كتاب
العربي رقم (55) ـ الذي تصدره مجلة "العربي" الكويتية، يحمل عنوانا مهما
ومثيرا للتأمل والتفكير، هو "مستقبل الثورة الرقمية ـ العرب والتحدِّي
القادم". وبه نُشرت مجموعة مختارة من الأبحاث العلمية التي نوقشت في ندوة
العربي السنوية حول "الثقافة العربية والنشر الإلكتروني" مضافا إليها
مختارات مما نشرته المجلة في الإطار نفسه خلال السنوات القليلة الماضية،
بما يؤكد تبنيها لمستقبل الثورة الرقمية، وتأثيرها على وطننا العربي.
وحقيقة
فإن سلسلة كتاب "عالم المعرفة" ـ إلى جانب مجلة العربي ـ التي يصدرها
المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت، تعد من أهم سلاسل النشر ـ
في الوطن العربي ـ المهتمة بهذا الموضوع، وليس أدل على ذلك من الكتب التي
أصدرتها وتصدرها في هذا المجال مثل: الثقافة العربية وعصر المعلومات
للدكتور نبيل علي، والمعلوماتية بعد الإنترنت ـ طريق المستقبل. لبيل جيتس،
ترجمة الراحل عبد السلام رضوان. ورؤى مستقبلية ـ كيف سيغير العلم حياتنا في
القرن الواحد والعشرين، لميتشيو كاكو، ترجمة سعد الدين خرفان. وثورة
الإنفوميديا: الوسائط المعلوماتية وكيف تغير عالمنا وحياتنا؟ لفرانك كيلش.
ترجمة: حسام الدين زكريا. وغيرها من الكتب.
***
ينقسم كتاب "مستقبل الثورة الرقمية" ـ عبر 208 صفحات ـ إلى ثلاثة محاور
رئيسية ـ بعد مقدمة د. سليمان العسكري ـ رئيس تحرير المجلة. هذه المحاور
هي: العرب وقضايا النشر الإلكتروني، والعرب ومستقبل الإنترنت: ملامح عالم
جديد، والعرب وتكنولوجيا المعلومات: قضايا وتحديات.
عالمنا العربي ومستقبل الثورة الرقمية
في
ورقته "عالمنا العربي ومستقبل الثورة الرقمية" يرى د. سليمان إبراهيم
العسكري (الكويت) أن الإسراع في دخول عالم النشر العربي الإلكتروني سيحقق
لثقافتنا ولغتنا نقلة نوعية هائلة، من حيث وضعهما في موقع مع الثقافات
العالمية السائدة الآن، ويفتح أمامهما فرصة التلاقي والتفاعل مع حاملي تلك
الثقافات من جانب، ومن جانب آخر يعيد ربط الملايين من المهاجرين والمغتربين
العرب والمسلمين في العالم بثقافتهم العربية والإسلامية، وينمي من خلالهم
حركة ثقافية وفكرية عربية في مواطنهم الجديدة.
كيف يستخدم العرب الإنترنت؟
في
المحور الأول يتحدث سعود راشد العنزي (الكويت) تحت عنوان "كيف يستخدم
العرب الإنترنت؟" ثم يطرح تصوره المستقبلي عن استخدام الإنترنت وعلاقة
الإنسان بها بعد عشر سنوات من الآن، مبرزا مزايا النشر الإلكتروني من سهولة
البحث، وسهولة الحذف والإضافة والتعديل والتغيير في أي وقت يشاء المؤلف،
مع صغر حجم وسائط التخزين، وسهولة الرجوع إلى المصادر والمراجع المستخدمة،
والطباعة باستخدام الأوامر الصوتية، وتطور إمكانات التدقيق الإملائي
واللغوي، وتطور أجهزة المسح الضوئي، وغيرها من المزايا التي لا يكتفي
بإبرازها فحسب، ولكن يتحدث أيضا عن مشكلات النشر الإلكتروني مثل حاجز اللغة
الذي يُعيق الكثيرين من الاستفادة من الثورة المعلوماتية، والمعلومة
المنسوخة دون علم صاحبها، والخوف من جهاز الكمبيوتر، واعتباره آلة صعبة،
والفقر وعدم القدرة على شراء الأجهزة ، وما إلى ذلك.
أيضا يتعرض العنزي
لمشكلات المواقع العربية على الإنترنت، ومنها مشكلة برنامج التشغيل،
ومشكلة اللغة، ومشكلة البحث في الموقع، وتغير الشكل مع تغير برنامج التصفح،
وقلة المتعاملين مع الإنترنت في الوطن العربي، وهو في هذه الجزئية يضع تحت
أنظارنا إحصائية عن نسبة الذين لديهم مدخل على الإنترنت في العالم العربي،
يتبين منها أن دولة الإمارات العربية المتحدة تمثل أعلى نسبة (15%) تليها
مصر، ثم تأتي معظم الدول العربية الأخرى في قاع السلم.
