رسالة «الأولي» الدموية: «اليونيفيل» في مرمى
«الأوقات الصعبة»
|
مسعف من الصليب الأحمر اللبناني يساعد جندياً إيطالياً جريحاً على مغادرة الآلية التي استهدفتها العبوة (رويترز) |
|
|
|
|
|
هو لبنان النموذج الذي لا
مثيل له في العالم. يطوي انفجار الرميلة الإجرامي ضد «اليونيفيل»، في ساعات
المساء، «فضيحة الاتصالات» التي استمرت نهاراً كاملاً ونيفاً ومضمونها
محاولة «اغتيال الدولة بسلاح أبناء الدولة»... وبين هذا الاغتيال وذاك،
فراغ سياسي وأمني محلي، لن تملأه حكومة مؤجلة فقدت بريقها من قبل أن تولد،
وأحداث تاريخية كبرى في المنطقة، لا يملك اللبنانيون قاموساً واحداً لقراءة
أبعادها وتداعياتها القريبة أو البعيدة عليهم.
ففي اعتداء مجرم هو
الأخطر منذ ثلاث سنوات، تم استهداف قوات «اليونيفيل» بعبوة ناسفة، عصر أمس،
عند المدخل الشمالي لمدينة صيدا (الرميلة)، اسفرت عن إصابة ستة جنود
ايطاليين بجروح، إصابة احدهم خطرة، كما اصيب مدنيان لبنانيان.
يأتي هذا
الحادث بعد سلسلة عمليات استهدفت «اليونيفيل» المعززة بعد «حرب تموز»
2006، بدءًا بالاستهداف الأعنف للكتيبة الاسبانية بعبوة ناسفة في سهل
الخيام في حزيران 2007 أدت الى مقتل ستة جنود وجرح اثنين، ثم بالعبوة
الناسفة التي استهدفت القوة التانزانية عند جسر القاسمية بعد نحو شهر من
العبوة الاولى، ومن ثم العبوة التي استهدفت الكتيبة الايرلندية في منطقة
الرميلة في مطلع كانون الثاني 2008 وأدت إلى جرح جنديين من عناصر الكتيبة،
وذلك في المكان نفسه الذي استهدفت فيه القافلة الايطالية امس.
وبطبيعة
الحال، فإن حدثاً أمنياً ـ سياسياً بهذا الحجم وبهذه الخطورة لا يحتمل
مقاربته كحدث امني محلي عابر، بمعزل عن عدم تبنيه حتى الآن من قبل اية جهة،
بل هو يطرح أسئلة حول المكان والزمان والظرف والخلفيات والدوافع والأهداف
من وراء تلك الرسالة المسمومة التي وصلت من خلال صندوقة بريد الاستقرار
اللبناني والإقليمي.
واذا كان حدث كهذا يوسع مساحة الحذر من هذا
الاستهداف والآثار التي سيتركها في الساحة اللبنانية عموما والجنوبية
خصوصاً، فإنه في المقابل يوسع مساحة الاسئلة حول ما اذا كانت قواعد اللعبة
التي حكمت مسيرة الاستقرار النسبي ما بعد «حرب تموز 2006» قد اصبحت معرضة
للسقوط والانهيار؟
ولعل القراءة الدولية والمحلية المباشرة قد قرأت في
الاعتداء على «اليونيفيل» محاولة واضحة لضرب القرار 1701، الا ان ذلك لا
يمنع قراءات وأسئلة حول الجهة صاحبة المصلحة والتي تتمتع بهذا القدر من
الامكانات والقدرة على اختراق منظومة الحماية الأمنية واختيار التوقيت
السياسي والأمني الشديد الالتباس لتوجيه رسائل في اتجاهات مختلفة وربما
متناقضة.
وفي التفاصيل كما سردها لـ«السفير» مرجع امني لبناني بارز انه
قرابة الرابعة والدقيقة الخامسة والثلاثين بعد ظهر امس، وبينما كانت قافلة
للوحدة الايطالية تسلك الطريق الساحلي في محلة الرميلة شمالي نهر الاولي،
آتية من مهمة اعتيادية في بيروت، انفجرت عبوة ناسفة مزروعة خلف العائق
الاسمنتي الى يمين الطريق.
وبحسب المرجع الامني المذكور فإن العبوة
استهدفت السيارة الاخيرة في القافـلة التي كانـت تضم بين اربع الى خمس
سيارات عسكرية، فأصيبت سيارة الجيب بشكل مباشر. وأدى ذلك الى اصابة ستة
جنود ايطاليين احدهم بحال الخطر.
وبحسب المرجع نفسه، قدرت العبوة بما
بين 8 الى 10 كيلوغرامات من المواد الشديدة الانفجار، وهي كناية عن عبوة
موجهة، ما يعني وجود تقنية عالية في إعدادها وفي زرعها وفي توجيهها، فضلاً
عن اختيار نقطة مطلة يمكن التحكم فيها بالعبوة من مكان قريب جدا، بالاضافة
الى تمكنها من تجاوز اجهزة التشويش التي تستخدمها «اليونيفيل» في قوافلها
اثناء المهام والدوريات التي تقوم بها.
