مقطع من شجن طويل
من منكم يبحث عن الدهشة في مساءٍ غير معنيٍ به..؟
ومن منكم تذكر طفولته وبراءتها وتمنى أن يعود إليها غامضاً وخفيفاً وبهيجاً..؟
من راودته الرغبة الجارفة في طفلة يغني لها كل ليلٍ ويغمرها بالقبلات قبل أن تتركه لفرحته وتنام.؟ وفي الصباح يستيقظ ليجدها تملأ البيت ضجيجاً وهي تبحث عن دفاترها وأقلامها وتمشط شعرها بعجلٍ كي تذهب للمدرسة كاملة البهاء.
في المساء تقف أمام المرآة تتأمل جمالها الغامض بدهشة متسائلة عن معنى ملامحها، في محاولة يائسة لاكتشاف القمر الذي يقولون إنه يختبئ بين ملامحها وينام على خدها رغما عنها.
وحين تذهب للنوم تطلب بدلالٍ قصتها الجديدة رافضةً التنازل عنها، وفي آخر لحظات صحوتها المتهالكة تسأل عن القمر، لكن النوم يسحبها إليه قبل أن تحصل على إجابة تبحث عنها كل ليلة.
في عدن -قبل أيام- تذكرت أشياء مشابهة وجاءتني طفولتي حافية ترقص بدلال مسرف في خرافته، كإسرافي في البكاء على أطلال ذاكرة دائمة النقصان. تماماً كما تذكرت "أميمة الخليل" في "قمر المراية"، كما اشتقت لأشيائي البعيدة، بل كما جاءتني أمي في حلم تؤثث نومي بذكرى قديمة قلت لها فيها كيف رأيت "عدن" فضحكت كي تكابد دمعتها عن أحبة فقدتهم في عدن التي لم ترها، ولم ترهم فيها، ولا عرفتهم منذ سنين.
هناك –في عدن- عرفت لماذا أخاف البحر ويتعبني التفكير فيه، فللبحر قصته معي، ولي معه حكاية لم تنتهِ فصولها بعد.. لكن عدن أخبرتني أنه فجيعتها، وفسرته لي تماماً، ولم أستطع أن أواصل حكايتي معه بعد هذا النبأ.
كان عليَّ أن أظل في قلب القصيدة رؤىً غامضة يسرقها المكان، ويرسو البحر في قلق عبوري على عجل لأذهب خلف تقويم لا يتضح فيه تاريخ ميلادي دون أن تكون أحزاني واضحة هناك كنحولة الكلمات التي لا ينبغي أن تقال.