ترحيب طويل عريض بالفلاسفة والمتفلسفين .................العرب

اليوم، نحن نعيش في بدايات القرن الواحد والعشرين الميلادي. ربما لا يمثل ذلك
معنى معين باستثناء كونه معبرا عن تقدم التاريخ الإنساني أو دليلا على التقدم
الكبير في العلم والتكنولوجيا. ولكن عند التفكر بعمق يمكن للمرء بيسر أن يتبين
أن العقد الأخير من القرن العشرين والسنوات الأولى من القرن الواحد والعشرين
تتسم بتحولات عميقة وجذرية للإنسانية ككل، سواء على المستوى العلمي، الاجتماعي،
الثقافي، أو الفلسفي. هذه التحولات الجذرية تجعل من المشروع لنا أن نصنف هذه
الفترة باعتبارها بداية لحقبة جديدة في تاريخ الإنسانية. وإذا كان ما يميز
المرحلة السابقة، كما هو معروف، هو أنها حقبة المركزية الأوروبية (أو الغربية)
فإن السمة الأساسية المميزة لهذه الحقبة الجديدة، التي ندخلها حاليا،هي
التعددية الثقافية. لذلك نحن الآن في بدايات القرن الواحد والعشرين نعيش حالة
"الحداثة متعددة الثقافات".

هذه الحالة الجديدة التي تمر بها الإنسانية حاليا هي نتيجة لثلاثة حالات مرت
ولاتزال تمر بها الإنسانية، هي "مابعد الحداثة"، و "ما بعد الاستعمار"، و
"العولمة". في عالم اليوم، على الرغم من أن الحضارة الغربية لا تزال مسيطرة،
إلا أن الاعتراف بالاختلاف والتنوع والتفرد للثقافات الإنسانية المعاصرة هو أمر
مسلم به. على هذا الأساس، الاختلافات في النظرة إلى العالم، في أساليب الحياة،
في منظومات القيم، وفي الاعتقادات، هي معترف بها على العموم. هذا الاعتراف
يفرزآثارا عميقة على كافة جوانب الحضارة الإنسانية المعاصرة، بدءا من فهمنا
لطبيعة العلم والتكنولوجيا ودورهما في تقدم الإنسانية، مرورا بفهمنا للاختلافات
في أنظمتنا الاجتماعية والسياسية، وانتهاء بفهمنا لمعنى أن تمثل الإنسانية
مجتمعا واحدا وفي نفس الوقت تتكون من عدة ثقافات متميزة ومتفردة.

التعدد الثقافي يمكن
أن يفهم سلبيا وإيجابيا في نفس الوقت. في الفهم السلبي له، الثقافات منفصلة،
منعزلة ومتصارعة في محاولة لإقصاء بعضها البعض. أما في الفهم الإيجابي له،
الثقافات المتعددة تمثل مع بعضها البعض بيئة حافزة نحو الخصوبة الفكرية
الإنسانية من خلال تنوع "نظراتها إلى العالم"، وفي حالة تنافس إيجابي نحو
الإبداع وتقدم الإنسانية نحو آفاق جديدة.

بدون شك نحن نتبنى هذا الموقف الإيجابي الثاني، ليس انطلاقا من أرضية يوتوبية
رومانسية، وإنما من أرضية واقعية عقلانية. فما نفهمه من مثل هذا الموقف هو أنه
يضع عبئا من النجاح في التنافس الإيجابي في إنتاج المعرفة الإنسانية على كل
الثقافات الإنسانية الكبرى المعاصرة. لذا، إذا كانت الحضارة الغربية المعاصرة
لا تزال مسيطرة على الفكر العلمي والفلسفي الإنساني المعاصر، فإن الثقافات
الكبرى الأخرى، مثل الثقافات الصينية والهندية والإفريقية، وكذلك
العربية/الإسلامية، مواجهة بمهمة صعبة هي إثبات قدرتها على الوجود والمشاركة في
تقدم المعرفة في عالمنا المعاصر. فالعلماء والفلاسفة والمتخصصون في كل من هذه
الثقافات يتحملون مسئولية تجاه الإنسانية تتمثل في التفاعل الإيجابي والمشاركة
البناءة في الفكر الإنساني المعاصر وفي بناء الحضارة الإنسانية المعاصرة.

هذا التفاعل الإيجابي
يفرض الانفتاح تجاه التقدم المعاصر في العلم والفلسفة، كما يفرض هضم هذه
المعارف، ثم في النهاية تقديم تصورات أصيلة جديدة تساهم في تقدم وتطور هذه
المعارف. والحضارة العربية/الإسلامية هي بكل تأكيد واحدة من الثقافات الإنسانية
الكبرى، وتتحمل بصفتها هذه المسئولية عن المشاركة الفاعلة في الفكر الإنساني
المعاصر، من خلال هذه السمات الأساسية للمشاركة، الانفتاح والاستيعاب والإبداع.

