|
كوكب عملاق في مرحلة الطفولة ينتزع غازًا من القرص المحيط بنجم حديث الولادة. |
الزمن: 0 (نقطة البداية لسلسلة تكون الكواكب)
تنتمي منظومتنا الشمسية إلى مجرة مؤلفة من قرابة100
بليون نجم تتخللها غيوم من الغاز والغبار، معظمها أنقاض أجيال سابقة من
النجوم. ويعني «الغبار» في هذا السياق كِسْراتٍ ميكروسكوبية (مجهريّةً) من
جليد الماء والحديد وموادَّ صُلبة أخرى تكثفت في الطبقات الخارجية
الباردة للنجوم، ثم قذفت إلى الفضاء البينجمي. وحين تكون الغيوم باردة
وكثيفة بقدر كاف، فمن الممكن أن تنهار بفعل قوة الثقالة لتكوّنَ عناقيدَ
من النجوم. وهذه سيرورة تستغرق من 100000 سنة إلى بضعة ملايين من السنين [انظر: «الأيام المبكرة في حياة نجم»، مجلة العلوم، العدد12 (2000) ، ص 26].
يحيط
بكل نجم قرص دوّار من المواد التي خلفها الانهيار والتي تمثل القوام
الأساسيّ للكواكب. وتحوي الأقراصُ المشكلة حديثا الهيدروجين وغازَ
الهيليوم في المقام الأول. وفي المناطق الداخلية الحارة والكثيفة لهذه
الأقراص، تتبخر حبيبات الغبار؛ أما في المناطق الخارجية الباردة والرقيقة،
فإن جسيمات الغبار تظل موجودة وتنمو مَعَ تكثّف البخار عليها.
اكتشف
الفلكيون كثيرًا من النجوم الفتية التي يحيط بها مثل هذه الأقراص.
فالنجوم التي تقع أعمارها بين مليون وثلاثة ملايين سنة لها أقراص غنية
بالغاز؛ في حين يوجد للنجوم التي تتجاوز أعمارها10
ملايين سنة أقراص نحيلة فقيرة بالغاز، كوْن الغاز تبدّد عن طريق النجم
المولود حديثا أو عن طريق نجوم مجاورة ساطعة. ويحدد هذا الامتداد الزمني
بدقة عهد تكوّن الكواكب. إن كتل العناصر الثقيلة في هذه الأقراص تُناهز
كتل العناصر الثقيلة في كواكب المنظومة الشمسية؛ وهذا يوفّر دليلا قويا
على أن الكواكب نتجت فعلا من هذه الأقراص.
نقطة النهاية: النجم المولود حديثًا مُحاط بغاز وحُبيْبات غبار تناهز أقطارها 1ميكرون = [ 10
-6 م ]
2-يميّز القرص نفسه من غيره
(***) الزمن: مليون سنة تقريبا
تُحرّك
حبيبات الغبار في القرص الذي نشأت عنه الكواكب بواسطة الغاز القريب منها؛
فتصطدم ببعضها، ملتصقةً معًا أحيانًا ومنفصلةً أحيانًا أُخرى. وتعترض
الحبيبات الضوء النجمي وتعيد بثّ ضوء تحت أحمر ذي أطوال موجية أقصر؛ وهذا
يضمن وصول الحرارة حتى إلى أحلك البقاع في القسم الداخلي من القرص. هذا،
وإن درجة الحرارة والكثافة والضغط تتناقص عمومًا مَعَ الابتعاد عن النجم.
وبسبب توازن الضغط والدوران والثقالة، فإن الغاز يدور حول النجم بسرعة
أبطأ قليلا من سرعة جسم مستقل يقع على المسافة نفسها من النجم.
وهكذا،
تميل حبيبات الغبار، التي تزيد أقطارها على بضعة مليمترات، إلى تجاوز
سرعة الغاز؛ فتواجه ريحًا مقابلة تبطئ من سرعتها، وتجعلها تتجه نحو الداخل
بحركة لولبية نحو النجم. وكلما كبر حجم الحبيبات، ازدادت سرعة حركتها
اللولبية. أما القِطَع التي قطرها قريب من المتر، فيمكن أن تقطعَ نصف
المسافة التي تفصلها عن النجم في حدود ألف سنة.
تجمّعات من الغبار الكوْني(****) يوجد حتى لأعتى الكواكب أصول متواضعة، هي حبيبات من الغبار أقطارها قريبة من 1 ميكرون (رماد نجوم ماتت قبل زمن طويل)، مطمورة في قرص من الغاز يدور بحركة دوّاميّة. وتنخفض درجة حرارة القرص كلما ابتعد عن النجم المولود حديثًا، مكوّنا «خط ثلج» يبقى الماء وراءه متجمّدًا. وفي منظومتنا الشمسيّة، يعين خط الثلج الحدود بين الكواكب الصخرية الداخلية والعمالقة الغازية الخارجية. |
ومَعَ اقتراب الحبيبات من النجم تسخن هذه الحبيبات، وأخيرًا يتبخّر الماء وموادُّ أخرى نقطة غليانها منخفضة، وهي الموادّ الطيّارة volatiles. إن المِنطقة التي يحدث فيها ذلك ـ المسمّاة «خط الثلج» snow line
تقع على بُعْد يتراوح بيْن وحدتين وأربع وحدات فلكية عن النجم، وهي تقع
في منظومتنا الشمسية بين مداري المِرّيخ والمشتري. (نصف قطر مدار الأرض هو
وحدة فلكية واحدة). ويقسم خط الثلج المنظومة الكوكبيّة إلى مِنطقة
داخليّة شحيحة بالموادّ الطيّارة وملأى بأجسامٍ صخريّة؛ وأُخرى خارجيّة
غنية بالموادّ الطيّارة وملأى بأجسامٍ جليديّة.
وعند
خط الثلج نفسه، تميل جزيئات الماء إلى التراكم خلال لفظها الحبيبات.
