلالة العقلية للحسن والقبح.
كذلك نقل عن جماعة أنهم عوّلوا على إدراك مصالح العباد طبقاً لمقاصد الشرع
الكلية المستخلصة بالإستقراء، حيث جردوا المعاني وطرحوا خصوصيات الالفاظ،
بل وردّوا كل خاص يخالف العام المستخلص بالإستقراء، وقد عرفوا بأصحاب الرأي[12] . الا ان ذلك ليس له علاقة بالعقل، إذ الإستقراء المحكي عنه إنما هو الخاص بالشرع لا غير.




نعم
جعل الغزالي عنوان العقل ضمن اصول الأدلة الفقهية، وهي عنده عبارة عن
الكتاب والسنة والاجماع، مضافاً اليها دليل العقل والإستصحاب الدالين على
براءة الذمة في الأفعال قبل ورود السمع[13].
لكن كما هو واضح أنه يعد هذا الدليل مقيداً بالحال قبل ورود الشريعة، وهو
ما يطلق عليه (البراءة الأصلية)، أما مع وجودها وورودها فليس للعقل شأن
يمكن ان يستكشف به الحكم مستقلاً. لهذا فمن الناحية المبدئية ان الإتجاه
السني لا يعترف بدور العقل في استكشاف موارد التشريع والأحكام، وهو أمر
يتسق مع نظرية الحسن والقبح الشرعيين التي يميل اليها أغلب أهل السنة،
مثلما هو حال التفكير الأشعري، سواء لدى المتقدمين منهم أو المتأخرين.




واذا
كنا نعتقد بأن قسطاً كبيراً من المسؤولية يقع على عاتق الأشاعرة في
ابطالهم لدور العقل في التشريع أو الكشف عن الأحكام، بسبب التنظير الذي
آلوا اليه في قاعدة الحسن والقبح الشرعيين؛ فإن القسط الآخر من المسؤلية
يتحمله - قبلهم - الشافعي، باعتباره المنظر الأول لأصول الفقه. فبحسب
المعطيات المتوفرة لدينا اليوم هو ان تنظير الأدلة الشرعية وتقعيدها لم
ينشغل بهما فقيه مسلم قبل هذا الإمام القرشي، أو على الأقل أنه لم يصلنا
شيء واضح ومقطوع به قبله[14] . والعديد من العلماء يعتقدون أنه أول من صنف في ذلك العلم، كالذي نصّ عليه ابن خلدون وابن تيمية والزركشي ومن قبلهم الإمام الجويني[15]. وكان أحمد بن حنبل يقول: لم نكن نعرف الخصوص والعموم حتى ورد الشافعي[16].
مع ذلك فإن هذا الإمام الذي مارس التنظير والتقعيد لم يعط أي دور مميز
للعقل في التشريع والاستكشاف. فغياب العقل هو الظاهرة البارزة في مشروعه.
ذلك أنه يلتزم بالبيان التام لنص الخطاب فلا يدع مجالاً لمشاركة غيره في
التشريع؛ باستثناء القياس للضرورة والاضطرار، كما نصّ على ذلك مرات عديدة،
مثل قوله: ‹‹ليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة الا وفي كتاب الله
الدليل على سبيل الهدى فيها››[17].
وقوله ايضاً: ‹‹ليس لأحد ابداً ان يقول في شيء: حلّ ولا حرُم الا من جهة
العلم. وجهة العلم الخبر في الكتاب أو السنة أو الاجماع أو القياس››[18]. وكذا قوله: ‹‹العلم طبقات شتى.. ولا يصار إلى شيء غير الكتاب والسنة، وهما موجودان، وإنما يؤخذ العلم من اعلى››[19].




هكذا
نرى غياب العقل من مشروع الشافعي، مثلما نشهد موته لدى الأشاعرة، وكل ذلك
له انعكاساته الخاصة التي مازلنا نعاني منها حتى يومنا هذا.




