نابغة فريق العمـــــل *****
التوقيع :
عدد الرسائل : 1497
الموقع : المنسق و رئيس قسم الفكر والفلسفة تعاليق : نبئتَ زرعة َ ، والسفاهة ُ كاسمها = ، يُهْدي إليّ غَرائِبَ الأشْعارِ
فحلفتُ ، يا زرعَ بن عمروٍ ، أنني = مِمَا يَشُقّ، على العدوّ، ضِرارِي
تاريخ التسجيل : 05/11/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2
| | مشكلة صفات الله لماذا أرى أن الله منطقيا لا يمكن أن يتصف بالعدل و الرحمة و الحكمة.. | |
مشكلة صفات الله لماذا أرى أن الله منطقيا لا يمكن أن يتصف بالعدل و الرحمة و الحكمة..
العدل و الظلم و الرحمة و القسوة و الحكمة و العبث و الخير و الشر هي مفاهيم بشرية وضعية تماما, نشأت مع نشأة العقل البشري, و تكونت مع تكون المجتمعات الإنسانية , ففي عالم الحيوان مثلا لا يوجد معنى واضح لتلك القيم, بل لو فكرنا لوجدنا أنه إذا ولد شخص في جزيرة منعزلة و ظل فيها بمفرده تماما, فسيعيش و يموت دون أن يدرك معنى العدل, بل و لن تعني له الكلمة أي شيء! لأن العدل مفهوم اجتماعي و كذلك سائر المبادئ القيم.. فالخير ببساطة هو ما يفيدنا افرادا و جماعات, و الشر ببساطة هو ما يضرنا أفرادا و جماعات..
و كون الأخلاق مفاهيم وضعية بشرية فهي نسبية بامتياز, فالخير بالنسبة لي قد يكون شرا بالنسبة لغيري و العكس, و هذا يبدو واضحا بجلاء في الحروب مثلا, حيث يغدو العنف و القسوة مع الأعداء من الأمور المحمودة أخلاقيا!
هنا تظهر المشكلة الكبرى في تطبيق تلك المفاهيم النسبية على الله و تحويلها لصفات ملازمة له, فالله من المفترض أنه "كامل" (و هي بالمناسبة كلمة غامضة مبهمة تكاد تكون بلا معنى, لكنها وضعت في أزمان معينة على سبيل التجريد الفلسفي للإله, بينما الدين لم يقل بها أبدا!!)
المهم هنا أن الله أصبح رحيما كامل الرحمة, عادلا مطلق العدل, حكيما كلي الحكمة..إلخ.. و هذا أدى لعدة تناقضات منطقية حادة:
المشكلة الأولى: أنه لا يوجد في أذهاننا معنى واضح للقيم المطلقة و كيف تتكامل معا, فهل مثلا يتماشى العدل المطلق مع الرحمة المطلقة؟! هذا يبدو مستحيل منطقيا - فمجرد غفران الله لذنب شخص ما (من باب الرحمة) يخل بمبدأ العدل المطلق.. في عالم البشر نتنازل عن هذا قليلا لنحقق مزيدا من ذاك, لكن هذا يصلح لنا فقط, فنحن لم ندعي الكمال في الصفات!
كذلك العلم المطلق يتناقض منطقيا مع القدرة المطلقة,فعلم الله بكل ما سيحدث في المستقبل إلى الأبد يجعله غير قادر على تغيير ذلك المستقبل (و هي مشكلة الدعاء و القدر الشهيرة, و التي لا حل لها عند المؤمنين)..
المشكلة الثانية:عدم موافقة الواقع الذي نراه في الدنيا مع تصورنا للقيم المفترضة لله.. فكيف نوفق مثلا بين افتراس أسود لغزال صغير من جهة, مع إله عادل رحيم مطلق الرحمة من جهة أخرى؟ مع ملاحظة أن القسوة ليست استثنائية, بل إن هذه هي الوسيلة التي اختارها الله للمخلوقات لكي تعيش- أن تفترس بعضها البعض! بل إذا نظرنا للدنيا نظرة محايدة فسنجد القاعدة أن القوي يفترس الضعيف - فلا أثر لرحمة أو حكمة أو عدل أو معنى..