ويطلق تراكم الماء هذا سلسلة من التأثيرات. فهو يولد انقطاعًا في خصائص
الغاز عند خط الثلج. وهذا يؤدي إلى انخفاض في الضغط هناك. ويُسرّع توازنُ
القوى دورانَ الغاز حول النجم المركَزيّ. لذلك، فإن الحبيبات الموجودة
قريبا منه لا تشعر بريح مقابلة، بل بريح تدفعها من الخلف؛ الأمر الذي يزيد
من سرعتها ويوقف هجرتها نحو الداخل. ومع استمرار وصول الحبيبات من الأجزاء
الخارجية من القرص، فإنها تتراكم عند خط الثلج. وهكذا يُصبح الخطّ
فعليًّا رُكامًا ثلجيًّا.
وبعد
حشر الحبيبات معا، تتصادم ويكبر حجمها. بعضها يخترق خط الثلج ويواصل
هجرته نحو الداخل؛ لكنها تصبح، بالنتيجة، مغلّفة بثلج نصف ذائب وبجُزيْئات
معقدة، وهذا يجعلها أكثر لزوجة. ويكون الغبار سميكًا في بعض المناطق إلى
درجة تجعل الجذب التثاقلي الإجماليّ للحبيبات يُسرّع أيضًا في تكبير
حجومها.
وبهذه الطرق، تجمع حبيبات الغبار نفسها في أجسام قطرها نحو كيلومتر تسمى نَوَى كوكبيّة planetesimals.
وبحلول نهاية مرحلة التكون الكوكبي، تكون النوى الكوكبية قد اكتسحت
الغبار الأصلي كله تقريبًا. ومن الصعب رؤية هذه النوى مباشرة؛ لكن
الفلكيين قادرون على استنتاج وجودها استنادًا إلى الأنقاض التي تخلفها
تصادماتها [انظر: «الأعضاء المحتجبون في المنظومات الكوكبية»، مجلة العلوم، العددان9/8 (2004) ، الصفحة 22].
3- تبزغ الأجنّة الكوكبية
(*****) الزمن: مليون إلى عشرة ملايين سنة
إن تضاريس عُطارد والقمر والكويْكبات asteroids،
التي تسودها فوّهات، تترك قليلا من الشك في أن المنظومات الكوكبية
الناشئة حديثًا هي أروقة للرمي. فالتصادمات بين النوى الكوكبية إما أن
تعزز حجومها أو تفتتها. والتوازن بين التنامي والتشظي يؤدي إلى توزيعٍ في
حجومها، تكون فيه الأجسام الصغيرة مسؤولة عن معظم المساحة السطحية في
المنظومة الناتجة، وتكون الأجسام الكبيرة مسؤولة عن معظم كتلته. وقد تكون
المدارات إهليلجية في البداية؛ لكن سحب الغاز والتصادمات تميل مع الزمن
إلى جعل المسارات حول النجم دائرية.
وفي
البداية، يكون نمو الجسم مدعومًا ذاتيًّا. وكلما كبرت النواة الكوكبية،
ازدادت الثقالة التي تولّدها وتعاظمت السرعة التي تكتسح بها النوى الأقل
كتلة. بَيْدَ أنه حين تبلغ الأجسام كتلا قريبة من كتلة قمرنا، فإنها تولد
ثقالة قوية إلى درجة تمكنها من تحريك المادّة الصُّلبة المحيطة بها وتحريف
مسارات معظمها قبل اصطدامها بتلك المادّة. وبهذه الطريقة، فإنها تحد من
نموها. وهكذا، ينشأ ما يمكن تسميته هيمنة القلّة
(2)؛ وهي مجموعة من الأجنة الكوكبية التي لها كتل متشابهة وتتنافس فيما بينها على النوى الكوكبية المتبقية.
ومِنطقة
تغذية كل جنين هي شريط ضيق متمركز في مداره. ويتوقف نموه فجأة حالما
يلتهم معظم النوى الكوكبية المتبقية في المِنطقة. وبعمليّة هندسية
(3) بسيطة، نستنتجُ أن حجم المنطقة وأمد التغذية يتزايدان بتزايد البُعد عن
النجم. وعلى مسافة وحدة فلكية واحدة، تبلغ الأجنة مرحلة الاستقرار عندما
تُصبح كتلها عُشر كتلة أرضنا، وذلك بعد قرابة100000سنة؛ وعلى مسافة 5 وحدات فلكية، تبلغ كتلها 4
أمثال كتلة الأرض بعد بضعة ملايين من السنين. ويمكن للأجنة أن تصبح أكبر
من ذلك قرب خط الثلج؛ أو على حافات فجوات موجودة في القرص، حيث تميل النوى
الكوكبية أيضًا إلى التراكم.
|
بزوغ هيمنةِ القِلّة(******) بلايين من النوى الكوكبية التي أطوال أقطارها قريبة من كيلومتر واحد تكوّنت خلال المرحلة2، ثم تجمّعت في أجسام أقطارها تقع بين قطري القمر والأرض؛ وقد أُطلق عليها اسم الأجنّة embryos. هذه الأجنّة، التي عددها صغير نسبيًّا، تسيطر على مناطقها المدارية؛ وتتنافس هذه القلّة المهيمنة من الأجنّة لامتلاك المواد المتبقية.
| نوى كوكبية تتصادم ثم يلتصق بعضها ببعض.
| | بضعة أجسام تتعرض لنمو جامح، وتحدث اضطرابًا في مدارات الأجسام الباقية.
| | تنفد المواد الخام في الأجنّة، فتتوقّف عن النمو. | |
يملأ نمو القلة المهيمنة
(4) من الأجنة الكوكبية المنظومة بفائض من الكواكب «الطامحة»، التي لن يحافظ
على بقائه إلا بعض منها. وقد تبدو الكواكب في منظومتنا الشمسية متباعدة
جدًّا بعضها عن بعض؛ لكنها، في الحقيقة، قريبة قدر الإمكان بعضها من بعض.