ويلاحظ
أنه حتى لو أوّلْنا مبادئ الإجتهاد التي تقول بها بعض المذاهب الإسلامية
واعتبرناها مبادئ عقلية تتباين في الاستقلالية من حيث علاقتها بالنص،
كالقياس أو المصالح المرسلة أو الإستحسان أو الإستصحاب أو البراءة الأصلية
أو غيرها، فانها مع ذلك تظل مهملة غير فاعلة الا عند غياب النص، بل غالباً
ما يكون العمل بها على نحو الاضطرار أو تبعاً لضغط الحاجات الزمنية. فعلى
الأقل ان رؤساء المذاهب الإسلامية قد صوروا الأمر على هذا النحو من
الاضطرار، مثلما يعترف بذلك أصحاب المذاهب الأربعة، حتى من عُرف منهم بشدة
العمل بالإجتهاد - سيما القياس منه - كأبي حنيفة النعمان[20].
فهم يرجحون العمل بالنص رغم كونه لا يرقى - في الغالب - إلى درجة أقوى من
الظن، سواء من حيث الصدور أو الدلالة. على هذا يظل العمل بمبادئ الإجتهاد
متأخراً رتبة عن العمل بالنص. وهو أمر ينطبق حتى على من يعترف صراحة بمبدأ
العقل في استكشاف الحكم الشرعي، إذ لا يرى له مرجعية تتقدم على مرجعية
النص، رغم ما يعتري النص من مشكل عدم افادته العلم واليقين في الغالب، خاصة
الحديث منه، حيث يشهد مشاكل اضافية تتعلق بالسند والتقطيع وإحتمالات
الزيادة والنقصان، فضلاً عن مشاكل أخرى تلوح المتن ذاته.. كالذي يلاحظ عند
مذهب الإمامية الاثنى عشرية التي تعد العقل مصدراً أخيراً لمصادرها
التشريعية الأربعة (الكتاب والسنة والاجماع والعقل)، بدءاً من بداية عصر
التنظير الشيعي، كما ينص عليه الشريف المرتضى، ومن ثم جاء الآخرون يؤكدون
مقالته في حجية العقل بعد النص والاجماع.




والامامية
وإن اختلف علماؤها حول ما يريدونه من المعنى الخاص بالعقل كمصدر استكشاف
وتشريع، الا ان ما استقر عليه المتأخرون هو أنه ينحصر مستقلاً في دائرة
التحسين والتقبيح العقليين.




من
هنا يتضح ان مكانة العقل - أو الرأي والإجتهاد تسامحاً - في علم الفقه
تختلف عما هي عليه في علم الكلام، فكثيراً ما يُحتج به في القضايا
العقائدية قبال ظواهر النصوص للكتاب والسنة، فينتهي الأمر بهذه النصوص إلى
التأويل والتوجيه، أو الترك والإبطال. مما يعني ان اعتبار العقل في علم
الكلام هو اعتبار تأسيسي، أو ان له جعلاً على نحو التأسيس لا التبعية، سواء
كان التأسيس خارجياً لاثبات الخطاب الديني من حيث الاصل، أو داخلياً يراد
منه توجيه معاني نصوص الخطاب بما يتفق ومداليله الخاصة. لهذا كان متهماً من
قبل النزعات البيانية بانه يقوم بدور مناهض لنصوص الخطاب وبيانها، مثلما
ذهب اليه ابن تيمية وابن القيم وغيرهما ممن ابتعدوا عن الطريقة العقلية
الكلامية[21].




أما
في الفقه فالامر يختلف تماماً، ذلك ان هذا العلم لا يحتاج إلى العقل
للتأسيس من الخارج، فتأسيس الخطاب الديني بالعقل هو في حد ذاته يصحح عمل
البناء الفقهي. والاهم من هذا هو ان علم الفقه لم يجعل العقل موضعاً
للتعارض مع النص كما فعله علم الكلام، إنما الإعتماد على بيانية النصوص هي
الحالة الراكزة والمستقرة، رغم المفارقة في الامر! إذ كان العقل الكلامي
يمارس حالة التوجيه والتأويل بتأسيس الخطاب من الداخل في النصوص القطعية
الصدور (الايات القرآنية)، في حين أُهمل العقل في الفقه ولم يسمح له
بممارسة حالة التأويل والتوجيه للنصوص؛ بما فيها نصوص الحديث رغم أنها ظنية
الصدور والدلالة. ولو انا طبقنا عليها منطق الإحتمالات لكانت الأحكام
المنتزعة منها في غاية الضعف لما ينتابها من مشاكل متنوعة على صعيد السند
والمتن، كالذي التفت اليه أصحاب دليل الانسداد في الإتجاه الشيعي.