أما د. عماد
بشير (رئيس قسم المعلومات في صحيفة "الحياة") فيتحدث في هذا المحور عن
الصحافة العربية اليومية في العصر الرقمي، حيث تسعى ورقته إلى تأريخ
استخدام تقنيتي النشر المكتبي والنشر الإلكتروني في الصحف العربية، إضافة
إلى تقديم شروحات خاصة بما يجمع بين هاتين التقنيتين، وما يفرق بينهما.
وتنتهي الورقة بتقديم ملاحظات حول التوافر الإلكتروني للصحف العربية
اليومية على الإنترنت وعلى الأقراص المدمجة من وجهة نظر استخدامية، إضافة
إلى اقتراحات تتعلق بالتطور المطلوب في هذا المجال، والدعوة إلى فهم أفضل
لمصطلح الصحيفة الإلكترونية ووظائفها وأهدافها.
ويرى بشير أن الصحف
العربية المتوافرة على إنترنت لا تتوافر فيها شروط الصحيفة الإلكترونية.
وتبقى الإشارة ـ حسب بشير ـ إلى أن الآمال معقودة على صحيفة "إيلاف"
الإلكترونية.
ثم يأتي دور عثمان العمير ـ رئيس تحرير جريدة "إيلاف" الإلكترونية ـ ليقدم شهادته حول "إيلاف" تحت عنوان "شهادة من عصر الإنترنت".
وعن
تحديات الإعلام الإلكتروني والعالم العربي والوسط الرقمي، يشترك كل من
خلدون طبارة وأسامة الشريف (من الأردن) في تقديم ورقة واحدة لندوة العربي
عام 2001، وهما يريان أن الإنترنت سلاح ذو حدين، فإما أن تكون خطرا محدقا
يهدد بأن تفقد موقعك التقليدي في السوق، وإما أن تكون فرصة عظيمة تتمكن من
خلالها من أن تحتل مواقع وأسواقا جديدة بسرعة لم تكن ممكنة أبدا ضمن معطيات
الاقتصاديات التقليدية.
وهما يذهبان إلى أن الجدل الدائر حول موضوع
نشر الصحف إلكترونيا، لم يمنع الصحف نفسها من الدخول في عالم الإنترنت من
خلال طبعات إلكترونية خاصة ومجانية في معظم الأحيان، في حين أنه لم يثبت
قطعيا حتى الآن أن الإنترنت أثرت سلبيا على توزيع الصحيفة المطبوعة أو أدت
إلى انخفاض دخلها من الإعلان لا في العالم العربي، ولا خارجه.
ويتساءل
سامي خشبة (مصر) في ورقته، عن مستقبل الثقافة مع التحول التدريجي إلى ما
يسمى "النشر الإلكتروني"، للكتاب وللدوريات وما في حكمها؟ ثم يسوق تجربته
كقارئ مدمن للقراءة، وكاتب مهنته الكتابة، من الورق، وعلى الورق، وبالورق
والقلم.
وهو يرى ـ عند البحث ـ أن الخطأ البسيط في الإملاء سيؤدى إلى
استحالة التوصل إلى المعلومة المطلوبة، لذا ينبغي على المتعامل مع الحاسب
الإلكتروني أن يكون ذا مستوى جيد من التعلم اللغوي. أيضا يتطلب التعامل مع
هذا الحاسب عقلية تركيبية / تحليلية معا، أو ذهنية مبنية على معرفة
معلوماتية متعددة المجالات.
قارئ المستقبل والتحرر من سلطان الحكومات
أما
د. أحمد بشارة (الكويت) فيتحدث في ورقته عن قارئ المستقبل، ويرى أن النشر
الإلكتروني نمط جديد للحياة والتعلم أكثر من أنه تقنية جديدة. وأنه يفتح
أبوابا غير مطروقة في السابق في العلاقة بين الكاتب والمستفيد. وأن
الإنترنت ووسائل النشر الإلكتروني حررت الإنسان لأول مرة في التاريخ من
سلطان الحكومات، وسلطة الناشر والرقيب، وتسلط الجماعات والمذاهب على حقه في
اقتناء وانتقاء المعرفة. غير أنه في الوقت نفسه فإن النشر الإلكتروني عبر
الإنترنت أو الوسائط المختلفة أصبح ـ فعلا ـ منجم ذهب ومعينا لا ينضب
لمافيا الفكر والإبداع.
وعن الترجمة الإلكترونية وآفاق الحاضر
والمستقبل يشارك د. روحي البعلبكي، فيرسم خريطة تكنولوجية للترجمة
الإلكترونية، تضم نظما شمولية للترجمة الآلية، ونظما مساعدة للمترجم
البشري. وهو يرى أنه كلما تنامت النصوص المفترض ترجمتها ـ وهي في حقيقة
الأمر تتنامى على نحو يفوق التصور ـ اشتدت الحاجة إلى ترجمة إلكترونية، ذلك
أن استحالة تأمين طاقات بشرية من جحافل من المترجمين المؤهلين والعاملين
على مدار الساعة، وبالسرعة الإنتاجية المرغوب فيها، إنما تحتم اللجوء إلى
ترجمة مُحَوسَبَة تفوق سرعتها السرعة البشرية وطاقاتُها، الطاقة البشرية.