وإقحام كوكب آخر كتلته تعادل كتلة الأرض في الفضاء الحالي بين الكواكب
الأرضية يقضي على استقرار هذه الكواكب كلها. ويصحّ هذا الكلام نفسه في
منظومات معروفة أخرى. فإذا كان أمامك فنجان من القهوة مملوء حتى حافَتِه
تمامًا، فبمقدورك الاستنتاج منطقيًّا أن شخصًا ما ملأه قبلك ودلق بعض
القهوة خارجه؛ فملء الفنجان تمامًا من دون إراقة نقطة منه يبدو أمرًا غير
محتمل. وبالمثل، فربما تبتدئ المنظومات الكوكبية بقدر من المواد أكبر من
القدر الذي انتهت إليه. فالأجسام تُقذف بعيدًا إلى أن تبلغ المنظومة وضعَ
اتّزان. وقد رصد الفلكيون كواكب «تطفو» بحُرّيّة في عناقيدَ نجمية فتيّة.
نقطة النهاية: «هيمنة القلّة»
(2) لأجنّة كوكبية كتلها تقع بين كتلتي القمر والأرض.
4-يُولد عملاق غازي
(*******) الزمن: من مليون إلى عشرة ملايين سنة
وثبة عملاقة للجِنس الكوكبي(********) إنّ تكوّن عملاق غازي، مثل المشتري، هو اللحظة الحاسمة في تاريخ منظومة كوكبية؛ فإذا تكوّن مثل هذا الكوكب، أعطى بقية المنظومة شكلا محددًا. لكن كي يحدثَ هذا، يجب أن يُراكمَ جنين غازًا بسرعة أعلى من اندفاعه نحو الداخل بحركة لولبية.
إن ما يقاوم تكوّن الكوكب العملاق هو الموجات التي يطلقها في الغاز المحيط به. وتؤثّر هذه الموجات بعزوم دورانية torques غير متوازنة على الكوكب؛ مُبطئةً حركته ومُقلّصةً مداره.
|
| تسحب ثقالة الكوكب(5) الغاز؛ لكن الغاز لا يستقر إلا بعد أن يبرد. وقد يتحرك الكوكب لولبيًّا نحو النجم قبل أنْ يحدثَ ذلك. وربما ينجح تكوّن الكوكب العملاق في قلة من المنظومات. | | |
هل كوكب المشتري مفهوم؟(*********) من بين جميع مراحل التكوّن الكوكبي، تظل ولادة أول عملاق غازي أقل هذه المراحل فهمًا، بمعنى من المعاني. أحد هذه الأسرار هو أن قلب المشتري صغير إلى درجة تجعلنا نقول إنه غير موجود؛ وكتلته أصغر بكثير من الكتلة الحرجة التي يظن الباحثون أنها ضرورية للسماح للغاز الساقط بأن يبرد ويستقرّ. وربما عملت آلية تبريد أُخرى، مثل تبدّد الحرارة، في قرص صغير جدًّا محيط بالمشتري البدائي. والبديل لذلك أنْ يكونَ تدفق الغاز الداخلي قد حتّ القلب الأصلي للمشتري. وثمة مشكلة أُخرى مفادها أنه، وفقا للحسابات النظرية، يجب أن يكون المشتري البدائي قد هاجر نحو الداخل بسرعة أعلى مما يمكنه من تجميع غاز. لا بد من أن يكون شيء ما أبطأ حركته، مثل التفاوتات في ضغط الغاز أو تدفقات الغاز أو الاضطراب أو التفاعلات التثاقلية بين الأجنّة.
| |
ربما كانت بداية المشتري بذرة حجمها قريب من حجم الأرض؛ ثم تراكم عليها ما يُناهز300
كتلة أرضيّة من الغاز. وهذا النمو اللافت للانتباه يتوقّف على تأثيرات
متنوعة ينافس بعضها بعضًا. فثقالة أحد الأجنة تسحب إليها غازًا من القرص؛
لكن هذا الغاز الوارد يحرر طاقة، ويجب أن يبرد إذا كان له أن يستقرّ على
الجنين؛ ومن ثم، فإن معدل النمو محدود بفعالية التبريد. فإذا كان بطيئًا
جدا، فقد يطلق النجم الغاز في القرص قبل أن تتاح الفرصة للجنين لتطوير
غلاف جوّيّ سميك. إن عنق زجاجة الانتقال الحراري الرئيسيّ هو تدفّق
الإشعاع عبر الطبقات الخارجية من الغلاف الجوّيّ الآخذ في الظهور، الذي
يتحدد بدرجةِ لاشفافيّة الغاز (التي يحددها، في المقام الأول، تركيبُ هذا
الغاز) وبتدرجه الحراريّ temperature gradient (الذي تحدده، بدرجة كبيرة، الكتلةُ الابتدائية للجنين).
لقد
بينت النماذج المبكرة أنه لا بد للأجنة من كتلة حرجة تعادل قرابة عشرة
أمثال كتلة الأرض، للسماح بحدوث انتقال حراري بسرعة مناسبة. ويمكن لمثل
هذه الأجنة الكبيرة أن تنشأ قرب خط الثلج، حيث تكون الموادُّ قد تراكمت في
وقت سابق. وهذا قد يكون السببَ في وقوع المشتري وراء خط الثلج مباشرة.
ويمكن للأجنة أن تنشأ في بقاع أخرى إذا كان ما يحويه القرص من موادَّ
أولية أكثرَ من المقادير التي كان يفترضها علماء الكواكب. وفي الحقيقة،
فقد رصد الفلكيون الآن كثيرًا من النجوم أقراصها أكثف ببضع مرات من التقدير
التقليدي لكثافة الأقراص؛ وفي هذه الحالة، لا يطرح الانتقال الحراري
مشكلة تستعصي على الحل.
ثمة
عامل آخر يعمل لغير مصلحة العمالقة الغازيّة، وهو أن الجنين ينزع إلى
التوجه بحركة لولبية نحو النجم. وفي عملية تسمى الهجرة من النمط I type I migration،
يُطلق الجنين موجة إلى القرص الغازيّ، تسحب بدوْرها مدار الجنين تثاقليا.
ويتبع نمط الموجة الكوكب مثل الموجة التي يخلفها القارب وراءه في الماء.