هذا
هو حال الفقه، ليس له زاد ولا معين يطمأن اليه وهو في صورته التقليدية
تلك. الأمر الذي يحتاج إلى نوع من التعويض المسدد، وذلك بالتعويل على
الاعتبارات الموثوقة لتشييد الأحكام واستكشافها، كاستخدام مبدأ العقل ومبدأ
الواقع ونظام الخلقة، وكذا مقاصد الشرع وكلياته العامة.




إن
إهمال العقل في الفقه جعل الممارسة الإجتهادية تصطدم أحياناً بالنتائج
العقلية القطعية دون ان تشعر، أو أنها تجاهلت ذلك طبقاً لمسلكها الاستصحابي
في إبعاد العقل عن الاستكشاف والنفي والإثبات. وهنا بيت القصيد !




فحتى
الإتجاه الشيعي رغم اعترافه بمرجعية العقل للكشف عن التشريع ورغم ما صرح
به بعضهم كالشيخ النائيني من أنه ‹‹لو عزل العقل عن الحكم لهدم أساس
الشريعة››[22]؛ الا أنه من الناحية العملية ظل هذا الإتجاه يتعامل مع العقل تعاملاً سلبياً كما سنعرف.






العقل عند الإتجاه الشيعي





لقد
خضع الدليل العقلي القطعي المعد كاشفاً عن الحكم الشرعي والمعبر عنه بقضية
التلازم بين العقل والشرع طبقاً لقاعدة (كل ما حكم به العقل حكم به
الشرع).. خضع هذا الدليل لتفسيرات عديدة بين الأصوليين الشيعة. فقد فسّره
بعضهم بالبراءة الأصلية والإستصحاب، وقصره بعضهم على الثاني، فيما ذهب بعض
آخر لتفسيره بلحن الخطاب وفحواه ودليله، مضافاً إلى وجوه الحسن والقبح[23]. وأضاف آخرون كلاً من مقدمة الواجب واجبة، ومسألة الضد[24]،
واصل الاباحة في المنافع والحرمة في المضار، وكذلك البراءة الأصلية
والاستصحاب، وما لا دليل عليه، ولزوم دفع الضرر المحتمل، وقاعدة شغل الذمة
اليقيني يستدعي فراغاً يقينياً، والأخذ بالاقل عند الترديد بينه وبين
الاكثر[25].
وقدّر البعض بأن من ضمن الأحكام العقلية اعتبار الضرورات تبيح المحظورات،
وان الضرورة تقدر بقدرها، ودرء المفسدة أولى من جلب المصلحة، ولزوم اختيار
أهون الشرين اللذين لا مناص من أحدهما، والعلم بوجود التكليف يستدعي العلم
بطاعته وامتثاله، واصل المشروط عدم شرطه، والاذن بالشيء اذن بلوازمه[26].
لكن هناك من قصد بالدليل العقلي بأنه حكم العقل النظري بالملازمة بين
الحكم الثابث شرعاً أو عقلاً وبين حكم شرعي آخر، كحكمه بالملازمة في مسألة
الإجزاء ومقدمة الواجب ونحوهما[27]،
وكحكمه باستحالة التكليف بلا بيان اللازم منه حكم الشارع بالبراءة، وكحكمه
بتقديم الأهم في مورد التزاحم بين الحكمين المستنتج منه فعلية حكم الأهم
عند الله، وكحكمه بوجوب مطابقة حكم الله لما حكم به العقلاء في الآراء
المحمودة. أما المستقلات العقلية فقد حصرها في مسألة واحدة هي التحسين
والتقبيح العقليين باعتبار ان الشرع لا يشارك حكم العقل العملي الا فيها[28].
وتنص هذه القضية كما يقول ابو القاسم القمي: ‹‹ان كل ما يدرك العقل قبحه
فلا بد ان يكون من جملة ما نهى الله عنه، وما يدرك حسنه فلا بد ان يكون مما
أمر به، فاذا استقل العقل بادراك الحسن والقبح.. فيحكم بأن الشرع ايضاً
حكم به كذلك، لأنه تعالى لا يأمر بالقبيح ولا ينهى عن الحسن››[29].
وفي قضية المستقلات العقلية يفترض ان يكون للعقل العملي حكم إزاء ما يدركه
بغض النظر عن الشرع، كالحكم بقبح قتل الأبرياء، كما يفترض ان تكون هناك
ملازمة نظرية بين الحكمين العقلي والشرعي، وهي ما يدركها العقل النظري،
والتي تقول ان كل ما حكم به العقل يحكم به الشرع، فاذا كان العقل يحكم بقبح
قتل الأبرياء؛ فإن الشرع يحكم بذلك ايضاً، كما هو واضح من صيغة التحريم[30].




