مستقبل الثورة السورية في خطر!
مركز الراسات المعاصرة
2012-03-05
حينما يتم الربط أمريكيا بين كبار القاعدة وحماس؛ على أنهم
يدعمون المسلحين السوريين الذين يقاتلون ضد نظام الرئيس السوري بشار
الأسد، فإن هذا الحديث له مدلولاته من حيث الدعم المبطن من قبل هذه الإدارة
الأمريكية لنظام الرئيس بشار الأسد، وله مدلولاته أيضا من حيث التفريط
السوري بملف المقاومة الفلسطينية، فهذا يدل على أن هذا النظام كان يستغل
المقاومة الفلسطينية لمصالحه الشخصية، فتمسك هذا النظام بحماس كان يكسبه
رصيدا ،وليس العكس، ومن هذا المنطلق كانت حماس من قبل النظام كورقة يحمي
ويسوق بها نفسه ليس أكثر.
الفتور الأمريكي في تسليح المعارضة لا يمكن تفسيره إلا على
أنه يأتي ضمن صفقة يتم طبخها في المطبخ الأمريكي الإيراني، فالإدارة
الأمريكية حينما تخوض مفاوضات سرية مع الجانب الإيراني كل ما يهمها في هذا
الملف هو أمن المؤسسة الإسرائيلية، فالنووي بحد ذاته لا يشكل مشكلة بالنسبة
للإدارة الأمريكية، كونها تملك قوة تدميرية نووية هائلة تفوق قدرات
المجتمع الدولي برمته، وهي من بين الدول التي تملك خيارات ما يسمى الضربة
النووية الثانية في حال تعرض أمنها لخطر أو تعرضت لهجوم نووي، لذلك ففي
الميزان الاستراتيجي إيران لا تشكل تهديدا على الأمن القومي الأمريكي ، كما
لا تشكل تهديدا جديا عليها ؛في ظل وجود هذا الرادع ، هذا إذا علم أن إيران
لا تملك خيار الضربة الثانية. فما تريده الإدارة الأمريكية هو الحصول على
ضمانات من إيران؛ تحفظ الأمن القومي الإسرائيلي، وهذه الضمانات تتمثل في
تخليها وحلفائها في سوريا ولبنان عن دعم المقاومة الفلسطينية، وعلى ما
يبدو؛ فإن النظام السوري الذي يستخدم هذه المقاومة كورقة للمساومة من أجل
المحافظة على بقائه ، أصبح مستعدا للتنازل عن هذه الورقة هذه المرة من أجل
ضمان بقائه، ومن أجل عدم دعم الإدارة الأمريكية للجيش السوري الحر بالسلاح.
وعليه فإن تصريح كلينتون "نحن لا نعلم في الحقيقة من هي الجهة التي
نسلحها"، هي بمثابة رسالة طمأنة للنظام السوري؛ بأنها لن تسلح المعارضة
السورية إذا ما تخلى النظام عن حماس، فتخلي النظام عن حماس سيدفع بالأخيرة
للارتماء في أحضان قطر والسعودية ،حلفاء أمريكا وإسرائيل الأوفياء، كيف لا
ووزير خارجية قطر قد أعلن منذ فترة أن حماس كحركة مقاومة قد انتهت، إذا
فالمهمة التي تريدها قطر والسعودية من قيادة حماس باتت معروفة، والسؤال
الذي يطرح نفسه في ظل وجود بوادر خلاف في الرؤى ووجهات النظر داخل هذه
الحركة -بين قيادة الداخل والخارج- كيف ستتعامل حماس مع هذا الفخ الذي نصب
لها من قبل أمريكا وحلفائها العرب.