ويدور الغاز الموجود في الجانب الأبعد عن النجم بسرعة أبطأ من الجنين؛
فيعمل على إبطاء دورانه. وفي تلك الأثناء، يدور الغاز الموجود داخل المدار
بسرعة أعلى؛ فيعمل على سحب الجنين إلى الأمام، مُسرِّعًا حركته. أما
المِنطقة الخارجية، فهي ـ لكونها أكبر ـ تربح في عملية شد الجنين
باتجاهيْن متعاكسيْن؛ فتجعل الجنين يفقد طاقة، ومن ثم يسقط نحو الداخل،
قاطعًا بضعَ وحَدَات فلكية خلال مليون سنة. وتميل هذه الهجرة إلى التوقّف
قرب خط الثلج، حيث تتحوّل الريح الغازيّة المعاكسة لاتجاه حركة الجنين إلى
ريح غازيّة خلفيّة تُسرّع من حركة الجنين وتُوفّر تعزيزًا إضافيًّا
لمداره. وربما كان هذا سببًا آخر لوجود المشتري في مداره الحالي.
إن
نمو الجنين وهجرته واستنزاف الغازات عمليات تحدث جميعًا بالمعدل نفسه
تقريبًا؛ أما أيّة عمليّة تربح، فيتوقف هذا على الحظّ. وفي الحقيقة، فقد
تستهل أجيالٌ عِدّة من الأجنة السيرورة، لتهاجرَ بعيدًا قبل التمكن من
إكمالها. وفي أعقاب ذلك، فإنّ دفعات طازَجة من النوى الكوكبية الموجودة في
المناطق الخارجية من القرص تتحرك نحو الداخل، وتكرر السيرورة إلى أن
يتكون في النهاية بنجاح عملاق غازي؛ أو إنّ الغاز ينفد، وعندئذٍ لن يكون
بالإمكان البتة تكوّن عملاق غازي. وقد عثر الفلكيون على كواكب كتلها مماثلة
لكتلة المشتري بنحو 10 في المئة
فقط من النجوم الشبيهة بالشمس التي رصدوها. وقد تكون قلوب هذه الكواكب هي
جميع ما تبقى من كثير من أجيال الأجنة [وكأنّها آخر من تبقّى من قبيلة
الموهيگان، إحدى قبائل الهنود الحُمر].
ويتوقف
التوازن بين السيرورات على ما وُهب للمنظومة أصلا من المادة. فقرابة ثلث
عدد النجوم الغنية بالعناصر الثقيلة تدور حولها كواكب ذات كتل مشتروية،
ويفترض أن لهذه النجوم أقراصًا أكثف أدت إلى نشوء أجنة أكبر يمكنها تجنب
عنق زجاجة الانتقال الحراري. وبالعكس، فإنّ عددًا أقل من الكواكب يتكون
حول نجوم أصغر أو أفقر بالعناصر الثقيلة.
وحالما
يُقلع النمو، فإنه يتسارع بخطى سريعة مذهلة. ففي غضون ألف سنة، يمكن
لكوكب، كتلته قريبة من كتلة المشتري، أن يكتسبَ نصف كتلته النهائية. وفي
هذه السيرورة، يُبدّد الكوكب قدرًا من حرارته من الكِبر بحيث يجعل بريقه
يتجاوز لفترة وجيزة بريق الشمس. ويبلغ الكوكب مرحلة الاستقرار حين تصبح
كتلته كبيرة إلى درجة تجعل الهجرة من النمط I
تجري بطريقة مختلفة تمامًا. فبدلا من إزاحة القرص لمدار الكوكب، فإن
الكوكب يُزيح مدار الغاز في القرص. إن الغاز داخل مدار الكوكب يدور بسرعة
أعلى من سرعة الكوكب؛ ومن ثم فإن ثقالة الكوكب تميل إلى كبحه؛ مؤدّيةً إلى
سقوطه نحو النجم، أي بعيدًا عن الكوكب. أما الغاز الموجود خارج مدار
الكوكب، فيدور بسرعة أبطأ. لذلك، فإن الكوكب يميل إلى تسريعه؛ مؤدّيًا إلى
تحريكه نحو الخارج، بعيدًا أيضًا عن الكوكب. وهكذا، فإن الكوكب يفتح فجوة
في القرص، ويُوقف إمداداته من المواد الخام. ويحاول الغاز العودة إلى
الفجوة؛ لكن المحاكاةَ الحاسوبية تشير إلى أن الكوكب يربح المعركة إذا
كانت كتلته أكبر من كتلة مشترويّة واحدة تقريبًا على مسافة5 وحدات فلكية.
وتتوقّف
هذه الكتلة الحرجة على التوقيت. فكلما يكون تكوّن الكوكب أبكر، يكون
تمكنه من النمو أكبر، بسبب وجود قدر كبير من المخلفات الغازية. وقد يكون
كوكب زُحَل اكتسب كتلة أصغر من كتلة المشتري، لأنه ببساطة تكوّن بعده
ببضعة ملايين من السنين. وقد لاحظ الفلكيون نقصًا في الكواكب في مدى الكتل
الواقعة بين20 كتلة أرضية (كتلة نپتون) و100 كتلة أرضية (كتلة زُحَل). وهذا قد يكون مفتاحًا لحل لغز التوقيت الدقيق.
نقطة النهاية: كوكب بحجم المشتري (أوْ لا).
5-يغدو العملاق الغازيّ قَلِقًا
(**********) الزمن: من مليون إلى 3 ملايين سنة
من
الغريب أن يكون كثير من الكواكب خارج المنظومة الشمسيّة، التي اكتُشفت
خلال العقد الماضي، تسبح في مدارات قريبة جدًا من نجومها؛ أقرب بكثير من
المسافة بين عُطارد والشمس. وما كان لما يُسمّى كواكب المشتري الحارّة hot Jupiter Planets
أن تتكوّن في مواقعها الحالية، لا لشيء إلا لأن مناطق التغذية المدارية
أصغر بكثير من أن توفّرَ ما يكفي من المادة. ويبدو أن وجودها يتطلب سلسلة
ثلاثية الأجزاء من الأحداث لمْ تَجْرِ لسبب ما في منظومتنا الشمسية.
الجزء
الأول، هو أن العملاق الغازي يجب أن يتكوّن ضمن القسم الداخلي من
المنظومة الكوكبية، قرب خط الثلج؛ في حين لا يزال القرص يحتوي على قدر
كبير من الغاز. وهذا يستلزم تركيزًا كثيفًا من المواد الصُّلبة في القرص.