واعتبر
البعض ان من وظائف العقل إدراك المصالح والمفاسد، وان الأحكام تابعة لها،
مما يعني صحة استكشاف العقل لهذه الأحكام تبعاً لإدراك تلك المصالح
والمفاسد، فكما يقول صاحب (فوائد الاصول) من ‹‹انه لا سبيل إلى انكار تبعية
الأحكام للمصالح والمفاسد في المتعلقات، وان في الأفعال في حد ذاتها مصالح
ومفاسد كامنة مع قطع النظر عن أمر الشارع ونهيه وانها تكون عللاً للأحكام
ومناطاتها، كما أنه لا سبيل إلى انكار إدراك العقل لتلك المناطات››[31].
وكذا قول بعض المعاصرين: ‹‹ان المصالح والمفاسد علل للأحكام، فاذا ادرك
العقل المصلحة أو المفسدة في فعل من الأفعال فلا بد من ان يكون للشارع حكم
في ذلك الفعل لوجود علته، فيكون العقل كاشفاً عن الحكم الشرعي››[32].




والبعض
جعل اطباق العقلاء على مصلحة الشيء أو فساده هو الضابط الوحيد المعول عليه
في اقرار الملازمة بين العقل والشرع. فالشيخ المظفر يقول: ‹‹اذا ادرك
العقل المصلحة في شيء أو المفسدة في اخر، ولم يكن إدراكه مستنداً إلى إدراك
المصلحة أو المفسدة العامتين اللتين يتساوى في إدراكها جميع العقلاء؛ فإنه
لا سبيل للعقل ان يحكم بأن هذا المدرك يجب ان يحكم به الشارع على طبق حكم
العقل، إذ يحتمل ان هناك ما هو مناط لحكم الشارع غير ما ادركه العقل، أو ان
هناك مانعاً يمنع من حكم الشارع على طبق ما ادركه العقل وإن كان ما ادركه
مقتضياً لحكم الشارع››[33].




لكن
هذا التقرير هو في حد ذاته يبرر حالة الفصل بين الحكمين العقلي والشرعي.
فحتى لو حصل الضابط الذي ذكره المظفر واجمع العقلاء على حكم من الأحكام
العقلية؛ فإن ذلك لا يمنع - تبعاً لما افاده الشيخ - ان يحتمل وجود ‹‹ما هو
مناط لحكم الشارع غير ما ادركه العقل، أو ان هناك مانعاً يمنع من حكم
الشارع على طبق ما ادركه العقل وإن كان ما ادركه مقتضياً لحكم الشارع››.
فهذه هي حالة الفصل بين الحكمين العقلي والشرعي، والتي نجدها شائعة لدى
الفقهاء الأصوليين من الشيعة.




ويلاحظ
من كل ما ذكرنا ان الدليل العقلي وضع - في الغالب - بصورة غير مستقلة عن
البيان أو النص، فهو يعتمد عليه وموظف لخدمته. فالاتجاه الشيعي يقر بأن
العقل في الفروع بخلاف الأصول يعجز عن الكشف عن الحكم الشرعي بشكل مستقل،
باستثناء حالات خاصة وقليلة كتلك المتعلقة بالحسن والقبح. لكن حتى في هذه
القضية الواضحة نجد بعض المتأخرين الشيعة قد انفرد ونفى الملازمة بين حكم
العقل وحكم الشرع؛ رغم قوله بنظرية الحسن والقبح العقليين، كما هو الحال مع
صاحب كتاب (الفصول)، حيث يقول: ‹‹الحق عندي ان لا ملازمة عقلاً بين حسن
الفعل وقبحه وبين وقوع التكليف على حسبه ومقتضاه››. وقد صور الشيخ محمد علي
الكاظمي - في تحريره لافادات استاذه النائيني - هذا الرأي من انكار
الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع بقوله: ‹‹ان العقل وان كان مدركاً
للمصالح والمفاسد والجهات المحسنة والمقبحة الا أنه من الممكن ان تكون لتلك
الجهات موانع ومزاحمات في الواقع وفي نظر الشارع ولم يصل العقل إلى تلك
الموانع والمزاحمات، إذ ليس من شأن العقل الاحاطة بالواقعيات على ما هي
عليها، بل غاية ما يدركه العقل هو ان الظلم مثلاً له جهة مفسدة فيقبح،
والاحسان له جهة مصلحة فيحسن، ولكن من المحتمل ان لا تكون تلك المفسدة
والمصلحة مناطاً للحكم الشرعي››[34]. وقد أيّد الشيخ ضياء الدين العراقي هذا الرأي الذي ذهب اليه صاحب (الفصول)[35].




