ماذا
خسر المسلمون بإلغاء الرقّ؟ هذا عنوان بحث كتبه باحث إسلاميّ اسمه سيد
أحمد مهدي، ونشره على موقع إسلاميّ هو موقع "شبكة أنا المسلم للحوار
الإسلامي." (1) ولقد أشارت إليه رئيسة تحرير موقع الأوان السيدة رجاء بن
سلامة في
كلمة ذكية ومختصرة ومعبّرة.
ومثل السيدة بن سلامة، عندما قرأتُ البحث أوّل الأمر، حسبته دعابة يقوم
بها بعض غلاة العلمانيين لمهاجمة الدين الحنيف. ولكنني رجعت إلى الموقع،
فوجدته مساحة واسعة للتحريض الديني والطائفي البغيض، ونشر الأفكار التي
تثير أحطّ غرائز البشر في التكفير والتقتيل والاستعلاء.
والمقال الذي أتحدّث عنه عبارة عن نُواح (lamentation) على إلغاء
العبودية، وهو الإنجاز الذي احتاجت البشرية آلاف السنين لتحقيقه. وتتلخّص
الفكرة الرئيسية في أنّ إلغاء الرقّ "من المصائب العظيمة التي مني بها
المسلمون"، وأنّه سلاح بيد الغرب الكافر، مثله مثل شعار معاداة السامية
وإدانة المثلية الجنسية والسحرية من موضوعة قوامة الرجل على المرأة.
يقول الباحث: "ابتدع الكفار لحماية ثقافتهم وأفكارهم أنبازا (!)يقذفون
بها من حاد عن صفّهم، صار بعضنا اليوم في البلاد الإسلامية يخشى أن يقذف
بها إذا تكلّم بالحقّ : معاد للسامية (لمن يعادي اليهود)، كاره للمثليين
(لمن يتبرّأ من عمل قوم لوط)، جنسيّ (لمن يرى قوامة الرجل على امرأة)،
عنصريّ واستعبادي (لمن يسلّم بمشروعية الاسترقاق)."
ويضيف المقال أنّ إلغاء الرقّ "من المصائب العظيمة التي مني بها
المسلمون بسبب ابتعادهم عن شريعة ربّهم (…)، وانقطع بانقطاع الرقّ سبل
كثيرة من سبل الخير في الدنيا والآخرة على المسلمين، نعم… لقد خسر
المسلمون بإلغاء الرقّ نعما كثيرة اقتضتها حكمة الله تعالى في تشريع هذا
النظام المحكم العادل". لننتبه إلى أنّ الرقّ هو "حكمة الله تعالى" وليس
نتاجا اجتماعيا وجد قبل الأديان كلِّها، وأنّ البعد عنه سبّب انقطاعا لسبل
كثيرة من سبل الخير، يلخّصها المقال في التالي:
أوّلا، يرى الباحث أنّ إلغاء الرقّ جعل الإسلام يخسر "سبيلا من سبل
الدعوة إلى الله تعالى،" فقد كان استرقاق المسلمين للكفّار "من أعظم سبل
الدعوة إلى الإسلام وإنقاذ الناس من الكفر، ذلك أن الكافر إذا أُسر وعاش
بين ظهراني المسلمين ورأى حسن معاملتهم فإنه لا يلبث أن يقتنع بهذا الدين
العظيم فيسلم". لا يتردّد الباحث الإسلامي في الجهر بهذا الرأي الذي يخفيه
باحثون كثيرون. ولا يتوانى عن ترداد أنّ الرقّ سبيل للدعوة إلى الله،
وكأنّ الله في حاجة إلى هداية البشر بأية طريقة. إنّه أبشع تطبيق للغاية
التي تبرّر الوسيلة، فإذا كان الهدف هو الدعوة إلى الله فليكن عن أيّ طريق
بما في ذلك الرقّ.