الجزء الثاني، هو أن العملاق الغازي يجب أن يتحرّك ليصلَ إلى موقعه الحالي. ولا تستطيع الهجرة من النمط I إحداث ذلك، لأنها تعمل على الأجنة قبل تجميعها كثيرًا من الغاز. وبدلا من ذلك، فإن الهجرة من النمط II
هي التي يجب أن تحدث. ويفتح العملاق الغازي الناشئ فجوة في القرص، ويكبح
تدفّق الغاز عبر مداره. وبفعله هذا، يتعين عليه مكافحة ميل الغاز المضطرب
في المناطق المتاخمة للقرص إلى الانتشار. ولا يتوقف الغاز البتة عن
التسرّب إلى الفجوة؛ ثم إنّ انتشاره باتجاه النجم المركزي يُجبر الكوكب
على خسارة طاقة مدارية. هذه السيرورة بطيئة نسبيًّا؛ إذ تستغرق بضعة
ملايين من السنين لإزاحة كوكب بضعَ وحدات فلكية. وهذا هو السبب في أن
الكوكب يجب أن تكون بدايته في المنظومة الشمسية الداخلية إذا كان له أن
ينتهي مُعانقًا النجم. ولما كان هذا الكوكب وكواكب أخرى تهاجر باتجاه
الداخل، فإنها تدفع معها أي نوى كوكبية وأجنة متبقّية إلى مقدّمة
مساراتها. وهذا قد يولد «أراضي ساخنة» تسبح في مدارات ضيقة.
كيف يُعانَقُ نجمم(***********) في كثير من المنظومات، يتكون كوكب عملاق، ثم يندفع بحركة لولبية طوال مسيرته تقريبًا نحو النجم. السبب هو أن الغاز في القرص يفقد طاقة بسبب الاحتكاك الداخلي، ويهوي باتجاه النجم؛ ساحبًا الكوكب معه. وفي نهاية المطاف، يقترب الكوكب من النجم إلى درجة أنّ النجم يؤثّر في مدار الكوكب بعزم دورانيّ؛ مؤدّيًا إلى استقراره |
التسلسل الزمنيّ لتكوّن العالم(************) استنادًا إلى التاريخ الإشعاعي للأحجار النيزكية والأرصاد المقرابية للأقراص المحيطة بنجوم أُخرى، توصل علماء الكواكب إلى مخطط زمني تقريبيّ لتكوّن الكواكب. من 0 إلى100000 سنة: يتكوّن النجم في مركز القرص، ويبدأ بالخضوع لاندماج نووي. من 100000 إلى مليوني سنة: تتجمع حبيبات الغبار لتكوّن أجنّة كوكبية كتلها تقع بين كتلتي القمر والأرض. مليونا سنة: يتكوّن أول عملاق غازي ويكتسح الجيل الأول من الكويكبات. 10 ملايين سنة: يُطلق العملاق الغازي تكوين كواكب عملاقة أُخرى، وكذلك كواكب أرضية؛ وبحلول هذا الوقت يضيع معظم الغاز. 800 مليون سنة: تستمر عملية إعادة ترتيب الكواكب بعد بليون سنة تقريبًا من بدء العملية.
| |
الجزء
الثالث، هو أنه يتعين على شيء ما إيقاف الهجرة قبل أن يتهاوى الكوكب
وصولا إلى النجم. إن المجال المغنطيسيّ النجمي قد يُزيل الغاز من تجويف
حول النجم مباشرة؛ ومن دون الغاز تتوقف الهجرة. والبديل أن يُحدثَ الكوكب
حركاتِ مدّ وجزر على النجم، ويفتل النجم بدوره مدار الكوكب. قد لا يجري
مثل هذه الأحداث في جميع المنظومات؛ وقد يسقط كثير من الكواكب وصولا إلى
النجم.
نقطة النهاية: كوكب عملاق يسبح في مدار ضيق (المشتري الحار).
6- تلتحق كواكبُ عملاقة أخرى بالأُسرة
(*************) الزمن: من مليوني سنة إلى عشرة ملايين سنة
إذا
تسنّى لعملاق غازي أن ينشأ، فإنه يُسهّل تكوّن عمالقة غازيّة تالية.
ولكثير من الكواكب العملاقة المعروفة ـ وربما لمعظمها ـ أقرباء لها كتل
مشابهة. ففي منظومتنا الشمسية، ساعد المشتري زُحَل على البروز بسرعة أعلى
بكثير من السرعة التي كان يمكن له البروز بها من دون مساعدة. وقد قدم
المشتري مساعدة، أيضًا، إلى أورانوس ونپتون؛ فمن دون هذه المساعدة، ربما ما
كانا ليتمكّنَا قط من بلوغ حجميْهما الحاليين. فعلى مسافتيْهما من الشمس،
تكون سيرورة التكوّن من دون دعم خارجيّ بطيئةً إلى درجة تؤدي إلى تبدّد
القرص قبل وقت طويل من نهايتها؛ مخلّفةً عوالمَ مُعوَّقة.
وللعملاق
الغازي الرائد تأثيرات عدة مساعدة. فعند الحافة الخارجية للفجوة التي
تُفتح، تتراكم المادّة للأسباب نفسها التي دعتها إلى ذلك عند خط الثلج.
ونعني بذلك أن تفاوتًا في الضغط يُسرّع الغاز، ويقوم بدور ريح خلفيّة تهب
على الحبيْبات والنَّوَى الكوكبية؛ مُوقفةً هجرتها من مناطق أبعد في
القرص. ثمة تأثير آخر للعملاق الغازي الأول يتجلّى في أن ثقالته تميل إلى
أن تقذفَ بقوة النوى الكوكبية القريبة إلى البقاع الخارجية من المنظومة،
حيث يمكنها تكوين كواكبَ جديدة.