ومن ناحية أخرى خروج قادة حماس من سوريا -على ما يبدو- لا تملك الحركة
أمرها فيه، كما يروج الإعلام على أنه كان خروجا خوفا على أمنهم الشخصي،
والدليل على ذلك أن العديد من قادة الفصائل الفلسطينية لن تغادر دمشق
وستبقى هناك، مثل قائد الجهاد الذي أعلن عن نيته العودة إلى دمشق، وكذلك
قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وغيرهم من قادة الفصائل. فتحليل من
هذا النوع يعتبر سطحيا بالنظر إلى الوضع الأمني في الدول التي توجهت إليها
قادة حماس، فوجود قادة حماس في قطر أو الأردن أو مصر سيزيد من إمكانية
تعرضهم لعمليات تصفية، بسبب النفوذ والنشاط الاستخباري الأمريكي
والإسرائيلي في هذه الدول، كما سيخضع قادة هذه الحركة إلى ضغوط دول الخليج
المتحالفة مع أمريكا.
ولكي لا يدخل القارئ في دوامة ما يمكن أن يراه متناقضات، فإن المعادلة
بسيطة، الإدارة الأمريكية همها الوحيد هو الحفاظ على مصالحها وعلى تدفق
النفط، ومن ناحية أخرى الحفاظ على أمن المؤسسة الإسرائيلية، وبالنسبة لدول
الخليج فهي دويلات تابعة -أي دويلات ذيل- لا تملك الإرادة السياسية، وإنما
تنفذ سياسات الإدارة الأمريكية، مقابل ما تظن أنه حماية أمريكية من ما يسمى
الخطر الإيراني، وعليه فإن هذه الدول تآمرت ولا تزال تتآمر على القضية
الفلسطينية، أما الجانب الإيراني السوري -الطرف الأخر من المعادلة- فلمن لا
يعرف؛ فقد كانت إيران تعرف باسم شرطي الخليج في زمن الشاه، أي أنها كانت
الحامي لمصالح الغرب في المنطقة، وهي تطمح الآن لاستعادة هذا الدور ،ولكن
الغرب الآن يتولى هذه المهمة بنفسه بعد أن فشل الشاه والمؤسسة الإسرائيلية
في لعب هذا الدور، فالشاه الذي لعب دور الشرطي في المنطقة تحول في فترة عن
الأمريكان ليعقد صفقات عسكرية مع الروس، وهذا لم يرق للأمريكان، والمؤسسة
الإسرائيلية -الطفل المدلل للغرب- أيضا حاولت أن تلعب هذا الدور، ولكنها
أيضا تحولت إلى عقد صفقات عسكرية مع الصين وروسيا ،باعت من خلالها
تكنولوجيا أمريكية متطورة لهذه الدول، الأمر الذي لم يرق للإدارة
الأمريكية، وعليه فإن الولايات المتحدة والدول الغربية تريد هي أن تتولى
مهمة دور الشرطي في المنطقة.
المعادلة الأمريكية الجديدة تقتضي الإبقاء على حالة التوتر في المنطقة،
فهذا يضمن لها وجودها كشرطي في المنطقة وكحامي لما يسمى بدول الخليج
العربي، فالتاريخ يشهد على سبيل المثال أن أمريكا منعت أي طرف من التدخل في
الحرب العراقية الإيرانية الأولى، لأنها كانت تأخذ النفط المجاني ب8
دولارات فقط ومن ثم كانت تبيع الأسلحة للطرفين بثمن باهظ ، والحرب استمرت
ثمانية سنوات خسرت فيها إيران جيشها القوي وخسرت دول الخليج أموالها.
ولكي نفهم المعادلة أكثر نطرح سؤالا:
لماذا لم تضرب أمريكا إيران منذ اكتشاف البرنامج النووي عام 2003؟
والجواب بسيط؛ لان أمريكا تريد من إيران أن تكون الفزاعة التي تخاف منها
دول الخليج، وهنا نتجرأ ونقول أن امتلاك إيران للسلاح النووي ليس هو
المشكلة، بل هو الحل الأمثل بالنسبة للأمريكان لأجل البقاء في المنطقة لنهب
خيراتها من خلال فرض الوصاية والحماية الكاذبة وبيع السلاح العديم الفائدة
لدول الخليج، كما أن متطلب حماية أمن المؤسسة الإسرائيلية والتغطية على
خطرها في المنطقة يتطلب إظهار ما يسمى بوهم الخطر الإيراني.
