سميح القاسم المد يــر العـام *****
التوقيع :
عدد الرسائل : 3149
تعاليق : شخصيا أختلف مع من يدعي أن البشر على عقل واحد وقدرة واحدة ..
أعتقد أن هناك تمايز أوجدته الطبيعة ، وكرسه الفعل البشري اليومي , والا ما معنى أن يكون الواحد منا متفوقا لدرجة الخيال في حين أن الآخر يكافح لينجو ..
هناك تمايز لابد من اقراره أحببنا ذلك أم كرهنا ، وبفضل هذا التمايز وصلنا الى ما وصلنا اليه والا لكنا كباقي الحيونات لازلنا نعتمد الصيد والالتقاط ونحفر كهوف ومغارات للاختباء تاريخ التسجيل : 05/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 10
| | التفسير 'المتواضع' والتفسير 'المتجبر' للنص القرآني | |
لحسن حداد Wednesday, June 08, 2011 كثير من الصراعات الفكرية والإيديولوجية والثقافية التي دشنت لها الحركات الأصولية فقهاؤها وعلماؤها هي نتيجة لإيمانها العميق بأن لا تفسير يقارب الصواب إلا التفسير المحافظ للنص القرآني. هذا ما يجعلها تقول رغما عنها وبصفة مضمرة أنها تمتلك حقيقة ما يعنيه القرآن. ولأن القرآن هو وحي من الإلاه الخالق إلى عباده فإن ادعاء امتلاك حقيقة معنى القرآن يؤدي بالأصوليين الإسلاميين إلى ورطة الادعاء بالولوج إلى المعنى الرباني الكامن وراء النص القرآني. هذا ما أسميه بالتفسير "المتجبر" للقرآن، وهو تفسير نجده عند الحركات الإسلامية وفقهاء الأصولية والعلماء المحافظين ومنظري الرجعية الدينية وحتى عن بعض أنماط الإسلام الرسمي الوهابي وغيره. هذا التفسير " متجبر" لأنه يدعي امتلاك "الحقيقة" أي أنه يتكلم من موقع جبروت السلطة المعرفية المطلقة، سلطة الولوج إلى كنه المعنى الرباني، وهذا الولوج ليس حسيا أو إحساسيا كما نجد ذلك عند المتصوفة ورواد الطرق، ولكنه ولوج "معرفي" وإدراكي نابع من نوع من الإيمان الأعمى بأن منطوق النص القرآني يحيل على معناه بصورة أوتوماتيكية وهذا المعنى واضح ومتجلي وسهل الإدراك .التفسير "المتجبر" يطرح إشكاليات ابستمولوجية وسوسيولوجية وسياسية عميقة. أولا، الإدعاء بمعرفة كنه النص القرآني يطرح إشكالية أن الذات القارئة، المستقبلة للوحي لها القدرة على الوصول إلى المعنى الأصلي، إلى العقل الخالص. نحن نعرف أن استعمال اللغة بحمولاتها الثقافية تتوسط دائما لمحاولة سبر أغوار المعنى. أي أن هذا الأخير يتأثر بطريقة أو بأخرى بعلاقتنا باللغة وباستعمالاتها الشخصية والثقافية والإديولوجية. إذا المعنى الذي نصل إليه هو معنى خالص فقط من وجهة نظرنا نحن كذوات مفسرة، كذوات قارئة. إن ما نسميه المعنى الحقيقي للنص القرآني الذي يقول به الأصوليون وغيرهم تتوسط له اللغة، الأداة التي تتأسس عبر معاناة الشخص مع الرغبة و الذات والآخر، أي عبر تاريخ شخصي سديمي يجعل اللغة ــ كيف نستعملها وكيف نفسرهاــ ملتصقة تماما بطريقة رؤيتنا للعالم ولذواتنا فيه. هذا يعني أن الولوج إلى المعنى لا يكون خالصا لأن اللغة ليست كذلك، أي أنها ليست أداة شفافة عملية وأمينة على نقل المعنى من المتكلم إلى المتلقي.