ويتكون
الجيل الثاني من الكواكب من المواد التي يجمعها لها العملاق الغازي
الأول. إن التوقيت حَرِج؛ ففروق طفيفة في مقاييس الزمن قد تؤدي إلى حدوث
فروق كبيرة في النتيجة. وفي حال أورانوس ونپتون، كان تراكم النوى الكوكبية
كبيرًا جدًا؛ وهذا شيء حسن. فقد أصبحت الأجنّة بالغةَ الكبر، كتلها
تعادل 10 إلى20
كتلة أرضية تقريبًا، وهذا أخّر استهلال تنامي الغاز؛ عند تلك النقطة،
فالقليل من الغاز بقي لكي يتنامى. وكان آخر كتل بلغتها هذه الأجسام قرابة
كتلتيْن أرضيّتيْن فقط من الغاز. هذه الأجسام ليست عمالقة غازية، بل
عمالقة جليدية، قد تُثبت في الحقيقة أنها النمط الأكثر شيوعًا بين
العمالقة.
وتولد
المجالات التثاقلية للجيل الثاني من الكواكب تعقيدًا إضافيًا في
المنظومة. فإذا تكوّنت الأجسام وهي قريبة جدًّا من بعضها، فمن الممكن
لتفاعلاتها معًا وتفاعلاتها مع القرص الغازي أن تقذفَ بها إلى مدارات
جديدة ذات شكل إهليلَجي إلى حد بعيد. وفي منظومتنا الشمسية، فإنّ لجميع
الكواكب مداراتٍ دائريّةً تقريبًا، وهي مفصولة عن بعضها بمسافات كبيرة
تزوّدها بمناعة من تأثير أحدها في الآخر. إلاّ أنّ المدارات الإهليلجيّة
هي القاعدة في المنظومات الكوكبية الأخرى. وفي بعض هذه المنظومات، تكون
المدارات رنينيّة
(7) resonant؛
بمعنى أنّ زمنيْن دوريّيْن مداريّيْن يرتبط الواحد بالآخر بنسبةٍ من
عدديْن صحيحيْن صغيريْن. وأنْ تُولدَ هذه المدارات محققة لهذا الشرط هو
أمر غير محتمل إلى حد بعيد. لكنها يمكن أن تنشأ بطريقة طبيعية حين تهاجر
الكواكب وتتشابك في النهاية تثاقليا. وقد يكون الفرق بين هذه المنظومات
ومنظومتنا متجلّيًا ببساطة في حصص الغاز الابتدائية التي توافرت لها.
تتكوّن
معظم النجوم في عناقيد؛ ولأكثر من نصفها رفقاء، يكوّن الواحد منها مَعَ
رفيقه نجمًا ثنائيًّا. وقد تتخذ الكواكب شكلا معينًا في مستويً يختلِف عن
مستوى المدار النجمي. وفي تلك الحالة، تُوجّه ثقالة النجم الرفيق بسرعة
مداراتِ الكواكب وتشوّهها؛ مولّدةً منظومات غير مستوية، مثل منظومتنا
الشمسية؛ لكنها كروية، وكأنها نحل يَطِنّ حول خليّة.
نقطة النهاية: زمرة من الكواكب العملاقة.
تكبير حجم الأُسرة(**************)
يُمهّد أول عملاق غازي السبيل للعمالقة الغازية الأُخرى. وتؤدي الفجوة التي يُحدثها دوْرَ خندق لا يسمح للمادة المتدفقة إليه من البقاع الخارجية بتجاوزه. وهكذا، تتراكم المادة على الحافَة الخارجية للفجوة، حيث يمكنها أن تندمجَ لتكوّنَ عالمًا جديدًا. | |
الأكبر والأسوأ(***************) فيما يأتي حاملو الأرقام القياسية في المنظومات الكوكبية خارج المنظومة الشمسية، وذلك كما كان عليه الوضع في الشهر3/2008، فإن كتل الكواكب هي كتل تقريبية بسبب الالتباسات القياسية: أثقل نجم مضيف: HD 13189 (4.5 كتلة شمسية) أخف نجم مضيف: GJ 317 (0.24 كتلة شمسية) أضيق مدار كوكبي: OGLE-TR-56b (0.0225 وحدة فلكية) أوسع مدار كوكبي:PSR B 1620-26b (23 وحدة فلكية) أثقل كوكب: NGC 4349 No 127b (19.8 كتلة مشتروية) أخف كوكب: PSR 1257 + 12b (0.02 كتلة أرضية) | |
7- تتجمّع كواكب شبيهة بالأرضّّّ
(****************) الزمن: من10 ملايين إلى100 مليون سنة
يتوقّع
علماء الكواكب أنْ تكونَ الكواكب الشبيهة بالأرض أكثرَ انتشارا من
العمالقة الغازيّة. وفي حين يتطلب الحَمْل بعملاق غازي توازنًا دقيقًا بين
التأثيرات المتنافسة فيما بينها، فإن تكوّن الكواكب الصخرية يجب أن يكون
عملية عنيفة بعض الشيء. بَيْدَ أنه إلى حين اكتشافنا كواكبَ مثلَ الأرض
خارج منظومتنا الشمسية، فإننا مضطرون إلى الاعتماد على المنظومة الشمسية
بوصفها تمثل لنا دراسة الحالة الوحيدة.
وتتكوّن
الكواكب الأرضية الأربعة ـ عُطارد، الزُّهَرَة، الأرض، المِرّيخ ـ في
المقام الأول، من موادَّ نقاط غليانها عالية، مثل الحديد والصخور
السيليكاتية؛ الأمر الذي يشير إلى أنها تكونت داخل خط الثلج وأنها لم تقم
بهجرات واسعة. وفي هذا المدى من الأبعاد، يمكن للأجنة الكوكبية في قرص
غازي أنْ تكبُرَ لتصبحَ كتلتها نحو عُشر كتلة الأرض؛ أي ليس أكبر كثيرًا من
عُطارد. وقد استلزم مزيد من النمو أن تتقاطع مدارات الأجنة؛ ما جعلها
عُرضةً للتصادم والاندماج. وتفسير هذا سهل جدًّا. فبعد أن تبخر الغاز،
أفسد كل من الأجنة تدريجيًّا استقرار مدارات الأجنة الأُخرى؛ وهذا جعل هذه
المدارات، طوال بضعة ملايين من السنين، إهليلجيّةً بدرجة تكفي لتقاطعها.