لكن
ذلك لا يتسق مع ما يكاد يتفق عليه علماء المدرسة الأصولية من الشيعة في
صحة العلم الوجداني القطعي من حيث أنه حجة ذاتية غير قابلة للجعل الشرعي[36]. فهو والعلم التعبدي يعدان – عندهم - كامل حجية المجتهد[37].
وقد زاد بعضهم على ذلك بأن اعتبر العلم العادي (الإطمئناني) مما لا تشمله
الأدلة الناهية عن العمل بالظن لخروجه عن موضوع الأدلة في نظر العقلاء[38].
بل رغم هذا الاعتراف نلاحظ ان هناك تضييقاً لحدود هذين العلمين. ففي
العبادات يعول المجتهد على الأخبار لكثرتها رغم مشاكل الحديث المعترف بها.
أما في المعاملات فالمجتهد يعول على القواعد الأصولية والكبريات الواردة
فيها[39]. وفي كلتا الحالتين لا نجد مساحة يعتد بها للعمل بالوجدان العقلي المستقل، ومنه ذلك المزود بخبرة الواقع.




نعود
مرة أخرى لنقرر أن ما صوّره الشيخ الكاظمي من انكار الملازمة بين الحكمين
العقلي والشرعي؛ هو ذاته قد هيمن على السلوك الشيعي من الناحية العملية، بل
وعلى السلوك الإسلامي قاطبة. فالإتجاه الشيعي يعد العقل غير قادر على
الإدراك القطعي للمصالح والمفاسد الحقيقية في الواقع. ويندرج تحت هذا
التعامل جميع القضايا الفقهية تقريباً، سواء كانت بسيطة عادية، أو عظيمة
خطيرة، ومنها ما يتعلق بنظام السلطة والحكم واعتبارات الحرية الفردية
والاجتماعية والتعامل مع الحقوق العامة للانسان. فهذه القضايا وغيرها لا
تبحث ضمن إطار المصالح والمفاسد العقلية المندرجة تحت عنوان الحسن والقبح،
وإنما تبحث بحسب ما يؤدي اليه النظر المنبثق من التفكير البياني، رغم ان
هذا النظر لا يفضي في الغالب إلى ما هو أقوى من الظن، وهو الظن المعبّر عنه
بالمعتبر، تمييزاً له عن الظن العقلي المبعد. فبنظر الفقهاء تكون الأحكام
تابعة للمصالح الخفية والشرع كاشف عنها، كما نصّ عليه العلامة الحلي في
(النهاية)[40]،
وان العقلاء قد يتوهمون ما هو أقرب إلى واقع الشرع على أنه ابعد، وما هو
أبعد عن هذا الواقع على أنه اقرب، وبالتالي فلا مجال لكشف الحقائق الا عن
طريق الشرع؛ لكونه محيطاً بكل الجهات وعالماً بكثير مما لم تصل اليه
العقول. فمع ان المعول عليه عندهم كون المقياس في باب الحجج هو الأقربية
إلى واقع الشرع، الا ان معرفة هذه الأقربية لا يمكنها ان تكون بالنظر
العقلي المنفصل عن الشرع ولو على نحو السلب، وذلك من حيث العلم بعدم ردع
الشارع عن الأخذ بما يعتقد أنه أقرب إلى ذلك الواقع[41].