على مستوى آخر، الادعاء بالوصول إلى المعنى الخالص في النص القرآني يجعل من الذات القارئة ذاتا تدعي الولوج إلى أسرار المعنى الرباني. إن هذا يقتضي نوعا من "تأليه" الذات. نحن نعرف أن القرآن وضع سياجا بلاغيا سميكا حول الذات الإلاهية عبر الأسماء الحسنى وعبر وصف دقيق للقدرات الإلاهية الممنوع على الإنس مضاهاتها. المنع هو منع ثيولوجي لأن محاولة المضاهاة فيها نوع من الهرطقة وهو كذلك منع أخلاقي لأن ماهو مطلوب من بني الإنس هو معرفة حدودهم ومحدوديتهم. "تأليه" الذات هو غير مقصود ولكنه خطير: إنه يعطي لصاحبه الإحساس بأنه على حق والآخرين على خطأ، ويعطيه كذلك الجرأة لفرض الحق بالكلمة والموقف والسيف إن اقتضى الحال. ما نراه من فتنة جهادية من حولنا عبر العالم يرجع إلى تبني الكثير مقولة معرفة كنه كلام الله والقيام بأعمال لتطبيق هذا المعنى على البشر. الأخطر من ذلك هو أن العقاب الذي يتوعد به الخالق الخلق الذي زاغ عن الطريق يحاول "المجاهد الجديد" أن يطبقه الآن وهنا في الدنيا قبل الآخرة. "تأليه" الذات يكون إذا على مستويين: ادعاء امتلاك حقيقة المعنى الرباني من جهة ومعاقبة من يخالفون المعنى المفترض في المؤمن المجاهد أنه وصل إليه من جهة أخرى. التفسير "المتجبر" لا يؤدي فقط إلى ورطة ابستمولوجية وثيولوجية ولكنه له أبعاد سياسية نرى متجلياتها في الضوضاء والفوضى الجهادية التي تهز أركان المعمور في عصرنا الحالي. الوسيلة الوحيدة للخروج من هذه الورطة هي في تبني التفسير "المتواضع" للنص القرآني. التفسير المتواضع يقر بإنسانية المتلقي، بمحدوديته المعرفية، بالتصاقه بنسقه الاجتماعي والزمني وبضيق أفقه. مادام أننا بشر تتوسط اللغة ومعاناتنا معها والثقافة وانتسابنا لها والنمط الاجتماعي الذي يصقل وجودنا وتفكيرنا، تتوسط كل هذه الآليات لأي محاولة لفهم النص خصوصا النص القرآني بحمولاتها القدسية، فإن أية محاولة للتفسير والتأويل هي محدودة بتلك الآفاق والأنماط، أي أنها بشرية وإنسانية حتى النخاع. القول بوجود تفسير خالص وقار ولا غبار عليه ينطوي على مثالية أفلاطونية متجاوزة تكون بمقتضاها اللغة وعاءا فقط، وثقافتنا طحلبا يسهل التعالي عليه إلى الزمن الخالد، زمن النماذج الأصلية والحقيقية. ما دام أن تفاعل اللغة والثقافة والذات والمجتمع هو ما ينتج المعنى، فإن هذا المعنى لا يمكن أن يتعالى على النسق الزمني والشخصي والثقافي والمجتمعي الذي أخرجه إلى الوجود.من جانب آخر، تعطي المقاربة المتواضعة حلا ايستمولوجيا لقضية تأليه الذات التي تقتضيها المقاربة المتجبرة. يقول محمد أركون بأن المعرفة الربانية هي بمثابة لوغوس متعالي تم إحداث ثقب فيه فخرجت شذرات الوحي للبشر لعلهم يعملون. أي أن الوحي جزء بسيط من عالم لا متناهي من المعرفة الربانية تم إنزاله على الناس بلغتهم لكي يفكروا فيه ويستمدوا منه العبر. أي أن المرجعية الدلالية للوحي القرآني غير متوفرة للبشر، لأنها موجودة على مستوى اللوغوس الإلاهي. لهذا فعلى البشر أن يستعملوا عقولهم ــ أي لغتهم وثقافتهم ونسقهم الاجتماعي ــ للتأسيس لمعرفة إنسانية، أي محدودة ومتناهية وملتصقة بحقبتهم، فيما يخص المعاني الممكنة لنص لا يمتلكون مفاتيح مرجعيته الدلالية. الأدهى من ذلك، هو أن النص القرآني يلح على هذه المقاربة الانسانية، حيث الإحالة على كون القرآن أتى بلسان قومه ليعلمون، والتأكيد على أن العلم الحقيقي هو لله وحده، والتفصيل في الأسماء الحسنى التي تعطي بعدا لا متناهيا للقدرة الإلاهية البعيدة عن محدودية البشر إلخ..