وفيما قوبل الحادث بشجب من قبل
المستويات السياسية والرسمية والحزبية في لبنان، ولا سيما «حزب الله» الذي
اصدر بيان تنديد مقتضباً، واعتبر التفجير «عملاً إجرامياً» داعياً الأجهزة
اللبنانية المختصة للتحقيق وكشف الفاعلين ومعاقبتهم، صدرت مواقف دولية
منددة أبرزها للأمين العام للامم المتحدة بان كي مون الذي ندد بالهجوم
بقوة، واعتبره امرا مؤسفا خصوصاً أنَّه صادف اليوم العالمي لقوات حفظ
السلام في الأمم المتحدة، وأعلن أنَّ «الأمم المتحدة ستعمل في شكل وثيق مع
السلطات اللبنانية من أجل تحقيق كامل وسريع حول الهجوم بهدف إحالة مرتكبيه
إلى القضاء».
ونددت ايطاليا بلسان وزير دفاعها كما بلسان سفيرها في
لبنان، جوزيبي مورابيتو، «بالهجوم الإرهابي الجبان الذي يستدعي إدانة شاملة
وقوية من قبل مختلف القوى السياسية اللبنانية التي تؤمن بالسلام
والاستقرار والديموقراطية، والتي ترفض اللجوء إلى العنف كوسيلة للصراع
السياسي».
كما نددت فرنسا بالاعتداء بشدة، وقالت وزارة الخارجية
الفرنسية في بيان ان «فرنسا تطلب كشف حقيقة هذا الاعتداء»، ودعت السلطات
اللبنانية «الى بذل كل ما في وسعها لمحاكمة المسؤولين عن هذه الجريمة».
وأكدت أنه ليس مقبولا «المساس بأمن الجنود المنتشرين في اطار عملية حفظ
السلام التابعة للامم المتحدة». وذكرت فرنسا «بالتزامها امن لبنان
واستقراره واســتقلاله وسيادته».
نحاس: لا شروط ولا تسوية
من جهة
ثانية، نحت فضيحة التمرّد الامني الرسمي في مبنى التخابر الدولي التابع
لوزارة الاتصالات في العدلية، في اتجاه مخرج أعاد الامور الى نصابها
الطبيعي في المبنى قبل احتلاله من قبل عناصر فرع المعلومات ومنع وزير
الاتصالات في حكومة تصريف الاعمال شربل نحاس من الدخول اليه، بذريعة اوامر
لحماية معدات الشبكة الخلوية الصينية الثالثة.
وقال مرجع امني رسمي
لـ«السفير» ان الجيش صار مسؤولا بالكامل عن حماية المبنى كله وحراسة الطابق
الثاني و«توفير الأمن في محيطه» وهو تسلم أقفال الأبواب من قوى الامن
الداخلي الذين أخلوا المكان نهائياً وبقي عدد منهم في الطابقين السابع
والثامن من المبنى المذكور حيث يوجد مركز التحكم.
وما يلفت الانتباه أن
المخرج شكل استجابة لرسالة وزير الداخلية زياد بارود وللطلب الذي وجهه
الوزير نحاس للجيش اللبناني بأن يتولى مسؤولية حماية المبنى وإزالة ما سماه
بـ«الانقلاب» الذي نفذه فرع المعلومات.
وبحسب المرجع نفسه، فإن رئيس
الجمهورية ميشال سليمان لعب دورا مرجحا في ضوء التوجيهات المحددة التي غطى
من خلالها قرار بارود، وفي الوقت نفسه، شكل دخول قيادة الجيش اللبناني،
وتحديدا العماد جان قهوجي، على الخط، قوة دفع لايجاد المخرج الذي سبقه
اتصال بين العماد قهوجي واللواء اشرف ريفي ظلت مضامينه الأساسية ملك
الرجلين.
وقال الوزير نحاس لـ«السفير» انه لا صحة لما يروج له البعض عن
تسوية ولا عن القبول بأية شروط أو لوائح اسمية بمن يدخل الى الطابق الثاني
أو من يخرج منه، وأشار الى أن ما حصل هو انتصار لمنطق الدولة والقانون
وليس لشخص أو لحزب، مؤكدا أن الأمور عادت الى طبيعتها.
وفي ما يتعلق
بالوزير زياد بارود، قالت مصادر مقربة منه لـ«السفير» ان لا شيء تغيّر
بالنسبة اليه، ولا سيما لجهة عصيان الاوامر الذي قوبل به طلبه من اللواء
اشرف ريفي اخلاء المبنى، اذ ان الاخير لم ينفذ امر الوزير بل اضطر للتراجع
بناء على ضغوط ومداخلات سياسية، وبالتالي ما يزال بارود على ما قاله في
مؤتمره الصحافي بالنسبة الى تحرره من موقعه الوزاري.
وسبق التوصل الى
المخرج تلويح النائب ميشال عون بعد اجتماع طارئ لتكتل الإصلاح والتغيير في
الرابية ظهر امس، بنزوله ونواب وزراء التكتل الى الشارع، اذا انقضت مهلة
الثماني والأربعين ساعة ولم ينفذ فرع المعلومات قرار إخلاء الطابق الثاني،
مناشدا رئيس الجمهورية أن يتحمل مسؤوليته ومطالبا بـ«كفّ يد المدير العام
لقوى الأمن الداخلي وإحالته إلى القضاء العسكري».
يذكر أن لجنة الاعلام
والاتصالات النيابية قررت بالتشاور مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري وضع
يدها على ملف ما جرى في مبنى العدلية، عبر جلسة تعقدها يوم الاثنين المقبل.