لكن
بحسب هذا المنظور تصبح الأحكام تعبدية لا تُعلم مصالحها بالنظر العقلي،
وأنه لا معنى للاستدلال على ظرفية بعض الأحكام أو تخصيصها بوقائع محددة أو
اعتبارها مما تقع تحت دائرة الأحكام المولوية القابلة للتغيير، اذا ما كانت
ظواهر النصوص الدالة على مثل هذه الأحكام تتصف بالاطلاق والعموم دون وجود
ما يخصصها ويقيدها بحسب القرينة اللفظية، حيث أنها يمكن ان تُبرر بنفس تلك
الحجة، فيُفترض وجود مصالح خفية تجعل العقل عاجزاً عن الكشف عن ظرفية
الأحكام أو تقييدها وتخصيصها. الأمر الذي يجعل من الأحكام أحكاماً تعبدية
لا تقبل التوجيه والتفسير بغير ما يفيده الظاهر الاطلاقي للنص. مما يعني
بالتالي وجود التعارض بين ما يدركه العقل المستقل من فهم واضح معلل، وبين
ما ينطق به النص من حكم ظاهر مخالف.




والمسألة
لا تتوقف عند حدود القضايا المعيارية من الأحكام الشرعية، وانما يمكن ان
تنسحب وتطال الأحكام التقريرية التي لها علاقة بالكشف عن الواقع الموضوعي،
ذلك أنه بنفس تلك الحجة من إحتمال وجود مصالح حقيقية خافية على العقل
البشري، يمكن ان يدّعى وجود حقائق خفية يعجز العقل عن إدراكها وراء ما ينطق
به النص الذي ظاهره يخالف ما يدركه العقل من القضايا الموضوعية والخارجية.
فمثلاً ان بعض النصوص تنهانا عن التعامل مع بعض الاجناس البشرية بحجة أنهم
من الجن. لكن عقلنا وادراكنا الواقعي يكذّب ذلك، إذ ليس فيهم ما يختلفون
به عن غيرهم من البشر. وقد يحتج صاحب فكرة الحقائق الخفية بأنه حتى لو لم
يظهر أي تمايز بين هؤلاء الاجناس وبين غيرهم فإن ذلك لا يمنع من كون العقل
لم يدرك بعض التمايزات الخفية التي تجعل من مثل هؤلاء من الجن. لذا يصبح من
الصعب أو المحال الرد على مثل هذه الحجة التشكيكية. لكن كل ما يقال هنا
يمكن ان ينسحب على قدرة العقل على الإدراك الموضوعي برمته، ذلك أنه بحسب
هذا المنطق يمكن ان يقال ايضاً بأن كل ما يقرر من إثبات للقضايا الدينية،
وعلى رأسها القضايا الأصولية، يواجه ايضاً نفس المصير. فإحتمال وجود حقائق
مخالفة تخفى على العقل وتجعل معرفة الحقيقة الدينية من المحالات أمر وارد[42]؛
مثلما لا سبيل لمعرفة القضايا التقريرية التي تخالف ما تنطق به النصوص،
وكذا لا سبيل لمعرفة المصالح الحقيقية التي يتوخاها العقل في القضايا
المعيارية من الأحكام وغيرها.




إذاً
لا داعي لجر القضايا بمثل هذا المنطق الخطير، بل لا بد من الثقة العقلائية
الوجدانية في الكشف عن الحقائق والتسليم بها ما لم تُعارض بما هو أقوى
منها حجة واعتباراً.






شواهد الصدام مع العقل





لقد
أدت طريقة الإجتهاد التقليدية إلى الصدام مع العقل ومقاصد التشريع عبر
حالتين من التعارض، احداهما لها علاقة بالنص الروائي، والاخرى لها علاقة
بتقنية الإجتهاد النظري خارج حدود منطوق النصوص. ولكل منهما شواهد عديدة،
كالذي يتبين أدناه..






