في هذا الفصل سندرس صفات الله، وهي أن الله
روح (سؤال
8-13) غير محدود (س 14-20) سرمدي أزلي أبدي (21-24) غير متغير (25-28) عالم
بكل شيء
(29-38) ذو مشيئة (39-42) قادر (43-48) قدوس (س 49) عادل (50-59) صالح
(60-70) حق
(71-73) ذو سلطان (74-77).
1 -
من هو الله؟* لا يقدر مخلوق أن يعرِّف الله كما هو،
وإنما يمكننا
أن نعرِّفه بما يميزه عن كل من سواه، كقولنا الله روح غير محدود وكامل، منه
وبه وله
كل الأشياء. الله روحٌ غير محدود في ذاته ومن ذاته، في وجوده ومجده وغبطته
وكماله،
كافٍ للكل، سرمدي (دائم) غير متغير وغير مُدرَك، حاضر في كل مكان، قادر على
كل شيء،
عالم بكل شيء، حكيم قدوس عادل رحيم رؤوف بطيء الغضب، وكثير الإحسان
والوفاء. وهو
غير متغير في وجوده وحكمته وقدرته وقداسته وعدله وجودته وحقه.
2- كيف يتكلم
الكتاب في
الله؟*
يتكلم كثيراً في الله باستعمال كنايات وتشبيهات واستعارات مأخوذة من لغة
البشر في
ما يخص طبيعة الإنسان وأعماله كقوله: «وجه الله» و«عين الله» كما ينسب إلى
الله
الندامة والحزن والغيرة وما أشبهها.
3- بأي معنى ننسب الوجود إلى الله؟* عندما نقول
إن الله
أكمل الكائنات ننسب إليه الوجود الحقيقي تمييزاً عن الوهمي، وعن اعتباره
بمنزلة قوة
مجردة عن الذات. ونحن ندرك وجودنا بالمشاعر، التي نتبادلها مع الآخرين ولا
تراها
عيوننا، ولكننا نحس بوجودها، ويمكننا أن نعبِّر عنها أو نخفيها، وهذا يعني
علم
النفس بذاتها وأفعالها، فننسب إلى ذواتنا أفكاراً وأشواقاً ومقاصد، وهذا
يُلزمنا أن
نتأكد من وجود جوهر تصدر عنه هذه الأفكار والأشواق، فيعلم الإنسان وجوده
لأنه يفتكر
ويحس لامتناع الإدراك بلا مُدرِك، كامتناع الحركة بدون متحرِّك. والله واجب
الوجود،
وهو سرمدي غير متغير، مركز فضائل الرحمة، ومصدر الأفعال الإلهية. غير أن
بسط الكلام
في هذا الجوهر متعذر لعدم إدراكنا الجوهر مجرداً عن صفاته. وفي شرح الجوهر
الإلهي
نصل إلى أقصى ما ندركه بقولنا إنه روح، فإذاً هو منزَّه عن كل ما تتصف به
المادة.
وهو في ذاته وفي صفاته غير محدود، سرمدي غير متغير. ووجود جوهر إلهي غير
محدود
سرمدي غير متغير يستلزم أنه كان قبل وجود العالم، وأن لجوهر اللاهوت وجوداً
غير
متعلق بوجود المخلوقات.4- ماذا يُراد
بقولنا صفات
الله؟* للجوهر الإلهي غير المحدود السرمدي غير
المتغير
صفات خاصة به مُعلَنة في الطبيعة والكتاب المقدس. ومعرفته بدون تلك الصفات
والفضائل
الإلهية مستحيل، لأنها ضرورية لطبيعة اللاهوت، فبدونها لا يكون «الله».
وهذه الصفات
لا يمكن انفصالها عن جوهر اللاهوت، وهي ظاهرة في الكتاب المقدس وفي أعمال
الله
وعنايته، خاصة في عمل الفداء. فإذا قلنا «معرفة الله» نعني أن جوهر اللاهوت
عارف
بكل أمرٍ، وإذا قلنا «محبة الله» نعني أن جوهر اللاهوت محب. فصفات الله هي
أزلية
سرمدية غير متغيرة كالله ذاته.
5- ما هي المحاذير
في بيان
العلاقة بين صفات الله وجوهره؟* يجب أن نحذر من إظهار العلاقة بين صفات
الله وجوهره
وبين علاقة صفاته بعضها ببعض من خطأين: هما التعبير عن الله كأنه مركب من
أجزاء
مختلفة، وجَعْل كل الصفات صفة واحدة.
6- كيف نعرف صفات
اللاهوت،
وكيف تُقسَّم صفاته؟*
قسم البعض صفات الله إلى ثلاثة أقسام ترجع إلى الطريق التي حصـلوا بها على
تلك
المعرفة: (1) بأن نسبوا إليه كل فضيلة ظاهرة في
أعماله، لأنه
علة العلل.
