نابغة فريق العمـــــل *****
التوقيع :
عدد الرسائل : 1497
الموقع : المنسق و رئيس قسم الفكر والفلسفة تعاليق : نبئتَ زرعة َ ، والسفاهة ُ كاسمها = ، يُهْدي إليّ غَرائِبَ الأشْعارِ
فحلفتُ ، يا زرعَ بن عمروٍ ، أنني = مِمَا يَشُقّ، على العدوّ، ضِرارِي
تاريخ التسجيل : 05/11/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2
| | عام من الثورة السورية: التطورات والمستقبل | |
رابحة سيف علام
تماما كما كان العام 2011 فارقا في عمر الشعوب العربية، كان كذلك فارقا في عمر الشعب السوري الذي استبعد الكثير من المراقبين أن يثور في وجه الحكم البعثي الجاثم على صدره منذ 1963. فالمحاولة الأولى للشباب السوري للتجمع في الشوراع والميادين جاءت من جانب العشرات من النشطاء احتفالا أمام السفارة التونسية او تضامنا أمام السفارة المصرية أثناء الأيام الأولي للثورة. غير ان انطلاق الشرارة الحقيقية للثورة السورية وتوسعها في محيط المواطنين العاديين كانت في درعا، في منتصف مارس، حيث أبت العشائر الريفية صلف العقاب الأمني الجماعي بحق مجموعة من تلاميذ المدارس وأسرهم ردا على هتاف هؤلاء الصبية للشعار الشهير "الشعب يريد إسقاط النظام". ولعل من أهم ما ساعد على انتقال فكرة الثورة والانتفاض من اوساط النشطاء الى أوساط الاهالي والمواطنين العاديين هو التمادي في التعذيب والإذلال الذي انتهجه الأمن في درعا حيث القبلية والروابط العشائرية الوثيقة. ومن درعا وإدلب الريفيتين وذوات الطبيعة العشائرية إلى بانياس والحسكة وحمص وحماة انتقلت الثورة السورية لتجذب كل يوم طوائف جديدة وخلفيات طبقية ومهنية متعددة ذاقت كلها قمع النظام بشكل متساو على مدار عام كامل. - سياسة نظام الأسد في مواجهة الثورة فوجئ النظام السوري بانتشار المسيرات والتظاهرات الغاضبة في المدن والقرى السورية من درعا الى غيرها من المحافظات المجاورة، وكان رد الفعل الأول للنظام هو القمع الأمني الشديد وتجاهل التعليق. ثم تصدت نائبة الرئيس بثينة شعبان لتكذيب وسائل الإعلام والإدعاء بأن التضخيم الإعلامي مدبر و الأمر لا يعدو أن يكون مشكلات بسيطة يجري حلها من جانب النظام. بعد نحو اسبوعين من اندلاع الثورة أدلى بشار الأسد بخطابه الأول الذي بدا مخيبا للأمال، فأكتفى بإطلاق وعود بالإصلاح دون تحديد إطار زمني لها. في هذه الأثناء تجددت التظاهرات السورية كل جمعة وازدادت اتساعا بحيث وصلت لمعظم المحافظات عدا دمشق وحلب. وكان الحراك السوري آنذاك يوجهه الشباب بشكل شبه حصري. فصفحات الثورة السورية على الفايسبوك كانت تتبادل الآراء حول إعداد التظاهرات الاسبوعية والمطالب والشعارات التي سيتم رفعها ومن ثم تتولى رفع المقاطع المصورة للتظاهرات الحاشدة على الانترنت وترسلها للقنوات الفضائية العربية والعالمية وتقدم الإفادات الإخبارية لعدم سماح النظام بتواجد صحفيين مستقلين. وبالتالي كان النظام السوري يواجه عدوا لا يعلمه ولم يألفه من قبل وهو الشباب الثائر غير المؤدلج الممسك بأدوات التكنولوجيا والإعلام الجديد. ورغم هذا استخدم نظام الأسد أسلوبه القديم المتجدد في القمع الأمني الشديد رغبة في تلقين الشباب الثائر درسا قاسيا يجعله عبرة لغيرهم ممن يرغب في تأييدهم. اعتمد النظام على سياسة القمع الممنهج للمدن والقرى التي تشهد تظاهرات، فكان يحاصر الموقع المستهدف لعدة أيام ويقطع إمدادات الغذاء والوقود والاتصالات والكهرباء، ومن ثم يمنع بالقوة خروج المظاهرات تحت تهديد القنص ثم يشن حملة اعتقالات واسعة لشباب المنطقة قبل أن ينسحب الى منطقة أخرى وهكذا. من جهة ثانية حاول الأسد أن يقدم حزمة إصلاحات طفيفة على جوهر النظام وبدلا من أن يقدمها دفعة واحدة في خطابه الأول تعليقا على اندلاع الأحداث، صار يعلن عن خطوة تلو الاخرى بشكل تدريجي وعلى فترات متفاوتة بحسب تزايد الضغط الإقليمي والدولي عليه، وذلك بالتزامن مع ديمومة الحل الأمني مما أفقدها المصداقية قبل أن توضع حتى موضع التنفيذ. عمد الاسد الى إقالة الحكومة ثم