الشيء
الأصعب تفسيرًا هو كيف استطاعت المنظومة جعل نفسها مستقرة مرة أُخرى، وما
الذي أطلق الكواكب الأرضية في مداراتها الحالية التي تكاد تكون دائرية.
كان يمكن لكمية صغيرة من الغاز المتخلّف أن تُنجزَ ذلك. لكن لو كان الغاز
موجودًا، لحال دون أن تصبح المدارات غير مستقرة في البداية. وإحدى الأفكار
هنا هي أنه بعدما اكتمل تقريبًا تكوّن الكواكب، تخلف حشد غير قليل من
النّوى الكوكبية. وخلال المئة مليون سنة التالية، اكتسحت الكواكب بعض هذه
النوى الكوكبية، وحَرَفتْ مسارات ما تبقّى منها نحو الشمس. وقد نقلت
الكواكب حركتها العشوائية إلى النوى الكوكبية الهالكة لا محالة، ودخلت في
مدارات دائرية أو شبه دائرية.
تفكير غير دائريّّّ(*****************) في المنظومة الشمسية الداخلية، تستطيع الأجنّة الكوكبيّة أن تنمو بانتزاعها غازًا؛ لكن يجب عليها الاصطدام معا. وكي تفعلَ ذلك، يجب أنْ تتقاطعَ مداراتها؛ وكي تتقاطعَ هذه، لا بد من أن يُحدثَ شيء ما اضطرابًا يسفر عن تغيير شكل مداراتها التي كانت دائرية أصلا. |
ثمة
فكرة أُخرى مفادها أن التأثير البعيد المدى لثقالة المشتري دفعت بالكواكب
الأرضية الناشئة إلى الهجرة؛ ما جعلها تتصل بموادَّ طازَجة. كان من
الممكن أن يكون هذا التأثير أقوى في مواقعَ رنينيّةٍ خاصة، تحرّكت نحو
الداخل مع مرور الزمن حين كان مدار المشتري يستقر ليأخذ شكله النهائي.
ويشير التأريخ الإشعاعيّ radiometric dating إلى أن الكويْكبات تكوّنت في وقت مبكر (بعدما تكوّنت الشمس بأربعة ملايين سنة)، وتبع ذلك تكوّن المِرّيخ (بعد 10 ملايين سنة)، ثم الأرض (بعد 50
مليون سنة)؛ كما لو أنّ موجة حرّضها المشتري كانت تكتسح المنظومة
الشمسية. ولو لم تُوقَف، لدفع تأثيرها جميع الكواكب الأرضية إلى مدار
عُطارد. تُرى كيف تحاشت تلك الكواكب هذه النهاية غير السعيدة؟ ربما كبرت
كثيرًا بحيث لم يستطع المشتري تحريكها مسافةً ذات بال؛ أو ربما "لُكِمت"
خارج مدى تأثير المشتري بواسطة تصادماتٍ عِملاقة.
هذا،
ولا يعتقد معظم علماء الكواكب أن دور المشتري حاسم في تكوين الكواكب
الصخرية. فمعظم النجوم الشبيهة بالشمس تفتقر إلى كواكب شبيهة بالمشتري.
ومَعَ ذلك، ما زال فيها أنقاض من الغبار؛ الأمر الذي يُشير إلى وجود نَوَى
كوكبية وأجنّة كوكبية يمكنها أنْ تتجمّع لتكوّنَ عوالمَ شبيهة بالأرض.
سؤال رئيسيّ يتعين على المراقبين الإجابة عنه في العَقْد القادم هو: ما
عدد المنظومات التي تحوي كواكبَ شبيهة بالأرض، لكنْ ليست كواكبَ شبيهة
بالمشتري؟
فيما يتعلق بكوكبنا، حدثت لحظة حاسمة بعد تكوّن الشمس بمدّة تقع بين 30 مليون سنة و100
مليون سنة؛ حين صدم بقوّة جنينٌ بحجم المِرّيخ الأرضَ البدائية، وقذف
كمياتٍ ضخمةً من الأنقاض التي تجمّعت لتكوّنَ القمر. إن مثل هذه الصدمة
الهائلة غير مثيرة للدهشة، إذا عرفنا الكمية الكبيرة من المواد التي كانت
تدور حول المنظومة الشمسية في بداياتها، وأن الكواكب الشبيهة بالأرض في
المنظومات الأُخرى قد يكون لها أقمار أيضًا. وقد نتج من الصدمات الهائلة،
كذلك، قذفُ الغلافِ الجوّيّ البدائيّ الرقيق. أمّا الغلاف الجوّيّ الحاليّ
للأرض فقد نتج، في المقام الأول، من الغاز الذي كان محجوزًا في النوى
الكوكبية التي كوّنته، ونَفَثَتْه البراكين فيما بعد.
نقطة النهاية: الكواكب الأرضيّة.
8- تبدأ عمليّات التخلّص من الحُطامّّ
(******************) الزمن: من50 مليون سنة إلى بليون سنة
وبالوصول
إلى هذه المرحلة، تكون المنظومة الكوكبية قد اكتملت تقريبًا. لكنّ بضعة
تأثيرات تستمرّ في صَقْلِه، أهمّها: تفتّت العُنقود النجمي الأوسع، الذي
قد يقضي على استقرار مدارات الكواكب تثاقليا؛ وعدم الاستقرار الداخلي الذي
يحدث بعد أنْ يُزيلَ النجم آخر ما تبقّى من قرصه الغازي؛ والبَعْثَرة
المستمرّة للنوى الكوكبية المتخلفة بفعل الكواكب العملاقة. وفي منظومتنا
الشمسية، قذف أورانوس ونپتون بالنوى الكوكبية إلى حزام كويپر أو باتجاه
الشمس. أما المشتري، بثقالته الأكبر، فدفع بها إلى غيمة أُورت
(8) الواقعة عند حافَة المجال التثاقلي للشمس تمامًا. ويمكن أن تحتوي غيمة أُورت من المواد ما يعادل محتوى 100 كرة أرضية منها. وبين الآونة والأُخرى، تسقط نواة كوكبية من حزام كويپر أو غيمة أورت نحو الداخل باتجاه الشمس؛ مولّدةً مذنّبًا.