أما بالنسبة لحماس والمقاومة الفلسطينية فإيران تنظر لها أيضا من باب ما
يسمى السياسة الناعمة التي يمكن أن تستغل لصالحها ولتسويق نفسها في العالم
العربي والإسلامي، وإلا لماذا سمحت إيران لحلفائها في العراق- إذا كانت
فعلا حامي المقاومة والممانعة الفلسطينية- بارتكاب أفظع المجازر بحق
الجالية الفلسطينية هناك وعلى أساس طائفي؟ ولماذا تتخلى إيران بكل سهولة
عن دعم حركة حماس لمجرد أنها وقفت موقف الحياد مما يحصل في سوريا محترمة
خيار الشعب السوري، وعليه لم تفوت الإدارة الأمريكية الفرصة للوقيعة بين
الطرفين، علما منها بزيف الادعاءات الإيرانية السورية الداعمة لما يسمى
بالممانعة، وعلما منها أن حماس لن تدعم نظاما يقتل شعبه، وعلما منها أيضا
بالموازنات المصلحية التي تحكم النظام السوري، والتي حتما ستدفعه بالتضحية
بحركة حماس؛ إذا كانت الموازنة هي بقاؤه في السلطة. وعليه أيقنت الإدارة
الأمريكية بخبثها ودهائها أن المصلحة تكمن ليس في دعم المعارضة السورية-
وهي سنية ومن ضمنها الأخوان المسلمون، والتي حتما لن تتخلى عن دعم
المقاومة- وإنما تكمن في دعم نظام علوي طائفي سيضحي بالغالي والنفيس من أجل
بقائه في الحكم، حتى لو أدى به ذلك إلى التضحية بكل الشعب السوري.
حماس في ورطة؛ فهي بين مطرقة المشروع الإيراني السوري الطائفي وسندان مشروع
الانبطاح السعودي القطري، ولكنها بخروجها من سوريا سجلت موقفا مشرفا
سيسجله التاريخ، فقد آثرت خسارة الدعم الإيراني على أن تكون حليفا لنظام
يقتل شعبه بدم بارد. فحركة حماس اختارت أن تكون وفية للشعب السوري، لأنها
على يقين أن المستقبل سيكون لهذه الشعوب وليس للحكام المستبدين.
الإدارة الأمريكية قادرة على حماية أمن المؤسسة الإسرائيلية، من خلال عقد
صفقة مع نظام الأسد الذي سيضمن لها خروج قادة حماس منها، كما سيضمن سكوت
الفصائل الأخرى التي لا تشكل رأسا للمقاومة الفلسطينية، ولذلك فأمريكا لن
تسعى إلى قلب نظام لا يمكن أن تضمن من يأتي بعده، وخصوصا أن المستقبل في
سوريا سيكون للإخوان المسلمين منه نصيب، ولماذا تسعى إلى قلب نظام لا يوجد
فيه أي مقدرات يمكن أن يستفاد منها ؟ فسوريا ليست ليبيا من حيث النفط
والغاز، والنظام السوري نظام حافظ على حدود آمنة مع المؤسسة الإسرائيلية
طوال ثلاثة عقود من الزمان.
ثم لماذا تدعم الإدارة الأمريكية وحلفاؤها معارضة منقسمة على نفسها، ولا
تستطيع أن تجمعها على أمر جامع يخدم المصالح الأمريكية، فحدوث الانقسام
داخل المجلس الوطني السوري، وانشقاق قيادات بارزة داخل هذا المجلس -
ليشكلوا منظمة جديدة الأحد الماضي، تدعى مجموعة العمل الوطني السوري- لهي
خير دليل على ضعف هذا المجلس، وعليه يمكن القول أنه في ظل ضعف هذا المجلس
وحدوث الانشقاقات في صفوفه، وفي ظل غياب الدعم الدولي والعربي الجاد لهذا
المجلس، فإن نجاح الثورة السورية بات مشكوكا فيه، وإن موضوع الصفقة بين
الجانب الأمريكي والسوري الإيراني هو أقرب للواقع، في ظل وجود دعم روسي
صيني لهذا النظام المستبد.