ثانيا، الرقّ سبيل من سبل الأجر. يرى الباحث الإسلامي أنّ إعتاق الرقيق
"مكرمة في الجاهلية والإسلام، وكان المسلمون يهرعون إلى الإعتاق إذا ألمّت
بهم المصائب وحلّت بهم النوائب ورأوا آيات العذاب. أمّا في مواسم الخير
فكان سلفنا يتسارعون إلى إعتاق العبيد في العشر الأواخر من رمضان وفي يوم
عرفة عند الموقف عسى أن يعتق الكريم جل جلاله رقابهم من النار". ثمّ يصل
الباحث الإسلامي إلى لبّ القارئ بسؤاله: "كأني بك أيها القارئ الكريم
الراغب في رحمة الله تحترق شوقا لأن تعتق نسمة مؤمنة، وترى الفرح والسرور
على وجه ذلك العتيق، وتسمعه يلهج لك بالدعاء أن:"أَعتَقَ الله من أعتقني!"
لا يجد الكاتب أيّ تناقض (وأنّى له) بين العتق "كلما ألمت بهم
المصائب،" وبين اعتباره الرقّ "رحمة من الله". إنّ البشر يتسابقون إلى فعل
الخير تطهّرا من خطاياهم، فتراهم – إن مرضوا - يكفّون عن الأذى ويعيدون
الحقّ إلى أصحابه، فإذا كان من بين ما يفعلون إعتاق الرقيق فلأنهم يعتبرون
الرقّ، عن وعي أو بدون وعي، إثما وسلبا لحقّ ليس لهم، لذلك سرعان ما
يعيدونهم.
ثالثا، الرقّ سبيل من سبل الاستعفاف. يقول الباحث إنّ الزواج بات معضلة
من معضلات العصر بين شباب المسلمين، لأنّ قسمة قضاء الوطر في عصرنا ثنائية
: زواج أو زنا، بينما كانت في الماضي زواجا أو زنا أو…تسرّيا! ويشرح ذلك
بقوله: "التسرّي بملك اليمين أو نكاح الأَمَة، أقل وأيسر من نكاح الحرة،
فلعلك ترث أمة أو تُوهبها أو تدخر لتشتريها كما تدخر لشراء الثلاجة
والسيارة! بخلاف الحرّة التي لا يُتوصّل إليها إلا بالوسائل العظيمة
والأموال الجزيلة ثم تشترط عليك الشروط الكثيرة ..أما الأمة فأنت سيدها
تأتمر بأمرك وتنتهي بنهيك". ويضيف: "تخيل أيها القارئ الكريم أننا لا نزال
ننعم بنعمة الرقّ، أليس في ذلك سبيل إحصان لجحافل العزاب في مجتمعاتنا؟
أليس نكون كُفينا آفات العزوبة من تهتك أخلاقي وأمراض نفسية، بل… وعمليات
انتحارية!" لا يمكن أن يتأتّى ذلك إلأ عن عقل مريض، فأن يكون الرقّ بديلا
عن التفجيرات الانتحارية سخرية من عقل القارئ سواء كان مسلما أم غير مسلم،
أضف إلى أنّه يحوي ضمنا تهديدات إرهابية مباشرة. وإذن، فالمعادلة سهلة،
إذا ركب الرجلَ شيطانُ الجنس ولم يكن متزوّجا، أمكنه شراء امرأة ليقضي
منها وطره ويستعفَّ عن الزنا. ذلك عن الرجل، فكيف تكون فائدة الرقّ في
إحصان المرأة؟ يقول الكاتب المتعمّق في الشرع الإسلامي إنّ الرقّ إحصان
للمرأة الأسيرة، لأنّه "يحسن ألا ننسى أن هؤلاء الأسيرات المسترقات لهن
مطالب فطرية لا بد أن يحسب حسابها في حياتهن ولا يمكن إغفالها في نظام
واقعي يراعي فطرة الإنسان وواقعه، فإِما أن تتم تلبية هذه المطالب عن طريق
الزواج وإما أن تتم عن طريق تسري السيد ما دام نظام الاسترقاق قائماً كي
لا ينشر في المجتمع حالة من الانحلال الخلقي والفوضى الجنسية لا ضابط لها
حين يُلبِّين حاجتهن الفطرية عن طريق البغاء أو المخادنة كما كانت الحال
في الجاهلية".
