سميح القاسم المد يــر العـام *****
التوقيع :
عدد الرسائل : 3149
تعاليق : شخصيا أختلف مع من يدعي أن البشر على عقل واحد وقدرة واحدة ..
أعتقد أن هناك تمايز أوجدته الطبيعة ، وكرسه الفعل البشري اليومي , والا ما معنى أن يكون الواحد منا متفوقا لدرجة الخيال في حين أن الآخر يكافح لينجو ..
هناك تمايز لابد من اقراره أحببنا ذلك أم كرهنا ، وبفضل هذا التمايز وصلنا الى ما وصلنا اليه والا لكنا كباقي الحيونات لازلنا نعتمد الصيد والالتقاط ونحفر كهوف ومغارات للاختباء تاريخ التسجيل : 05/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 10
| | الخبز والسياسة | |
عبد الرزاق النقاشي يعيش الإنسان ويحيى ويتغدى خبزا، فالخبز نعمة من نعم الله عز وجلّ، وكذلك يصفها الإنسان البسيط ب"النّعمة". والموروث عندنا أن الخبز يحتل محل القدسية، فلا يجوز وضع الخبز في مكان وسخ ولا يجب رفسه ولا يصح أن تراه على الطريق ولا تجنبه، حتى لا تدوسه الأقدام. وقياسا، لا يجوز إقحام الخبز في مواقف قذرة، فكم من حملة انتخابية كان الخبز محورها وعاملا حاسما في نجاحها. فموسم الانتخابات في كثير من الدوائر يكون فرصة للولائم أو ما يعرف ب "الزرود" التي ينظمها المرشح الانتخابي لفائدة منتخبيه، أو على الأقل لأولئك الذين يطمع في أصواتهم. وكأن الرجل السياسي يقول: "أعطيك اليوم خبزا لتعطيني سياسة ... وأشبعك خبزا فتشبعني سياسة". وهذا قول فيه نظر، خصوصا أن شهر الخبز قياسا على شهر العسل، لا يتجاوز الحملة الانتخابية المقدرة بأيام، عبر عدة صور غذائية كانت أم نقدية مالية، فالكل يؤول في نهاية المطاف ليتحول خبزا. في حين أن الجني السياسي لصاحب الولائم تكون فترة انتخابية عمرها سنوات يكسبها السياسي بعد فوزه في الانتخابات فلا يرى آكل الوليمة صاحبه بعدها إلا في الوليمة المقبلة ربما بعد سنوات. أي أن منطق الربح والخسارة هنا في صالح صاحب الوليمة وفي غير صالح آكلها.وعلاقة الخبز بالسياسة تحيلنا على ما أصبح يعرف بربيع الثورات العربية، فمن منا لم ير صور أولئك اللذين يحملون الخبز ويطالبون بإسقاط النظام السياسي في تونس ومصر واليمن وغيرها؟ فالمطلب هنا سياسي بامتياز والشعار لم يكن مكتوبا ولا منطوقا، بل كان خبزا حقيقيا يوحي بدلالات معبرة أكثر من الكلمة. ففهم رابط الخبز بالسياسة قد يزيح نظما سياسية وصفت بالقوية طيلة عقود. ولا نستغرب إذا موقف إحدى الدول العربية شراء كميات هائلة من القمح بمجرد أن أضرم البوعزيزي النار في جسده. امتدت إلى بلادنا رياح التغيير العربية، بغض النظر عن نظرة كل منا إليها، لأننا ببساطة نأكل الخبز كما يأكلونه، فالخبز عندنا كما هو عندهم. قد تختلف طرق عجنه أو خبزه أو نكهته أو حتى تسميته، لكن الخبز يبقى خبزا. رأينا احتجاجات هنا وهناك، درجت على تصنيف مطالبها إلى خبزية أو سياسية، لكن ردة فعل المخزن لم تكن لتختلف كثيرا تجاه الفئتين، لأن الرجل السياسي يؤمن أن لا فصل بين الخبز والسياسة، فمن يطالب بمطالب معيشية، فهو يطلبها من الرجل السياسي أولا وأخيرا ولا يطلبها من صاحب الفرن. كما أن صاحب المطالب المعيشية يعلم في قرارة نفسه أن الحيف الواقع عليه، ما هو إلا حيف سياسي اتخد شكلا معيشيا، لكنه يخادع نفسه أو يضمر فهمه، خوفا من ردة فعل المخزن تجاه المطلب السياسي. والمخزن هنا لا يفصل بين فئتي المطالب، ربما لأننا لا زلنا نعيش مرحلة: "جوّع كلبك يتبعك" هذا المثل الشائع الذي قد تقوله عندما يتمرد عليك من بيدك خبزه، لكن هذا القول المأثور يأخذ معنى آخر عندما ينطقه الرجل السياسي، ولا شك أن من استعمله من السياسيين كان يقصد بالتجويع معناه المعيشي، ويريد بالتبعية معناها السياسي، أي أن القصد هنا خبزي و سياسي في آن واحد، يخدم طرفه الأول طرفه الثاني بعلاقة مفصلية يفهمها رجل السياسة جيدا، وكأنه يقول: " سأضيّق عليك معيشتك كي ترضخ لي سياسيا " | |
|