(2) واعتقدوا أنه لا يدركه شيء من خلائقه
بسبب نقصها
وضعفها.
(3) ونسبوا إليه كل الفضائل المختصة بكائنٍ
في غاية
الكمال. وقسم بعضهم صفات الله قسمين، وعبَّروا عنهما بالصفات الإيجابية،
والسلبية.
فالإيجابية ما نُسب إليه من الفضائل، كالقوة والمعرفة والقداسة والعدل
والصلاح
والحق. والسلبية ما بُنيت على نفي ما لا يليق بشأن الله، كنفي أنه مركب من
أجزاء،
وأنه حادث أو متحيِّز (أي محدود في الزمان والمكان). وذلك بمعنى أنه جوهر
بسيط أزلي
سرمدي (غير محدود في الزمان) ومالئ الكون (غير محدود في المكان).
وقسم غيرهم صفات الله باعتبار نوعها: إلى
ذاتية
وأخلاقية. فمن الصفات الذاتية أزليته وعلمه ومشيئته وقوته وعدم محدوديته،
ومن
الصفات الأخلاقية العدل والرحمة والقداسة والحق. وأما هذا التمييز (وإن كان
صحيحاً
في ذاته) فهو غير واضح باستعمال كلمتي «ذاتية وأخلاقية» لأن صفاته
الأخلاقية هي
ذاتية أيضاً. وقسم غيرهم صفات الله إلى مشتركة وغير مشتركة. فالمشتركة هي
ما وُجد
مثلها في الطبيعة البشرية (وإن كانت محدودة فيها) مثل القوة والمعرفة
والمشيئة
والحق والصلاح. وغير المشتركة هي ما لا يوجد مثلها في البشر مطلقاً،
كأزليته وعدم
محدوديته وعدم تغيّره.
وقسمها غيرهم لحقيقيَّة، وهي ما اختصَّت
بالجوهر
الإلهي بلا تعلُّق بما هو خارجٌ عنه، ونسبية وهي ما تعلقت بما خرج عن
الجوهر
الإلهي. فالحقيقة تشتمل على ما يختص بروحانيته، كحياته وذاتيته، وعلى ما
يتعلق بعدم
محدوديته كوجوده بلا علة، وكوحدانيته وعدم تغيُّره، وعلى ما يتعلق بكماله
المطلق
كحقه ومحبته وقداسته. والنسبية تشتمل على ما يتعلق بالزمان والمكان،
كسرمديته
(أزليته وأبديته) وعدم تحيزه بمكان أو زمان، وعلى ما يتعلق بالخلق كالوجود
في كل
مكان والعلم بكل شيء، وعلى ما يتعلق بعلاقته بالأخلاقيات وبمعاملته الخلائق
العاقلة
كحقه وأمانته ورحمته وصلاحه وعدله وقداسته بالنظر لذلك التعلُّق.
7- ما هو التقسيم
الذي
اخترناه في هذا الكتاب؟* اخترنا أن نتبع التقسيم الذي يتضمن:
أولاً- الله روح
ثانياً- إنه غير محدود، سرمدي، غير متغير:
(1) في وجوده. (2) في حكمته أو علمه. (3) في
قدرته
وقداسته وعدله وصلاحه وحقه. فكل هذه الصفات الإلهية يجمعها اسم الجلالة
العظيم.
الله روح
8-
بأي معنى استعمل العبرانيون واليونانيون كلمة «روح» وما هو أصل معناها
عندهم؟* من المبادئ الأصلية في تفسير الكتب، مقدسة
كانت أو
غير مقدسة، نسبة المعنى البسيط المفهوم في عصر مؤلفيها إلى ما فيها من
الكلمات.
فلنعرف معنى قول المسيح «إن الله روح» يجب أن نعرف معنى كلمة روح عند
العبرانيين
واليونانيين، وهي أصلاً الريح الهابَّة، خاصة نسمة الحياة، ثم قوة غير
منظورة، ثم
نفس الإنسان. ويستلزم القول «إن الله روح» أن كل ما هو جوهري للروح مما
نعرفه
بالشعور يجوز نسبته إلى الله.
9- ما هي القضايا
التي
يعلمنا إياها الشعور من جهة أرواحنا أي أنفسنا؟* نتعلم عن الشعور من حقيقة أنفسنا وقواها ما
يأتي:
(1) إن النفس جوهر ذو وجود حقيقي وثبوت
وقدرة. وإدراك
النفس وميولها أدلة على وجود جوهر يفتكر ويريد. والقول بإمكان حدوث أفعال
كهذه بلا
أصـل يُحدثها كالقول بإمكان حركة بلا متحرك وهو خطأ.