إقالة بعض المحافظين في المحافظات التي شهدت تظاهرات حاشدة كدرعا وحمص في مارس وإبريل ثم محافظي حماة ودير الزور والقنيطرة في يوليو، ومحافظ حلب في اغسطس، فضلا عن إقالة 4 رؤساء بلديات في اللاذقية، ثم إقالة محافظيّ إدلب وريف دمشق في أكتوبر. ورغم أن إقالة المحافظين كانت تسوق وكأنها استجابة لمطالب المحافظات الغاضبة، إلا أن الأسد كان يقيل المحافظين عقابا لهم على اتساع التظاهرات في محافظاتهم، وخاصة محافظ حماة الذي كان متفهما للتظاهرات. من جهة ثانية، تم في مارس زيادة طفيفة لرواتب الموظفين العاملين بالدولة، وأطلقت عدة وعود لخلق آلية تحارب الفساد الحكومي. وفي إبريل ألغي العمل بقانون الطوارئ الذي كان قائما منذ 1963، فضلا عن إلغاء محكمة أمن الدولة العليا، وإصدار قانون يبيح التظاهر بشرط الحصول على موافقة وزارة الداخلية. الملفت أنه خلال تظاهرة الجمعة التالية لإلغاء الطوارئ وقع اكبر عدد من الضحايا منذ بدء الثورة آنذاك. وهو ما يؤشر على الاستمرار بل والتصعيد في الحل الأمني بالتزامن مع تقديم إصلاحات شكلية، والتعمية على هذه الانتهاكات برواية العصابات المسلحة والعناصر الخارجية وعملاء الغرب وغيره من الدعايات التي يروج لها الإعلام الرسمي. وفي هذا الإطار اعتمد الإعلام الرسمي على عرض اعترافات مصورة لمعتقلين يزعمون فيها أنهم ممولون من اطراف خارجية لتهريب السلاح وترويع المواطنين وقتل العسكريين لزعزعة استقرار البلاد. وفي محاولة لتجنيب الأكراد الانخراط في الثورة، قرر الأسد في ابريل إعادة الجنسية لأكثر من 300 الف كردي مقيم في محافظة الحسكة كانوا يعاملون كأجانب على ارضهم منذ 1962. وقد ساهمت هذه الخطوة في تحييد قيادات الأحزاب الكردية الثلاثة عشر، غير ان الشباب الكردي انخرط في الثورة مشكلا كيانا موازيا باسم تنسيقية الشباب الكردي. ومنذ يوليو أصدر الأسد مراسيم قوانين جديدة للأحزاب والانتخابات والإعلام، دون أن تحمل ضمانات حقيقية للممارسة الديمقراطية في ظل استمرار استهداف التظاهرات المطالبة بالحرية. فقانون الأحزاب يقضي بتشكيل لجنة لإقرار انشاء الأحزاب تتكون من 5 اعضاء برئاسة وزير الداخلية. اما قانون الانتخابات فيقضي بتشكيل لجنة قضائية تتولى الإشراف على الانتخابات وتتكون من 5 قضاة يسميهم المجلس الاعلى للقضاء الذي يعينه رئيس الجمهورية. أما قانون الإعلام فيقضي بإنشاء مجلس وطني للإعلام يتكون من 9 أعضاء، يصدر بتعينهم مرسوما من رئيس الجمهورية . ومضى نظام الأسد في إجراء الانتخابات المحلية في ديسمبر وسط دعوات من النشطاء الثوريين للإضراب العام في نفس اليوم ردا على عدم مصداقية الانتخابات بالتزامن مع استمرار القمع الأمني الشديد. وفي نفس السياق تردد كثيرا إقرار دستور جديد للبلاد، غير أن النظام لم يقدم على هذه الخطوة إلا بضغط من روسيا عقب إصرارها للمرة الثانية على عرقلة قرار في مجلس الأمن يدين قمع النظام للتظاهرات. فعقب زيارة وزير الخارجية الروسي لدمشق في فبراير الجاري، تم الإعلان عن إجراء استفتاء شعبي على دستور جديد قبل نهاية الشهر. ورغم أن الدستور يسقط المادة التي تجعل من حزب البعث قائدا للنظام السياسي، إلا أن مضامين الفكر البعثي مذكورة بوضوح في مقدمة الدستور. كما أن الرئيس يجمع السلطات الثلاثة في قبضته، فهو من جهة رئيس السلطة التنفيذية، ويرأس المجلس الأعلى للقضاء ويعين قضاته، وله حق التشريع في فترة عدم انعقاد مجلس الشعب، اى ما يعادل ستة أشهر في العام. والأدهى أن الدستور يسمح للرئيس الحالي باستكمال ولايته حتى 2014 ثم يسمح له بإعادة الترشح وفق الصيغة الجديدة لولايتين جديدتين قد تمتد الى 2028 . - علاقة الحراك الثوري بالنخبة المعارضة والحاكمة كغيرها من الثورات العربية طرحت الثورة السورية سؤال النخبة ومكوناتها، ففي الاسابيع الأولي للثورة تبارت النخبتين الحاكمة والمعارضة على الإدعاء بأن هذه الجموع الغفيرة في الشوراع تؤيدها. فكانت النخبة الحاكمة تتدعي عبر الإعلام الرسمي أن التظاهرات خرجت لتحيي