في ظل هذا الواقع سيضمن النظام السوري تمرير كذبة اسمها " الدستور " ليصدق
المجتمع الدولي أن هنالك فعلا محاولة للتسوية داخل سوريا، والسؤال الذي
يطرح نفسه: من الذي صوت على هذا الدستور؟ هل سكان باب عمرو الذي يقصف كل
يوم! أم ريف دمشق الذي تجري دماؤه كل يوم ! أم حي الميدان الثائر المعارض
بكامله، وكذا حي المزة الأبي! أم درعا الممزقة الأعضاء ! أم حماه المطوقة
والتي خرجت عن بكرة أبيها ضده ! أم إدلب التي يقتل أبناؤها يومياً! أم
الدير المحتل أم الساحل المضطهد...أم عشرات آلاف المعتقلين! أم الشهداء أم
سكان مخيمات اللجوء !أم أكثر من 150 ألف مطارد بالخارج؟. فالتصويت على
الدستور هو جزء من هذه الصفقة التي يتم إبرامها وراء الكواليس مع حلفاء
النظام السوري. هذا الدستور سيضمن لأمريكا أن يبقى الأسد في الحكم حتى 2014
،وسيرشح نفسه لسبع سنين والتي ستجدد له مرة أخرى ،وطوال هذه الفترة ستلعب
معه الإدارة الأمريكية لعبة شد الحبل من أجل الحصول من هذا النظام الخائف
على مستقبله على ما تريد لأمن المؤسسة الإسرائيلية.
إن سقوط النظام السوري هو خسارة لإيران وحلفائها ،هذا أمر لا شك فيه، ولكن
ما قد يستغربه العديد ممن التبس عليهم الأمر؛ أن سقوط النظام هو خسارة أيضا
للمؤسسة الإسرائيلية وحلفائها، والرابح الوحيد من سقوط النظام السوري هو
الشعب السوري والشعوب العربية. إن مشكلة ثوار سوريا تكمن في أنهم أيتام ولن
يحصلوا على دعم أحد، فالعرب يعيشون حالة من السلبية والانقياد لأمريكا،
وهذه الأخيرة دولة تريد أمن إسرائيل، وأمن المؤسسة الإسرائيلية ليس بيد
الثوار، أما دول الخليج فهي دول تقمع الحريات، وهي ضد الثورات العربية بشكل
عام، وهي ضد وصول الأخوان المسلمين للحكم في بلدان الربيع العربي، ولكن
الخوف السعودي من إيران هو الذي يدفعها على مضض لدعم الثورة السورية، أما
قطر فهي دولة ذيل صغيرة تابعة للإرادة الأمريكية، وعليه فإن الدعم الأجنبي
-الذي نرفضه ويرفضه أحرار سوريا من الثوار رفضا باتا، والذي يعول عليه بعض
أعضاء المجلس الوطني السوري- فإنه لن يأتي في ظل السعي الأمريكي للتوصل إلى
صفقة مع النظام السوري، وحتى أن البديل عن هذه الصفقة لن يكون تدخلا
عسكريا أجنبيا، ولكن سيكون دعما عسكريا محدودا يضمن لأمريكا وحلفائها
استمرار الحرب الأهلية داخل سوريا لفترة طويلة من الزمان، ولمن لا يعلم؛
فإن الحرب الأهلية في لبنان استمرت مدة 16 عاما توجت بالسيطرة السورية على "
قصر بعبدا " بتفويض أمريكي، وتمت سيطرة كاملة لسوريا على لبنان، وكل ذلك
كان من أجل حماية أمن المؤسسة الإسرائيلية. فطوال هذه الحرب كان النظام
السوري يؤدي دورا وظيفيا للمؤسسة الأمريكية.