(2) يشهد الشعور بأن للنفس وجوداً مستقلاً
متميزاً عن
سائر الموجودات.
(3)
يشهد الشعور أيضاً أن للنفس قوى مثل قوة التأمل والحس والمشيئة، فكما نتيقن
أننا
نفتكر ونحس ونشاء، وأن لنا قوى كهذه، نتيقن أيضاً أن هذه القوى هي صفات
جوهرية لكل
روح.(4)
يحقق الشعور لنا بساطة تكوين النفس، فهي ليست مركبة من أجزاء مختلفة، بل هي
جوهر
بسيط لا يتجزأ.(5) يشهد الشعور أن النفس ذات، لأن الشيء
الذي يفتكر
ويشعر ويقصد هو ذات.
(6) يشهد أيضاً بنسبة النفس للشريعة
الأخلاقية.
(7) يشهد بأن للروح قوة الشعور بذاتها.
10- ماذا يتبين من
كل ما
تقدم؟* يتضمن القول إن «الله روح» معنى مفيداً
لأنه
يعلمنا:
(1) سلبياً: أن الله ليس مادة، ولا يجوز أن
يُنسب
إليه شيء من صفات المادة كالتحيُّز والتجزئة والتركيب والثقل والهيئة.
وكذلك
استحالة رؤية الله أو لمسه أو معرفته بإحدى الحواس الجسدية. وأنه لا يقع
تحت الشروط
المختصة بوجود المواد. وأنه لا يجوز أن ننسب إليه أعضاء جسدية أو شهوات.
فإذا نسبها
إليه الوحي فإنما ينسبها إليه لتقريب معنىً معيَّن للبشر.
(2) إيجابياً: أن الله كائن عاقل أخلاقي
مختار مريد،
أي ذو مشيئة، وأن له كل الصفات الذاتية.
11- ماذا نتعلم من
روحانية
الله؟*
(1) إن الله ذات، يشعر بوجوده، وله عقل ومشيئة.(2)
إنه جوهر بسيط غير مركب من أجزاء مختلفة، ولا يقبل التقسيم، ولا يُضاف إليه
شيء،
لأن غير المحدود يستحيل أن يُزاد عليه، وكذلك لا ينقص منه لأن واجب الكمال
لا ينقصه
شيء.(3) إنه كائن أخلاقي، لأن من شأن كل كائن ذي
عقل
ومشيئة أن يكون تحت قانون الأخلاق، وهو قانون لنفسه في كل ما يختص بالشريعة
الأخلاقية.
12- لماذا لا يجوز
القول إن
الله مثل البشر، مؤلَّف من الروح والمادة معاً؟* لأنه لو كان هذا صحيحاً يكون الله من
الكائنات
المركبة. والمركب لا يكون أزلياً ولا غير متغير بل محدوداً (لاستحالة وجود
المادة
في كل مكان في وقت واحد) ومُدرَكاً بالحواس. والحق أنه لا يقدر أحد أن يرى
جوهر
الله ولا يلمسه ولا يسمعه بالحواس.
13- ما هي الأدلة
على
روحانية الله؟* (1) من الكتاب المقدس الذي ينسب إلى الله
صفات
الروح المذكورة آنفاً، وعلى ذلك بُني تقديم العبادة والصلاة والدعاء إليه
والثقة به
بأنه الحافظ والمنعم والفادي. فنرى في الكتاب دائماً ما يدل على أن الله
ذات لأنه
تكلم مع آدم ونوح، وعقد عهداً مع إبراهيم، وخاطب موسى كما يخاطب الإنسان
صاحبه. وفي
تعبيره عن ذاته استعمل الضمائر، فقال «أنا الرب». وعلمنا المسيح في الصلاة
الربانية
أن نستعمل ألفاظاً تدل على وجود صفات الروح في الله. وفي أماكن مختلفة في
الكتاب
سُمي جوهر اللاهوت روحاً (يو 4: 24). وعلمنا الكتاب أن جوهر اللاهوت فوق
إدراك
الحواس الجسدية (كو 1: 15 و1تي 1: 17 وعب 11: 27). ومن العبارات التي تدل
على
روحانيته ما جاء في تث 4: 15-18 ومز 139: 7 ويو 4: 24 و2كو 3: 17).
(2) كل ما نعرفه من شأن الله، لأن طبيعته
وصفاته
المعلنة لنا تستلزم روحانيته من حيث أنه خالق العالم، عاقل مريد، وغير ذلك
مما لا
يمكن التسليم به إلا بناءً على أنه روح. ومن ذلك أيضاً كماله الذي يوجب أنه
روح،
لأنه لو كان مادة لكان غير كامل. وهكذا يقال في عدم محدوديته وتصرفاته
وأعماله.
وليس في الخليقة ما يدل على أنه مادة، على أن فيه كثيراً مما يدل على أنه
روح.