وينقلنا هذا إلى السؤال عن وضعية اللغة العربية على الخصوص في سياق الترجمة الإلكترونية؟
وعلى
الرغم من تحمس البعلبكي للترجمة الإلكترونية أو الآلية، إلا أنه حين يكون
المطلوب نصا مثاليا ناجزا، ومشهودا له بأنه سليم نحويا، بل وأنيق تعبيريا،
وأن يكون جاهزا بصورة لائقة للنشر والتداول، فإن الترجمة الآلية تظل في
حاجة إلى لمسات تدقيقية وتعديلية من عمل المترجم الخبير، ولا تعدو كونها ـ
في هذه الحالة ـ مسوّدة أولية للترجمة. أي كلما كان النص المطلوب ترجمته
أدبيا، كانت الحاجة إلى مترجم بشري أشدّ وأدعى.
الكتاب الإلكتروني يغير وجه القراءة
جيهان
الشناوي (مصر) تذهب في مقالها المنشور بمجلة العربي (مارس 2000) بعنوان
"الكتاب الإلكتروني يغير وجه القراءة" إلى أنه من المتوقع أن تهز الكتب
الإلكترونية وبعنف، قيمة الكتاب المطبوع، وتغير من طرق الطباعة ووسائل
البيع، وستخلق أسواقا جديدة في مختلف المجالات، كما أنها ستغير من مفهوم
الكتاب ذاته.
ويقدم د. محمد المخزنجي (مصر) قراءة ثقافية نفسية للتعامل
مع الكتاب الإلكتروني، ويسمي الذين يقرأون الكتب "بشر الكتب"، ثم يتحدث عن
حشد الحواس أثناء القراءة، وأن الحس بالعمق الفراغي سيكون علامة استفهام
مهمة مع الكتاب الإلكتروني. ويردد مقولة أحد نواب بيل جيتس عن أمر الكتاب
الإلكتروني وأنه شبيه باختراع السيارة، فمحطات البنزين لم تفتح أبوابها
بعد، والطرق الممهدة لم تُشق، لكن لدينا سيارة تمشي، والرحلة يمكن أن تبدأ.
***
المحور الثاني في الكتاب عن العرب ومستقبل الإنترنت: ملامح عالم جديد،
وفيه يشارك د. حنا جريس (مصر) بمقال عن الهيبرتكست وعصر الكلمة
الإلكترونية، ويرى أنه على النقيض من الكلمة المكتوبة، فإن الكلمة
الإلكترونية ليس لها وجود مادي، فما يظهر على الشاشة هو التعبير الافتراضي
لاستدعاء المُناظِر الرقمي Digital للحرف. وأن الاغتراب عن النص الإلكتروني
هو الصفة الأساسية الآن لنا ككُتاب وقراء الأجيال الحالية الذين تشكل
وعيهم ووجدانهم قبل ظهور الكتابة الإلكترونية.
أما سيكولوجية البريد
الإلكتروني فيحدثنا عنها د. أحمد محمد صالح (مصر) ويرى أن البريد
الإلكتروني قد يكون أهم وسيلة منذ اختراع التليفون لأن سهل الاستعمال. وأن
الدراسات أظهرت أن الناس في الاتصالات الإلكترونية يكونون أكثر حرية وغير
مقيدين بالعادات والتقاليد والأخلاق.
***
المحور الثالث والأخير، كان عن العرب وتكنولوجيا المعلومات: قضايا
وتحديات. وشارك فيه د. نبيل علي (مصر) بمقال عن عنف المعلومات وإرهابها.
أما د. عادل ريان (مصر) فيكتب عن الحاسوب وأمراضه، حيث أثبتت الدراسات أن
حالات الإجهاد البصري تزداد بنسبة 55 % لدى مستخدمي الحاسوب مقارنة
بنظرائهم مستخدمي الآلة الكاتبة العادية.
وتقدم د. زهراء محمد سعيد (الكويت) ورقتها تحت عنوان "كمبيوتر يحترم المشاعر".
وعن
الهاكرز وهل هم ثوار أم إرهابيون، يكتب مرة أخرى د. حنا جريس. بينما يكتب
د. حسن عبد العزيز حسن (ليبيا) عن عودة القرصنة رقميا وملامح من قرن مضى.
وعن التجارة الإلكترونية يكتب أنطوان بطرس (لبنان).
ويختتم نبيل غزلان
(مصر) المحور الثالث والكتاب، بسيناريوهات الأفق الرقمي معتمدا في مقاله
على كتاب ميتشيو كاكاو "رؤى مستقبلية" السابق الإشارة له.
***
هكذا استطاع كتاب العربي (55) أن يقدم لنا وجبة معرفية دسمة عن مستقبل
الثورة الرقمية وخيالها الذي أصبح واقعا في معظم تصوراته وتجلياته، ومدى
مشاركة العرب في هذا الأمر