خطاب الرئيس أو لتدعم حزمة الإصلاحات التي أعلنها، قبل ان يهتدي النظام الي فكرة تسيير التظاهرات الموالية في مواجهة التظاهرات المحتجة. وفي المقابل، تسابقت مختلف أجنحة المعارضة على الإدعاء بأنها تحرك الشارع وتوجهه لتثبت نجاح طرحها وفشل طرح النظام. فإذا كان طرح النظام قد سقط فعليا بعد عقد من إعادة صياغته شكليا بتولي بشار الأسد، إلا ان تحرك الشارع في حد ذاته لا يعني بالضرورة نجاح طرح المعارضة. فمن حرك الشارع هم بالأساس الشباب المثقف غير المسيس في الأصل والذي استلهم النموذج التونسي والمصري واتصل فيما بينه عبر الانترنت سواء عبر صفحات الفايسبوك أو مجموعات البريد الالكتروني واسعة الانتشار في سوريا، ليمرر خطابه المطالب بالحرية والرافض للقمع والاستبداد. ولكنه بعد احرازه عدة خطوات على مستوي الحشد الشعبي اضطر ان يستقي الخبرة والبرنامج السياسي من أجنحة المعارضة المختلفة وهنا جاءت أهمية المعارضة السورية التقليدية. توحدت المعارضة السورية لأول مرة في اكتوبر 2005 لمواكبة الضغوط الدولية التي توالت على نظام الأسد عقب اغتيال الحريري، تحت مظلة "إعلان دمشق" على مبادئ الدولة المدنية الحديثة والتوافق والمشاركة فيما بين القوى السياسية كافة. وضمت أحزابا يسارية وليبرالية وكردية بالإضافة الى الإخوان المسلمين. وتتوزع قوى إعلان دمشق بين معارضين في الخارج هم بالأساس من الإخوان المسلمين نظرا لتعذر نشاطهم الداخلي بشكل كامل لوجود قانون يقضي بإعدام أي منتمٍ للإخوان المسلمين، ومعارضين في الداخل يلاقون تضييقا أمنيا شديدا واعتقالات متكررة ويتمثلون في 13 حزبا كرديا وعددا من الأحزاب اليسارية، فضلا عن القوى الليبرالية التي شاركت في معظمها فيما عُرف بمنتديات الإصلاح في فترة ربيع دمشق خلال عام 2001. غير ان اشتداد القمع الأمني للنظام خلال العام المنصرم جعل العديد من ناشطي الداخل يفرون الى تركيا ولبنان والأردن ومصر. وقد أمدت هذه المعارضة الشباب الثوري على الارض بالمقولات والمطالب السياسية وتحدثت باسمه أو ساعدته على الوصول الي وسائل الاعلام ودوائر الدبلوماسية العربية والغربية. من جهة ثانية اسهم الحراك الثوري في تكوين قوى جديدة تتمثل في المتظاهرين الشباب الذين يتوزعون وفقا للأحياء و المناطق السكنية التي خرجت في مظاهرات حاشدة أسبوعيا بعد صلاة الجمعة أو في مواكب تشييع الشهداء. وقد شكّل هؤلاء الشباب تنسيقيات في مختلف القرى والمدن والمحافظات اتحدت فيما بينها فيما يسمى اتحاد تنسقيات الثورة الذي سجل وجوده الأول في مؤتمر المعارضة السورية في انطاليا بتركيا في مايو الماضي. وهو ما عبر عن تغير نوعي لافت في شكل القوى السياسية السورية، إذ تكونت هذه التجمعات على أساس التوزيع الجغرافي والمهني مع تجاهل شبه تام للانتماءات الطائفية والإيديولوجية التي عمّقت دوما من الانشقاقات السياسية. وكانت هذه التنسيقات في بدايتها لا تتعدى 14 تنسيقية في كل سوريا، قبل ان يخترقها الأمن بكثافة فتكاثرت بشكل كبير مما شتت قرارها من جهة وسمح بتنفيذ عمليات اغتيال للقيادات المحلية البارزة فيها من جهة أخرى . ولكن مع تسارع أحداث الثورة السورية وتضارب الرؤى بين أجنحة المعارضة وتأخر الحسم، نشأت الحاجة الى توحيد المعارضة فأعيد تصنيف الناشطين في مسار الثورة. حيث توالت منذ ابريل 2011 الاجتماعات والمؤتمرات التي حضرها ناشطو الداخل والخارج سواء في تركيا أو اوروبا لتوحيد الصفوف. حتى تكوّن في سبتمبر المجلس الوطني السوري على غرار المجلس الوطني الليبي ليكون هدفه الأول جذب الاهتمام الدولي من اجل تأطير التدخل الخارجي لإزاحة بشار الأسد. والحقيقة أن مطلب التدخل الخارجي كان فاصلا في انقسام المعارضة. فالمجلس الوطني ضم 140 شخصية سورية بين الخارج والداخل نصفهم على الأقل من شباب تنسيقيات الثورة، فضلا عن الإخوان المسلمين والليبراليين والهيئة العامة للثورة ومجموعة من الشخصيات الكردية المستقلة، بينما آثرت الاحزاب الكردية التقليدية عدم المشاركة . على الجانب