هذا أمر حسن، وهو بلا شك يهيّئ الراحة الجنسية للرجل الحرّ والمرأة
الأمة. ولكنّ السؤال الذي أغفله الباحث هو ماذا عن الرجل العبد والمرأة
الحرّة؟ أليس لهما أيضا مطالب فطرية، فكيف نحلُّها؟ بالطبع هنالك دائما
الخصي بالنسبة للعبد الرقيق، الذي لم يرد نص بتحريمه. أما المرأة المسلمة
الحرّة فلها الله، إذ لا يمكن أن نخصيها ولا أن نسمح لها أن تقضي وطرها مع
عبيدها الرجال، ولا بواسطة عشيق أو خليل، ولسوف يحرِّم الفقهاء عليها أيضا
الاستمناء، ولكن يمكنها أن تشغل نفسها بالصلاة أو بخدمة الرجال من
عائلتها، كأبيها وإخوتها وأعمامها ونسائهم وأطفالهم، كما هي حال عشرات
الألوف من النساء اللواتي لم يتزوّجن، فقصرت حياتهنّ على خدمة البيوت
وتخيِّل الرجال.
رابعا، الرق سبيل من سبل التفرغ للعبادة. يقول الباحث إن الله جعل
"مضاعفة الأجر للعبد في حسن خدمة سيده لما كانت تلك وظيفته، فهذا العبد
المشغول صباحا ومساء بخدمة سيده لو لم يُجعل ثوابه في ذلك عظيما لأرهق
ولشق عليه أن يؤدي وظيفة العبد ثم يعبد عبادة السيد، لذلك فُرِّغ لعبادته
وهي حسن الخدمة للسيد". لا يرِفُّ للرجل جفن وهو يقول إنّ عبادة العبد
الرقيق هي في خدمة سيّده، فبينما يتمتّع السيد بالوقت الكافي لعبادة خالقه
والوصول إليه عن طريق الروحانيات، يكون من شأن العبد أن يفرغ لعبادته وهي
"حسن الخدمة للسيد". وطبعا لمْ يسأل الباحث نفسه إذا ما كان يفضّل أن يكون
عبدا يؤخّر الله جائزته إلى يوم الدين، أم سيّدا ينال الخدمة في الدنيا
وثواب الإسلام في الآخرة.
خامسا، الرقّ سبيل من سبل الرزق. يقول الباحث الإسلامي إنّ الله "سخر
لسلفنا العبيد والغلمان والإماء يكفونهم أمر المهنة وكثير(اً) من أمور
الاسترزاق، فهذا سبيل رزق حرمناه بإلغاء الرقّ". ليس هذا فحسب، ولكنّه
أيضا ينوح على تجارة الرقيق التي كانت "من أعظم دعائم الاقتصاد الإسلامي،
فهذه مدينة الجزائر -حرسها الله- أيام الجهاد في أوائل العهد العثماني كان
قائمةُ اقتصادها على الغنائم والسبي مما يناله المجاهدون في غزوهم البحري".
سادسا، الرقّ سبيل من سبل إكرام المسلمين ومعاقبة الكافرين. فالرقّ في
الإسلام، وفقا للباحث، عقوبة للكفّار على "جريمتهم، فسلبَهم التصرف،
ووضعهم من مقام الإنسانية إلى مقام أسفل منه كمقام الحيوانات، فأجاز بيعهم
وشِراءهم، وغير ذلك من التصرّفات المالية". إنّ الكاتب يفشل هنا في
الانتباه إلى التشابه العجيب بين إلهه وإله التوراة يهوه في الثأر
والانتقام من البشر، بتحويلهم إلى عبيد عند المسلمين. ولكنه يفشل أيضا في
الانتباه إلى التناقض بين فكرة الانتقام من الكفّار وما ذكره آنفا من
هدايتهم إلى الدين القويم.
سابعا، الرقّ سبيل من سبل علوّ الهمّة في المروءة. فلو تساوى الناس في
الغنى والفقر، كما يقول الباحث، والرفعة والوضاعة، والصحّة والمرض، لاختلّ
ناموس الحياة ولما احتاج بعضهم إلى بعض. ولذلك، يضيف الباحث، "رفع الله
سبحانه وتعالى عباده بعضهم فوق بعض درجات ليفتن بعضهم ببعض، وليتخذ بعضهم
بعضا سخريا، ومن ذلك أن خلق تعالى أناسا وسخّرهم ليكونوا عبيدا وخلق أناسا
وسخّرهم ليكونوا أحرارا وفرّق الله سبحانه وتعالى بينهم كونا وشرعا.