من جانب آخر، فإن المقاربة المتواضعة للقرآن لا تستثني خطأ التفسير، لأن الخطأ دليل على إنسانية المتلقي، على ضيق أفقه، لأنه لا دراية له بخبايا الأمور ودلالاتها. في الحقيقة، فإن الخطأ هو مؤشر على أن المؤمن حاول فك ألغاز الوحي الإلاهي وما يهم هو المحاولة في حد ذاتها، لأن النية واردة وثابتة. كل الحديث عن الغفران والرحمة والثواب هي إشارات قوية بأن الخطأ في التفسير والتأويل (مع حسن النية بالطبع) هو شيء إنساني حتى النخاع.من جانب أخلاقي تبدو المقاربة المتواضعة أقرب إلى القيم التي صارت الإنسانية تقول بها في العصر الحالي لمواجهة خطر الاندثار والكارثة البيئية العظمى والفتنة العارمة التي صارت تهدد كوكبنا. يقول الكثير من المنظرين أن عصر النهضة في أوربا (خصوصا الفكر الانسانوي (La Pensée Humaniste)) بوأت الإنسان مركز الصدارة بدل المؤسسات الفيودالية القروسطية من كنيسة ونبلاء وبابا وغيرهم. غير أن الاكتشافات الجغرافية والتطور العلمي والصناعي والمغامرات الكولونيالية (للرجل الأبيض) أعطت الإنسان إحساسا بالجبروت والقدرة على السيطرة على الطبيعة. من هنا بدأت قصة تدمير المحيط والبيئة التي لازلنا نشهد فصولها إلى حد الآن. لهذا لجأ الكثير من المعارضين لهذه المغامرة الإنسانية التي لا تحمد عقباها إلى البحث عن بدائل فوجدوها في ثقافات الهنود الحمر والمايا وهنود الأمازون والذين أسسوا لمقاربات لا تتوخى السيطرة على الطبيعة ولكن التساكن والتعايش معها والإحساس يأن البشر هم فقط جزء منها ومن عالمها. من هنا أتت فكر المقاربة المتواضعة للقدرة الانسانية والفعل الإنساني. وهي مقاربة أخلاقية قبل أن تكون سياسية أو اجتماعية. أظن أنه من السهل نقل هذا الموقف إلى قضايا التعامل مع النصوص الدينية. فالموقف الأخلاقي العميق هو في الإقرار بالمحدودية، بكوننا ندرك إلا ما يمليه علينا تواجدنا في نسق معين يختلف عن أنساق أخرى سبقته وعن أنساق أخرى بعيدة عنه جغرافيا.كل هذا يعني أن ما نسميه الإسلام هو فقط فهمنا للإسلام. الإسلام كحقيقة متعالية لا يدركها إلا الله. لهذا يجب علينا أن نضفي نسبية تاريخية وسوسيولوجية لفهمنا للإسلام، وهذا يعني أن كيف نتصور الدين وكيف نتفاعل معه كمجموعات متجانسة ومتناقضة وكيف نعيشه أو نريد أن نعيشه ــ كل هذا هو الإسلام. هذا يعني أن الاختلاف مع من سبقونا وفيما بيننا لكيف نتصور الإسلام ونفهمه طبيعي بل وأساسي. إن الاختلاف هو أحد الشروط الأساسية للمقاربة "المتواضعة" للنص القرآني. لو تواضعنا في فهمنا للقرآن لتجاوزنا كل هذه الضوضاء والفتنة التي صاحبت عملية ما سمي" بالإحياء الديني"، ونحن نعرف أن من تواضع لله رفعه. لنرفع من قيمتنا أمام الله بتواضعنا أمام ما أوحاه لنا في النص المقدس. | |
|