الآخر رأى عددا من معارضي الداخل والخارج أيضا خطورة استجداء التدخل الدولي سواء العسكري أو الحمائي واختار ان يحاور النظام او يفاوضه على الرحيل استعداداً لتنفيذ برنامج للتغيير الجذري لبنية النظام وقيمه الأساسية. ويتمثل هذا الطرح في هيئة التنسيق الوطنية التي يرأسها حسن عبد العظيم، وتضم في عضويتها معارضين رئيسيين كميشيل كيلو، وعارف دليلة وهيثم مناع. ورغم محاولات تقريب وجهات النظر، خاصة من خلال الجامعة العربية وتركيا، إلا أن قضية التدخل الدولي بقت محكا للتنافس بين الفريقين. واللافت أن نظام الأسد قد استدرج الفريقين لهذا التنافس المحموم دون أن يسمح لأحدهما بالنجاح، فهيئة التنسيق الوطنية عقدت مؤتمرات لصياغة أجندة الإصلاح داخل سوريا قبل أن يتم قمعها، ثم قبلت بالحوار مع النظام ولم يقبل هو به. على الجانب الآخر، تم اتهام المجلس الوطني بالعمالة للخارج وتم تعقب اعضائه حتى غادر معظمهم البلاد، ومع ذلك لم ينجح في تمرير طرحه بالتدخل الخارجي الحمائي لعدم امتلاكه لوسائل هذا التدخل، بل هو في يد القوى الإقليمية والدولية التي لم تحسم بعد قرارها بهذا الخصوص. ويبدو ان المجلس الوطني هو الأعلى صوتا والأفضل تنظيما والأكثر تواصلا مع المجتمع الدولي. كما حظى المجلس بدعم شعبي حال إنشائه بتخصيص جمعة "المجلس الوطني يمثلني" وذلك على حساب هيئة التنسيق التي خسرت رصيدها الشعبي بعد قبول المبادرة العربية بالحوار مع النظام. ومع ذلك فإن أداء المجلس يتعرض لانتقاد واسع، خاصة أن تجديد الثقة في رئيسه برهان غليون في فبراير الماضي أثار جدلا، حيث فضل منتقدوه استبداله وليس التمديد لحكمه على الطريقة الأسدية. أما النخبة الحاكمة فهي تتكون بالأساس من الجهاز الحكومي وحزب البعث والجيش، وهذا المثلث يتبع الرئيس بشكل وثيق، ويتداخل هذا المثلث على نحو ملفت مع مجموعة من رجال أعمال المحيطين بالرئيس وعائلته والمستفيدين بشكل شبه حصري بالمنافع الاقتصادية في سوريا. كان حافظ الأسد يحافظ على قدر من الشراكة الاقتصادية المتوازنة بينه وبين كبار التجار من السنة بما يعوض غياب السنة عن المواقع السياسية القيادية والمؤثرة، غير أن السنوات الأخيرة في حكم بشار تحول الثقل الاقتصادي الحقيقي في البلاد الى احتكارات تتبع كلها أقاربه وخاصة ابن خاله رامي مخلوف. وأصبحت الحظوة الاقتصادية في سوريا لا تمر إلا من خلال شبكة معارف مخلوف، الامر الذي أدى الى سخط كبير في أوساط النخبة الاقتصادية التقليدية. ولذلك فإن الشبكة الاقتصادية الجديدة تلك تتمتع بولاء كبير للنظام وتشارك في استئجار مجموعات الشبيحة التي تساعد الأمن في قمع الحراك الثوري في مختلف المناطق. من جهة ثانية كان حزب البعث هو الذي يمد الجهاز الحكومي دوما بالقيادات، غير أن بشار الأسد أدخل الى الحكومة مع توليه الحكم بعض القيادات من خارج البعث بهدف دعم شرعيته ضمن أوساط أوسع من السوريين. ولذا تكرست مقولة الحرس الجديد الذي يرغب في الإصلاح والحرس القديم الذي يعيقه، غير أن الثورة السورية كشفت ان الحرس الجديد لا يقل استبدادية عن الحرس القديم ولكنها قواعد لعبة المصالح - الجيش السوري بين الانشقاق والتماسك أما الجيش فيبلغ تعداده حوالي 240 الف مقاتل قوامه الرئيسي من الأغلبية السنية بحكم أنه يعتمد على التجنيد الإجباري ، غير أن ضباطه كانوا بالأساس من الطائفة العلوية التي تشكل نحو 12 % من سكان سوريا. فبينما كان حافظ الأسد يعتمد في حفظ أمن النظام على سرايا عسكرية تتبع ضباط علويين مقربين منه، توسع بشار الأسد في إفساح مجال حفظ أمن النظام للفروع الأمنية والاستخباراتية التي تتبع ضباطا مقربين منه أغلبهم علويون. وفي المقابل أصبح تشكيل ضباط الجيش مختلطا طائفيا مما أدى الى تصعيد ضباط من السنة والمسيحيين وغيرهم. وحدها الفرقة الرابعة بالجيش التي يقودها شقيق الرئيس ماهر الأسد الى جانب قيادته للحرس الجمهوري هي التي تحتفظ بنقائها العلوي وتتميز بأفضلية التسليح والتدريب بالمقارنة ببقية فرق الجيش المختلطة