1 ـ تعارض العقل مع النص





من
أبرز الشواهد التي تتعلق بتعارض العقل مع النص؛ ما ورد حول دية اصابع
المرأة بما يعرف بصحيحة ابان بن تغلب، حيث روى عن الإمام الصادق قوله بأن
دية قطع اصبع واحد من أصابع المرأة هي عشر من الإبل، وقطع اصبعين منها هي
عشرون من الإبل، وقطع ثلاث اصابع منها يكون ثلاثين، أما قطع اربع اصابع
فديته عشرون من الإبل. وبحسب الرواية ان ابان الذي كان حاضراً عند الإمام
الصادق تعجب وقال: يا سبحان الله يقطع ثلاثاً فيكون عليه ثلاثون ويقطع
اربعاً فيكون عليه عشرون؛ ان هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنبرأ ممن قاله،
ونقول: الذي جاء به شيطان. فأجابه الصادق بالقول: مهلاً يا ابان ان هذا حكم
رسول الله، ان المرأة تقابل - وفي رواية تعاقل - الرجل إلى ثلث الدية،
فاذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف. يا ابان انك اخذتني بالقياس.. والسنة اذا
قيست محق الدين[43].




ومع
أن في هذا الحديث مفارقة باعتباره يتضمن تخفيف الدية رغم تضاعف حجم الجرم
دون سبب معقول، إلا أن فقهاء الإمامية أوردوه وما يتضمنه من حكم دون تشكيك[44]،
وذلك اذا ما استثنينا السيد الخوئي في (مصباح الاصول) حيث قدّم عدداً من
المناقشات حوله، كان أهمها أنه اعتبره ضعيف السند ولا يمكن الإعتماد عليه[45].
لكن تلميذه محمد تقي الحكيم استدرك وقال: ‹‹بلغنا ان الاستاذ عدل عن تضعيف
الرواية لثبوت صحتها لديه، ولم تسعني مراجعته للتأكد من ذلك››[46].




وقد علّق المرحوم محمد جواد مغنية على هذا الحديث بالقول: أنه ‹‹صريح في أن عقولنا لا تدرك لهذا الحكم سراً وأنه تعبدي محض››[47]. وكذا اعتبره الاستاذ المظفر من الشرعيات المحضة أو التعبديات[48]،
وقال في تبريره: ‹‹إنما الذي وقع من ابان قياس مجرد لم يكن مستنده فيه الا
جهة الأولوية، إذ تصور - بمقتضى القاعدة العقلية الحسابية - أن الدية
تتضاعف بالنسبة بتضاعف قطع الاصابع، فإذا كان في قطع الثلاث ثلاثون من
الإبل فلا بد أن يكون في قطع الأربع أربعون، لأن قطع الأربع قطع شرعاً فيما
يبلغ ثلث الدية فما زاد، وهي مائة من الابل››[49].




كما
سبق ان علّق عليه الشيخ مرتضى الانصاري (المتوفى سنة 1281هـ) بقوله بأن
الرواية ‹‹وان كانت ظاهرة في توبيخ ابان على رد الرواية الظنية التي سمعها
في العراق بمجرد استقلال عقله بخلافه أو على تعجبه مما حكم به الإمام عليه
السلام، من جهة مخالفته لمقتضى القياس، الا ان مرجع الكل إلى التوبيخ على
مراجعة العقل في استنباط الاحكام. فهو توبيخ على المقدمات المفضية إلى
مخالفة الواقع. وقد اشرنا، هنا وفي اول المسألة، إلى عدم جواز الخوض
لاستكشاف الأحكام الدينية في المطالب العقلية والاستعانة بها في تحصيل مناط
الحكم والانتقال منه اليه على طريق اللمّ، لأن انس الذهن بها يوجب عدم
حصول الوثوق بما يصل اليه من الأحكام التوقيفية، فقد يصير منشأً لطرح
الامارات النقلية الظنية، لعدم حصول الظن له منها بالحكم. وأوجب من ذلك ترك
الخوض في المطالب العقلية النظرية لإدراك ما يتعلق بأصول الدين، فإنه
تعريض للهلاك الدائم والعذاب الخالد››[50].




وورد
ما يماثل الحديث المذكور في المصادر السنية، حيث التزم به جماعة من فقهاء
التابعين وبعض ائمة المذاهب الأربعة ونسبوه إلى الرسول (ص). إذ جاء ان
المالكية والحنابلة يرون ان دية جراح المرأة كدية جراح الرجل فيما دون ثلث
الدية الكاملة، فإن بلغت الثلث أو زادت عليها رجعت إلى نصف دية الرجل. حتى
روى النسائي بهذا الصدد عن النبي قوله: ‹‹عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى
يبلغ الثلث من ديتها››[51].
واورد الإمام مالك في موطئه حواراً بين سعيد بن المسيب وربيعة بن ابي عبد
الرحمن المعروف بربيعة الرأي، إذ سأل ربيعة سعيداً عن مقدار الدية فيما لو
قطع رجل ثلاثاً من اصابع المرأة؟ فأجابه سعيد ان فيها ثلاثين من الإبل،
وسأله عن مقدار الدية فيما لو قطع اربعاً، فأجاب أن فيها عشرين، فقال له
ربيعة حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها! فرد عليه ابن المسيب:
أعراقي انت؟ فقال: بل عالم متثبت، أو جاهل متعلم، فقال له سعيد: إنها السنة
يا ابن أخي[52].