وكان يهون الأمر لو أنّ البحث لقي استهجانا من القراء المتابعين
لكتابات هذا الباحث الإسلامي، ولكنّ العكس هو ما وجدته. فعلى الموقع الذي
نشر في البحث كان ثمّة تعليقات عديدة تقرّظ البحث والباحث. فهذا قارئ
يعلّق بقوله: "فتح الله عليكم. موضوع طيّب أثابكم الله". وآخر يسأل سؤالا
بسيطا: "إذا كان الرق حكما شرعيا فمن له الحق في إلغاء حكم شرعي؟؟؟ وهل
يستطيع بشر أن يلغي حكما شرعيا؟ هل يستطيع المسلمون إلغاء حكم الشريعة
مثلا ؟" وثالث يفتي بأنه "حتى يعود الرقّ، يجب أن تعود الفتوحات
الإسلامية، يعني تكون دولة إسلامية حقيقية، تقوم بالفتوحات يعني يؤمر
الكفار إما بالإسلام فهنا لا رقّ، أو بإعطاء الجزية وهنا لا رقّ كذلك، أو
يقاتلون، وهنا - إذا تغلب المسلمون طبعا - يأخذون منهم أموالهم ونساءهم
وأطفالهم سبايا ورقيقا، يملكون كما تملك سائر الأموال، وحتى الأسرى من
المقاتلة للحاكم أن يقتلهم أو يفتدي بهم أو يجعلهم رقيقا. هذا حكم الله عز
وجل في المسألة، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون".
كان من الممكن ألا يثار هذا البحث على اعتبار أن الباحث رجل مغمور لا
تأثير حقيقيا له على الجمهور. ولكن هذا ليس صحيحا، فتعليقات القراء تثبت
أن فتح هذا الموضوع كان سببا لفتح أكثر المشاعر والآراء سلبية تجاه مبدأ
المواطنة والمساواة والديمقراطية. ولكن ما هو أسوأ من رأي هذا الباحث، رأي
مفكرين إسلاميين آخرين أكثر تأثيرا وأوسع "علما" وأعلى درجة.
فهذا الشيخ محمد صالح المنجد، يبيِّن في صفحات موقعه "الإسلام سؤال
وجواب" (2) أن تعامل المسلمين مع العبيد أفضل من تعامل المسيحيين واليهود.
ولتبيان حجته، يعرض الشيخ لوضع الرقيق عند اليهود والمسيحيين. وهو يرى أن
العبيد "هم أجناس منحطة عند اليهود ، يمكن استعبادها عن طريق التسلط
والقهر، لأنهم سلالات كتبت عليها الذلة باسم السماء من قديم. ثم ينتقل
الشيخ لبحث وضع الرقيق في النصرانية، ويستشهد بوصية بولس للعبيد وحثه
إياهم على الإخلاص في خدمة سادتهم ، كما قال في رسالته إلى أهل إفسس.
"أيها العبيد، أطيعوا سادتكم حسب الجسد بخوف ورعدة في بساطة قلوبكم كما
للمسيح، لا بخدمة العين كمن يرضى الناس، بل كعبيد المسيح، عاملين مشيئة
الله من القلب، خادمين بنية صالحة كما للرب ليس للناس، عالمين أن مهما عمل
كل واحد من الخير فذلك يناله من الرب عبدا كان أو حرا".