طائفيا. وصارت الفروع الأمنية والاستخباراتية التي تبلغ 17 فرعا هي المسيطر الحقيقي على حياة السوريين، ويكتسب كل فرع نفوذه وأهميته من صلته المباشرة بالرئيس وأخيه ماهر، ولكن الأمر لا يخلو من تنافس شديد بينها. وهي تعتمد في عملها القمعي على مجموعات من المسجلين الموالين للنظام "الشبيحة" الذين يتم استئجارهم بواسطة مجموعة من رجال أعمال مقربين من عائلة الرئيس بهدف قمع الثورة وارتكاب مجازر وحشية يجري التسويق لها فيما بعد باعتباره أعمال إرهابية. مع بداية الحراك الثوري تولت الفروع الأمنية والاستخباراتية مهمة قمع الأهالي كل في نطاق منطقته، بمساعدة من جيش الشبيحة المأجورين ولكن هذه الممارسات لم تطوق الثورة بل ساعدت على انتشارها، وهنا اصبح الأمر يستدعي تدخلا عسكريا. فعندما تصاعد حجم الحراك كانت قوات الجيش العادية التي تتكون من فرق مختلطة طائفيا تقوم بمحاصرة المدن والقرى بينما وظيفة القمع والقتل المباشر كانت من نصيب الفرقة الرابعة. وهو ما يفسر انتقال القمع العسكري من درعا الى بانياس واللاذقية ثم حمص فجسر الشغور على التوالي وليس على التوازي في الشهور الأولى من الثورة. وعندما لم يفلح ذلك في وقف التظاهرات، طمع النظام في سحق الثورة الشعبية بضربة واحدة قاصمة قبل رمضان، خاصة ان الأسد صرح أكثر من مرة بأن الأزمة انتهت بينما التظاهرات الحاشدة تستمر دون انقطاع. وهنا اضطر الأسد الى الدفع بفرق الجيش المختلطة طائفيا ايضا الى تنفيذ المجازر بحق الأهالي لردعهم عن الخروج للتظاهر، وحينها توالت الانشقاقات في صفوف الجيش وتوسعت. حيث رفض عددا كبيرا من الضباط والجنود الانصياع لأوامر قادتهم بالقتل بعد أن وجدوا أنفسهم في مواجهة تظاهرات مدنيين سلميين وليست عصابات مسلحة. ويتراوح حجم المنشقين اليوم من الجيش السوري بحوالي 15 ألفا بالحد الأدني و25 ألفا بالحد الأقصى أغلبهم من الجنود فضلا عن الضباط بمختلف الرتب وصولا الى عقيد وعميد. فأول من اعلن عن انشقاقه في يونيو 2011 كان المقدم حسين هرموش الذي كوّن مع زملائه المنشقين حركة الضباط الأحرار، قبل أن يفر الى مكان آمن بجنوب تركيا، غير أنه تعرض الى كمين أعيد على إثره إلي سوريا حيث تم إعدامه رميا بالرصاص. ومع ذلك فإن سلسلة الانشقاقات استمرت وتنوعت في كافة الفرق بما فيها قوات الحرس الجمهوري والقوات البحرية والجوية. وكان الضباط وجنودهم المنشقين يفرون من مواقع الخدمة رفضا لطاعة الأوامر بالقتل، غير أنه مع اتساع حجم الانشقاقات صار الجنود المنشقين يحمون الاهالي ويسيطرون على أماكن واسعة من المدن والقرى السورية التي صارت بعيدة عن سيطرة الجيش النظامي خاصة في المنطقة الوسطى. وفور الإعلان عن تكون الجيش السوري الحر الذي ضم في رحمه حركة الضباط الأحرار، تعددت الاشتباكات بين الفريقين في مختلف أنحاء البلاد. وينقسم الجيش الحر الي عدة كتائب في مختلف المناطق سميت بأسماء الصحابة وأسماء شهداء الثورة ككتيبة خالد بن الوليد وعمر بن الخطاب وعلي بن ابي طالب فضلا عن كتيبة حمزة الخطيب، أحد شهداء الثورة من الأطفال. وقد أعلن الجيش الحر مهلة لجنود الجيش النظامي للانشقاق قبل أن يبدأ في استهدافهم، وبالفعل بدأ في تنفيذ عمليات تفجير لأرتال من الجيش النظامي وقطع الإمداد عنه ومحاصرته وتنفيذ اغتيالات نوعية بحق عدد من قادته الميدانيين. غير ان التطور الأبرز في هذا الخصوص هو انشقاق العميد محمد خلوف قائد فرع استخبارات فلسطين في ريف دمشق، خاصة ان اسمه كان مدرجا ضمن القائمة السوداء التي اعلنتها المعارضة للمتورطين في قتل المتظاهرين وحمل رقم 31 على القائمة. ولكن في نهاية يناير 2012 ترددت الأنباء عن انشقاقه وانضمامه للجيش الحر ومشاركته وجنوده في اشتباكات مع حرس موكب رئاسي كان يحاول الهرب عبر مطار دمشق . اللافت في هذا الصدد ان الجيش الحر لم ينف هذا الانشقاق أو يؤكده، خاصة أنه وصف إعلاميا باعتباره محاولة للانقلاب وجاء تزامنا مع محاولة عربية لتمرير قرار جديد في مجلس الأمن يدين القمع في سوريا. وفي