مع
هذا فإن هذا الحكم لم يستسغه الحنفية والشافعية الذين رأوا ان الجناية على
ما دون النفس في المرأة تقدر بحسب ديتها، لذلك تكون الدية نصفاً[53].
وعلّق الشافعي على محاورة ربيعة وابن المسيب الآنفة الذكر بقوله: ‹‹كنا
نقول به ثم وقفت عنه وانا اسأل الله الخيرة لأنا نجد من يقول السنة ثم لا
نجد نفاذاً بها عن النبي (ص) والقياس أولى بنا فيها››[54].




ويلاحظ
من كل ما سبق ان الفقهاء، سواء في الساحة الشيعية أو السنية، لم يحتكموا
إلى الوجدان العقلي إزاء مضمون الرواية الآنفة الذكر رغم أنها من الآحاد
التي لا تفيد علماً، وانها تتعارض تعارضاً قطعياً مع مبادئ الحقوق الطبيعية
والعدالة التي هي على رأس الثوابت العقلية ومقاصد التشريع.




ومثل
ذلك يمكن القول بصدد عدد من الفتاوى التي تتعارض مع العقل، كفتوى جماعة من
الفقهاء بكراهة التعامل مع بعض الأقوام والأجناس؛ كما في البيع والشراء
والتزويج، بحجة أنهم من الجن، مثل الأكراد[55]، استناداً إلى نص الحديث الذي لا يتفق مع منطق العقل والواقع ولا مع مبادئ التشريع ومقاصده[56].
وكان المفكر الصدر يرى أن مثل هذا الحديث يخالف القرآن الكريم الذي يصرح
بوحدة البشرية جنساً وحسباً ومساواة؛ مهما اختلفت أصنافهم وألوانهم، بل
وأكّد على عدم حجية كل ما يخالف الروح العامة للقرآن الكريم أو كل ما لا
ينسجم مع طبيعة تشريعاته ومزاج أحكامه العام[57].




ومثلها
الفتوى التي تقول إن ولد الزنا كافر، والتي صرح بها جماعة من الفقهاء.
وقديماً قال ابن ادريس الحلي في (السرائر): لا خلاف بين أصحابنا في أن ولد
الزنا كافر[58]. واتبعه في هذا القول العلامة الحلي في (مختلف الشيعة)[59]. لكن الفاضل الآبي صرح في (كشف الرموز) بأن المسألة على قولين، إذ قال أكثر الفقهاء بأن ولد الزنا كافر[60]. وكذا جاء عن الفقهاء بأن ولد الزنا لا خير فيه وأنه شر الثلاثة[61]، وأنه لا تقبل شهادته ولا تجوز امامته، تبعاً لعدد من الروايات.




كما قال أكثر فقهاء الإمامية بأن ولد الكافر نجس تبعاً لأبويه باعتبارهما نجسين بسبب الكفر[62]، وكذا القول أنه كافر ايضاً[63]. وقال محمد بحر العلوم في (بلغة الفقيه): ‹‹ولد الكافر يتبع ابويه في الكفر والنجاسة؛ اجما
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

العقل والإجتهاد :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

العقل والإجتهاد

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» نقد العقل العربي الإسلامي حول كتاب "مفهوم العقل" لعبد الله العروي
» هابر ماس من العقل الاداتي إلى العقل التواصلي - نورالدين علوش
»  [ دلالات وإشكالات ][ طبيعة العقل ووظائفه ] [ بنية العقل بين الثبات والتغير ] [ العقلي واللاعقلي في الإنسان ] دلالات وإشكالات
» من الأسطورة إلى العقل ومن العقل إلى الأسطورة
» عجز العقل الأرضيّ

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: