إذا ما أمعنا النظر في كل الوسائل التي تهتم بوضعنا داخل نظرية التلقي من
حيث "الحياد – التفاعل - الانفعال أو المراكمة" ابتداءً من النكتة انتهاءً
بالسينما؛ نجد أنها تقوم بتقديم خبرة انفعالية غير معاشة سابقاً من خلال
التخييل، وقد يساهم هذا التخيل في خفض أو رفع قدرتنا على ممارسة هذه
الانفعالات على شكل نشاط سلوكي مرهون بلحظة حدوثه وانتهائه غير المسؤول،
مع الحفاظ على الفوارق الفردية في ممارسة هذا النشاط أوذاك؛ فقد يكون
ملتبساً بباعث تراكمي يفرزه اللاوعي، أو تجريبياً من فرط الاهتمام والتأثر
أو سلوكاً رادعاً يتميز بسمات أخلاقية واستنتاجية فكرية ملحقة بمنهجية
أخلاقية دينية أو أدبية.
كما يمكن القول إن هذه الوسائل تبحث
جيداً في إمكانية تحقيق هذا التخييل بشكل يقارب الى حد بعيد رغباتنا
الدفينة الغير قابلة للتحقق سلوكياً، فتعمل على محاكاة البطولة والشجاعة
وصناعة الخوارق فينا وملامسة قدرتنا على الخروج من الأزمات "الانتقام،
التمسك بالأمل .. الخ" وقد تصل المحاكاة أيضاً إلى ملامسة رغباتنا
وانفعالاتنا الأكثر عمقاً المكبّلة بالتحريم الاجتماعي والأخلاقي أو حتى
الأمني.
وهنا تكون المفاجأة كبيرة، إذ يصبح الاعتقاد والثقة بهذه الوسائل أكثر
انتشاراً و ملائمة لغاية كسر الرقابة والتحرر من مستوى الحياة
اليومية،وليس هناك إسراف إن قلنا إنّ نجاح أو فشل هذه الوسائل يعتمد بدرجة
كبيرة على قدرتها على محاكاة رغباتنا ولمس مخاوفنا؛ لكن الأهم في ذلك، هو
المرحلة التي تلي الاستثارة الانفعالية، فإذا اعتبرنا أن الآثار الناتجة
عن الاستثارة الانفعالية تبقى حكراً عل نتائج السلوك المرتقب؛ فالخلاف هنا
يرتبط بأمرين اثنين، وقد تؤدي ميزة انفعالية واحدة إلى حصر القصد من
الاستثارة الانفعالية.
العنف: الأمر الأول ينتهي بالقول إن التعرض للعنف الخيالي يخفض من احتمالات ظهور
العنف العضلي كسلوك عدواني في الحياة، والأمر الثاني يناقض القول بأن
العنف الموجود في وسائل الترفيه الفنية والاعلامية يعمل على زيادة وارتفاع
مؤشرات السلوكيات العدوانية في المجتمع.
وبالفعل؛ التطهير الذي يروج له الأمر الأول ممكن الحدوث، إذ يبدو أن
معالجة أزماتنا الذاتية وانفعالاتنا من خلال شخص آخر، في فضاء خيالي يقوم
بمواجهتها والتخلص منها، أمر قائم ومجرب خاصةً في الأعمال التراجيدية،
لكنه يشترط وجود قاعدة أو شريحة واعية تتسم بالذكاء الإبداعي والخبرة في
ممارسة أحلام اليقظة، وهي وحدها من تجعل من التطهير نتيجة ثابتة ثبات
المحيط الحيوي الاجتماعي لشريحة ما اقترنت سمات الخيال عندها بمستوى
ذكائها. أما الأثر المعاكس للتطهير والذي يظهر في نسق تصعيدي؛ عبر مرحلتي
التلقي والسلوك قد لا يشير الى العدوانية بقدر ما ينبه إلى إشارات العنف
الظاهرة عليه، ويتخذ هذا العنف اما شكلاً عميقاً يمارسه الشخص على ذاته
كمتعة الشعور بالألم والمعاناة، وأكثر ما يظهر هذا في طبيعة العلاقات
العاطفية (السينما الكلاسيكية المصرية، تنميط الغرام، اللغة المفاهيمية،
الإيجابيات المطلقة، ومركزية الفكرة)
أو يكون هذا العنف موجهاً، كالجنوح نحو الشهرة بصرف النظر عن الطريقة؛
اختطاف النجوم والشخصيات السياسية البارزة او جرائم القتل التسلسلية التي
تقدم العبرة عبر القتل المنهجي المرموز؛ "فيلم Seven"
كما ويشترك مفهوم البطل في هذه الثنائية بطريقة حاسمة، إذ تحدد مزايا
البطل نوع التقليد وحجم الاستثارة الانفعالية وقابلية انتقالها إلى مرحلة
السلوك، كما يشكل البطل هنا عامل رمزياً يستدرك الرغبات الشائعة لدى الناس
في الطموح والإنجاز وقهر الأعداء، ومن جانب آخر يلبي حاجة المجتمع إلى
رجال أفذاذ يتمّون عملية القيادة والعدل والسلام. ولعل ارتباط البطولة
بالرجال يؤكد عل أنها تخييلات ذكورية تعكس ظلالها على الأنثى التي افتقدت
هذه المكانة عبر مرحلة تاريخية خاصة بالتمرحل الاقتصادي المجتمعية، ليظهر
بعدها هذا البطل على حصان ابيض مشرق مخلصاً الأنثى من الكفاح والكدح
الحياتي، وعلى هذا يظل الجانب العنيف أو العدواني في البطل مقنعاً ويمثل
دينامية سرية تحرك الحدث وتشده نحونا، دون إسقاط الاعتبار عن نوعية الصراع
ودلالة خوضه مع العدو وصولاً الى الغاية أو النتيجة.
وعلى هذا يكون هاجس البطولة هو الدافع الضمني للعنف خصوصاً أنها تحيط
نفسها بأسباب الفضيلة ومبرراتها، لكن هذا الإدراك الحضاري لمعنى الفضيلة
قد لايمكن الاعتماد عليه، بسبب أن هذه الحضارة الإنسانية لم تعتمد بعد
نوعاً من فضيلة إنسانية موحدة ويبقى مصوباً نفسه تجاه حياتين وعالمين
متضادين من الأبطال والأعداء لكل منهما مبرراته وفضائله.
بالنتيجة يبقى العنف يتراءى لنا من مخيال ثوب البطولة وحتمية الصراع،
ويدفعنا إلى التساؤل حول ما نشاهده اليوم عير الوسائل المرئية من أفلام
كرتونية أو سينمائية؛ ما السر في انتقال مفهوم البطل من مرحلته الذكورية
الى مرحلة أنثوية عبر التوجه الشيّق والمثير والمرعب للدراما. كل ما نراه
اليوم من افلام يثير هذا السؤال "ملائكة تشارلي، المرأة الخارقة، بافي،
كاجني وليسي، غزاة القبور، الساحرات، المرأة الهرة، باتمان الأنثى، فلة
حلم كل فتاة عربية" هل هو تثقيف للعنف عل صعيد أنثوي؟
أم أنه التاريخ يعيد إنتاج نفسه؟ ويعيد الله كما كان أنثى؟