المقابل، جاء الإعلان عن تشكيل المجلس العسكري الأعلى الثوري بقيادة العميد مصطفى الشيخ بمثابة صراع مكتوم داخل صفوف الجيش السوري الحر. حيث أعلن الشيخ أن المجلس الجديد سيحل محل الجيش السوري الحر بينما أعلن هذا الأخير انه لا يوجد اتفاق على ذلك، قبل أن يصدر بيان مشترك ينهي الخلاف بينهما. الأمر الذي يُنبئ بتأزم المشهد العسكري المعارض، فحركة الضباط الأحرار التي كانت بقيادة مقدم لم تجد غضاضة في الإنضواء تحت لواء الجيش السوري الذي تأسس بعدها بشهرين وكان بقيادة عقيد. بينما تأسيس المجلس العسكري الثوري الآن ليرأسه عميد قد لا يؤدي الى انتقال سلس للقيادة اليه، خاصة أنه قد جاء متأخرا عشرة شهور عن قيام الثورة وستة أشهر عن أول انشقاق، مما يضعف الثقة في مصداقية هذا الانشقاق ولوكان برتبة عميد. من جهة ثانية، نجد أن عمليات الجيش السوري الحر على الأرض تتم غالبا بواسطة ضباط صغار الرتبة من خلال الكتائب المختلفة والتي تعتمد في صنع قرارها على ذاتها والمعلومات التي تجمعها في منطقتها. الأمر الذي يقلل من اهمية انشقاق الرتب الكبيرة التي تبحث عن مأوى آمن خارج سوريا لضعف اتصالها بالحركة على الأرض، بينما المحدد الرئيسي للعمل النوعي للجيش الحر هو حجم الفرق المنشقة ومستوى تسليحها. على الجانب الآخر، تبدو رؤية الجيش السوري الحر غير واضحة، ففي البداية أعلن أنه سيحمي المتظاهرين فقط، ثم بدأ في استهداف الجنود النظاميين. ثم ما لبث أن بدأ في خطف عمال إيرانيين من أجل مبادلتهم بمعتقلين سوريين لدى النظام، ثم أطلق بعضهم بعدما تبين أنهم مدنيون واحتفظ بالبقية التي اعتبرها جنود مقاتلين الى جانب النظام. وقد كشف داودأغلو مؤخرا أن بلاده لعبت دورا في إطلاق سراح الايرانيين دون أن يذكر تفاصيل الصفقة، مما يوحي بأن تركيا تلعب دورا متناميا على الأرض من خلال علاقتها الوثيقة بقادة الجيش الحر . ويبدو أن فترة الصمت التركي عن المبادرات كانت فرصة لتعزيز نفوذ تركيا لدى الجيش الحر، الأمر الذي انعكس بشكل نوعي على عملياته في هذه الفترة وتطور طموحه الى إزاحة نظام الأسد بعد أن كان مكتفيا بحماية المتظاهرين في أماكن متفرقة. من جهة ثانية، بعد الفيتو الروسي الثاني في مجلس الأمن بدأ على المستوى الدولي البحث عن صيغ غير عسكرية لدعم الجيش الحر من خلال تزويده بمعلومات أو معدات غير قتالية تساعده على حماية المدنيين. وقد كشف الأمريكيون مؤخرا عن إطلاق طائرات بلا طيار في الأجواء السورية لجمع المعلومات حول هجمات الجيش ضد المدن المنتفضة، مما يرجح إعادة استخدامها لتزويد الجيش الحر بالمعلومات . - الثورة في مواجهة قواعد الإقليم: إعادة إحياء الحرب الباردة قيام ثورة شعبية ضد نظام متشعب إقليميا مثل نظام الأسد يجعل من الصعب على المحيط الإقليمي ان يتخذ مواقف فورية إزاء هذا الحدث. اشتهر نظام الأسد بسياسة إقليمية نشطة تجمع أوراق ملفات عديدة في يدها استعداد للمساومة عليها مع الأطرف المختلفة سواء إقليميا أو دوليا. والمشكلة ان الملف الإقليمي المهم الآن صار سوريا نفسها وصراعها الداخلي، ورغم التصور التبسيطي الذي اختارته المعارضة السورية لمصير ثورتها على الطريقة الليبية، فإن هذا التصور ليس منطبقا على الحالة السورية. فالغرب ليس بوارد التدخل عسكريا في سوريا لإنقاذ المدنيين، فسوريا ليست دولة نفطية يمكن أن تدفع فاتورة الحرب. كما أن الغرب وبخاصة الولايات المتحدة يحدد مصالحه في المنطقة وفقا لمصلحة اسرائيل أولا، وليس من مصلحة اسرائيل فتح جبهة ساخنة على حدودها. فنظام الأسد قادر على أن يحول أى حرب غربية ضده الى حرب ضد اسرائيل يحظي فيها بدعم حزب الله وايران، بل أنها ستكون فرصة لترميم شرعيته القومية التي انهارت بعد الثورة. والحال كذلك، فاستبعاد الحل العسكري من جانب الغرب جعل القوى الدولية والإقليمية تتعامل مع الثورة السورية ببرود أعصاب لا يناسب التطورات على الأرض. بادرت الدول الأوروبية والولايات المتحدة بفرض عقوبات اقتصادية ونفطية ضد سوريا منذ إبريل، وتسابقت