لا أريد أن أجادل في أي الأديان كانت أسوأ بالنسبة للعبيد. ولكن الشيء
الذي لم يلحظه الشيخ في محاججته أن كلا من اليهودية والمسيحية قد تخلّتا
عن الرقّ، بينما لم يتخلّ عنه الإسلام، وأنّ الصراع بين الكنيسة والمجتمع
قد أدى في الغرب إلى أنّ الإنسان - لا خالق الإنسان - هو الذي يضع
القوانين والأعراف التي تخدم مصلحته، وأنّ هذه القوانين الوضعية قد ساوت
بين البشر بصفتهم مواطنين لهم الحقوق نفسها وعليهم الواجبات نفسها، بغضّ
النظر عن دينهم أو لونهم أو جنسهم. مشكلة الإسلاميين أنهم لا يريدون أن
يتخلّوا عن فكرة أنهم لا يملكون التعديل في الجوانب الاجتماعية التي
أقرّها الدين الإسلامي في زمان ومكان محدّدين. وحتى عندما يخرج من بين
المفكرين الإسلاميين مفكّر مستنير ومتقدّم، يقدّم العقل على مقولة "هكذا
وجدنا أبائنا"، مثل الباحث الإسلامي المجتهد محمد شحرور، فهم يكفّرونه
ويخرجونه من حظيرة الدين، ويبلغ الوضع حدّ إهراق دمه.
والحال، أنّ مسألة الرقّ هي أقصر السبل بالنسبة للإسلاميين الذين
يريدون تحديث الجانب الاجتماعي والسياسي والثقافي من الإسلام، لأنّ العقل
والمنطق والمضمون الصحيح لكافّة الأديان(إذا افترضنا أنّ الدين وجد لسعادة
البشر،) لا بدَّ وأن ترفض جميعا العبودية، تحت أي مسمّى ولأيّ سبب وجدت.
ولئن كان الإسلام متساهلا مع الرقّ في أيامه الأولى فلأنّ في إلغائه آنئذ
سببا لتوتّرات هو بغنى عنها، ناهيك أنّ العلاقات بين الشعوب كانت تقوم على
الحرب والقتال، وكان من الممكن في حالة خسارة المسلمين أن يكونوا هم
العبيد. الآن اختلف كل ذلك، ووُجِدَت منذ الثورة الفرنسية مفاهيم جديدة لا
يمكن للإسلام ولا للمسلمين أن يصموا آذانهم عنها. من هذه الأفكار مبادئ
الحرية والعدالة والمساواة. والمبدأ الأخير: المساواة، يعني مساواة كافة
أبناء البشر في المكانة الإنسانية والحقوق والكرامة، وإن اختلفت أجناسهم
وألوانهم وتباينت منابتهم الطبقية. وفي هذا إلغاء قطعيّ وجازم ونهائيّ
لأيّ شكل من أشكال العبودية. وفيه أيضا ضرورة المساواة التامة بين أتباع
كافة الديانات وبين كافة الشعوب وبين الرجال والنساء. ولقد باتت هذه من
المسلمات التي لم يعد بالإمكان تجاهلها ولا إدارة الظهر لها. ولا يجوز
للمسلم الذي يتمتّع بالكمبيوتر والهاتف النقال ويتنقل بالطائرة ويتداوى
بالأدوية الغربية أن يقف عند حدود ذلك، لأنّ الحداثة كلّ متكامل، فإن بدأ
بالسيارة والهاتف، فلا بدّ أن ينتهي بالمساواة والحرية واحترام مبدأ
المواطنة.
إن البشرية الآن هي في طور الصراع ضدّ الأشكال الجديدة من الرقّ التي
تسمّى الآن الاتّجار بالأشخاص، وتصدر الدول المتحضرة القوانين الضرورية
لمكافحة كافة أشكال هذا النوع الجديد للرقّ في العالم الحديث، ولذلك فإنّ
الترحّم على الشكل القديم يبدو نافلا وتخلّفا وبلا لون ولا طعم ولا رائحة.
ولا بدّ أن ينطبق القول نفسه على أشكال أخرى لم تعد قابلة للتطبيق مثل
حدّي الرجم وقطع اليد، وهما مبدءان ما زالا يعمل بهما في عدد من الدول،
ولكنّ الأسوأ أنّ جماعات في دول أخرى تعيدا الاعتبار إليهما وقد بدأت
تستخدمهما من جديد بعد أن أغفلتهما للقوانين المرعية في تلك البلدان. لا
يمكن للإسلاميين الاندماج في العالم المعاصر إلا إذا وصلوا إلى قناعة أنّ
إعادة التفكير في بعض المفاهيم الإسلامية لا تعني تخلّيا عن الدين
الإسلامي بل تطويرا ضروريا لا مندوحة عنه.