الأحجار النيزكيّة meteorites مبعوثون من الماضيّ(*******************) ليست الأحجار النيزكية مجرّد صخور فضائية، وإنما أيضًا أحافيرُ فضائية؛ فهي السجلّ المحسوس الوحيد لأصل المنظومة الشمسية التي يملكها علماء الكواكب. ويظن هؤلاء العلماء أنها تأتي من الكويْكبات، التي هي شظايا من نَوَى كوكبية لم يتسنَّ لها قط تكوين كواكب، وبقيت منذ ذلك الوقت في ثلاجة. ويعكس تركيب الأحجار النيزكية ما يجب أن يكون قد حدث على الأجسام التي أتت منها. وما يثير الاهتمام هو أنها تحمل "نُدَبَ" تأثيرات تثاقلية مبكرة لكوكب المشتري. من الواضح أن الأحجار النيزكية المكوّنة من الحديد والصخور نشأت في نوى كوكبية انصهرت؛ وهذا سمح للحديد والسيليكات الصخرية بالانفصال بعضها عن بعض. فغاص الحديد الثقيل إلى القلب، وأصبحت السيليكات الأخفّ منه مركزة في الطبقات الخارجية. ويعتقد الباحثون أن هذا التسخين حدث بفعل نظيرة الألمنيوم26 المشعّ، التي عُمرُنصفِها700000 عام. وربما بَذرَ انفجارُ مستعر أو نجم قريب هذه النظيرة في غيمة الشمس البدائية. وفي هذه الحالة، يكون الجيل الأول من النوى الكوكبية في منظومتنا الشمسية قد حَوَى قدرًا كبيرًا من هذه النظيرة. بَيْدَ أن الأحجار النيزكية الحديدية والصخرية نادرة جدًّا. فمعظم النيازك تحتوي على كريّات كوندريّةchondrules، التي هي حصى قطرها قرابة مليمتر واحد كانت موجودة قبل تكوّن النوى الكوكبية، ولا يمكنها البقاء بعد الانصهار. لذلك، يبدو أن معظم الكويْكبات ليست من مخلّفات الجيل الأول من النوى الكوكبية. فلا بد من أن يكون ذاك الجيل قد أُزيل على الأغلب بواسطة المشتري. ويقدّر علماء الكواكب أن المنطقة التي يشغلها الآن حزام الكويكبات الرئيسي كانت تحوي من المواد أكثر مما تحويه الآن بألف مرة. والحبيبات القليلة التي تملّصت من براثن المشتري، أو التي انجرفت إلى منطقة الحزام في وقت لاحق، تجمّعت لتكوّنَ نوى كوكبية جديدة. لكنّ القليل من الألمنيوم26 المشع بقي حينذاك؛ لذلك، لم تنصهر قط هذه الأجسام تمامًا. إن التركيب النظائري للكريات الكوندرية في الأحجار النيزكية يبين أنّ تاريخَها يعود إلى مليوني سنة تقريبًا بعد بداية تكوّن المنظومة الشمسية. ويوحي النسيج الزجاجي للكريات الكوندرية بأنها، قبل اندماجها في النوى الكوكبية، سخنت على حين غِرّة، وتحوّلت إلى صخر مصهور؛ ثم تُركتْ تبرد. هذا، وإن الموجات، التي سيّرت الهجرة المدارية المبكّرة للمشتري، لا بد من أنها تطوّرت لتصبح جبهات صدم؛ ما قد يُفسّر هذا التسخينَ المتوهّج D.N.C.L |
وببَعْثَرتها
للنّوى الكوكبية، تهاجر الكواكب نفسها إلى حد ما؛ الأمر الذي قد يفسر
التزامن بين مداري نپتون وپلوتو [انظر: «الكواكب المهاجرة»، مجلة العلوم، العدد3 (2000) ، ص 12].
فمثلا، ربما كان زحل يسبح في مدار أقرب إلى المشتري، ثم ابتعد عنه. وهذه
سيرورة قد تفسّر ما يُسمّى القصف الكثيف المتأخر؛ وهو فترة عَصيبة من
الصدامات على القمر (وربما على الأرض) حدثت بعد تكوّن الشمس بنحوٍ من 800 مليون سنة. وفي بعض المنظومات، كان من الممكن حدوث تصادمات مَلْحميّة بكواكبَ كاملةِ النمو، وذلك في وقت متأخر من لعبة التطوّر.
نقطة النهاية: التّشكيل النهائي للكواكب والمذنّبات.
لا وجودَ لتصميمٍ مَهيبّ
(********************) قبل
عصر اكتشاف الكواكب خارج المنظومة الشمسية، كانت منظومتنا الشمسية هي
دراسة الحالة الوحيدة لدينا. ومَعَ أنها زوّدتنا بثروة من المعلومات عن
الفيزياء المجهريّة للسيْرورات المهمة، فإنها أيضًا ضيّقت رؤيتنا لطريقة
نشوء منظومات أُخرى وتطوّرها. إنّ التنوّع الكوكبيّ المذهل الذي اكتُشف في
العَقْد الماضي وسّع بقدر هائل آفاقَنا النظرية. فقد صرنا ندرك أنّ
الكواكب خارج المنظومة الشمسية هي آخر جيل من الناجين في سلسلة تكوّن
الكواكب البدائية والهجرة والاضطراب والتطوّر الديناميّ الموْصُول. وإنّ
حالة التنظيم النسبيّ في منظومتنا لا تعكس أي تصميم مَهيب.
لقد
حوّل النّظريّون تركيزَهم من تقديم سيناريوهات لتحديد أسباب مخلّفات
تكوّن المنظومة الشمسية إلى بناء نظريات تتسم بقدر من القوّة التنبّئية
لاختبارها بالأرصاد القادمة. وحتى الآن، لم يرَ الراصدون سوى كواكبَ لها
كتلة المشتري حول نجوم شبيهة بالشمس. وبجيلٍ جديد من الكواشف، سيبحثون عن
كواكبَ بحجم الأرض، التي يُوحي سيناريو التنامي المتتالي بأنها شائعة.
وربما لم يخْطُ علماء الكواكب سوى الخطوةِ الأولى في طريقهم لرؤية التنوّع
الكامل لعوالمَ هذا الكون