على دعوة الأسد لوقف العنف والتنحي. غير أن هذه العقوبات لم تكن مؤثرة بحجم تاثير العقوبات التي أقرتها لاحقا دول الجوار. من جهة ثانية، فالمؤازة الغربية للثورة السورية كانت بمثابة قوة دفع لسياسة زعزعة النفوذ الإيراني في المنطقة ولذا لاقت دعما من هذه الزاوية، دون ان تستدعي حلا فوريا يناسب تساقط عدد الضحايا بشكل يومي. تركيا كانت الأسبق بحكم قربها الجغرافي وعلاقتها الوثيقة مع نظام الأسد الى تقديم مبادرات عديدة ومنها خطة إصلاح متكاملة من وحي التجربة التركية مع برنامج زمني مفصل، فضلا عن عرض للوساطة بينه وبين الإخوان المسلمين. كما حاولت مرة أخرى بمبادرة قادها وزير خارجيتها في أغسطس الماضي الى وقف القمع الأمني ضد حماة آنذاك، وقام بإعطاء الأسد مهلة أسبوعين لوقف المجازر، غير أن المجازر استمرت وتوارى الدور التركي لحساب تقدم عربي في جهود التسوية. وبالمثل خفت حدة التهديد التركي بعمل منطقة عازلة على الحدود التركية السورية لاستقبال اللاجئين السوريين، واكتفت أنقرة باستقبال السوريين في مدنها الحدودية وتقديم المساعدة الانسانية والطبية لهم. وأدى تجاهل الأسد لكافة النصائح التركية بإردوغان الى تصعيد لهجته الغاضبة وصولا إلي تطبيق عقوبات اقتصادية وتجارية ضد سوريا تزامنا مع إقرار العقوبات العربية. حيث تم تجميد التبادل التجاري ووقف التعامل بين البنكين المركزيين، فضلا عن فرض حظر على تصدير جميع انواع الأسلحة والمعدات العسكرية التركية الى سوريا. من جهة ثانية، عمدت تركيا الى استضافة مؤتمرات المعارضين السوريين وقدمت المأوى لقادة الجيش السوري الحر. أما الجهود العربية فقد بدأت من حيث انتهى الأتراك، حيث بادرت قطر بسحب سفيرها من دمشق في يوليو، وتلتها السعودية، ثم سحبت الكويت والبحرين بدوريهما سفيريهما في سبتمبر. ورغم هذا الضغط السياسي غير المسبوق، فإن الدول العربية كانت لا تزال تحبذ الإبقاء على الأسد لعدم إعطاء دفعة جديدة للثورات العربية التي لن تلبث ان تصل الى دول عربية أخرى. فمن جهة حاولت دول الخليج امتصاص الغضب العربي الشعبي وتوجيهه الى الحالة السورية عبر مسلسل سحب السفراء من دمشق، ولكنها من جهة أخرى تريثت في أمر العقوبات الاقتصادية التي كانت تمد الأسد بأسباب البقاء. ولكن تجاهل الاسد المتكرر لكل المبادرات والنصائح، دفع العرب الى التصعيد من أجل ترميم شرعية ومصداقية جامعة الدول العربية من خلال طرح المبادرة العربية بإيعاز خليجي بالاساس. وبالفعل اجتمع المجلس الوزاري للجامعة ليقر مبادرة للحل تضمنت في شقها الاول مبادرة للحل و في شقها الثاني سلة من العقوبات في حال رفض دمشق لمبادرة الحل. حيث قضت المبادرة بوقف عنف النظام ضد المدنيين ومراقبة ذلك عبر بعثة عربية على الارض، فضلا عن إقامة حوار شامل بين القوى المعارضة والنظام. وتشكيل حكومة ائتلافية يرأسها شخص مقبول من المعارضة، ويعمل بالتعاون مع الرئيس الأسد لصياغة ملامح المرحلة الانتقالية على أسس التعددية السياسية، تتضمن إجراء انتخابات نزيهة، وصياغة دستور جديد للبلاد. ورغم رفض قسم من المعارضة الحوار مع النظام، لم يحقق النظام البند الأول المتعلق بوقف العنف وتلكأ لقبول بعثة المراقبين بدعوى السيادة وعدم التدخل. ولكن عندما هددت الدول العربية بتصعيد المبادرة الى مجلس الامن، تم تسوية أمر بعثة المراقبين العرب ووافقت دمشق على قدومهم. وهنا بدأ فصلا جديدا من التحايل السوري حيث تم تضليل البعثة والتضييق على عملها، الأمر الذي فرغ عمل البعثة من مضمونها، فلا قتل المدنيين توقف، ولا استطاع المراقبين أن يسجلوا حالات القمع بشكل موثق ودقيق. في هذه الاثناء فشلت الدول الغربية في تمرير قرار بمجلس الأمن يدين القمع في سوريا بعد معارضة كل من روسيا والصين في سبتمبر 2011 ، قبل أن تفشل الدول العربية مرة أخرى في تمرير قرار مشابه في فبراير 2012. فروسيا ومن ورائها الصين، ليسا على استعداد لخسارة حليف آخر في الشرق الأوسط، فدمشق مستورد اساسي لسلاح روسيا ومنفذها الوحيد