أحد القنوات الأساسية، في
عالم اليوم، للتواصل ما بين الثقافات بدون شك، فضاء المعلوماتية. ونحن، "فلاسفة
العرب"، من خلال هذا الموقع نقوم بمحاولة المشاركة في تحقيق هذه المتطلبات
الضرورية للمشاركة الإيجابية للفكر العربي/الإسلامي المعاصر في عالم اليوم.
فإذا كنت تؤمن بأهمية تعدد الثقافات من خلال المشاركة الإيجابية المتبادلة،
عموما، وبأهمية المشاركة الإيجابية للثقافة العربية/الإسلامية المعاصرة، خصوصا،
فأهلابك وسهلا في هذا الموقع.

نظومات القيم، وفي الاعتقادات، هي معترف بها على العموم. هذا الاعتراف
يفرزآثارا عميقة على كافة جوانب الحضارة الإنسانية المعاصرة، بدءا من فهمنا
لطبيعة العلم والتكنولوجيا ودورهما في تقدم الإنسانية، مرورا بفهمنا للاختلافات
في أنظمتنا الاجتماعية والسياسية، وانتهاء بفهمنا لمعنى أن تمثل الإنسانية
مجتمعا واحدا وفي نفس الوقت تتكون من عدة ثقافات متميزة ومتفردة.

التعدد الثقافي يمكن
أن يفهم سلبيا وإيجابيا في نفس الوقت. في الفهم السلبي له، الثقافات منفصلة،
منعزلة ومتصارعة في محاولة لإقصاء بعضها البعض. أما في الفهم الإيجابي له،
الثقافات المتعددة تمثل مع بعضها البعض بيئة حافزة نحو الخصوبة الفكرية
الإنسانية من خلال تنوع "نظراتها إلى العالم"، وفي حالة تنافس إيجابي نحو
الإبداع وتقدم الإنسانية نحو آفاق جديدة.

نقد النص بمنهج هدم الفرضيات الأساسية والبحث عن الأهداف الخفية:
1. المنهج الهدمي: تفكيك الفرضيات الأساسية

الافتراض الأول: بداية حقبة جديدة تتميز بالتعددية الثقافية.
- هذا الافتراض يبدو تفاؤليًا ورومانسيًا أكثر مما هو واقعي. صحيح أن التعددية الثقافية أضحت موضوعًا مركزيًا في النقاشات الفكرية، لكن الواقع العملي يُظهر استمرار الهيمنة الغربية في صياغة معايير التقدم العلمي والفكري. فالتعددية الثقافية لا تعني بالضرورة المشاركة المتكافئة، بل قد تُستخدم كأداة لإضفاء الشرعية على التفوق الحضاري الغربي.
الافتراض الثاني: التفاعل الإيجابي بين الثقافات يؤدي إلى التقدم.
- هذا الافتراض يتجاهل تاريخ الصراع والهيمنة الذي كان جزءًا لا يتجزأ من العلاقات الثقافية. على مر التاريخ، لم تكن العلاقات بين الثقافات دائمًا إيجابية أو تنافسية بشكل بنّاء؛ بل غالبًا ما اتسمت بالاستغلال والاستيعاب القسري.
الافتراض الثالث: الحضارات الكبرى الأخرى، مثل العربية/الإسلامية، تواجه مهمة المشاركة الفاعلة في الفكر المعاصر.
- هذا الافتراض يُبطن نقدًا ضمنيًا لهذه الثقافات بأنها متأخرة أو غير منخرطة في العملية المعرفية. لكنه يغفل عن القيود التي فرضتها العولمة على هذه الثقافات، حيث يتم استنزافها في أزمات سياسية واقتصادية تمنعها من لعب دورها الفكري الطبيعي.

2. المنهج الهدفي: البحث عن الأهداف الخفية للنص

تعزيز الهيمنة الغربية بصورة غير مباشرة:
- النص، رغم دعوته الظاهرية للتعددية الثقافية، يكرّس سيطرة الغرب من خلال تحديد "قواعد اللعبة" التي يجب على الثقافات الأخرى أن تتبعها لتثبت جدارتها. بمعنى أن الحضارات غير الغربية تُطالب بالتوافق مع المفاهيم الغربية للعلم والتقدم.
إعادة إنتاج المركزية الغربية بصيغة ناعمة:
- في حين أن النص يعلن عن نهاية المركزية الغربية، فإنه يعيد إنتاجها عبر اشتراط التفاعل الإيجابي مع "الفكر العلمي والفلسفي المعاصر" الذي لا يزال محكومًا بالمعايير الغربية.
تهميش الثقافات غير الغربية:
- النص يُظهر الثقافات الأخرى وكأنها متلقية أو متفاعلة فقط، مما يُغفل مساهماتها الأصلية التي ربما تكون مختلفة في طبيعتها عن النموذج الغربي.

النقد النهائي:
النص يبدو محاولة لتقديم رؤية متفائلة للتعددية الثقافية، لكنه يعاني من تناقضات جوهرية. فهو يدعو إلى انفتاح الثقافات على بعضها، لكنه يتجاهل الطبيعة غير المتكافئة لهذه العلاقات. كما أن التعددية الثقافية هنا تبدو أشبه بمشروع ليبرالي يعيد صياغة الهيمنة الغربية بأسلوب أكثر نعومة. لتحقيق تفاعل حقيقي وإبداعي بين الثقافات، لا بد من إعادة النظر في شروط التفاعل، والاعتراف بالطرق المختلفة التي تعبّر بها الثقافات عن ذاتها، بدلًا من فرض نموذج واحد للتقدم.