المشكلة الثالثة:عدم موافقة أحكام الدين نفسه مع تصورنا لنفس القيم الإلهية المفترضة.. فكيف نفهم أن إلها رحيما عادلا يحلل الرق مثلا؟ (بالمناسبة و لا دين من الثلاثة الإبراهيميين انتقد مبدأ الرق و الإستعباد بكلمة واحدة, بل هناك نصوص تحث على طاعة العبيد لأسيادهم, و تلعن العبد المتمرد..)
ثم تأتي مشاكل أخرى كثيرة, تنبع أساس من محاولة المؤمنين لحل المشكلتين الثانية و الثالثة..
ففي محاولة لرأب ذلك الصدع المنطقي بين كمال الله و الواقع من جهة, و بين كماله و أحكام دينه من جهة اخرى, يلجأ المؤمنون لما يرون أنه حل مرضي فيستغلون كون الأخلاق نسبية ليتفادوا الورطة, فيقولون للمعترضين:
بأي حق تريدون أن تأخذوا مفاهيمكم الخاصة عن الأخلاق و تطبقونها على الله؟! هل بلغ بكم الغرور أن تطالبوا بأن يلتزم الله المطلق بتصوراتكم النسبية القاصرة؟!! و هل تحاسبون الله على أفعاله؟
الله مطلق و نحن نسبيون, فكيف يمكن للنسبي أن يحكم على المطلق؟ حسن, هذا يبدو ردا مقنعا.. لولا أنه يوقع القائلين به في تناقض كارثي: هو أنهم عندما نسبوا الأخلاق لله أول مرة جعلوها مطلقة (حتى تناسبه), و الآن عندما يريدون له التحرر منها يجعلونها نسبية..
فالسؤال الواضح للمؤمنين:هل الأخلاق ذاتها متفق عليها شاملة عالمية واضحة يمكن تحديدها (أي مطلقة)؟, أم هي مختلف فيها قاصرة محدودة مبهمة تخضع لوجهات النظر (أي نسبية)؟
في الحالتين الأمر لن يستقيم:
إن كانت مطلقة فسيمكننا تعريفها بوضوح و نرى معا إن كانت تنطبق على الله (سواء فعله (الواقع) أو أحكامه (الدين)) أم لا!.. و هذا ما هرب منه المؤمنون بدايةً..
ثم إن كانت مطلقة فهي ملزمة لله- إن خالفها فهو إذن غير أخلاقي- فكيف نلزم الله بأي شيء؟!
و إن كانت نسبية فكيف يكون الله مطلقا و صفاته نسبية؟!
إن كانت الصفات نسبية تختلف من شخص لآخر و تخضع لوجهات النظر, فما معنى وصف الله لنفسه بها؟!
إن كانت العدل و الرحمة و الحكمة لا تعني العدل و الرحمة و الحكمة التي نعرفها, فلماذا اختار تلك الكلمات لوصف نفسه و ماذا يعني بها إذن؟ أليست وظيفة الكلمة لغويا أن تؤدي معنى؟! فماذا أدت تلك الكلمات إن كنتم ترفضون وضع تعريف واضح لها؟!
ثم إن كانت المسألة وجهات نظر, فهل الله عادل و رحيم و حكيم فقط من وجهة نظره هو بالأساس؟! و هل نطيعه إذن فقط لأنه الأقوى؟! هل يليق ذلك به؟ و ماذا يميزه عن أي ديكتاتور طاغية إذن؟
ثم هذه النظرة (كيف تحكمون بمفاهيمكم) لو عممناها فستعني أنه مهما فعل الله فسيظل رحيما عادلا حكيما!!! و هذا يفرغ الصفات تماما من معانيها..
خلاصة الأمر المؤمنون حين يقولون بنسبية الأخلاق إنما هم - من حيث لا يشعرون- ينكرون صفات الله ..
ملحوظة : إن رجعنا للنصوص الدينية فسنجد أن القيم مطلقة بامتياز, فلا يوجد وجهات نظر و لا مرجعيات مختلفة.. بل في القرآن العدل عدل و الرحمة رحمة و الحكمة حكمة.. | |
|