على البحر المتوسط. كما ان العقوبات الغربية على سوريا ينعكس بشكل فوري على زيادة حجم التبادل التجاري بين سوريا من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى. وقد أساءت روسيا منذ البداية إدارة ملف الربيع العربي، رغم ان أول الساقطين فيه كانوا حلفاء الغرب وليس حلفائها، غير ان ضعف الإدراك الروسي قد فوت عليها فرصة جني المكاسب الإقليمية من هذه التطورات. من جهة ثانية، تصارع كل من روسيا والصين الدول الغربية للإبقاء على مبدأ السيادة وعدم التدخل الذي قام عليه النظام الدولي لعقود. فاستبدال مبدأ سيادة الأنظمة بسيادة الشعوب قد يؤدي في النهاية الى زعزعة النظامين الروسي والصيني من الداخل، ولذا تدافع الدولتين عن هذا المبدأ باستماتة قبل تسلله الى حدودهما. الأمر الذي احيا أجواء الحرب الباردة بتقوية التحالفات والتحالفات المضادة وتخطت الثورة السورية صراعها الداخلي إلى صراع دولي بهدف الإبقاء على سوريا في الحلف الروسي الإيراني أو تحويلها لحلف الغرب و"الاعتدال"العربي. وانتظارا لإعادة الملف السوري الى مجلس الأمن، نجحت المجموعة العربية بالأمم المتحدة في تمرير قرار للجمعية العمومية يدين عنف النظام ضد الحراك الثوري بأغلبية 137صوتا وبامتناع اسرائيلي لافت عن التصويت. وفي مقابل ذلك تسعى فرنسا لتكوين ملتقى لأصدقاء سوريا من خارج الأمم المتحدة لبحث كيفية تقديم المساعدات الانسانية للمدنيين في سوريا. وبالمثل تسعى تركيا للهدف ذاته مع التأكيد على دور دول الجوار السوري في هذا المسعى، فيما يشبه تنافسا بين الفرنسيين والأتراك على خلفية الأزمة الدبلوماسية المتعلقة بالقانون الفرنسي الذي يعترف بمذابح الأرمن. بينما تعهدت الجامعة العربية من جهتها بتقديم كل المساعدات اللازمة للثوار السوريين، دون ان تصرح بتسليح الجيش الحر. ورغم أن غياب التدخل الدولي والإقليمي في سوريا كان له مردودا سيئا على مسار الثورة وسقوط آلاف الضحايا، فإن التدخل له بكل تأكيد آثارا سلبية مماثلة. ليس أقلها ظهور كيانات سياسية وعسكرية جديدة تنافس الكيانات القائمة بالفعل على تلقي المساعدات وجمع التبرعات. بينما يرى مؤيدو التدخل الدولي ان له صورا كثيرة، منها إقامة مناطق آمنة لإيواء المدنيين بعيدا عن عنف النظام، أو ممرات آمنة لتقديم المساعدات الانسانية للمدن المحاصرة، وصولا للحظر الجوي لمنع النظام من استخدام سلاحه الجوي ضد المدنيين. والواقع أن النظام استخدم مروحيات عسكرية لملاحقة المتظاهرين والمنشقين عن الجيش مرات معدودة، بينما استخدم بوارج حربية لقصف اللاذقية. ولكنه يستخدم المدفعية بكثافة لدك الأحياء السكنية بعد حصارها كما حدث في حماة وحمص ودرعا بالأخص. - خاتمة بعد انقضاء عام من عمر الثورة السورية وسقوط أكثر من 8 آلاف قتيل وآلاف المعتقلين، تتواصل الجهود العربية لإيجاد حل للأزمة على الطريقة اليمنية بأن يتنحى الرئيس لصالح نائبه فاروق الشرع ليُشرف على مرحلة انتقالية تدمج المعارضة في النظام السياسي. بينما تدفع موسكو الى الإبقاء على الأسد رئيسا مع تغيير الدستور، ولكن نص الدستور الجديد يوحي بأنه لن يكون إلا حلقة جديدة من التحايل ولذا فلن تتوقف الثورة. وفي ظل انسداد أفق الحل عبر مجلس الأمن وتصاعد قمع النظام، بدأت فكرة سلمية الثورة تخبو، حيث انتشرت الدعاوي لتسليح الجيش الحر وضمه لأعداد جديدة من المتطوعين ممن أدوا خدمتهم العسكرية. فضلا عن دعاوي الجهاد المسلح واستقدام المقاتلين، وفي هذا الإطار تزيد مخاطر تصاعد العنف في سوريا دون القدرة على السيطرة على مساره. ولكن النظام الذي استنزف قدرا كبيرا من قواه خلال هذا العام خاصة على المستوى الاقتصادي، لا يزال قادرا على إطالة أمد الصراع في ظل دعم لا محدود من جانب حليفه الإيراني وحماية دولية بفضل الفيتو الروسي والصيني. وهنا يقع على المعارضة السورية أعباء كثيرة، أهمها أن تتوحد هيكليا وتحدد اولويات عملها لإدارة معركة طويلة الأجل مع نظام يُجيد التحايل وتضييع الفرصة واستثمار الوقت. |
| |
|